8 - باب أَيَرُدُّ السَّلاَمَ وَهُوَ يَبُولُ (8-2)
17- عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ «إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ». أَوْ قَالَ «عَلَى طَهَارَةٍ».
[حكم الألباني: صحيح.]
معاني المفردات:
"كَرهت أن أذكر الله على غير طهر"، هذه الكراهة بمعنى ترك الأولى.
عَلَى طُهْرٍ: أي متوضأ
فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ: أي والمراد أنه أخَّر ردّ السلام حتَّى تطهر صلى الله عليه وسلم
فقه الحديث: يدلّ الحديث على:
1- في هذا الحديث أنه توضأ، وفي الحديث الذي قبله رواه عن ابن عمر وغيره أنه تيمُّم، والذي يبدو أنهما قصتان، إحداهما فيها وضوء، والأخرى فيها تيمُّم.
2- فإذا لم يكن الإنسان على طهارة يؤخِّر ردَّ السلام حتَّى يتوضأ، هذا إذا لم يخشَ ذهاب المُسلِّم، أو يتأثر المسلِّم ويقع في نفسه شيء إذا أخَّر ردَّ السلام عليه حتى يتوضأ؛ لأنه قد يتأخر وقتًا طويلًا حتَّى يتوضأ، فإذا خشي ذلك فإنه يتمَّم ويردُّ السلام، أو يردُّ عليه في الحال؛ لأنَّ ذكر الله على غير طهارة لا بأس به.
3- وعلى أنه ينبغي لمن أُلقي عليه السلام أثناء قضاء الحاجة ألا يردَّ السلام، بل ينتظر حتَّى يقضي حاجته، ثم إذا أراد الردَّ فالأفضل أن يؤخِّرَه حتَّى يتطهر.
4- وأما إذا كان ليس في قضاء الحاجة فإنه يجب ردُّ السلام، لكن إن ردَّه وهو على طهارة فهو أفضل، وإلَّا فلا يجب التطهر؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحواله.
5- وفي قوله "ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ" وسبب الاعتذار أنه صلى الله عليه وسلم أخَّر ردَّ سلامه إلى أن فرغ من الوضوء، وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه العالية صلى الله عليه وسلم، .أما ترك الردِّ حال البول لا يحتاج إلى اعتذار.
6- وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم في اعتذاره للمهاجر بن قنفذ ليُطيِّبَ خاطره ونفسه من كونه سلم ولم يرد عليه، وبيانه له حتَّى يكون في ذلك بيان لهذا الحكم الشرعي أن ذكر الله الأفضل أن يكون على طهارة.
7- فيه دليل على استحباب الاعتذار عمومًا، سواءً كان المانع لأمر شرعي كمن كانَ قاضيًا أو حاكمًا وأهديت إليه هدية، فإنه لا يصح أن يقبلها؛ لأنها رشوة، ويعتذر لمن قدم له الهدية أنه لا يصح أن يقبلها، أو أي صاحب عذر غير ذلك يعتذر ليطيِّب خاطر من يعتذر إليه ولبيان الحكم الشرعي.
8- وفيه الحثُّ على تأليف القلوب، ودفع ما يؤدي إلى الحقد وتغير القُلُوب والتنافر.
9- فيه استحباب الوضوء عقب الخُروج من الخلاء كما هو المعروف من عادته صلى الله عليه وسلم.
10- فيه أن السلام الذي يحيِّي به الناس بعضهم بعضًا اسم من أسماء الله تعالى، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام أثناء قضاء الحاجة في الحديث الماضي وأخَّر السلام في الحديث حتَّى توضأ ليكون ذكر الله أكمل علي طهارة.
11- الذِّكْرُ على نوعَين: إما مختص بوقت أو غير مختص به
فالأول الذِّكرُ المختص بوقت: مثل أذكار الخروج من الخلاء أو الأذكار أثناء الأذان أو بعد الأذان، فهذه يستحب أن يؤتى به في وقتها ولا يؤخَّرها حتى لا يفوت وقتها، سواء كان طاهرًا أو محدثًا، فالأذكار التي وردت بعد الخروج من الخلاء مستحب الإتيان بها بعد الخروج من الخلاء مباشرة وقبل الوضوء.
الثاني: ذِكرٌ غير مختص بوقت كرَدِّ السَّلام، فإنه إذا سلّم أحدٌ لا يجب ردُّ السلام على الفور، بل يجوز أن يؤخر الجواب شيئًا يسيرًا بشرط ألا يفوت وقته، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأخَّر ردَّ السلام على الرجل حتَّى توضأ صلى الله عليه وسلم، كذلك إذا سلَّم عليك شخصٌ وأنت تقرأ القرآن فأخَّرت الردَّ حتَّى تُكمِل الآية التي تقرأها فلا بأس في ذلك.
12- اتفق العلماء على جواز ذِكر الله تعالى بالتسبيح والتكبير والتهليل ونحوها، وأنه لا يكره كراهة تنزيه، ولكنه خلاف الأولى، فيحمل هذا الحديث عليها. وفي الحديث المشهور في الباب بعده: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه.
13- أما قراءة القرآن للمحدث والجُنُب ففيه خلاف، وخاصة في الجُنُب.
14- وفيه حرص النبي علي تعليم الصحابة والأمة للأكمل والأفضل والآداب والمستحبات فضلًا عن الواجبات والفرائض.
تتمة:
*وَرَدَ رواية ثالثة في سنن ابن ماجه عن جابر بن عبد الله أنَّ رجلًا مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلَّم وهو يبول فسلَّم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتَني على مِثل هذه الحالة فلا تُسلِّمْ عليَّ فإنك إنْ فعلتَ ذلك لم أَرُدّ عليك" (صحيح ابن ماجه)
* ولا تنافي بين هذه الروايات لأنَّ الواقعة متعددة.