8 - باب أَيَرُدُّ السَّلاَمَ وَهُوَ يَبُولُ (8-1)
معني عنوان الباب بيان الخلاف في كون الإنسان إذا كان يقضي الحاجة وسلم عليه أحد هل يردّ عليه السلام أم لا يردّ؟
الجواب:
أنه لا يلزمه الردُّ باتفاق الفقهاء، وذلك لأن السلام ذكر لله عز وجل؛ ولأنه دعاءٌ وردُّه دعاء، والسلام من أسماء الله عز وجل وذكر لله، وذكر الله لا يجوز عند قضاء الحاجة.
16 – عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرُوِىَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلاَمَ. [حكم الألباني: حسن]
معاني المفردات:
فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْه: أي، والمراد أنه أخر الردّ حتى انتهي من قضاء الحاجة وتطهر ثم رد السلام على الرجل.
تَيَمَّمَ: التيمم أن ينوي التطهر ثم يضرب بيده على التراب أو يمسح بيده على جدار ثم يمسح وجهه وكفيه وسوف يأتي إن شاء الله في باب التيمم.
والتيمم هنا هو من باب الاستحباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في كل أحواله.
سلَّم: تكلم بكلمة السلام، وهي التحية التي اختارها الله لهذه الأمة فيما بينهم في الحياة وعلى موتاهم في البرزخ وفي الجنة، وكان العرب يحيي بعضهم بعضًا بقولهم: "أنعم صباحًا" ونحوها من الألفاظ، فأبدل الله تعالى المسلمين من ذلك لفظة السلام عليكم.
وخلاصة ما يؤخذ من الحديث هنا أنه إذا سلم عليه أحد وهو يقضي حاجته لا يرد عليه, وأما إذا كان ليس في قضاء الحاجة فإنه يجب ردّ السلام، لكن إن رده وهو على طهارة فهو أفضل، وإلا فلا يجب التطهر لرد السلام.
السَّلاَمَ: اسم من أسماء الله تعالى، كما جاء في حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فأفشوه بينكم " رواه البخاري في: الأدب المفرد (989)، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (184).
وقال آخرون إن السَّلاَمَ: بمعنى السلامة، أي الدعاء له بالسلامة والحفظ، وهذا متضمن أيضاً لذكر الله تعالي.
فقه الحديث: يدلّ الحديث على:
1- يدل على أن الإنسان يكره له أن يسلم على من يقضي حاجته؛ لأن كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه فيه إشارة وتنبيه إلى أنه ليس للإنسان أن يسلم على من يبول.
2- العلة في المنع من إلقاء السلام على من يقضي حاجته لأمرين:
الأول: حتى لا يدفع من يقضي حاجته لرد السلام أثناء قضاء الحاجة، فيوقعه في الإثم.
ثانياً: ربما يقع نظر المُسَلِم على عورة من يقضي حاجته، فيأثم بذلك الناظر والمنظور إليه.
والعلة في عدم الرد قد نص عليها: " إني كرهت أن أذكر الله على غير طهر".
3- وأنه إذا سلم عليه وهو يبول لا يردُّ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الردَّ عليه ورد السلام واجب، فتركه صلى الله عليه وسلم للرد أثناء قضاء الحاجة، يدل على أنه لا يصح للإنسان أن يرد السلام وهو يقضي الحاجة، وقد ورد رواية في سنن ابن ماجهْ عن جابر بن عبد الله أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم على فإنك إن فعلت ذلك لم أردَّ عليك". (صحيح ابن ماجهْ).
4- وعلى أن المُسَلِّم في هذا الحال لا يستحقّ جوابًا وهذا متفق عليه بين العلماء، للحديث "إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم على فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك" وأما ردّه صلى الله عليه وسلم بعد أن قضى حاجته فمن مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
5- والنهي عن رد السلام أثناء قضاء الحاجة والذكر في حال البول والجماع هو كراهة تنزيه لا تحريم فلا إثم على فاعله عند أكثر أهل العلم، ويحرم عند آخرين، والظاهر أنه محرم لسببين:
أولاً: لأن الإنسان يجب أن ينزه ذكر الله عز وجل عن أن يكون في حال مكروهة أو حال فيها قذر، أو أثناء خروج شيء مستقذر كالبول والغائط.
ثانياً: أن رد السلام واجب ولم يترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الواجب إلا لشيء أوجب منه وهو أنه يجب عدم ذكر الله أثناء قضاء الحاجة.
ثالثاً: ما ورد في سنن ابن ماجهْ عن جابر بن عبد الله أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم على فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك" (صحيح ابن ماجه).
6- فيه بيان أنه ينبغي أن يتحرز عن الكلام الموهم لما لا يُحمد في حق الغير وإن كان ذلك صدقًا في نفسه؛ لأنه كره أن يقول: سلمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد على وإن كان ذلك صدقًا حيث لم يرد عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الاقتصار على ذلك يوهم ما لا يليق في حقه صلى الله عليه وسلم، بل قال (وَهُوَ يَبُولُ) لِيُبيِّن سبب عدم رد السلام.
7- وأنه يحسن بالرجل صيانة الغير عن إساءة القول فيه، لئلا يقع به في الغيبة ولا يؤدي الحال بينهما إلى التباغض، حيث قال "تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلاَمَ"
8- وفيه أيضاً دليل على أن ذكر الله عز وجل لا يكون في حال قضاء الحاجة، وإنما لم يرُد عليه السلام في هذه الحالة؛ لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى، كما جاء في حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة- رضي الله عنه-قال: [قال] رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فأفشوه بينكم " رواه البخاري في: الأدب المفرد (989)، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (184).
9- فكما أنه لا يردّ السلام حال قضاء الحاجة لا يشمت العاطس ولا يحمد الله تعالى إذا عطس ولا يجيب المؤذن، وكذا لا يأتي بشيء من ذلك حال الجماع وإذا عطس في هذه الأحوال يحمد الله تعالى في نفسه ولا يحرّك به لسانه، لأن ظاهر حديث: «إذا عطس أحدكم فليحمد الله» يشعر بشرعيته في جميع الأوقات والتي منها وقت قضاء الحاجة، إلا إنه يحمد الله بقلبه وهو المناسب لتشريف مثل هذا الذكر وتعظيمه وتنزيهه.
وكذلك إذا سمع مؤذناً يؤذن أثناء قضاء الحاجة، فإنه يردد في نفسه ولا يحرّك به لسانه، رجح ذلك بعض أهل العلم.
ورجح آخرون من أهل العلم أنه يؤخر الحمد إلى أن يفرغ من قضاء الحاجة، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في رد السلام جمعا بين المصلحتين، إذ كل منهما واجب؛ فإذا لم يمكن أداؤه في الحال استدركه فيما بعدُ، وأما الحمد بالقلب فلا يسقط الطلب بالحمد اللفظي ما دام ممكنا، وكذلك ترديد الأذان، والأذكار بعد الأذان يأتي بها بعد أن يفرغ من قضاء الحاجة، وهذا أقوى والله أعلم.
10- وفيه أيضاً دليل على أن الإنسان إذا كان يقضي حاجته لا ينبغي له أن يتكلم، ولا أن يخاطب الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أجاب الذي سلم بشيء، لا بكلام ولا برد السلام؛ فهذا يفيد أن الإنسان لا يتكلم وهو يقضي حاجته.
11- وإذا كانت هناك ضرورة تدعو إلى الكلام فللإنسان أن يتكلم على قدر الحاجة، كمن وجد إنسان أعمي كاد أن يسقط في حفرة، أو طفل صغير كاد أن يقع أو يضع يده في شيء يضره، فينادي على أحد ليدركه.
12- وهذا فيه أن الإنسان حينما يرد السلام يستحب أن يكون على طهارة، وإن كان يجوز للإنسان وهو ليس على قضاء الحاجة وكان غير متوضئ وغير متيمم أن يذكر الله وأن يرد السلام؛ وسيأتي الحديث الذي يدل على ذلك، وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه)، يعني: سواء كان متوضئاً أو غير متوضئ. ولكن الأولى والأفضل أن يكون على طهارة، وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- "أَنَّه تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلاَمَ" إشارة إلى ما هو أكمل وأفضل.
13- وفي الحديث دلالة على أن رد السلام واجب، وأنه لا يسقط بالتأخير، إن كان الفاصل بين السلام والرد يسير، والتأخير ههنا كان لمانع شرعي وهو كونه أثناء التبول، ثم التطهر لاستحباب ذكر الله علي طهارة، وأيضاً لا يأثم في عدم الرد إذا كان لعذر.
14- وفيه دليل على جواز التيمم للنوافل والفضائل كسجود التلاوة والشكر ومس المصحف ونحوها كما يجوز للفرائض عند فقد الماء أو تعذر استعماله كمرضٍ ونحوه، وهذا مذهب كافة العلماء، خلافًا لمن لم يجوِّز التيمم إلا للفريضة.
15- وفيه جواز التيمم بالجدار، وجواز ذلك من غير إذن صاحبه.
16- وفيه عدم اشتراط الغبار في التيمم، لكن استدل الشافعية على تعيّن التراب للتيمّم بما رواه الشافعي في (الأم)، والبيهقي في (سننه) عن أبي الجهيم قال: «مررت على النبي -صلى الله عليه وسلم - وهو يبول، فسلّمت عليه فلم يرد عليَّ حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه ثم وضع يديه على الجدار، فمسح وجهه وذراعيه، ثم رد عليَّ" لكن ضعفه بعض أهل العلم.
17- تيمم النبي صلى الله عليه وسلم محمول على عدم وجود الماء، فإن التيمم مع وجوده لا يجوز للقادر على استعماله، ويمكن أن يكون لضيق الوقت فلو وجد ماء بعيد وإن ذهب ليحضره، انصرف الرجل الذي سلم عليه، فيفوته السلام.
مسائل مهمة:
الأولي: التيمُّمُ خَوفَ فوات صلاة الجُمُعة:
لا يُشرع التيمُّم خوفًا مِن فوات الجُمُعة باشتغالِه بالوضوءِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك؛ وذلك لأنَّ صلاةَ الجمُعة تفوتُ إلى بدَلٍ، وهي صلاةُ الظُّهرِ، والفواتُ إلى بدلٍ كَلَا فواتٍ.
الثانية: التيمُّم خوفَ خروجِ وقتِ الفَريضةِ:
قاس بعض أهل العلم أنه لو ضاق الوقت ووجد ماء بعيدًا إن ذهب ليحضره خرج وقت الصلاة، قال بعض أهل العلم في هذه الحالة يمكن أن يتمم حفاظاً على وقت الصلاة.
وإلى هذا ذهب الأوزاعي في الجنب يخاف إن اغتسل أن تطلع الشمس قال يتيمم ويصلي قبل فوات الوقت.
وذهب كثير من أهل العلم إلى أن قول الأوزاعي ليس بصحيح، فإذا خاف الإنسانُ خروجَ وقت الصَّلاة باشتغاله بالوضوء أو الغُسل، فإنَّه يتوضَّأ أو يغتسل ويُصلِّي ولو خرَجَ الوقتُ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة، وقولٌ للمالكيَّة، وبه قال أكثرُ أهل العِلمِ
وأدلَّة الجمهور:
أوَّلًا: من الكتاب عمومُ قَولِ الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43]
وجه الدَّلالة: أنَّ شرْطَ جوازِ التيمُّم عدَمُ الماء، وهذا واجدٌ للماءِ، فلا يجوز له التيمُّمُ.
ثانيًا: أنَّ الصَّلاة تفوتُ إلى بدلٍ، وهي قضاءُ الصَّلاة بالطَّهارةِ المائيَّة، والفواتُ إلى بدَل كَلَا فواتٍ.
ثالثاً: لو كان نائماً نوماً يعذر فيه فوقت الصلاة من حين يستيقظ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) فإذا استيقظ قرب طلوع الشمس فوقتها حين يستيقظ، وهو معذور إذا كان نوماً يعذر فيه، وكذلك النسيان، وكذلك من وجد ماء شديد البرودة وخشي الضرر فيسخن الماء إذا كان في الشتاء ويغتسل ولو طلعت الشمس ثم يصلي، أما أن يصلي بالتيمم فهذا باطل ولا يجوز إلا عند عدم الماء أو العجز عن استعماله.
فالراجح: أنه لا يجوز له أن يتيمم مع وجود الماء، فإن وجد ماءً فلا يتيمم ولو خاف طلوع الشمس، والله أعلم.
أما في موقف هذا الحديث لو انتظر النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتوضأ لعل الرجل ينصرف ويبعد ويفوت وقت السلام، لكن هذه الطهارة في الحديث ليست طهارة صلاة؛ لأنه في الحضر، وحكمه وجوب البحث عن الماء للوضوء، ولكن التيمم هنا للتخفيف، فليس تيمم لواجب بل للاستحباب والأفضلية والكمال كاستحباب الوضوء للجنب عند إرادة الأكل والشرب والجماع والنوم.
الثالثة: التيمم إذا خاف فوات صلاة الجنازة والعيدين:
قال أصحاب الرأي إذا خاف فوات صلاة الجنازة والعيدين يتيمم وأجزأه.
وقد حكى ابن المنذر هذا القول عن عطاء وسالم والزهري وعكرمة والنخعي وسعد بن إبراهيم ويحيى الأنصاري وربيعة والليث والثوري والأوزاعي وإسحاق أنهم يقولون بذلك، وهو رواية عن أحمد وهو ما رجحه ابن تيمية، وكثير من المتأخرين.
وقال مَالِكٌ والشافعي وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِطَهَارَةٍ، وَمَعْنَاهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْوُضُوءِ لَمْ تَصِحَّ إلَّا بِهِ، وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ مَعَ إمْكَانِ الْمَاءِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ.
والأخذ بالقول الثاني في المسألتين أحوط؛ لأن التيمم إنما شرع عند فقد الماء أو العجز عن استعماله، والجنازة تفوت إلى بدل وهو الصلاة على القبر، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويعذر في ترك صلاة العيد، والله أعلم.
وعموماً الوضوء شرط في صحة الصلاة وهو مقدم على الجمعة والجماعة، فالجماعة واجبة والوضوء شرط، والشرط مقدم على الواجب، فيتوضأ ولو فاتته الجماعة أو الجمعة، هذا هو الصواب؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:٤٣].
18- وفي الحديث من الفقه أنه قد تيمم في الحضر لغير مرض ولا جرح، فيجوز التيمم في الحضر وهو قول جمهور العلماء، وقال بعض أهل العلم أن السفر شرط لجواز التيمم، والصحيح قول الجمهور.
الأقوال في المسألة: اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين.
القول الأول: يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه.
وهو أحد القولين في مذهب الحنفية، والمشهور من مذهب المالكية، والمشهور من مذهب الحنابلة.
القول الثاني: يتيمم ويصلي، ويعيد إذا وجد الماء لأن السفر شرط لإباحة التيمم.
وهو المشهور من مذهب الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد.
الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية. وجه الدلالة: أن الله شرع التيمم عند فقد الماء، ويستوي في ذلك الحاضر والمسافر.
الدليل الثاني: قال أبو الجهيم الأنصاري أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم لرد السلام في الحضر، فالصلاة التي من شرطها الطهارة أولى بالجواز، وقد بوب البخاري على هذا الحديث، باب التيمم في الحضر، إذا لم يجد الماء، وخاف فوت الصلاة.
أدلة أصحاب القول الثاني:
الدليل الأول: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية. وجه الدلالة: أن الله شرط السفر لجواز التيمم فلا يجوز لغيره. ونوقش: أن الآية يحتمل أن يكون ذكر السفر فيها خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن الماء إنما يعدم فيه.
الدليل الثاني: أن فقد الماء في الحضر عذر نادر، فلا يسقط به القضاء. ويناقش: أن التيمم شرع لرفع الحرج عن الأمة، وفي إيجاب الإعادة عليه زيادة تكليف، لا تتناسب مع رخصة التيمم. الترجيح: الراجح والله أعلم هو القول الأول القائل بجواز التيمم في الحضر لمن فقد الماء أو عجز عنه، ولا إعادة عليه، فكما أنه لا إعادة على من صلى بالتيمم في السفر فكذلك لا إعادة على من صلى بالتيمم في الحضر ولا فرق، والله أعلم