10- باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء

10- باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء
الأربعاء ٣١ مايو ٢٠٢٣ - ١٠:٤٢ ص
178

10 - باب الْخَاتَمِ يَكُونُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ يَدْخُلُ بِهِ الْخَلاَءَ.  

معني عنوان الباب:  أن ما كان فيه ذكر الله عز وجل هل يدخل به الخلاء محل قضاء الحاجة أو لا يدخل به؟

 الجواب: أن الأصل المنع من دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله إلا لضرورة كما سيأتي في الشرح مفصلاً.

19 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ. وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ.. [حكم الألباني: منكر: ضعيف الجامع الصغير (4390) المشكاة (343)].

وقال الحافظ في " التلخيص " 1/107-108: قال النسائي: هذا حديث غير محفوظ، وقال أبو داود: منكر، وذكر الدارقطني الاختلاف فيه، وأشار إلى شذوذه، وصححه الترمذي، وقال النووي: هذا مردود عليه، قاله في " الخلاصة "، وقال المنذري: الصواب عندي تصحيحه، فإنه رواته ثقات أثبات. 

معاني المفردات:

(وإذا دخل) المراد بـ(دخل): أراد الدخول. 

وَضَعَ خَاتَمَهُ: يعني ينزع خاتمه من الأصبع، ثم يضعه خارج الخلاء، ولا يدخل الخلاء بالخاتم لأن فيه ذكر الله

اتَّخَذَ: أي لبس. 

الوَرِق: هو الفضة .

ثُمَّ أَلْقَاهُ: ليس معناه أنه ألقاه ولم يلبسه أبداً، بل معناه أنه ينزع خاتمه من الأصبع إن أراد دخول الخلاء وبعد الخروج من الخلاء يلبسه، لأنه جاء في حديث عن ابن عمر قال: اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتما من ورق (أي: من فضة) نقشه: مُحمد رسُول الله وكان في يد النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم كان في يد أبي بكر حتى مات، ثم كان في يد عُمرَ حتى مات، ثم كانَ في يد عُثمان حَتى وقعَ منهُ في بئر تسمي بئر أريس. 

 فقه الحديث: يدلّ الحديث على:

1- سبب لبس هذا الخاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يرسل إلى الزعماء والملوك والرؤساء رسائل يدعوهم فيها للإسلام، فقال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الملوك والرؤساء لا يقبلون الرسائل إلا مختومة بختم، فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً وكتب فيه: (محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم، وكان يختم به كتبه إلى الزعماء والملوك والرؤساء.

2- جواز لبس خاتم الوَرِق أي الفضة فإنه حلال ومباح لبسه للرجال والنساء، والنبي صلى الله عليه وسلم قد لبس خاتماً من فضة واستمر عليه الصلاة والسلام عليه وأما الذهب فإن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً من ذهب ثم ألقاه فألقى الناس خواتيمهم، وبين لهم أنه حرام على الرجال جائز النساء. 

3- ولبس الخاتم ليس بسنة لأنه لا يظهر في لبسه أدب التعبد، وإنما اتخذه النبي - عليه الصلاة والسلام- لحاجة وهي الختم الرسمي كما يقال، لكنه مباح للرجال إن كان من فضة، ويحرم إن كان من ذهب، ولكن لو قال قائل: إذا كنا في عصر لا يلبس فيه الخاتم إلا من كان مغموراً في الناس ومخالفاً للمروءة؟

قال بعض أهل العلم: إذا كنا في عهد هكذا فالأولى عدم لبسه؛ لأنه لا ينبغي للإنسان أن يعرض نفسه للغيبة، أو يعرض نفسه لما يكرهه الناس منه.

4- أما لبس الخاتم للنساء فهو حليتهن تتحلى به المرأة لزوجها سواءً من ذهب أو فضة، فالمرأة مطلوب منها أن تتحلى لزوجها بكل ما يوجد المودة بينها وبينه.

5- ورد في بعض الأحاديث أن هذا الخاتم مكتوب عليه محمد رسول الله وهذا ذكرٌ لله، لذلك لم يدخل به الخلاء صلى الله عليه وسلم.

6- وقد استدل به على أن من دخل الخلاء لا يحمل شيء فيه ذكر الله عز وجل، ويُعظم اسم الله عن مكان القاذورات والنجاسات، وفي معنى الخاتم الأوراق التي فيها اسم الله تعالى وكذلك الكتب التي فيها اسم الله تعالى والأوراق النقدية التي فيه اسم الله تعالى والذهب كسلسة من الذهب أو الفضة مكتوب عليها اسم الله فلا يدخل بها الخلاء.

7- فجمهور العلماء يقولون بكراهة دخول الحمام بالدراهم التي عليها ذكر الله، وبهذا قال الحنفية والشافعية والمالكية، وهي إحدى الروايات عن الإمام أحمد. 

8- إذن فنزع الخاتم المكتوب عليه ذكر الله قبل دخول الخلاء ليس على سبيل الوجوب وإنما هو على سبيل الاستحباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بنزع ما فيه ذكر لله عند دخول الخلاء ولكن فعله، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد يدل على الاستحباب لا على الوجوب.

9- ذهب بعض أهل العلم إلي تحريم إدخال المصحف ونحوه الخلاء إجلالاً له وتكريماً، فإن خاف عليه من الضياع فقد قال بعض أهل العلم: يدخل به ويضعه في جيبه، ورد ذلك بعض أهل العلم وقالوا: إذا أخذه إنسان مسلم أقل ما يفعله أنه سيقرأ فيه أو سيضعه في الرف، أو سيبيعه ويأكل ثمنه، وهذا أولى من أن ندخل بكلام رب العالمين بيت الخلاء، أما ما نجده من بعض الأوجه والاجتهادات والآراء، ويقولون: حفظ المال واجب، وضياع الأموال ممنوع ومحرم، كل ذلك قد يقال في غير القرآن الكريم، وكذلك كل ما فيه ذكر لله، وهذا الحديث يرد عليهم. والله تعالى أعلم.

10- لكن إذا خاف الإنسان أن يُسرق منه ذلك الشيء الذي فيه قرآن إذا وضعه خارج الخلاء، كامرأة معها سلسة من الذهب مكتوب عليها آية من القرآن فتضطر أن تدخل بها الخلاء فلا بأس أن تدخل بها ولكن تجعلها في جيبها أو داخل ملابسها.

11- لو كان معه شيء مكتوب عليه اسم الله تعالى كخاتم نقش عليه اسمه عبد الله مثلا أو عبد الرحمن، فدخل به الخلاء ناسياً أو عامداً لضرورة، حتى قعد لقضاء حاجته، فإنه يخلعه ويضعه في عمامته أو جيبه، وبذلك تزول الكراهة.

12- وإن لم يمكن أن ينزعه، وصعب عليه أن يخلع الخاتم، كأن تطول مدة الخاتم في يده ويصبح الخاتم ضيقاً فيحتاج في نزعه إلى مجهود أو آلام، قالوا: يدير الفص إلى داخل الكف ويطبق الكف عليه، فيصبح اسم الله أو ذكر الله محفوظاً بداخل الكف لا معرضاً لمواجهة الأقذار؛ لأنه لا يأمن مع استعمال الماء أو يحصل رذاذ من تلك المياه الموجودة، فتصل النجاسة إلى ما فيه ذكر الله، فيقع المحظور.

13- ولو تختم في يده اليسرى بما عليه ذكر الله تعالى أو اسم الرسول حوَّله في الاستنجاء إلى يده اليمني، تنزيهاً له عن تنجيسه، فإن تركه حتى تنجس إثم بذلك.

14- ألا يحمل شيئاً مكتوباً اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو نبي من الأنبياء أو اسم معظم كأسماء الملائكة، فإن ذلك أيضاً مكروه، أما إن كان اسم الإنسان كاسم نبي من الأنبياء كمحمد أو موسى ونقشه على خاتمه وأراد به نفسه لا ذلك النبي لم يكره استصحابه.

15- ومما عمت به البلوى أن الناس لابد أن يكون في جيوبهم شيء فيه ذكر الله عز وجل من الأوراق النقدية وغير النقدية، ويصعب تركها خارج الخلاء، فالدخول بها الخلاء مما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن التحرز منه.

16- كل ما مضي من ذكر الخلاء المقصود به دورات المياه المعدة لقضاء الحاجة في الأماكن العامة، كالمساجد والمدارس والمصالح الحكومية....، أو في الصحراء، أما دورات المياه في البيوت فلا يدخل بشيء فيه ذكر الله لعدم الحاجة، بل ينزعه أو يخلعه قبل الدخول لأنه لا يخاف عليه الضياع في بيته، وإن حلّ ضيف عند أحد ممن يمكنه أن يترك معه ما فيه ذكر الله أمانة حتى يخرج من الخلاء يلزمه ذلك. 

17- تعظيم ما فيه ذكر الله إلى حد أنه لا يدخل به الخلاء، ومن باب أولى ألا يرمي الأوراق التي فيها ذكر الله في الطرقات أو في الأماكن القذرة؛ لأن اسم الله تعالى أعظم الأسماء ولاسيما لفظ الجلالة الذي لا يسمى به غيره، وكذلك الرحمن، ورب العالمين، والملك القهار، مما لا يسمى به غير الله فإنه لا يجوز امتهانه.

18- أنس رضي الله تعالى عنه يروي هذا الحديث لأنه كان خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه وملازمه فهو أدرى بتلك الأمور الداخلية، فليس كل الناس سيحضرون دخوله صلى الله عليه وسلم الخلاء.

19- دلالة على قرب أنس رضي الله تعالى عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وملازمته له.

20- اهتمام الصحابة وحرصهم رضي الله عنهم بنقل كل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم.

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية