قراءة في كتاب: حق الكد والسعاية.
قرأه/ محمود الشرقاوي.
المؤلف: د/عمر المزكلدي، باحث بصف الدكتوراه في القانون الخاص- كلية الحقوق طنجة.
أهمية الكتاب: يتعرض هذا البحث لقضية من القضايا الأسرية من الناحية المالية، وهي كيفية معرفة حق كل فرد في الأسرة إذا ما تم تكوين ثروة مالية من خلال كد وسعي أفراد الأسرة ككل، أو من خلال كد وسعي الزوجين، وما هو حق الزوجة في تلك الثروة، خاصة بعد اتجاه أنظار العالم للحديث عن المرأة وحقوقها، وإصدار قوانين بشأنها، وهذا بحث فقهي شرعي قانوني بقصد معالجة حق الزوجة المالي صاحبة الكد والسعي مع زوجها لتكوين ثروة، أو شراء مسكن لهما.
عرض الكتاب:
المقدمة:
بدأ الباحث بمقدمة ذكر فيها أن الأصل لكل فرد في الأسرة ذمة مستقلة، وأن الزوج عليه بعض الالتزامات المالية تجاه زوجته كالمهر والنفقة، وإذا قام أفراد الأسرة بتكوين ثروة مالية، فإن لكل فرد ساهم فيها له الحق في أن يأخذ نصيباً من تلك الثروة على قدر كده وسعيه في تكوينها.
*ثم ذكر الباحث معني كلمة كد وسعي لغة واصطلاحاً ويسمي عند الفقهاء "بحق الجراية" و"بحق الشقا" وذكر صعوبة هذا البحث وخاصة أن مادته العلمية مترامية في أطراف المصنفات والمؤلفات الفقهية.
والبحث مقسم إلى بابين:
الباب الأول: ارتباط مفهوم حق الكد والسعاية بالعرف المحلي:
إن العرف يشكل مصدرًا من مصادر التشريع الإسلامي إن تحققت شروطه، وكذلك يشكل مصدرًا من مصادر القانون.
الفصل الأول: ارتكاز مفهوم حق الكد والسعاية على مقتضيات العرف المحلي:
وهو مقسم لمبحثين:
إن تطبيق حق الكد والسعاية بصورة محلية محصورة في بعض المناطق جعل تحديد مفهومه أمر صعب للغاية.
الفرع الأول: قصور التحديد الفقهي في ضبط مفهوم حق الكد والسعاية:
ذكر فيه الباحث مبحثين:
المبحث الأول: تبني مفاهيم ضيقة لحق الكد والسعاية:
إن حق الكد والسعاية في الأصل يشمل كل أفراد الأسرة المشاركين في تنمية المال لا تمييز فيه بين ذكر وأنثي، ولهما الحق في هذا المال في أي وقت، واتفق الفقه والقضاء والقانون على ذلك، وإن كان بعض الفتاوي اختزلت مفهوم حق الكد والسعاية على المرأة المتزوجة فقط، وتبعهم بعض القضاة في ذلك، فتأخذ جزءًا من أموال الأسرة الذي شاركت في تنميته بعد وفاة الزوج أو طلاقها، وهذا لا يتماشى والمفهوم الأصيل لهذا الحق.
المبحث الثاني: اعتماد مقترح مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية كأساس لمفهوم لحق الكد والسعاية:
شكلت قضية المرأة وادماجها في التنمية المجتمعية في العقود الأخيرة اهتمام كبير، وقامت الدولة بوضع خطة لذلك في عدة محاور، منها التمكين الذاتي للنساء على المستوي القانوني وتحديداً مجال الأحوال الشخصية، ومنه حق الكد والسعاية، وتم سن مقترح في المادة 49من مدونة الأسرة كأساس، وينص على إلزام القاضي بتمكين الزوجة من نصف الثروة التي ساهمت مع الزوج في تكوينها.
وقام البعض بإنكار هذا المقترح ووصفه بأنه أكل أموال الناس بالباطل، غير أن هذا المقترح يؤدي إلى تحويل العلاقة الزوجية القائمة على المودة والمكارمة إلى مجال المشاحنة والشح، وهذا المقترح مصدره التشريعات الغربية.
وقال البعض بتأييد هذا القانون أن مصدره الأساسي هو التراث الإسلامي.
وبالقراءة المتأنية، وجد أن هذا المقترح مخالف لحق الكد والسعاية، حيث إنه مرتبط في هذا المقترح بالمرأة المتزوجة فقط، ولا يحق لها إلا بالطلاق أو موت الزوج، وكونه نصف الثروة المالية فهو مخالف لحق الكد والسعاية الذي يكون لكل أفراد الأسرة المشاركين في تنمية وتكوين هذه الثرة، ويكون على قدر كد وسعاية كل فرد، فقد يكون نصف الثروة أو أقل أو أكثر.
قال الباحث: إذن يبقى هذا القانون والمقترح محل نظر.
الفرع الثاني: ضرورة تحديد مفهوم حق الكد والسعاية كعرف محلي:
وذكر فيه مبحثين:
المبحث الأول: مناقشة تبني مادة 49:
إن الفقه المعاصر لم يكن موفقاً في صياغة مفهوم سليم لحق الكد السعاية وهذا يستدعي لمحاولة بلورة مفهوم لهذا الحق ويكون منسجمًا مع العرف المحلي من جهة، ومع باقي المؤسسات والمفاهيم التي قد تختلط به من جهة أخرى ولن تكون هذه البلورة مكتملة إلا بالوقوف على المادة 49 من مدونة الأسرة المغربية، ومدى قبولها كأساس لمفهوم حق الكد والسعاية.
وذكر نص هذا القانون بفقراته ومواده ومقترحاته وناقشه بالتفصيل، ومن خلال المناقشة اتضح أن هناك اختلافات جوهرية بين المادة 49 وحق الكد والسعاية تفضي إلى استبعاد إمكانية تبني هذه المادة كأساس لمفهوم حق الكد والسعاية.
المبحث الثاني: محاولة في تعريف حق الكد والسعاية:
وذكر فيه مطلبين:
المطلب الأول: تمييز حق الكد والسعاية عن بعض المؤسسات المشابهة:
يقتضي تعريف حق الكد والسعاية أن يتميز عن بعض المشابهات ففي القانون الفرنسي يمكن القادمين على الزواج اختيار أي نظام لضبط العلاقة المالية بينهم، وإن لم يتم اختيار أي نظام فسوف يخضعان للنظام المالي القانوني، الذي نظمه المشرع حيث تصبح كل الأموال المكتسبة منذ عقد الزواج إلى انحلاله مشتركة بين الزوجين، ويوجد فروق بين هذا القانون وبين حق الكد والسعاية، وذكر الباحث هذه الفروق.
المطلب الثاني: تعريف حق الكد والسعاية:
.هو حق شخصي يقوم على مساهمة السعاة في إطار شركة عرفية على تنمية الثروة الأسرية أو تكوينها، مقابل استحقاقهم جزءًا من المستفاد، يتناسب وقدر مساهمتهم حين إجراء القسمة، وكل ذلك يتم وفق مقتضيات العرف المحلي وقواعده.
وقام الباحث بتحليل العناصر المكونة للتعريف.
الفصل الثاني: تأرجح مشروعية حق الكد والسعاية بين الرفض والقبول: (ارتباط المشروعية بالعرف المحلي).
الفرع الأول: الاتجاه القاضي بعدم مشروعية حق الكد والسعاية:
وذكر فيه مبحثين:
المبحث الأول: مخالفته لأصول الشريعة:
تزامنًا مع ظهور ممارسة حق الكد والسعاية عرفياً، ظهر اتجاه يعتبره مخالفاً لأصول الشريعة، غير موافق للعرف الشرعي بل عرف فاسد، وأنه مخالف للمشهور من مذهب الإمام مالك من جهة، وما جرى به العمل من جهة أخرى.
وذكر الباحث مبررات هذا المسلك وناقش هذه المبررات.
وتطرق الباحث خلال ذلك الحديث إلى مفهوم وشروط العرف الصحيح كأصل من أصول التشريع، وتطرق كذلك لمفهوم المشهور وما جرى العمل به.
المبحث الثاني: تعارض حق الكد والسعاية مع مؤسسات قانونية وشرعية:
قال الباحث: إن من قال بأن حق الكد والسعاية غير مشروع يرى أنه يتعارض مع مؤسسات شرعية وقانونية، كالنفقة والمتعة ونظام الإرث.
المطلب الأول: حق الكد والسعاية ومقتضيات النفقة الزوجية:
إن النفقة على الزوجة من أهم المؤسسات الشرعية والقانونية، الثابتة بالقرآن والسنة، واختلف الفقهاء في السبب الموجب للنفقة، هل هو مقابل الاستمتاع؟ أم مقابل مجرد العقد؟ أم بسبب حبس الزوجة لفائدة الزوج؟ وعموماً فإن الإنفاق على الزوجة لا يتعارض مع حق الكد والسعاية بالنسبة للقول الأول والثاني، ويتعارض بالنسبة للقول الثالث، إلا باكتساب المرأة ولا يحدث ذلك إلا بخروجها للعمل، مما يتعارض مع حق الزوج وإيجاب النفقة عليها مقابل حبسها عليه.
لكن المشرع المغربي جعل حق النفقة مقابل عقد الزواج الصحيح وبالتالي لا تسقط نفقة الناشز، ولو اعتبرنا النفقة مقابل خدمة الزوج سوف يكون عقد باطل لعدم معرفة نوع العمل بالتحديد (خدمة الزوج)، وهل لو طلب منها أي عمل مقابل النفقة سواءً داخل البيت أو خارجه فليس لها أن تمتنع، فهذا القول لم يقل به أحد من الفقهاء.
خلاصة القول: إن الاعتراض على مشروعية حق الكد والسعاية من جهة تعارضه مع مؤسسة النفقة على الزوجة غير سليم.
المطلب الثاني: تعارض حق الكد والسعاية مع أحكام المتعة ونظام الإرث.
الفقرة الأولي:
المتعة هي: ما يعطيه الزوج لزوجته لطلاقه إياها.
واختلف الفقهاء في حكم المتعة للمطلقة، وأخذ بوجوبها القانون المغربي، ويوجد ارتباط بين حق الكد والسعاية وبين المتعة، حيث كلاهما يكون للمطلقة وكلاهما لجبر خاطرها وتعويضها عما بذلته للزوج، وإقرار أحدهما يلغي الآخر.
قال الباحث: إن القول بإقرار أحدهما يلغي الآخر، محل نظر، بل كلاً منهما حق مستقل.
الفقرة الثانية:
يذهب بعض المعترضين على حق الكد والسعاية إلى أنه يؤدي لتعطيل قواعد الإرث.
وهذا القول غير صحيح، فهو لم يجعل صاحب الفرض عصبة أو العكس، بل حق الكد والسعاية للمطلقة أو المتوفى عنها زوجها إن كانت مشاركة له في نماء ثروته، فهو كدين على المتوفى، كدين مؤخر صداقها أو نفقة الحامل، وغيرها من الديون.
الفرع الثاني: الاتجاه القاضي بمشروعية حق الكد والسعاية:
وذكر فيه الباحث مبحثين:
المبحث الأول: استناد حق الكد والسعاية إلى أدلة شرعية عامة:
استند الموجبون لحق الكد والسعاية لأدلة منها القرآن كقوله تعالى (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ) وقوله تعالى (وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) وغيرها من الآيات، مما دفعهم القول بأن هذا الحق ليس مستنده العرف فقط بل القرآن أيضاً، مما يجعله ليس خاصاً بمنطقة معينة بل عامًّا.
قال الباحث: بعد مناقشة هذا القول، إن القول بأن حق الكد والسعاية مستنده القرآن، وبالتالي تعميمه لا يمكن التسليم به على ما تقدم، نعم يمكن الاستئناس بهذه الآيات لإحقاق الحقوق، لكن لا يمكن الاستناد عليها في تأسيس حق الكد والسعاية.
وقال: استند الموجبون لحق الكد والسعاية على قضاء عمر رضي الله عنه بين عامر بن الحارث الذي كان يعمل قصاراً وزوجته أم حبيبة التي كانت ترقم (تنسج) الثياب حتى اكتسبا مالاً كثيراً ثم مات عامراً واختصمت مع الورثة إلى عمر رضي الله عنه " فقضى لها سعايتها بالنصف مع ميراثها الربع؛ لأن عامراً لم ينجب" مما دفع الموجبون لحق الكد والسعاية القول بأن هذا الحق ليس مستنده العرف فقط بل هذا الأثر أيضاً مما يجعله ليس خاصاً بمنطقة معينة بل عامًا.
أورد الباحث على هذا الأثر عدة احتمالات منها: هل قضاء عمر بالنصف في متاع البيت الذي هو حق أصلاً للزوجة؟ هل كان يوجد عقد شراكة بين الزوجين بناءً عليه حكم عمر لها بالنصف؟ إلى غير ذلك مما يجعل هذا الأثر ليس دليلاً في إثبات حق الكد والسعاية.
المبحث الثاني: ارتكاز حق الكد والسعاية على أسس قانونية:
المطلب الأول: استبعاد تعارض حق الكد والسعاية مع مقتضيات القانون المغربي:
إن الموجبين لحق الكد والسعاية بعد أن أثبتوه بنصوص شرعية يريدون أن يؤكدوا مشروعية العمل به من خلال عدم مخالفته للقوانين المغربية، لأن المانعين لحق الكد والسعاية قالوا: إن قانون سنة 1965م نص على إلغاء القوانين العرفية، وموجب العمل بهذا الحق هو العرف، ورد عليهم الموجبون لهذا الحق: بأن موجب العمل به الشرع، ودائرة الأعراف التي لا تنافي وروح الشريعة الإسلامية، وكذلك يوجد في مذهب مالك العمل به.
المطلب الثاني: تكريس القضاء المغربي لمقتضيات حق الكد والسعاية:
يعتبر العمل القضائي من أهم الأسس القانونية المعتمد عليها في الدفاع عن حق الكد والسعاية، فإن المحاكم سواءً الابتدائية أو الاستئنافية وكذلك المجلس الأعلى لم يتجاهل هذا الحق والعمل به، إلا أن المجلس الأعلى جعل تطبيق هذا الحق مرتبط بالعرف المحلي، وبعض المحاكم لم تراعِ مسألة العرف المحلي بل تقضي به في الحضر والبادية.
الباب الثاني: خضوع القواعد الضابطة لحق الكد والسعاية للعرف المحلي:
الفصل الأول: الطبيعة القانونية لحق الكد والسعاية وعلاقتها بالعرف:
الفرع الأول: استبعاد الطبيعة العينية لحق الكد والسعاية:
اختلف وجهات النظر في التكييف الفقهي لحق الكد والسعاية؟ هل هو حق عيني أم لا؟ ولكي يتم الإجابة على هذا السؤال، لابد من التطرق لبعض الحقوق التي يقاس عليها حق الكد والسعاية منها:
حق الجلسة: وهو عقد الإجارة مقابل مبلغ معلوم، كأن يهيئ المالك محل للمستأجر بالمعدات ويراعي في تحديد قيمة الإيجار قيمة المعدات.
وهذا يندرج ضمن الحقوق العرفية الإسلامية، وهو حق عيني.
حق الزينة: وهو تمكين المستأجر من مكان كقطعة أرض فضاء ويقوم ببنائها وتجهيزها لمشروع، ويسمي ما أنفقه حق الزينة، وعند تركه للمكان يراعي قيمة ما أنفقه.
وهذا يندرج ضمن الحقوق العرفية الإسلامية، وهو حق عيني.
فهل يمكن تأسيس حق الكد والسعاية على هذه الحقوق العرفية الإسلامية، حيث يوجد بعض التشابه بين هذه الحقوق وحق الكد والسعاية، وكذلك يوجد اختلافات جوهرية بينهما، وذكر الباحث أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما، إلا أن الصياغة القانونية التي استعملها المقنن المغربي لا تنهض مبرراً لإقحام حق الكد والسعاية ضمن الحقوق العرفية الإسلامية.
ولكن هل يمكن تأسيس هذا حق الكد والسعاية داخل نطاق حقوق عينية أخري؟ فهل يدخل تحت مفهوم وطبيعة الملكية الشائعة؟
تعريف الملكية الشائعة: هي" ملكية مشتركة بين شخصين أو أكثر، تقع على مال معين، يكون فيها كل شخص مالكاً لحصة معينة من هذا المال، من غير أن تكون هذه الحصة مفرزة عن باقي الحصص الأخرى".
وقد استندت بعض المحاكم في إثبات حق الكد والسعاية للزوجة بناءً على بعض نقاط التقارب والتشابه بين حق الكد والسعاية والملكية الشائعة، ثم ذكر أوجه التشابه بينهما، لكن مع تحليل العناصر الجوهرية لقواعد الملكية الشائعة مع مقارنته لحق الكد والسعاية، تجعل من إمكانية تبني تأسيس حق الكد والسعاية على قواعد الملكية الشائعة نظر.
الفرع الثاني: ارتباط حق الكد والسعاية بالحق الشخصي:
قال الباحث: رأينا بالفرع الأول أن تأسيس حق والكد على أساس الحق العيني لم يكن سليماً، لذلك اتجه النظر للبحث عن طبيعة هذا الحق ضمن مجال الحقوق الشخصية، كعقد الإجارة أو عقد الشركة.
المبحث الأول: تكييف حق الكد والسعاية على أساس عقد إجارة الخدمة:
إن ارتباط استحقاق حق الكد والسعاية في بعض تطبيقاته بصورة مساهمة السعاة في تنمية مال الأسرة، دون مشاركتهم بحصة معينة في رأس مالها، دعا بعض الفقهاء إلى اعتبار تلك المساهمة من قبيل إجارة الخدمة التي يستحق عليها الساعي أجرة المثل.
فالإجارة هي: تمليك منفعة (عمل إنسان) معلومة، زمناً معلوماً بعوض معلوم.
ثم ذكر الباحث: أركان الإجارة، وعناصرها الأساسية، ومبررات اعتماد عقد إجارة الخدمة كأساس لحق الكد والسعاية عند بعض الفقهاء، حيث ساهم السعاة بعملهم وكدهم في زيادة الثروة المالية، إلا أن ارتباط حق الكد والسعاية بالعرف المحلي من جهة، وتفرده ببعض الخصائص المميزة له عن عقد إجارة الخدمة من جهة أخرى، شكل إحدى الأسباب التي تقتضي بالضرورة إعادة النظر في صحة هذا التكييف وسلامة مسلكه، فهو لا ينسجم مع ما تتميز به العلاقة الأسرية وعلى الخصوص الزوجية التي لا يوجد لها مثيل في عقد إجارة الخدمة.
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لحق الكد والسعاية أساسها الشركة العرفية:
ذهب العديد من الفقهاء إلى أن حق الكد والسعاية يجد أساسه في عقد الشركة، لأنه ناتج عن مساهمة مجموعة من الأشخاص في تكوين وتنمية مال الأسرة وثروتها.
بناءً على ذلك عرف الباحث عدة أنواع من الشركات، منها شركة المفاوضة وشركة الأبدان، وشركات الاستغلال الزراعي (المزارعة والمغارسة والمساقاة)، والشركة المختلطة (القراض أو المضاربة) وذكر خصائص وأركان وشروط كل شركة منهم.
و يمكن القول بأنه على الرغم من وجود صور التشابه بين كل من حق الكد والسعاية ومختلف أنواع الشركات، إلا أن عقود الشركات تقوم على أساس مسبق بين طرفي العقد، يتم من خلاله بيان مضمون العقد وشروطه وحصة كل طرف من الإنتاج وغيرها من الشروط والتوافقات السابق ذكرها، وعلى خلاف ذلك فحق الكد والسعاية لا ينبني على أي اتفاق مسبق بين السعاة، وإنما مبناه على أساس عرف يقضي بإعماله حين تتحقق الشروط الموضوعية لذلك من غير الحاجة إلى توقيع اتفاق مسبق بشأنه.
ومن خلال ما مضى تم استبعاد حق الكد والسعاية في إطار الشركات في الفقه الإسلامي، لكن هل من الممكن أن يندرج هذا الحق تحت الشركات القانونية؟ كالشركة المدنية، وشركة المحاصة؟
فالشركة المدنية هي: عقد بمقتضاه يضع شخصان أموالهم أو عمالهم أو هما معا، لتكون مشتركة بينهم، بقصد تقسيم الربح الذي ينشأ عنها.
وشركة المحاصة هي: شركة مستترة، ليس لها شخصية معنوية، ولا تخضع لأي تقييد في السجل التجاري، وتكون بين شخصين أو أكثر على اقتسام الأرباح وتحمل الخسائر الناتجة عن الشركة.
ثم ذكر الباحث: صور التقارب بين الشركة المدنية وحق الكد والسعاية والفروق التي تجعل الشركة المدنية غير ملائمة لمقتضيات حق الكد والسعاية، وكذلك شركة المحاصة وإن كانت هي الأقرب لحق الكد والسعاية، إلا أنها قائمة على وجود تعاقد مقصود بين الشركاء بشكل مسبق، بخلاف حق الكد والسعاية القائم على العرف.
الفصل الثاني: تنظيم حق الكد والسعاية تكريس لخصوصيته العرفية:
الفرع الأول: ارتباط نطاق تطبيق حق الكد والسعاية بالعرف المحلي:
اختلف الفقه والقضاء في العمل موجب لحق الكد والسعاية، هل موجبه الخدمة الظاهرة أم الباطنة؟ وإن كانوا اختلفوا أيضاً في الأعمال التي تندرج تحت الخدمة الظاهرة، والأعمال التي تندرج تحت الخدمة الباطنة، وأقرب توضيحا هو من جعل الخدمة الباطنة، خدمة البيت، والخدمة الظاهرة خارج البيت.
واتفق الفقه والقضاء على حصر العمل الموجب لحق الكد والسعاية في الخدمة الظاهرة، لكن اختلفوا في المعيار المتخذ كأساس في تمييز هذا الحق، هل هو الأعمال الشاقة الخارجة عن الخدمة المعتادة؟ أم الأعمال المعتادة؟ ومنهم من فرق بين الأعمال البدائية كالعمل الفلاحي كتربية المواشي والحرث، وبين الأعمال العصرية ذات الطابع الحديث كالمهن، ومنهم من فرق بين العمل المنتج وغير المنتج.
وذكر الخلاف بين الفقهاء في إلزام المرأة خدمة زوجها وعدم الزامها بذلك، وأدلة كل فريق، وبناءً على القول الذي يقول بعدم إلزام الزوجة بأعمال البيت، فإن قامت بهذا العمل فهل لها حق الكد والسعاية؟
ومهما يكن من خلاف في هذه المسألة فمرجع هذا الحق يبقي من اختصاص العرف، الذي يرجع له أمر الحسم فيما إذا كان العمل يُرتب مقابلاً حق الكد والسعاية أم لا؟
وكذلك نطاق تطبيق هذا الحق، هل النطاق القروي لما فيه من كثرة عمل المرأة في المجال الفلاحي؟ أم النطاق الحضري الذي في الغالب تعمل المرأة كموظفة خارج البيت؟
أجاب على هذا العلامة محمد بن عبد الوهاب الزقاق: " العادة هي المحكمة في أفعال الزوجة، فما دلت العادة على أن الزوجة إنما تفعله على وجه طيب نفس لزوجها في المعيشة لا شركة لها في ذلك ولا أجر، وما كان على العكس فحكمها على ذلك".
وإن نطاق تطبيق حق الكد والسعاية يشمل العقارات والمنقول، ودخول المنقولات في ذلك أدى للخلاف حول متاع البيت، وقد نظم القانون المغربي أحكام النزاع حول المتاع، فمن أثبت حقه في شيء فهو له، وإن اختلفوا فما يصلح للرجل فهو له، وما يصلح للمرأة فهو لها، وإلا فيحلفان، ثم يتقاسمانه.
ثم ذكر الباحث الطرق العامة لإثبات حق الكد والسعاية، وعبء الإثبات يقع على المدعي، وإن كان الفقهاء اختلفوا في وصف المدعي والمدعى عليه، ثم ذكر الصورة القضائية التي ترتكز عليها الزوجة في مطالبة زوجها بحق الكد والسعاية، ووسائل الإثبات في تلك الدعوة من شهادة الشهود، أو يمين الإنكار بتوجيه اليمين على المدعى عليه، أو الإقرار، أو بقرائن قضائية أخرى.
ثم ذكر الباحث مسألة التحفيظ العقاري وهو" أن يكون محل المطالبة بحق الكد والسعاية منصباً على عقار محفظ أي باسم المدعى عليه".
فهل في هذه الحالة لا يبقي أمام السعاة سوى إقامة دعوى شخصية للتعويض عن حقهم في الكد والسعاية طبقاً للقواعد العامة؟ أم أن التحفيظ العقاري باسم المدعى عليه لا ينهض كدليل على أنه المالك الوحيد للعقار، وعبء الإثبات يقع على من يدعي الاختصاص بالعقار؟ وما الحل في حالة ما إذا كتب الزوج العقار باسم شخص أخر فهل للسعاة حق في إلغاء هذه الكتابة والمطالبة بحق الكد والسعاية؟ لكن عموماً مسألة التحفيظ العقاري عقبة قانونية لإثبات حق الكد والسعاية.
ثم ذكر الباحث في حالة ما إذا تم الحكم بحق الكد والسعاية يعمد القاضي أو من يتولى الفصل في هذا الحق في القسمة المعتمدة في تحديد حظوظ السعاة وتمييزها عن رأس المال إن وجد، ثم على القائم بأعمال القسمة تقدير أنصبة السعاة، فالبعض يجعل نصف الربح لأصل المال والنصف الأخر من الربح للسعاة، والبعض يعتمد على العرف كمعيار معتبر في ضبط أنصبتهم وتحديدها، مع معايير أخري مثل قدر خدمة المطالب بحق الكد والسعاية، ومدة المساهمة في هذا العمل، ومراعاة سن المشارك في هذا الحق مميز أو كبير بالغ، ومراعاة المؤهلات الحرفية والقوة البدنية.
والحمد لله رب العالمين.