قراءة في كتاب: موقف الشريعة الإسلامية من: البنوك والمعاملات المصرفية والتأمين

قراءة في كتاب: موقف الشريعة الإسلامية من: البنوك والمعاملات المصرفية والتأمين
السبت ١٠ يونيو ٢٠٢٣ - ١١:٠٠ ص
352

قراءة في كتاب: موقف الشريعة الإسلامية من: البنوك والمعاملات المصرفية والتأمين

قرأه/ محمود الشرقاوي.

المؤلف: هو ا.د/ رمضان حافظ عبدالرحمن الشهير بالسيوطي،

أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر القاهرة.

أهمية الكتاب:

هذا الكتاب يعالج قضية من أكثر القضايا انتشاراً في بلادنا وسائر بلاد المسلمين، بالرغم من إجماع أهل الملل كلها علي حرمتها، وتحريمها في كل الشرائع،ألا وهي المعاملات الربوية، لكن بسبب صدور فتاوي بحل الربا والمعاملات البنكية ممن له سلطة دينية، وأقواله وفتواه لها صدي عند الخاصة والعامة اعتقد الناس حل الربا اكثر من حل البيع، سواءً علي مستوي الأفراد أو الشركات أو الدول " وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"

فلقد كانت الفتوي بحل فوائد البنوك لها أثر سئ ووقع أليم علي المسلمين في العالم الإسلامي كله، وذلك لأنها أباحت الربا وجعلته حلالاً، دون دليل صحيح، وإنما القصد إرضاء الخلق، ولو غضب الخالق. وفي الحديث: "من التمس رضا الناس في سخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه من الناس"، ولهذا فإني تطوعت بالرد علي هذه الفتوي وإن كان غيرى سبقني بالرد، لعل القائل بها أن يفيق من غفلته، ويرجع للحق ويتوب، فإن الله غفار الذنوب. 

ومن أهمية الكتاب أنه ذكر فيه أنواع وصور الربا المنتشرة، وذكر بدائل شرعية عن الربا سواءً داخل الدولة أو خارجها، وذكر أيضاً حكم التأمين علي الأنفس والأموال.

عرض الكتاب: 

يشتمل الكتاب علي ثلاث اجزاء:

1-موقف الشريعة الإسلامية من البنوك وصندق التوفير وشهادات الاستثمار.

2-المعاملات المصرفية والبديل عنها.

3-التأمين علي الأنفس والأموال)

أولاً: موقف الشريعة الإسلامية من البنوك وصندوق التوفير وشهادات الاستثمار:

ويحتوي علي ثمانية فصول:

الفصل الأول: عرف فيه الربا لغة، أما تعريف الربا شرعاً نقل فيه تعريف الأئمة الأربعة مع شرح كل تعريف، وذكر أن هذه التعريفات لم تتعرض لربا الجاهلية وهو القرض بفائدة، لأنه معلوم لدي العامة والخاصة وثبت تحريمه بالكتاب، قال الله تعالي (وَحَرَّمَ الرِّبَا)، وكذلك ثبت تحريمه بالسنة والإجماع.

الفصل الثاني: ذكر فيه حكم الربا أنه محرم ومنهي عنه شرعاً وعده العلماء من الكبائر، وذكر أدلة ذلك من القرآن والسنة والإجماع.

الفصل الثالث: ذكر فيه علة تحريم الربا، وأن العلماء اختلفوا في ذلك عل قولين: الأول: أن علة التحريم تعبدية، وقال أنه قول ضعيف. والثاني: أن علة التحريم أكل أموال الناس بالباطل، ويمنع من المعروف بين الناس، ويمنع الاشتغال والتكسب.

الفصل الرابع: في عقد الربا هل هو عقد باطل فيُلغي من أصله، أم فاسد فيُلغي الوصف الذي أخل بالبيع من الزيادة أو التأجيل أو فائدة القرض؟ فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة علي بطلان عقد الربا من أصله لأن الفاسد والباطل عندهم بمعني واحد، خلافاً للأحناف فالباطل ما لم يشرع بأصله كبيع الخمر، أما الفاسد ما شرع أصله دون وصفه كعقد الربا، فأصل البيع حلال والزيادة الربوية محرمة تُرد، قال الكاتب: والراجح قول الجمهور وذكر عدة أحاديث فيها بيع ربا فقال صلي الله عليه وسلم "ردوه".

الفصل الخامس: حد الربا: قال فيه أحد ثلاثة أمور:

 الأول: أن يستحل الربا سواءً تعامل به أم لا، فهذا يُستتاب فإن تاب وإلا قتل ردة.

 الثاني: أن يتعاملوا بالربا مع اعتقاد حرمته ولم تكن لهم شوكة، ففيه قولان:

 أ- حدهم القتل، ب- التعزير بالحبس حتي يتوبوا.

الثالث: إذا لم يستحلوهوكانت لهم شوكة يحاربهم الإمام حرب البغاة.

ثم ذكر الكاتب عقوبة المرابي فقال:  له عقوبتان: دنيوية:بالمصائب والبلاء وفقد المال وسوء الخاتمة....ألخ، قال تعالي: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا)، وقال صلي الله عليه وسلم"إن الربا وإن كثر عاقبته إلي قله" إلي غير ذلك من الأدلة. 

أما العقوبة الأخروية: يبعث كالمصروع، ويسبح في نهر من الدم، وذكر الأدلة علي ذلك.

الفصل السادس: في حكمة النهي عن المعاملات المصرفية الربوية: وهي الظلم قال تعالي:(وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)، وتقتتضي العداوة والبغضاء، وفصل في ذلك، وقارن بين حال المرابي والمتصدق في الدنيا والأخرة، وقارن بين شرع الله وواضعي القوانين الوضعية المدنية في هذا الباب.

الفصل السابع: في بيان أنواع المصارف (البنوك): 

أ‌- بنوك عامة تتعامل بالربا لكل الناس. 

ب‌- بنوك خاصة:

1-بنك التسليف الزراعي: خاص بالمزارعين.   

2-البنك الصناعي: خاص بأصحاب المصانع.

3-البنك العقاري: خاص بأصحاب العقارات.

ثم ذكر فروعًا أخري: 1-البوستة (دفتر التوفير) 2-شهادات الاستثمار ذات الفائدة السنوية تزيد كل ستة أشهر، وشهادات الاستثمار ذات العائد الجاري يعطي صاحبها 5% سنوياً يصرف كل ستة أشهر، وكلا النوعين ربا، ويوجد شهادات استثمارذات الحوافز ليس لها فائدة لكن تدخل علي سحب والفائز له جائزة وهذا النوع ليس ربا ولكن محرم للغرر.

معاملات أخري ربوية: قرض الموظفين من البنك بفائدة بضمان الوظيفة وهذا ربا، وشراء الموظفين من الشركات بطريق الاستمارات سلعاً بالأجل نظير فوائد تضاف علي الثمن الأصلي، وهذا من باب التمثيل وليس الحصر لكل المعاملات الربوية.

الفصل الثامن: في بيان يسر الإسلام بإيجاد البديل عن معاملات المصارف الربوية:

أدلة تحريم الربا مجمع عليها لكن كثيراً ممن لا يحسنون فهم الإسلام، ولا يدركون حكمة النهي عنه، أو يريدون أن يكون الدين تابع للنظريات الاقتصادية الحديثة تراهم تضييق صدورهم ذرعاً حين يسمعون أن الإسلام يحرم المعاملات ذات الفوائد الربوية، ويوسوس لهم الشيطان أن الإسلام يحارب الأرزاق، ففكرهم باطل لأن الإسلام حث علي تنمية المال واستثماره، وأحل البيع وحرم الربا،  وذكر أدلة علي فضل التجارة، وليس الأمر مقتصر علي التجارة والبيع بل يوجد المضاربة والشركات والمزارعة والمساقاة وبيع السَلَم، ولكن ما أكثر من أفتوا بحل الفوائد المصرفية المعاملات الربوية ليتقربوا للحاكم، ولو فرضنا أن حاكماً أمر بحل هذه المعاملات الربوية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

كلام من أحل البنوك الرد عليه: "أن تحديد السعر في المضاربة يجعلها معاملة شرعية كذلك جميع معاملات البنوك بالفوائد الربوية حلال"

الرد: فهل هذا نسخ بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ أم أصبحت الأوامر والنواهي الشرعية تتغير حسب الأهواء،

ومن قال أن الفائدة في البنوك تعتبر مضاربة شرعية كلام باطل من وجوه: 

الأول: أن تحديد مال بمقدر معين لصاحب المال كمائة علي الألف مخالف لحقيقة المضاربة الشرعية، وهذا في المذاهب الأربعة وعند الظاهرية، والأئمة لم يأتوا بهذا الشرط من عندهم أنفسهم كما ادعي صاحب فتوي حل الفوائد الربوية، بل من سنة النبي صلي الله عليه وسلم وعمل الصحابة كما ورد عند البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة، ونقل الإجماع علي ذلك الإمام مالك وابن المنذر وابن قدامة وابن رشد رحمهم الله. غير أن المضاربة رخصة  فيقتصر فيها علي ما ورد، غير أن تحديد ربح في المضاربة كعشرة مثلاً فهو مخالف للقواعد الفقهية، كقاعدة: "الضرر يزال"، فتبين بذلك أن الفقهاء أتوا بهذا الشرط من أنفسهم يعتبر كذباً.

الوجه الثاني: أن تحديد ربح معين في المضاربة ولا ضمان علي صاحب المال إذا هلك عين الربا وشروط باطلة.

الوجه الثالث: أن البنوك هي الضامنة للمال شرط باطل بالإجماع.

الوجه الرابع: لا يوجد للبنوك محلات تعرض فيها سلع ومشروعات تستثمر فيها المال.

الوجه الخامس: أن تلك المعاملة يكون فيها الربح منسوب لرأس المال كعشرة في المائة من رأس المال وهذا عين الربا.

بذلك يتضح أن فتوي القائل بتحليل فوائد البنوك باطلة جمعت أصول الربا: ربا الفضل وربا النساء والقرض بفائدة مشروطة، وهذه الأصول محرمة بالكتاب والسنة والإجماع.

قال من أحل الفوائد: "إن لولي الأمر أن يتدخل في عقد المضاربة وأن يجعل ضمان المال إذا هلك علي العامل وهو البنك............ألخ"، فهل يجعل ولي الأمر مشرعاً مع الله، وقد ذم الله الذين يشرعون مع الله، فقال تعالي: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ)

قال من أحل الفوائد: "إن رسوالله رفض أن يُسعر للناس وكثير من الفقهاء أجازوا لولي الأمرتسعير السلع إذا غالي التجار فيها واحتكروها". والرد علي ذلك: أن تحديد السعر مختلف فيه بين الفقهاء، ولا يصح قياس المجمع عليه، وهو عدم تحديد ربح في المضاربة كعشرة مثلاً علي المختلف في حكمه وهو التسعير، وهو قياس يعارضه نص وإجماع.

قال من أحل الفوائد: " للعامل في المضاربة الفاسدة أجر المثل" والرد علي ذلك: أنه كلام متضارب لأن الذي يأخذ المثل في الواقع صاحب المال، والمفترض أن يأخذه العامل وهو البنك، ولو علم صاحب المال والعامل (البنك) بأن هذه المعاملة فاسدة كيف يقدمان عليها شرعاً.

قال من أحل الفوائد: "إن مسألة التحديد للربح مقدماً أو عدم التحديد ليست من العقائد ولا العبادات التي لا يجوز التغيير أو التبديل فيها، وإنما هي من المعاملات الاقتصادية التي تتوقف علي رضي الطرفين في حدود شريعة الله التي شرعها لمصللح العباد" فالرد علي ذلك: إن مسألة التحديد للربح من عدمه ليست من العقائد أو العبادات كلام مُسلَّم ولا خلاف فيه، أما قوله بجواز التغيير فيه والتبديل فهذا كلام باطل وله خطورة علي التشريع الإسلامي، فهل يجعل ثلث التشريع وهو المعاملات عرضة للتغيير والتبديل، فالشريعة الإسلامية المشتملة علي العقائد والعبادات والمعاملات متصفة بالثبات والاستقرار والدوام، فالمعاملات أحكامها ثابتة ومحكمة مثل العبادات، ويلزم صاحب هذا القول إباحة الربا وبيع الخمر والقمار ومهر البغي لأنها معاملات، وهذه الفتوي تجعل المصلحة مقدمة علي الأدلة القطعية، وهذا قد قاله الطوفي من الشعية وقد تبرأ منه العلماء قاطبة حتي علماء الشيعة.

واستدل القائل بحل الفوائد الربوية بقول عمر: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ تَصْلُحُ لَكُمْ، وَآمُرُكُمْ بِأَشْيَاءَ لَا تَصْلُحُ لَكُمْ، وَإِنَّ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا آيَةَ الرِّبَا، وَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا، فَدَعُوا مَا يُرِيبُكُمْ، إِلَى مَا لَا يُرِيبُكُمْ.

وتم الرد عليه بالتفصيل بقول ابن الحزم في المحلي ملخصه: "حاشا لله من أن يكون رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يبين الربا الذي توعد فيه أشد الوعيد، وأذن الله فيه بالحرب، ولا عليه أن يبين كل شئ لكل أحد فإن لم يكن بينه لعمر فقد بينه لغيره ........ألخ"

وهذه الفتوي صدرت في جريدة الأهرام بتاريخ 29،28،27 سنة ،1991، وكانت في الأصل لتحليل الفوائد الربوية التي تعطي علي أنها شهادات استثمار أو لصناديق التوفيروما شابه ذلك من المعاملات الربوية، والفتوي القائلة بحل الفوائد الربوية لشهادات الاستثمار تبع فيها القائل لعالم آخر قال بحل فوائد البنوك، فتم بذلك الرد علي من أحل فوائد البنوك، لأن دعوتهما واحدة.

وملخص الرد: 

*أن من أحل فوائد صندوق التوفير قال: إنها غير فوائد البنوك، وصناديق التوفير تقوم بتشغيل هذه الأموال، الرد:هذا كلام غير صحيح لأن فوائد صندوق التوفير، كفوائد البنوك في الحرمة، وصناديق التوفير لا تشغل المال، بل تعطيه للبنوك والبنك يخرج عليه فائدة.

*أن من أحل فوائد صندوق التوفير قال: الذي يعطي المال لصناديق لم يكن دَيناً ولا قرضاً، بل وديعة لحفظ المال وزيادته، الرد: هذا كلام غير صحيح فلو لم يكن قرضاً فلماذا يضمنه صندوق التوفير، وفي الأحاديث والإجماع لا ضمان علي مُودَع إلا إذا فرط، لكن الواقع أن الصندوق ضامن للمال فهو مقترض وإن سموه وديعة وبالتالي الفائدة علي القرض ربا. 

وتم تناول باقي القتوي القائلة بحل فوائد شهادات الاستثمار والرد عليها بالتفصيل، فأجاد وأفاد ولم يدع للقائل بحل فوائد البنوك وصندوق التوفير مجال للرد أو التعقيب، ثم نصيحة لكل من أفتي بما يخالف الشرع وعلم الحق يجب عليه الرجوع للحق.

موقف الشريعة الإسلامية من المعاملات المصرفية والبديل عنها: وتحتوي علي بابين ومقدمة:

المقدمة: وفيها:

أولاً: اسباب اختيار الموضوع: فمن هذه الأسباب تحذير المسلمين من الربا،الرد علي من أحل فوائد البنوك، قطع الحجة علي من يتذرعون بفتاوي العلماء الباطلة بحل فوائد البنوك.

ثانياً: نشأة المصارف والبنوك: بدأت البنوك في مدينة البدقية سنة 1157 ميلادياً، ثم فرنسا وانجلترا وغيرهما من بلاد أوربا، ثم زحفت أوربا بأموالها لبلاد الإسلام ثم صارت لهم السلطة السياسية في بلاد المسلمين وزحفوا بجيوشهم لاحتلال هذه البلاد لحفظ أموالهم وكانوا يسمونها مصالح، وبدأت البنوك في مصرسنة (1850-1919م)، ونشأ البنك الأهلي المصري سنة 1898م برأس مال مصري وإنجليزي، ثم أسس طلعت حرب بنك مصر 1920م، ثم بنك التسليف الزراعي1931م، ثم البنك العقاري1935م، ثم البنك الصناعي 1949م، ثم بنك القاهرة 1952م.

الباب الأول: وفيه سبعة فصول: 

 الفصل الأول: في الرد علي من زعم إباحة ربا الفضل:

حيث استدل من أباح ربا الفضل بحديث" لا ربا إلا في النسيئة"، وقول ابن عمر وابن عباس. فالرد: فالحديث منسوخ أو أن له مفهوم يخالف منطوق والمنطوق مقدم علي المفهوم، إلي غير ذلك من التوجيهات للحديث، أما قول ابن عمر وابن عباس كان اجتهاد منهما رضي الله عنهما ولما علما بالتحريم رجعا عن قوليهما، وربا الفضل دلالة تحريمه ثابتة من القرآن والسنة والإجماع.

الفصل الثاني: في الرد علي من زعم أن المحرم من الربا ما كان أضعاف مضاعفة: استدل من أباح الربا أن المحرم ما كان فاحشاً وأضعاف مضاعفة بمفهوم الآية "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً"،  وربا البنوك ليس فاحشاً ولا أضعاف مضاعفة. والرد عليه: بأن دلالة المفهوم ليست حجة، ولوكانت حجة يشترط ألا تخالف منطوق وهي تخالف منطوق قول تعالي:(وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)، إلي غير ذلك من الردود المبنية علي أصول فقهية صحيحة، وأن تحريم الربا أضعاف مضاعفة من باب التدرج في التشريع ثم حُرِّم قليله وكثيره كالخمر.

الفصل الثالث: في الرد علي من أباح القرض بفائدة: ذكر عدة أدلة في أن القرض بفائدة ربا مؤيداً ذلك بأقوال أصحاب المذاهب الأربعة والظاهرية، فالقرض له أحول:

الأولي: القرض بفائدة مشروطة: محرم عند جميع الفقهاء، ونقل أقوال لبعض أهل العلم في ذلك.

الثانية: القرض بفائدة غير مشروطة قبل الوفاء: الجمهور قالوا بعدم جواز دفع شيئاً للمقرض نظير القرض قبل الوفاء، ونقل أقوالهم وأدلتهم.

الثالثة: قضاء القرض بأكثر عدداً أو صفة:  إن كانت غير مشروطة وكانت عند الوفاء بالدين ففيها خلاف، منع منها مطلقاً أبي بن كعب وابن عمر وابن عباس، وأجازها مطلقاً أبو حنيفة والشافعي وأحمد والظاهرية، أما مالك أجازها بشرط ألا يكون عرف أو عادة لذلك، وتكون الزيادة في الصفة لا في العدد. ونقل أدلة كل قول، ورجح القول الثاني الجواز مطلقاً، وبناءً عليه يُرد قول من أجاز فوائد البنوك أو البوستة أو بوليصة التأمين لأنها فائدة  غير مشروطة والبنك لم يعطيها من أجل القرض، لأن الواقع أنها فائدة مشروطة ومن أجل الدين، وقد ثبت تحريم ذلك بالكتاب والسنة والإجماع.

الفصل الرابع: الرد علي من زعم أن فوائد البنوك والبوستة جائزة للضرورة: ودليلهم: (الضرورات تبيح المحظورات)، فالرد علي ذلك ما هي الضرورات التي تبيح المحظورات؟ هل هي الكماليات؟ فالواقع أن الذي يضع المال في البنوك هم أهل غني ومعهم مال، وكذلك الذين يقترضون لم يقترضوا لحفظ حياتهم من الموت كالمضطر لأكل الميتة، إنما يقترضون من أجل شراء سيارة وبناء عمارة....

الفصل الخامس: في الرد علي من زعم أن فوائد البنوك والبوستة جائزة لأن فيها نفع للفرد والمجتمع فهي من قبيل المصلح المرسلة:

الرد: هذه دعوة باطلة لأكل أموال الناس بالباطل، فأين المصلحة لفعل كبيرة؟ ولا نسلم أنها مبنية علي مصلحة مرسلة بل مبنية علي مصلحة مهدرة، لأن المصالح المرسلة هي: "الوصف المناسب للحكم الذي لم يعلم من الشارع إلغاؤه أو اعتباره وكانت متفقة مع روح الشريعة" مثل: جمع القرآن الكريم في المصاحف، تضمين الصناع لحفظ أموال الناس.

وفوائد البنوك والبوستة مخالفة لنصوص القرآن والسنة وإجماع العلماء.

الفصل السادس: الرد علي من أباح جميع الفوائد المصرفية وفوائد السندات: الرد إن القائل بذلك أضر علي الإسلام من محاربة أعدائه بالسيوف، لأن إزهاق الأرواح أخف من ضياع الدين، ثم تناول الفتوي بإباحة الفوائد تحت شعار حاجة التجار لزيادة تجاراتهم ومجاراة دول الغرب وبالتالي إباحة فوائد البنك التجاري، وكذلك في بناء أبنية قوية تظهر قوة المسلمين وبالتالي إباحة فوائد بنك التعمير، وعلي نفس المنوال إباحة فوائد بنك التسليف الزراعي وبنك التسليف الصناعي، وتم الرد علي ذلك ونقل كلام فضيلة الشيخ محمود شلتوت من تفسيره في سورة آل عمران التي حرم فيها المعاملات المصرفية الربوية، وفيها رد بقوة علي كل من أباح الربا، وإن كان فضيلة الشيخ أجاز هذه الفوائد وهذا من التضارب، وأين دليله الجديد ليحلل ما حرمه بأدلة قوة.

ومستند الشيخ شلتوت لإباحة الفوائد الربوية هي الضرورة، ورد علي ذلك من خلال تعريف الضرورة عند الفقهاء الأربعة، وعلي الفرض بوجود ضرورة فوجب علي المضطر البحث عن البديل في الشريعة الإسلامية.

الفصل السابع: في الرد علي زعم أن تحويل تحويل فوائد البنوك والبوستة وشهادات الاستثمار من قرض لقراض يجعلها جائزة شرعاً: واستدلوا بقضاء عمر علي أبنيه لما أخذا مالاً من أبي موسي الأشعري لتوصيله لعمر فأتجرا فيه وربحا فقضي بأخذ نصفه مضاربة بأمر من الصحابة، والرد أن هذا من عمر لرفع النزاع لأن عمر أراد أخذ كل المال لأنه أمانة ولا يصح الإتجار فيه إلا بإذن صاحبه، وأبو موسي أذن لهما بالإتجار فيه مقابل التوصيل، وعمر أعطاهم مقابل التوصيل.

شبهة أخري أن فوائد البنوك مسكوت عنها. والرد علي هذه الشبهة بأن تلك المعاملات تعتبر من القرض بفائدة، أو تندرج تحت الأصل الثالث من أصول الربا وهو التأخير في الأجل نظير الزيادة في الربح، وكلاهما محرم بالنصوص والإجماع، حتي وإن سموا تلك المعاملات بغير أسمائها.

شبهة أخري: أن شروط المضاربة من وضع الفقهاء وبالتالي يجوز لرب المال ربح ما يضمن، والرد: ثبت النهي عن ذلك من كلام النبي صلي الله عليه وسلم " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن"، فالفقهاء لم يضعوا هذه الشروط من عند أنفسهم كما زعم صاحب الفتوي بحل الربا، بل هذه الشروط مستقاه من نصوص الشريعة.

وشبهة أخري: يجوز للعامل أخذ ربح معلوم في المضاربة، الرد بل ثبت النهي بالسنة والإجماع وأن المضاربة تبطل بذلك، ونقل الدليل علي ذلك.

الباب الثاني: في البديل عن الربا في الشريعة الإسلامية:

الفصل الأول: مبحث أول: في طبيعة أعمال المصارف (البنوك): 

1-فوائد القروض أو الديون فتأخذ الأموال من المودعين بفائدة، وكلما تأخر المال تزيد الفائدة، وتعطي هذه الأموال للمقترضين بفائدة أعلي وكلما تأخر في السداد تزيد الفائدة.

2-شراء الأوراق المالية (الكمبيالات) بأنقص من قيمتها مع شرط تعجيل قيمتها.

مبحث ثاني: وهذه معاملات ربوية صريحة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع. ونقل أدلة علي ذلك.

الفصل الثاني: مبحث أول:  في البديل عن الربا في داخل الدولة:

البديل الأول: القراض (شركة المضاربة): وذكر تعريفها وحكمها والحكمة في مشروعيتها وشروطها بالتفصيل ومن أقوال أهل العلم.

البديل الثاني: الأسهم:وهو أن تجمع رؤس الأموال وتجعل سهماً ثم يتجر المصرف فيها ثم يقسم الربح حسب الأسهم.

البديل الثالث: شركات الأموال: إنشاء مصرف للاستيراد من الخارج وبيع ما تستورده في الداخل، أو العكس تصدر الفائض عن حاجة الدولة. وإنشاء مصانع، وتسمي هذه المعاملة بـ (شركة العنان)، ثم ذكر تعريفها وحكمها والحكمة في مشروعيتها وشروطها بالتفصيل ومن أقوال أهل العلم.

البديل الرابع: البنك الصناعي: حيث يشتري السلعة (المواد الخام) وبيعها بالتقسيط للمصانع، أو يشتري من المصانع المنتجات في صورة بيع السلم ويقدم المال كامل للمصنع (ثمن المنتج) ويقوم البنك بعد استلام المنتج ببيعه، أو استئجار البنك المصنع ويدفع له إيجار المصنع والبنك يدفع أجور العمال ويحضر المواد الخام ويقوم ببيع المنتج، أو يقوم البنك بانشاء مصانع بأموال المودعين ولكل مودِع حصة في المصنع حسب سهمه. ونقل تفاصيل هذه المعاملات من أقوال الأئمة ومذاهيهم كالشافعي وأحمد وغيرهم.

وعلي نفس المنوال البنك الزراعي الخاص بالمزارعين فيقوم البنك بعمل شركة المزارعة مع صاحب الأرض، فصاحب الأرض العامل ويكون البنك نائب عن أصحاب رؤوس الأموال المساهمين، وذكر طرق للمشاركة بين البنك الزراعي والمزارعين بأدلة من السنة وأقوال الأئمة، أو يشتري البنك للمزارع كل إحتياجته ويبيعها للمزارع نقداً مؤجلاً.

 وعلي نفس المنوال البنك العقاري الخاص بقرض  أصحاب العقارات ويقوم البنك بعمل شركة مع صاحب الأرض ويكون البنك نائب عن أصحاب رؤوس الأموال المساهمين، فتقدر الأرض ويقوم البنك بالبناء ويخرج حصة لصاحب الأرض وحصة للمساهمين، أو يشتري البنك للمقاول مواد البناء ويبيعها له بالتقسيط.

مبحث ثاني: البديل عن الربا في الخارج: وذلك بعدة وسائل منها: عمل سوق مشتركة بين الدول الإسلامية.

أما البدائل:

فالبديل الأول: إنشاء صندوق إسلامي: يتكون رأس ماله من أسهم من الدول الإسلامية وتُستغل تلك الأموال في مشروعات استثمارية.

البديل الثاني: تطلب بعض الدول المحتاجة من الدول الأخري شراء ما تحتاجه ثم تبيعه لها بالتقسيط.

البديل الثالث: تبادل السلع بين الدول المسلمة.

البديل الرابع: إنشاء صندوق تعاوني إسلامي.  

الباب الثالث: موقف الشريعة الإسلامية من التأمين علي الأنفس والأموال: 

مقدمة: اقتضت حكمة الله تعالي أن يكون عمران الدنيا بالخلق، وأنهم في هذه الحياة الدنيا يتعرضون لأنواع البلاء والمخاطر والفتن في الأنفس والأموال والزوجة والأولاد قال تعالي: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، من أجل ذلك شرع لهم أسباب الوقاية، وقد ذكر الله أسباب الأمان في كتابه، فمن عمل بالكتاب والسنة، تحقق له الأمن والسعادة في الدنيا والأخرة التي هي غاية كل مؤمن.

هذا وقد وجد في العصر فكرة خاطئة ونظرية ضالة نادي بها من حاد عن الإسلام ألا وهي "التأمين"، وهي تشمل التأمين علي النفس أو الحياة أو الزوجة أو الأولاد أو الأموال، وتدور فكرة التأمين علي أن المُؤمن يدفع قسطاً شهرياً من المال لشركات التأمين نظير التأمين له علي حياته أو ماله أو زوجته أو أولاده.

الفصل الأول: التأمين علي النفس أي: الحياة من الهلاك: لقد نجي الله يونس عليه السلام بإيمانه وصلاحه ودعائه ثم قال تعالي: " وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ" ونجي الله أصحاب الغار بصالح أعملهم، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمُدَّ اللَّهُ فِي عُمْرِهِ وَيُوَسِّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيَدْفَعَ عَنْهُ مَيْتَةَ السُّوءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».

الفصل الثاني: التأمين علي الأولاد خشية الموت أو الفقر: قال تعالي: " وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً" وقال تعالي في حق اليتيمين: " وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً"

الفصل الثالث: التأمين علي الأموال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ ". وانظر لأصحاب الجنة في سورة القلم ما حدث لهم بسبب منع حقوق الفقراء.

الفصل الرابع: التأمين علي الزوجة: اخبر تعالى عن عبده زكريا: "فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ"

الفصل الخامس: في عقد التأمين:

المطلب الأول: تعريف لغة: السلامة. أما شرعاً: لم تكن هذه المعاملة موجودة في عصر الفقهاء لكن وضعوا تعريفاً يماثلها وهو تعريف القمار وهو" ما لا يخلوا فيه أحد الاعبين من غرم أو غرم" وحقيقته: تمليك مال علي المخاطرة.

أما عند علماء الفقه الوضعي: فهو "عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي للمؤمن له أو المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو مرتباً أو أي عوض مالي في حالة وقوع الحادث وذلك في نظير قسط أو أقساط يؤديها المؤمن له للمؤمن".

المطلب الثاني: في أقسام التأمين: 

الأول: التأمين الأجتماعي الذي تقوم به الدولة. وهو محرم شرعاً لوجود الغرر.

الثاني: التأمين الإجتماعي الذي تقوم به جمعيات التأمين التعاوني. وبعض العلماء المحدثين أفتي بحله والمسؤلية أمام الله عليه.

الثالث: التأمين بقسط ثابت تقوم به شركات التأمين. وهو المقصود في هذا البحث 

المطلب الثالث: في بيان حقيقة عقد التأمين شرعاً: وذكر صوره. ونقل من أقوال العلماء أنه صورة القمار المحرم.  

المطلب الرابع: في حكم التأمين علي الحوادث: فهو قمار ومحرم شرعاً وذكر أدلة علي ذلك.

المطلب الخامس: في بيان شبهة من أجازوه والرد عليهم:

الشبهة الأولي: أنه عقد مضاربة: وهي فتوي الشيخ محمد عبده وهي فتوي علي سؤال علي من يدفع ماله لمن يتاجر فيه فإن كان حي أخذ أصل المال بربحه وإن كان قد مات أخذ الورثة أصل المال والربح، فأفتي الشيخ محمد عبده أنها مضاربة شرعية، وهي فتوي صحيحة ولكن أين صورة الفتوي من صورة التأمين الحالي، هل شركات التأمين تقوم بتشغيل المال والخسارة علي صاحب المال والربح بينهما لم يكن ذلك، وأفتي الشيخ عبدالرحمن قراعة بتحريم عقد التأمين وأنه ليس عقد مضاربة.

الشبهة الثانية: أوردها الدكتور الزرقا: الأصل في العقود الإباحة: الرد: نعم صحيح ما لم يكن العقد ورد نص بتحريمه، كعقد التأمين فهو قمار محرم بالنص. 

الشبهة الثالثة: أنه يشبه ضمان خطر الطريق. وتسمي (سوكرة) ونقل رد ابن عابدين علي تحريم مسألة (السوكرة) وهي ضمان خطر الطريق.

الشبهة الرابعة: أنه وعد ملزم يجب الوفاء به، والرد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوِ أَحَلَّ حَرَامًا وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا»

الشبهة الخامسة: أنه يشبه نظام العاقلة في الدية. والرد: أنها شبهة لا تستحق الرد للفرق الشاسع بين نظام العاقلة وعقد التأمين.

المطلب السادس: في بيان علة النهي عن التأمين: يشتمل هذا العقد علي علل للتحريم منها: القمار والغرر والربا وبيع الدين بالدين. 

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية