الهدايا للموظفين أحكامها وكيفيّة التّصرّف فيها.

الهدايا للموظفين أحكامها وكيفيّة التّصرّف فيها.
الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠٢٣ - ١٠:١٦ ص
362

الهدايا للموظفين أحكامها وكيفيّة التّصرّف فيها.

قرأه/ محمود الشرقاوي.

أصل هذا الكتاب

بحث منشور في مجلة البحوث الأمنية بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض في المجلد 13 العدد 19 ذو الحجة 1425 هـ

ومن البحوث التي حصل بها المؤلف على درجة أستاذ مشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

المؤلف: 

عبد الرحيم بن إبراهيم بن عبد الرحمن السيد الهاشم، أستاذ مشارك بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء.

عرض الكتاب:

*بدأ البحث بذكر حديثين شريفين في حرمة هدايا العمال منها قوله صلى الله عليه وسلم: «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» وذكر أقوال لبعض الفقهاء في حرمة هدايا العمال وذكر ما أُلِّف في هذا الباب منها «فصل المقال في هدايا العمال» للسُّبكي.

الفصل الأول: الهدية، والرشوة، والفرق بينهما وذكر فيه:

* الفرع الأول: التعريف بالهدية وهي لغة: تمليك المرء ماله لغيره بلا عوض؛ تلطفًا.

اصطلاحاً: «تمليك ممن له التبرع في حياته لغيره، عينًا من ماله؛ إكرامًا بلا شرط ولا عوض» وبيَّن معني التعريف

*ثم ذكر حكم بذل الهدية وقبولها والمكافأة عليها: فالهدية مستحبة؛ فقد أمر بها الشارع الحكيم وحث عليها قال صلى الله عليه وسلم قال: «تهادوا تحابوا» وهي سيلة للتآلف والمحبة بين المسلمين وسبب فوزهم بالجنة ويستحب قبولها؛ ويكره ردها لما فيها من إدخال السرور على باذلها ويكره قبول الهدية إذا ترتب عليها ما يناقض القصد الذي شرعت له؛ لأن المقاصد في العقود معتبرة.

ويجب ردها إن علم أنها بذلت بغير طيب نفس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه» أو كانت مما لا يحل للمهدي أخذه ويباح ردها إن كان باذلها منانًا؛ دفعًا للمنة، ويستحب المكافأة على الهدية فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية، ويثيب عليها»

الفرع الثاني: الرشوة وهي: ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره؛ ليحكم له، أو يحمله على ما يريد.

أضرار الرشوة: محرمة، وتوعد الله عليها باللعن، وفيها أضرار عظيمة، ومفاسد وخيمة على الفرد والمجتمع؛ فتؤدي الي القطيعة والخيانة والغش وتفسد الخلق، روي عن كعب الأحبار: «الرشوة تسفه الحليم، وتعمي عين الحكيم» وتضيع الحقوق، وتنصر الظالم على المظلوم وخيانة للأمانة وتقديم من يستحق التأخير، وتأخير من يستحق التقديم، فيكون كل من الموظف والباذل له هدية قد عملا لمنفعتهما لا للمصلحة العامة فيضران غيرهما، ويحدثان في المجتمع الأنانية التي هي من أوائل أسباب الفساد فيه.

* ثم ذكر حكم بذل الرشوة وقبولها: فالرشوة محرم بذلها وقبولها؛ بدليل القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والإجماع.

فمن القرآن الكريم: قول الله جل وعز: {وَلَا تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال البغوي: «أي لا تعطوها الحكام على سبيل الرشوة؛ ليغيروا الحكم لكم» 

ومن السنة: عن ثوبان رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي، والمرتشي، والرائش» شمل هذا اللعن جميع المتعاونين على الرشوة، وهم: الراشي: معطي الرشوة. والمرتشي: آخذها. والرائش: الذي يأخذ الرشوة من الراشي ويعطيها للمرتشي

الفرع الثالث: الفرق بين الهدية والرشوة:

الأول: الهدية: مأمور بها ومن الكسب الطيب والرشوة: منهى عنها ومن الكسب الخبيث.

الثاني: الهدية: لا شرط في بذلها. والرشوة: مشروطة بعوض غير شرعي، لفظًا أو معناً 

الثالث: الهدية: تبذل في حق كتودد لقريب أو صديق أو لمن أسدى لك معروفًا ليس واجبًا عليه بوظيفة لدولة أو فرد. والرشوة: تبذل للتقرب والاستعطاف في الباطل

الرابع: الهدية: ظاهرة معلنة، ومبنية على الجود والكرم والسماحة وطيب نفس، ويمدح باذلها وآخذها، فيبارك فيها. والرشوة مخفاة، ومبنية على المشاحّة والمنَّة، وغالبًا على عدم طيب نفس، ويعاب باذلها وآخذها، فتمحق بركتها.

الخامس: الرشوة اشتراطها يسبق العمل، والهدية تكون بعده.

الفصل الثاني: الهدية إلى الموظف، وإلى جهة عمله

الفرع الأول: التعريف بالموظف: وهو «من يختص عمله بغيره من دولة أو شركة أو مؤسسة أو فرد، في محل تجاري أو مزرعة أو مصنع أو ورشة ونحوها»

والحديث في هذا الفصل عن الهدية للموظف لا لصاحب العمل الحر؛ فإن الهدية إليه داخلة في عموم الهدية المباحة، إلا أن يقصد بها الإساءة إلى غيره بالتأخير ونحوه فتكون من الإعانة على الإثم والعدوان. والله تعالى أعلم.

الفرع الثاني: حكم الهدية إلى الموظف: الموظف إذا قام بواجب عمله، استحق الشكر بالكلام على جهده، والشريعة تأمر بذلك أما الهدية سواءً نقوداً أو أي شيء أخر لأجل وظيفته فحكمها كالآتي: 

القسم الأول: الهدايا المحرم بذلها للموظف ويحرم قبوله لها:

إن كانت لقصد استمالة قلب الموظف في غير الحق حالاً أو مستقبلاً؛ فهذه في ظاهرها هدية، لكنها في باطنها رشوة ألبست ثوب الهدية، فيحرم على المُهدي وهي حرام في حق جميع الموظفين لكنها في حق الحاكم والقاضي أعظم جرمًا من غيرهما

فإن كان للشخص حق مرتبط إنجازه بموظف، ولا يستطيع الوصول إليه إلا بدفع مال لهذا الموظف، فصبره وعدم دفعه أولى. فإن أبى الموظف إلا الدفع، فإنه يحرم على الموظف مماطلة صاحب الحق، وقبوله ما يدفعه إليه تجاهه؛ لأنه مرتشٍ.

أما البذل له من صاحب الحق، فللفقهاء في جوازه قولان:

الأول: يجوز البذل؛ لأن الباذل يدفع به الظلم عن نفسه، وهو جائز؛ لاستنقاذه حقه بذلك كما يستنقذ الرجل أسيره، وإليه ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة

والثاني: يحرم البذل؛ لعموم حديث: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي 

تنبيه: ومن هذه الهدايا المحرمة بذلاً وقبولاً؛ ما يقدمه أصحاب المحلات التجارية والمستشفيات ونحوها لموظفيها؛ مقابل قيامهم بتغيير صلاحية المنتج، أو أسماء الشركات، أو طلب تحاليل من المرضى، أو ترويج أدوية.

القسم الثاني: الهدايا المنهي الموظف عن قبولها، وقد يباح بذلها له: ذكر لها خمس أنواع:

الهدية الأولى: الهدية للموظف ممن له حاجة مباحة تتعلق بوظيفته، وبَذَلَها له قبل إنهاء حاجته، فهذه محرمة بالاتفاق وذكر أدلة على ذلك وأقوال لأهل العلم

الهدية الثانية: الهدية للموظف ممن لا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته، وكان معتادًا أن يهدي له قبل توليته لها؛ لكن زادت هديته بعد الوظيفة فوق ما اعتاده قبلها، ومال المهدي لم يزدد، فهذه فيها خلاف في تحريمها وذكر وأقوال أهل العلم في ذلك ورجح تحريم الزيادة المتميزة فقط، وتحريم الكل إن لم تتميز الزيادة.

الهدية الثالثة: الهدية للموظف ممن له حاجة عنده تتعلق بوظيفته، وكان يهدي له قبل توليته الوظيفة، وهديته لم تتغير بزيادة بعد توليته.  وهذه فيها خلاف فقال الترجيح: لم يظهر لي ترجيح أحد القولين؛ لتكافؤ دليلهما.

الهدية الرابعة: الهدية للموظف ولم يكن يهدي له قبل توليته الوظيفة، ولا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته. وهذه فيها خلاف في تحريمها قال والراجح القول بالتحريم

الهدية الخامسة: الهدية للموظف ممن لم يكن يهدي له قبل توليته الوظيفة، وبذلها للموظف بعد إنهائه حاجته المتعلقة بوظيفته. وهذه فيها خلاف في تحريمها قال والراجح القول بالتحريم ولما فيه من سد ذريعة الاكتساب بالوظيفة

 والموظف يعمل في جهة عمله مقابل عوض ولا يحل له الإخلال بحجة قلة راتبه، أو كثرة عمله؛ فإنه داخل باتفاق عليهما مع جهة العمل ولا يحل له أخذ عمولة فليطلب الإقالة عن عمله؛ فإنها خير له من أخذه ذلك؛

القسم الثالث: الهدايا المباح بذلها للموظف، وقبوله لها: وهذه الهدايا، ست عشرة هدية:

منها الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقبل الهدية صلى الله عليه وسلم وأما الهدية للسلطان ممن لا يريد منه وظيفة في الدولة وهدية أهل الحرب للسلطان وهدية الأعداء المحاربين لأمير جيش محاربيهم أو لأحد عسكره. فمنها المقبول لنفسه أو توضع في بيت مال المسلمين ومنها الهدية للموظف ممن لا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته، ومنها الهدية للموظف ممن لا يُقبل له حكمه لو كان قاضيًا كولده وأخيه ومنها الهدية المأذون بها للموظف من ولي الأمر ومنها الهدية للموظف من الأعلى منه في وظيفته ومنها الهدية للموظف بعد تركه الوظيفة والهدية على وجه إكرام العلم والصلاح، المقدمة للمفتي والواعظ وإمام المسجد ومنها ضيافة الموظف المسافر في غير بلده ومنها الهدية للموظف من غير أهل بلد الوظيفة ومنها الهدية للموظف في غير بلد الوظيفة ومنها الهدية للموظف من زميله في عمله الذي تعرف عليه فيه فهذه كلها يباح قبولها

الفرع الثالث: حكم الهدية إلى جهة عمل الموظف قسمها قسمان:

القسم الأول: جهة عمل ليست لها ارتباط بعمل الدولة كالمؤسسات والمحلات التجارية. فهذه يجوز بذلها، ويجوز للمسئول عن هذه الجهات قبولها. بشرط ألا يقصد بها المهدي للإضرار بغيره. 

القسم الثاني: جهة عمل للدولة، أو لها ارتباط بعمل متعلق بالدولة وتشمل الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة المرتبطة بالحقوق العامة كمكاتب التقارير الطبية في المستشفيات الخاصة، ومكاتب المحاماة والمحاسبين القانونيين، أو المؤسسات المرتبطة بمشاريع مالية للدولة كشركات ومؤسسات المقاولة، والمحلات التجارية التي تتعامل مع الدولة.

والهدية لهذه الجهات: لا تجوز لكن موظفو الجهة لا ينجزو العمل إلا ببذله هدية لدائرتهم لا لأنفسهم. فهذه الهدية: يجوز للمهدي بذلها، ويحرم على موظفي الجهة قبولها. لكن لو أراد أن يقدموه على غيره كما في مشاريع المقاولات، أو غير ذلك من المقاصد غير المشروعة. فهذه تعتبر رشوة، يحرم على المهدي بذلها، ويحرم على موظفي الدائرة قبولها

أما إن قصد بهديته هذه إكرام الجهة ومجازاتها على ما قامت به تجاه مهمته. فهذه الهدية: أرجو ألا يكون بأس في بذلها وقبولها؛ لأن المصلحة عائدة للمجتمع كله لأن يهدي للمؤسسة لا للموظف،

الفصل الثالث: التصرف في الهدايا للموظفين: فذكر لهذه المسألة ثلاثة فروع:

فمن الأخلاق السامية للموظف أنه لا يقبل أي هدية تبذل إليه لأجل وظيفته، 

الفرع الأول: تصرف الموظف في الهدايا المباح بذلها له، وقبوله لها فله أن يمتلكها حلالاً طيبًا، ويسن له مكافأة المهدي إن استطاع؛ وإن خشي منته ونحوها، رد الهدية، وإلا وضعها في بيت المال.

الفرع الثاني: تصرف الموظف في الهدايا المحرم بذلها له، وقبوله لها هذه الهدايا لها حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون الموظف لم يستلم هذه الهدية فحينئذ يجب عليه أمران: 

الأول: عدم قبوله هذه الهدية. 

الثاني: نهيه إن استطاع باذل الهدية عن هذا المنكر، لأن إنكار المنكر واجب

الحالة الثانية: أن يكون الموظف أخذ هذه الهدية. فحينئذ اختلف الفقهاء في كيفية تصرفه فيها، على قولين:

الأول: يحفظها؛ ليردها إلى المهدي، فإن تعذر ردها؛ فيضعها في بيت المال 

الثاني: لا يردها على باذلها، وإنما يجعلها في بيت مال المسلمين وذكر أدلة كل قول والراجح القول الثاني، توضع الهدايا في بيت المال.

الفرع الثالث: التصرف في الهدايا المباح بذلها للموظف والمنهي هو عن قبولها لأن باذلها مضطر؛ فلها حالتان:

الأولى: أن يقصد بالهدية إكرام الموظف فأعطاه هدية فهي قسمان:

القسم الأول: بعد قضائه حاجة المهدي. فعلي الموظف رد الهدية؛ أو قبولها ويجب عليه مكافأة

القسم الثاني: هدية مبذولة ممن لا حاجة له في جهة عمل الموظف، أو إلى موظف لا علاقة له بحاجة المهدي في جهة عمله. 

فإن كان الموظف سلطانًا، وكانت الهدية ممن لا يريد وظيفة في الدولة، ولا مجازاة فللسلطان قبولها والمكافأة عليها أو

يقبلها لبيت المال أو يردها على المهدي 

وإن كان الموظف غير سلطان، فإن كافأ مهديها بمثلها، حلت له وإلا ردها لبيت المال من سد باب رغبة الموظفين في الهدايا 

الثانية: أن يقصد بهذه الهدية استعطاف الموظف في قيامه بعمل مباح للمهدي أو دفع ظلم عنه، وهي غالبًا تكون قبل إنهاء الغرض. فهذه الهدية يحرم على الموظف قبولها

الخاتمة:

ثم ذكر خاتمة للبحث فيها أربع نتائج وأربع توصيات.

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية