7 - باب كَرَاهِيَةِ الْكَلاَمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.

7 - باب كَرَاهِيَةِ الْكَلاَمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
الاثنين ٠٦ فبراير ٢٠٢٣ - ١١:٢٨ ص
117

7 - باب كَرَاهِيَةِ الْكَلاَمِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.

كتبه/ محمود الشرقاوى

يعني: كون الإنسان يقضي حاجته ويتكلم مع غيره فهذا مكروه، إلا إذا كان هناك حاجة أو ضرورة إلى الكلام، فله أن يتكلم بحدود الحاجة والضرورة.

15 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لاَ يَخْرُجُ الرَّجُلاَنِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ». 

[حكم الألباني: ضعيف] 

معاني المفردات:

يَضْرِبَانِ: يريدان قضاء الحاجة من بولٍ أو غائطٍ.

كَاشِفَيْنِ: أي هما كاشفان.

 عَنْ عَوْرَتِهِمَا: وينظر كل منهما إلى عورة صاحبه.

يَتَحَدَّثَانِ: يتكلمان.

يَمْقُتُ: والمقت هو: شدة البغض أي أنَّ الله يبغض كشفَ العورة أمام شخص آخر، ويرى كلًّا منهما عورة الآخر.

فقه الحديث: 

يدلُّ الحديث على:

1- نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يقضي حاجته ويتكلم مع غيره دون أن يرى أحد عورته، وهذا النهي عند جمهور العلماء للكراهة فقط.

2- نعم إذا كان هناك حاجة وضرورة إلى الكلام فله أن يتكلم بحدود الحاجة والضرورة، مثلًا: إذا كان الإنسان في الخلاء وطرق عليه الباب فلا بأس أن يجيبه أو نادته أمه وهو يقضي حاجته فلا بأس أن يجيبها بل قد يكون واجبًا. 

لكن كون الرجل يقضي الحاجة وهذا يقضي الحاجة ولا يرى أحدهما عورة الآخر ويتحدثان كأنهما جالسان للحديث فهذا لا يليق ولا ينبغي، بل على الإنسان أن يسكت عند قضاء الحاجة ولا يتكلم ولا يذكر الله عز وجل، ولكن إذا اضطر إلى الكلام بدون ذكر الله فليتكلم في حدود ما تدعو إليه الحاجة.

3- حاليًا بعض الناس ممكن يدخل الخلاء ومعه تليفون محمول هو يتكلم فيه مع شخص آخر، فهذا أيضًا يدخل تحت النهي والكراهة؛ لأنَّ أثناء هذا الكلام مع غيره ممكن أن يتكلم بكلام فيه ذكر لله، مثل كلمة إن شاء الله أو غيرها فيدخل في التحريم؛ لأن ذكر الله تعالى أثناء قضاء الحاجة حرام.

4- أما الكلام في حالة أن يرى كل واحد عورة الآخر أثناء قضاء الحاجة فهذا حرام؛ لأن ستر العورة واجب بدليل أنَّ المقت والبغض من الله المذكور في الحديث يشمل الأمرين معًا، وهما رؤية كل واحد منهما عورة الآخر مع الكلام. والمقصود رؤية العورة؛ لأنَّ الكلام أثناء قضاء الحاجة فقط ليس محرم كما ذكرنا بل مكروه، إن لم يكن فيه ذكر لله، والحديث ذكر الكلام مع الآخر أثناء قضاء الحاجة؛ لأنه لن يسمعه إلا إذا كان قريب منه، وبالتالي يرى كلٌّ منهما عورة الآخر، ويؤيد ذلك ما رواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ: «لَا يَقْعُدِ الرَّجُلَانِ عَلَى الْغَائِطِ يَتَحَدَّثَانِ يَرَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَوْرَةَ صَاحِبِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ»

5- أما إذا كان الرجل يقضي حاجته مع ستر العورة؛ كمن يقف يتبول بطريق عام أو في أماكن معدة لقضاء الحاجة (كالمبولة العامة) ويراه الناس أثناء قضاء الحاجة دون رؤية للعورة فهذا يكره فقط.

6- فيه دليل على وجوب ستر العورة؛ لأن الله يبغض أشدّ البغض ويعذب على كشف العورة والتحدّث حال قضاء الحاجة؛ لأن كل واحد منهما يرى عورة الآخر.

7- وفي الحديث وجوب غض البصر عن النظر للعورات المحرمة، وأن ذلك من الكبائر لأن المقت في الحديث يعود أيضاً على النظر للعورات المحرم النظر إليها قال تعالي: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (سورة النور)

8- ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين في الحديث؛ لأنه في الغالب يتكلم مع الرجال والنساء لهما نفس الحكم وتدخل في نفس الحكم، قال تعالي: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ" (سورة النور)

9- ذكر في الحديث كشف العورة أثناء قضاء الحاجة؛ لأنه الوقت الذي تنكشف فيه العورة غالبًا، لكن عمومًا لا يجوز كشف العورة أمام غيره سواءً عند قضاء الحاجة أو غيرها، وسواءً كشف واحد فقط عورته وشخص آخر ينظر إلي عورته، أو عدة أشخاص، أو الكل كشف عورته وينظرون إلى عورة بعض، كلُّ ذلك محرم ويشهد للنهي عن كشف العورات قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة" وهو حديث صحيح أخرجه مسلم.

10- وكذلك من المحرمات النظر إلى العورات في المواقع الإباحية وغيرها، وهذا يوقع العبد في مقت الله والعياذ بالله وغضبه، ويسبب له أمراض نفسية واجتماعية وعضوية، وقد يتحول إلى إدمان النظر الى ذلك والعياذ الله.

11- للأسف يتساهل كثير من الناس رجالًا ونساءً في كشف العورة أمام بعضهم بعض في الشواطئ وحمامات السباحة، وهذا فيه إثم ومنكر عظيم وكبيرة من الكبائر.

12- يستثنى من التحريم للنظر إلى العورة في حال الضرورة؛ كطبيب يعالج مريض ويكون النظر في هذه الحالة على قدر الضرورة.

13- وأيضًا يستثنى من ذلك الرجل وزوجته يجوز لهما كشف عورتهما أمام بعضهما أثناء الغسل وغيره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل هو وزوجته عائشة رضي الله عنها معًا، ويقول لها: دعي لي الماء. أي اتركي لي الماء، وتقول له: دع لي الماء. أما إن كان أثناء قضاء أحدهما حاجته فلا يكلم الآخر إلا إذا كان هناك احتياج للكلام.

14- في الحديث إثبات صفة المقت أي شدة البغض فالله يبغض ويمقت أصحاب المعاصي المخالفين لأمره كما جاء في قولـه تعالى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ. (

وهذه الصفة للرب عز وجل نثبتها لله على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا نقول إن الله يبغض ويمقت مثل البشر، فهذا لا يصح أن نشبه الربَّ بالبشر، بل يبغض ويمقت سبحانه بغضًا ومقتًا يليق بجلاله وعظمته، ولا نشبهه بالبشر، ولا ننفي عنه تلك الصفة، ونقول إنه سبحانه لا يبغض ولا يمقت؛ لأن تلك الصفة في البشر فننفيها عن الله فهذا لا يصح أيضًا، بل نقول يبغض ويمقت بغضًا ومقتًا يليق بجلاله وعظمته ولا نشبهه بالبشر.

 نضرب لذلك مثال بصفة من صفات ربنا عز وجل صفة الحياة لله، فالله سبحانه حي وأنت حي الآن لكن حياتك أو حياة البشر ليست كحياة الله، فالله سبحانه حي لا يموت، أما أنت قبل ذلك عدم، ثم أحياك الله، ثم تموت، ثم يُحيــيك الله يوم القيامة. فكما أن حياتك ليست كحياة الله فكذلك بغض الله ومقت الله ليس كبغض البشر وكمقت البشر بل الله عز وجل يبغض ويمقت بغضًا ومقتًا يليق بجلاله وعظمته ولا نشبه بالبشر ولا ننفي عنه تلك الصفة، وكما أننا لا ننفي عن الله صفة الحياة؛ لأن الإنسان حي فكذلك لا ننفي عن الله صفة المقت.

15- في الحديث حرص النبي صلي الله عليه وسلم عليه نصيحة الأمة وتحذيرهم مما يوقعهم في مقت الله وغضبه.

16- أن النظر إلى العورات المحرمة أو كشف الإنسان عورته لغير زوجته أو لغير ضرورة من أسباب مقت الله للعبد، كما ورد في هذا الحديث، وبتطبيق مفهوم المخالفة فإن مَن غضَّ بصره عن المحرمات وحفظ عورته والتزم السنة في عدم الكلام أثناء قضاء الحاجة، فإنه يتقلب في مرضات الله ويرضى الله عنه؛ لاتباعه هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو مرضيٌّ عنه، قال تعالى: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ). (آل عمران آية: 162)

17- إنَّ من شكر نعمة البصر ألا ينظر العبد للعورات المحرمة، وأن يصونها عما حرم الله تعالى فلا يليق بالعبد أن يعصي الله بنعم الله فتسلب منه النعمة والعياذ بالله.

18- وفي الحديث تحقيق لموطن من مواطن التقوى؛ و معنًى من معانيها وهي:  أن يجدك الله حيث أمرك، وألا يجدك حيث نهاك.

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية