الدعوة السلفية .. والأمن القومي

الدعوة السلفية .. والأمن القومي
السبت ١٩ فبراير ٢٠٢٢ - ١٧:٥٦ م
64

الدعوة السلفية .. والأمن القومي

بين الاختيارات المنهجية .. والخيارات التكتيكيّة

كتبه / وائل سرحان

الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ، أما بعد ..

فمن يتأمل الأحداث المتلاحقة التي تموج بها الساحة المصرية والعربية ، وعلاقة ذلك بالأفكار والمناهج ، يعلم بما لا يدع عنده مجالًا للشك أن الدعوة السلفية ومنهجها ضرورة للأمن القومي بالمصطلح المعاصر .

نعم .. المنهج السلفي ضرورة لنجاة الفرد وعودة ريادة الأمة الإسلامية جمعاء ، فهو منهج الإسلام الصافي في صورته الأولى النقية ، ولكننا نلقي الضوء على الأحداث الجسام الراهنة التي تحيط بمصر والعالم العربي خاصة إحاطة السوار بالمعصم.

 فلو نظرنا إلى كبرى المشكلات التي تهدد أمننا القومي وموقف الدعوة السلفية القديم والمعاصر منها ، ومنطلقات الدعوة السلفية في مواجهة هذه المشكلات ، حتى قبل دخولها حلبة السياسة ، لأيقنا بالنتيجة أو الحقيقة التي صدرنا بها هذا المقال .

(1) فها هو المد الشيعي والدولة الفارسية تكاد تحيط بالدول السنية وأوشكت أن تلتقيا حلقتا بطانه ، وها هو خطره يتفاقم يومًا بعد يوم وتحالفاتها ومكرها وكيدها لا يكاد يهدأ ، فكل يوم يمر يكاد حلمهم يبزغ فجره ، والله من ورائهم محيط .

ولو تأملنا منهج الدعوة السلفية ومواجهتها له من منطلق الفكر والمنهج ؛ لعلمنا أنها صمام أمان للمجتمع وضرورة للأمن القومي .

فبعض من يؤرخ لبداية الصحوة السلفية المعاصرة ، يؤرخ لها بالشيخ محمد عبده وينسبها إليه –رغم بعد هذه النسبة – لأسباب منها :

-    تعظيمه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ومواجهة شيخ الإسلام للشيعة ، وكتبه النافعة الماتعة في ذلك معلومة للجميع .

-    وقد رأى محمد عبده أن المخرج من الأزمة التي تعيشها الأمة في الرجوع إلى تراث شيخ الإسلام رحمه الله ، ومن أبرز ما فيه محاصرته لشبهات الشيعة ودحضه لخرافات التشيع.

-    ومن ذلك مواجهته بدع وخرافات الصوفية ، وهى البوابة الخلفية للتشيع .

أما تلميذه الشيخ رشيد رضا – وهو الحلقة الأولى ، أو الثانية عند البعض في سلسلة السلفية المعاصرة - فقد خطا نحو السلفية خطوات أوضح في تأثره الحقيقي بدعوة شيخ الإسلام ابن تيميه ثم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وتجلت معالم سلفيته في التزامه بمنهج أهل السنة ، والتحذير من البدع والخرافات والتنديد بمناهج الصوفية وما وقعوا فيه من انحرافات ، وغير ذلك .

ثم جاء محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى وخطا نحو السلفية خطوة أوضح من سابقيه ، وتجلى ذلك في أشياء من أهمها جهوده ضد المذهب الشيعي الإثنا عشري وكما قيل "لو لا جهود محب الدين الخطيب لكان انتشر مذهب الشيعة في بلاد الإسلام" لقد وقف محب الدين في وجه الباطنية والرافضة ، وكان شديد العناية بهذا الموضوع ، مدركًا خطرهم العظيم على الإسلام ، وحارب (دار التقريب) بين السنة والشيعة وسماها ( دار التخريب ).

وكذلك سار على نهجه من تأثر به كالشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله .

ثم جاءت الدعوة السلفية المعاصرة والتي كانت بداية نبتتها المباركة في الإسكندرية ، جاءت مستفيدة من جهود السابقين الأولين متأثرة بهم رحمهم الله ، فحاربت الشيعة والتشيع بكل سبيل .[1]

فلقد وقفت - في بداية نشأتها - ضد الانبهار بالثورة الإيرانية ، وواجهت تأثير هذه الثورة يوم أن كان زخمها مبهرًا حتى لأبناء الصحوة الإسلامية كالإخوان المسلمين وكذلك بعض المؤسسات الرسمية ، وساعتها كان عمر الدعوة أعوامًا قلائل ، ورميت الدعوة السلفية عن قوس واحدة من مخالفيها ، واتهمت بالتعصب ، والجمود ، والانغلاق ، ولما أسقط في أيدي المنبهرين حينما عاينوا المكر الشيعي وظهرت لهم حقيقة التقريب وخدعته ، لم يحمدوا للدعوة السلفية فهمها وصنيعها .

وجاءت فتنة شيعية أخرى عام 2006 وفتن الناس بحسن نصر اللات ، وحزبه حزب اللات - وهذه مسميات أطلقها عليهم شيوخ الدعوة السلفية - ويومها كانت فتنة كادت تعصف بعقول ، فتنة جعلت كثيرًا ممن يوقنون بخطر الشيعة وكذبهم وخداعهم - يؤثرون الصمت ويلوذون بالسكوت .

لكن الدعوة السلفية رأت أن عليها حقًّا للمنهج ، وواجبّا للأمة ، ودينًا للوطن ، ونصحًا للمسلمين لابد أن تؤديه حتى لو ظُنت بها الظنون ، فواجهة فتنة نصر اللات يوم أن كان بريقه يأخذ بالأبصار ، فحملت الدعوة السلفية لواء الدفاع عن ثوابت الإسلام ، وواجهت الشيعة والتشيع .

وبعد أن تولى رئاسة مصر رئيس ينتسب إلى فصائل العمل الإسلامي لم تجامل أو تتغاضى عن ثوابت الإسلام من أجل هذا أو ذاك ، ووقفت ضد فتح مصر للشيعة والتشيع ، وحملتها ضدهم قريبة العهد ، فلعل الكل منها على ذكر .

ووقتها ظنت بها الظنون ، فظن المتحمسون أن ذلك كان لخصومة بين الدعوة السلفية والإخوان ، لكنه المنهج ومبادئه ، والإسلام وثوابته ، فلم يمض حول حتى ظهر مكر الشيعة وداهمتنا خطتهم وأحدق بنا خطرهم .. لقد كانت مواجهة الشيعة اختيارًا منهجيًّا ، ولم تكن خيارًا تكتيكيًّا .

(2) ومن المشكلات الكبرى التي تواجهها مصر والعالم العربي والإسلامي الآن مشكلة التكفير التي تجتاح سيناء وغيرها من الأنحاء ، فلم تتصد الدعوة السلفية لفتنة التكفير في وقتنا الحالي مجاملة لأحد أو لخصومة أحد ، إنما كان ذلك ديدنها ومنهجها ومؤلفاتها ومحاضراتها شاهد قديم على ذلك .

وكتب أهل السنة قديما وحديثًا التي دأب السلفيون على مدارستها تضع ضوابط التكفير وتفرق بين العين والنوع ، وضبطت هذه المسألة بما لا يدع مزيدًا لمستزيد .

وهذا كتاب تضافر عليه ثلاثة أعلام معاصرة للمنهج السلفي ؛ كتاب "فتنة التكفير" للشيخ الألباني ، بتقريظ الشيخ ابن باز ، وتعليق الشيخ ابن عثيمين ، رحم الله الجميع .

أما الدعوة السلفية فقد رفعت لواء هذه المواجهة في باكورة اهتماماتها ، فراجع مثلًا كتاب "العذر بالجهل" للدكتور أحمد فريد ، وكتابي "المنة" و"فضل الغني الحميد" للدكتور ياسر برهامي .. وهذا غيض من فيض .

وأحيل القارئ الكريم إلى مقال : (الطعن على السلفية.. الأسباب الخفية .. والنتائج الجلية) لترى الأخطار التي واجهتها الدعوة السلفية منذ نشأتها وتوازنها في ذلك ، فيه وأدلة مستفيضة .

ولما بدأت رائحة التكفير تفوح قبل أن تشتد وتزكم الأنوف ، بعد مؤتمر إستاد القاهرة في عهد الدكتور مرسي ، بادرت الدعوة السلفية بالتحذير من تنامي الخطاب وتحذر من علو النبرة ، إلى أن ظهرت دعاوى النفاق والتكفير ماثلة للعيان على منصة رابعة ، ولم يصخوا سمعًا للناصح الأمين ، لكنهم شموا رائحة أخرى!!

وسارعت الدعوة السلفية الخطى لتواجه موجة تكفيرية جديدة قبل أن تنقدح شرارتها الكبرى فتحرق بعضًا مما تبقى من مكاسب الصحوة ، فأطلقت حملتها في مواجهة هذه الفتنة ، لكن لم نلبث حتى عم ضررها وانتشر .

وظن المتحمسون مرة أخرى أن تلك المواجهة كانت مجاملة لبعضٍ أو لخصومة مع بعضٍ ، لقد كانت مواجهة فتنة التكفير وفكر التكفيريين اختيارًا منهجيًّا ، ولم تكن خيارًا تكتيكيًّا.

(3) أما مواجهة العنف غير المشروع والفهم الخاطئ لقضايا الجهاد والفهم المنحرف لقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهذا منهج السلف وسيرة أصحابه قديمًا وحديثًا ، فقد كتب علم من أعلام السلفية المعاصرة ، محدثُ مصر ، الشيخ أحمد شاكر رحمه الله مقالًا - عقب مقتل رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا على أيدي جماعة الإخوان المسلمين - في جريدة "الأساس" بتاريخ 2/1/1949هـ ، سماه بـ: "الإيمان قيد الفَتْك" ، واجه فيه هذا المنهج وتلك الأعمال ، ووصف جماعة الإخوان بالخوارج .

أما الدعوة السلفية فأظن أن القاصي والداني يشهد لها بمواجهتها هذه المناهج والأفكار ، وموقفها من أعمال العنف غير المشروعة في سبعينيات إلى تسعينيات القرن الماضي ، رغم محاولة تشويه منهجها في ذلك والتشويش عليه - مسطر في الكتب مثبت بأنواع الإثباتات ، وأحيلك مرة أخرى إلى مقال (الطعن على السلفية..الأسباب الخفية..والنتائج الجلية) لترى نتاجهم في مواجهة هذه الفتنة من بداية ظهورها في واقعنا المعاصر .[2]

ولما ظهرت بوادر ذلك العنف فكرًا وإعدادًا واستعدادًا قبل 30 يونيه ؛ حذرت الدعوة السلفية من مغبة ذلك وخطره على الصحوة ومكتسباتها ، والأمة وشبابها ، والبلاد ومقدراتها ، وحذرت من أحداث حدثت مثيلاتها في بلاد مجاورة ، الآن وفي القرن الماضي ، فلم تجد آذانًا تسمع ، فلما اشتد الأمر أطلقت حملتها لتواجه ذلك الانحراف في الفكر والتطبيق .

لكن ..ظن المتحمسون – كما ظنوا دائمًا - أنها مبالغة أو مجاملة ، أو لخصومة مع آخرين ، لقد كانت مواجهة العنف غير المشروع فكرًا وتطبيقًا اختيارًا منهجيًّا ولم تكن خيارًا تكتيكيًّا ، وكانت – ولا تزال إن شاء الله- الدعوة السلفية صمام أمان للمجتمع وضرورة للأمن القومي .. ولا زالت حملاتنا – إن شاء الله – مستمرة !!

وفي الختام ..إنما أكتب ذلك لأبناء الدعوة السلفية أنفسهم لا لغيرهم ، وأكتبه لا لكي يطمئنوا على صحة منهجهم ودورهم في حماية ثوابت الإسلام وبلاد المسلمين ، ولا أكتبه من قبيل (ولكن ليطمئن قلبي) ،، إنما أكتبه ليحافظوا على ذلك المنهج ، وليسارعوا إليه تعلمًا وتعليمًا ونشرًا ، فبهذا المنهج نجاة الأفراد وريادة الأمة ، وليشكروا ربهم جل جلاله وتباركت أسماؤه على نعمته أن هداهم لسمت الإسلام الصافي ، وليحفظوا لمن بيّن لهم ذلك الصراط فضله ، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله .. والحمد لله رب العالمين .


[1] راجع كتاب "السلفية المعاصرة ..تاريخ .. ومحطات "إعداد أكاديمية أسس ، تحت الطبع.

[2] في كتاب أكاديمية أسس (موقف الدعوة السلفية من الثورة المصرية) باب ماتع عن هذه المسائل يبين فيه منهجها قبل الثورة ، فراجعه متفضلًا مشكورًا.

كما أحيلك – أيها الكريم - إلى كتاب (طليعة الشرح الأزهر لرسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهو شرح للمتن النافع (فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) للدكتور ياسر برهامي .




أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم