الجواب الهادي على اعتراضات الدكتور صلاح الصاوي

الجواب الهادي على اعتراضات الدكتور صلاح الصاوي
السبت ١٢ فبراير ٢٠٢٢ - ١٤:٤١ م
107

الجواب الهادي على اعتراضات الدكتور صلاح الصاوي

كتبه / وائل سرحان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم

لقد كتب الدكتور صلاح الصاوي مقالا بعنوان" متابعة حول موقف حزب النور من البغي على الرئيس" ، صاغه الدكتور صلاح بأدبه الجم وأسلوبه الرائق ، وجاءت به بعض الاعتراضات الحانية على الدعوة السلفية وحزب النور ، فكانت هذه الوقفات مع بعض ما جاء فيه:

بادئ ذي بدء جاء المقال مبنيا على الواقع والمعرفة به ، ولم يتطرق إلى التأصيل الشرعي لآراء معينة ، وهذا يدل على أن الأمر لا يعدو اختلافا في تقدير الواقع ، والذي نزعم أن ذلك في صف الدعوة السلفية ، ابتداء بمبادرة 29/1/2013 وانتهاء بالبيان الخامس في 2/7/2013بدعوة الرئيس لانتخابات رئاسية مبكرة التي كانت ستجعل الزمام في يديه ستة أشهر على الأقل وسيكون التيار الإسلامي حاضرًا وبقوة في قيادة خارطة الطريق بل يتولى إدارته الرئيس نفسه وجماعته ، وستة أشهر كانت كافية لإزالة الاحتقان في الشارع المصري والشارع السياسي وتحسين صورة الرئيس وزيادة شعبيته ، والحفاظ على كل المكتسبات تقريبا إخ ..بدلا من الموقف المتردي الحالي والذي هدد كل شيء بالضياع .

مرروا بتقدير أمر يوم 30/6 قبل وقوعه ، وعدم اعتماد فكرة الحشد في الميادين ، والحشد والحشد المضاد التي أعطت المخالف السلاح الذي يواجهنا به .

أما عن الوقفات مع بعض فقرات هذا المقال الذي نلمس فيه روح المحبة وأدب الإسلام والإخلاص في النصح :

يقول الدكتور الصاوي - حفظه الله : " ثالثا: جل اشتغال حزب النور فيما مضى كان يدور في فلك عقدي أو شعائري، ولما يرتد آفاق السياسة الشرعية، وآية ذلك النظر إلى أدبياتهم، فجلها في أصول العقائد أو في فروع الفقه، وليس لهم عطاء ظاهر في باب السياسة الشرعية: قضاء أو اقتصادا أو نظما دستورية أو علاقات دولية ونحوه، فلا حرج أن يقال إنهم حدثاء عهد بالتجربة السياسية على مستوى التنظير أو مستوى التطبيق.

-فيما ذُكر خلط بين السياسة الشرعية واللعبة السياسية بمفهومها المعاصر خاصة أثناء النظام السابق ، فلقد  بدأت الفقرة بكلمة السياسة الشرعية ثم ختمت القول بالتجربة السياسية .

*** أما عن السياسة الشرعية فهي جزء من الفقه التي ذكر الدكتور صلاح أن الدعوة السلفية لها اشتغال به ، وبين السياسة الشرعية والفقه عموم وخصوص مطلق ، والكتب التي أفردت الحديث عن السياسة الشرعية إنما أخذت مادتها الأساسية من كتب الحديث والفقه ، فهي باب من أبوابه ، فشرْح شيوخ الدعوة السلفية لكتب أهل العلم في الفقه والحديث مثلا هو تناول للسياسة الشرعية ، فكتب الفقه تناولت أحكام القضاء والنظم الدستورية والعلاقات الدولية ولكن بمصطلحات الفقهاء ، فلا يخفى على الدكتور أن من الفقه :

1- الأحكام المتعلقة بأفعال الناس وتعاملهم في الأموال كالبيع والإجارة والرهن والكفالة  وغير ذلك وتسمى حاليا بقانون المعاملات ، أو القانون المدني ، ومن هذه الأحكام ما يتعلق بالشركات والتفليس والأمور التجارية التي ينظمها في الوقت الحاضر القانون التجاري .

2 – الأحكام المتعلقة بالقضاء والدعوى والشهادات واليمين ، وتسمى اليوم بقانون المرافعات .

3- الأحكام المتعلقة بسلطان الحاكم على الرعية وبالحقوق والواجبات المتقابلة بينهم ، وتسمى السياسة الشرعية وتسمى في القانون الوضعي الحقوق الإدارية أو الحقوق الدستورية .

4- الأحكام المتعلقة بعقاب المجرمين وضبط النظام الداخلي بين الناس ، وهي معنية بتحديد علاقة الفرد مع الدولة الإسلامية من جهة الأفعال المنهي عنها ( العقوبات ) وتسمى في القانون الوضعي القانون الجنائي أو الجنايات ، ويلحق بها الإجراءات التي تتبع في تحقيق الجرائم وإنزال العقوبات بالمجرمين ، وهي ما يسمى اليوم بقانون تحقيق الجنايات .

5- الأحكام التي تنظم علاقة الدولة الإسلامية بالدول الأخرى في حالة السلم والحرب وتسمى في كتب الفقه بالجهاد والسير ويطلق عليها حديثًا العلاقات الدولية أو القانون الدولي العام .

6- الأحكام المتعلقة بمعاملة الأجانب غير المسلمين "المستأمنين " في الدولة الإسلامية ، وتنظيم علاقاتهم فيما بينهم أو مع رعايا الدولة الإسلامية ، وتسمى اليوم القانون الدولي الخاص .

ومن الجدير بالذكر أن فقهاء الشريعة الإسلامية القدامى قد سبقوا فقهاء القانون الوضعي في تنظيم مباحثهم وشموليتها ، فما يدرسه القانون الدولي العام درسه فقهاؤنا في كتب السير والجهاد والحربيين ، وما يتناوله القانون الدستوري والإداري تناولوه في أحكام السياسة الشرعية والأحكام السلطانية ، وما يتناوله القانون التجاري درسوه في أحكام الأموال والخراج والفيء والزكاة والنفقات ،وما يتناوله القانون الجنائي بحثوه في أحكام القصاص والديات والحدود ، وما يتناوله القانون المدني درسوه في أحكام المعاملات .

ولم يقتصر شيوخ الدعوة السلفية على تدريس كتب الفقه التي تتناول هذه الأمور بل شرحوا كتب السياسة الشرعية منفردة كشرح الشيخ ياسر كتاب شيخ الاسلام السياسة الشرعية بتاريخ 27-2-2010 وكتاب الحسبة لشيخ الاسلام الذي ابتداه 14-1-2011 ، وكتب الإمارة أثناء شرحه لصحيح مسلم الذي ابتدأه في 20/12/2009 ، وكل ذلك قبل الثورة .

وإنما ذكرت الشيخ ياسر لأنه هو الذي تكال له التهم وقد ذكره الدكتور الصاوي في مقاله مدافعا عنه جزاه الله خيرا .

وأضيف أخيرا في هذه النقطة أن السياسة الشرعية لم يمارسها سوى السلفيين بوجه عام فهم الذين لهم اشتغال بالعلوم الشرعية .

أما القول بأنهم (حدثاء على مستوى التنظير) ؛ أليس التنظير لعدم دخول السياسة السابقة يعد تنظيرًا سياسيًا ، وأحيانا الممانعة أو التحفظ يكون نوعا من الممارسة السياسية ، كما فعل الإخوان قبل ذلك وقاطعوا الانتخابات.

وفي علمي أن ما كتبته الدعوة السلفية في نشرة السبيل في منتصف الثمانينات عن دخول الانتخابات البرلمانية يعد أقدم تنظير شرعي وواقعي وسياسي حول دخول البرلمانات ، ولن أغالي بقول أنه أعمقها ، وإن كنت أظنه كذلك .

ومع ذلك أقول لم ننزل ساحة الانتخابات وغيرها لأسباب مذكورة  في غير هذا الموضع ، ولكن كان لنا موقف شرعي لكل الأحداث السياسية المحلية والدولية عن طريق التنظير والتعليق الشرعي عليها - كأحداث فلسطين وتركيا الصومال وأندونيسيا وغيره ذلك ، وكالقوانين المصرية وأحداث مصر والأحداث العالمية -وأظن الدكتور الصاوي – حفظه الله - لا يلومنا في تناول الأحداث بطريقة شرعية ، ونظرة واحدة على باب حدث وتعليق في موقع صوت السلف تبين ذلك ، فضلا عن الفتاوى والمقالات التي كانت تصدر تعليقا وبيانا لرأي الدعوة في هذه الأحداث ، ولم يكن لنا - ولايزال - صوت إعلامي يبين ذلك سوى الموقعين (صوت السلف ، وأنا السفي) ولعل الشيخ لم يطلع اطلاعا وافيا عليهما ، ولا على جميع النتاج المكتوب للدعوة السلفية .

 أما ممارسة السياسة في عهد النظم السابقة ؛ فلم يمارسها أحد على الإطلاق حتى الذين دخلوا الانتخابات ومجلس الشعب فلم تترك الأنظمة السابقة لأحد ممارسة السياسة ، وكانوا مجرد ديكور بها ، بدليل – واعتذر عن هذا الاستدلال- الإخفاق الواضح لمن كانوا على سدة الحكم من الإسلاميين في تجربتنا هذه ، وعدم وجود كوادر رغم أن اللعبة السياسية حازت على كل اهتمامهم  على حساب ثوابت دينية وأشياء ضرورية أخرى ، مع زعم أنهم أصحاب الخبرة عن غيرهم ممن لم يدخل البرلمانات سابقا.

يقول الدكتور الصاوي – حفظه الله - : "وقد كان مقتضى التوفيق أن ينتظم شمل العمل الإسلامي في ائتلاف جامع".

-لقد طلبنا ذلك بأكثر من صورة ولم يُسمع لنا ، فقد طلبت الدعوة السلفية من مكتب الإرشاد قبل الانتخابات البرلمانية التنسيق فيها ، فكان الرد بالرفض ، وكونوا التحالف الديموقراطي مع العلمانيين ، وفي انتخابات الرئاسة قدمت الدعوة مبادرة للاتفاق على مرشح إسلامي واحد وأجهضت هذه المبادرة أيضا. 

كما كان هناك اتفاق مع جماعة الإخوان على تكوين هيئة رباعية مشتركة لبحث الأمور والتشاور بشأن الأحداث والمستجدات تلتقي بصفة دورية لكن تم تجميدها وإهمالها وإجهاضها من قِبل الإخوان بعد نجاح الدكتور مرسي .

يقول الدكتور الصاوي – حفظه الله - : "يتولى حزب النور مع غيره ممن هم على شاكلته من بقية إخوانه ملف الدعوة والتربية والتعليم، ويتولى غيرهم ملف الشأن العام ممن هم أكثر تخصصا فيه وأكثر اعتناء به!"

-النقطة الأولى في هذه الفقرة مبنية على عدم خبرة حزب النور السياسية وبالتالي ضعفهم فليسوا جديرين بها او بالشأن العام ، إنما هم لا يصلحون إلا للمساجد ولا ضير ، فمنها ستكون الخلافة على منهاج النبوة كما كانت أولا ، أضف أن القاصي والداني بات يؤكد على وعي الرؤية السياسية لدى حزب النور والدعوة السلفية وتفوقهم ونموهم السياسي واستفادتهم من الأحداث والأخطاء ، نطق بذلك أفراد ومؤسسات ، وإحصاءات محلية ودولية ، منها ما شهدوا به للكتلة البرلمانية لحزب النور في مجلس الشورى ، ومنها على سبيل المثال ما قاله الأستاذ منتصر الزيات وغيره.

أما النقطة الثانية : فلقد تولى غيرهم (الإخوان المسلمون) فعلا الشأن العام وما نحن فيه الآن إنما كان بسبب ذلك ، وإنما أقول ذلك لبيان عدم صحة رأي الدكتور حفظه الله في هذه النقطة.

يقول الدكتور الصاوي – حفظه الله - :" فالاتفاق على رئيس لبيرالي من البداية ، وكون ذلك على رضا وسواء بين المؤمنين أو جمهورهم وسوادهم الأعظم لاقتضاء المصلحة ذلك أمر لا غبار عليه، فهو يدور في فلك السياسة الشرعية، وتتقرر شرعيته وعدمها في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، ولكن إذا تغير المسار، وأفرزت الأحداث فيما بعد قيادة إسلامية، فالواجب هو الالتفاف حولها ودعمها، ونصرتها ظالمة كانت أو مظلومة بالمفهوم الشرعي للنصرة، وإقدارها على القيام برسالتها، ومناصحتها فيما تخطئ فيه عند الاقتضاء، والإنكار عليها عند الزلل بما لا يؤدي إلى مفسدة أعظم! والصبر على ما يكون منها من أثرة، حسبة لله تعالى، وترفعا عن المآرب الشخصية، والعلائق الحزبية والتنظيمية! مهما كانت التصورات المبدئية قبل ذلك، ومفارقتها إلى غيرها هو موضع العتب والتثريب! فالقياس هنا مع الفارق!"

-أقول بل القياس قياس أولى حتى مع تبدل الحال ووجود رئيس إسلامي ، فالاتفاق على عدم الدفع بمشرح ليس منتميا للاتجاهات الإسلامية – وهو لفظ أدل على مقصودنا من لفظ ليبرالي أو قومي - في البداية (وهو ما صرح به د محمد بديع) ليس خيانة كما أن ما فعله السلفيون الآن من الانسحاب من ركب الإخوان ليس خيانة.

وتفصيل ذلك ، أننا الآن رأينا (واقعا) ضياع المشروع الإسلامي والحلم الإسلامي بسبب رئيس إسلامي ، فلمَ نر السير معه في طريف الفشل حتى النهاية بعدما استعصى علينا الإصلاح ، فلماذا يعد ذلك خيانة للمشروع الإسلامي ؟!

إن قياس الأولى يقتضي أنه إذا كان ذلك خيانة للمشروع الإسلامي فبالأولى أن يكون خيانة المشروع أن لا ندفع بمشرح إسلامي بمجرد (الظن) بضياع المشروع الإسلامي ، فالمنطلق واحد وهو الخوف على المشروع الإسلامي ، لكن في حالتنا هذه أصبح واقعا وحقيقة ، وفي الأولى كان مجرد ظن ، وأليس تقدير المصالح والمفاسد في حالتنا هذه (الآن) من السياسة الشرعية تماما كما كانت الأولى؟

** أما عن الالتفاف حول القيادة الاسلامية فقد حدث وكانت الدعوة من ورائه تسانده حتى مع بداية التنكر لنا ، ومليونيه 1-12 خير دليل ، وصبرت الدعوة السلفية فعلا على الأثرة بل على تعمد التجاهل وليس الاقصاء فقط ، وما زالت نسدي النصح الي يوم 2-6-2013 ولا يسمع لها ويتعمد التجاهل والإقصاء والتهميش بل والاتهام والتخوين ، ومع ذلك كانت الدعوة تقدم النصح وتسديه إبراء للذمة ، ولعل الشيخ غير مطلع على الأمور

يقول الدكتور الصاوي – حفظه الله - :" وأود أن الإشارة إلى أنه قبل تفاقم الأحداث ضد الرئيس المظلوم كانت هناك بوادر من رموز في حزب النور إلى أضعاف ولاية الرئيس مرسي ونزع صفة الولاية الشرعية عنها، وتشبيه التعاون معه بالتعاون مع مبارك في أي مشترك من الخير!"

في هذه الفقرة مسألتان : مسألة الولاية الشرعية  ،و كان الاتفاق مع الإخوان قبل نجاح د مرسي على عدم استخدام هذا المصطلح لما له من لوازم غير صحيحة في وقتنا الحالي.

كما أن اعتباد د مرسي رئيسا وليس واليا شرعيا هو اجتهاد شيوخ الدعوة السلفية ، فالولاية الشرعية لا تثبت بمجرد اعتلاء رجل منا – نحن الإسلاميين- كرسي الحكم إنما تثبت بتطبيق الشريعة ، أو إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين ، ولم يكن هناك سياسة للدنيا لا بالدين ولا غيره فضلا عن إقامة الدين .

وإن كان الدكتور مرسي معذورا في عدم التطبيق ، فليس معذورا في فعل المحرم كما حدث من حكومته وجماعته مما يعلمه الجميع.

وهل تكفي النية التي تخالفها الأفعال في إثبات الولاية الشرعية؟ فغير الدكتور مرسي من رؤساء مصر نوى وسعى لتطبيق الشريعة وطلب من مجلس الشعب تقنينها لتطبيقها وقال عن مصر أنها دولة إسلامية ، ولم يكن واليا شرعيا !وأنا أتحدث هنا نقطة محددة وهي ليس الأمر بالادعاءات ، أو هل تثبت الولاية الشرعية بحمل لقب (إسلامي) .

أما قول الدكتور الصاوي في سياق إثبات الولاية الشرعية له :"وفي حدود العقد الذي بويع على أساسه من ناحية أخرى" ، فالعقد الذي تولى به الرئاسة هو الدستور والقانون وذلك لا يضفي عليه ولاية شرعية ، وإلا يعتبر أي رئيس انتخبه (بايعه) قومه على الدستور والقانون يكون واليا شرعيا ، أما قوله (ولاية جزئية) فلا أظن أن أحدا كان يقول أنه إمام المسلمين جميعا ، فمحل النزاع هو (ولاية شرعية جزئية) على مصر ، فلم يكن رأي الدعوة (خطيئة شرعية )علي حد قوله ، إنما هو اجتهاد شرعي نحسبه ونظنه الصواب ، فهو رئيس يطاع في المعروف ويعان عليه ، وليس واليا شرعيا بما له من مفهوم عند أهل الإسلام كما هو معلوم في كتب الفقه.

أما قوله :" أما القول بأنه لم يكن ممكنا: فإن جوابه أنه قد سلمت له مقاليد الأمور من الناحية الرسمية، فسلمت له القيادة من الجيش، وكانت له خطوات جريئة كإقصاء طنطاوي وعنان والترتيب لقيادة مدنية للبلاد، ولم يكن الأمر في البداية بهذا السوء، ولعله لو وجد من جميع إخوانه الدعم والمؤازرة لتغيرت الأمور"

-فالحديث عن التمكين محض خيال الآن ولم يسلم إليه شيء إلا شكليا ، فلو كان ممكنا فأين الشوكة التي تحقق له المنعة والهيبة ، وبها يستطيع إقامة دين الله تعالى ، فالجيش خاصة – لأن الدكتور قد ذكره- لم تكن له سيطرة عليه ، فلماذا لم يتمكن من عزل السيسي مثلا ، ولو كان ممكنا فلماذا لم يطبق الشريعة أو يمهد لها ؟ فما معنى التمكين إذن..؟

ولو كان ممكنا فما حاجته لدعم إخوانه ، الذين ليست لهم شوكة ولا منعة ، رغم أن هذه المعونة حدثت بالفعل ، كما سيأتي إن شاء الله .

 ** المسألة الثانية : القول بمحاولة إضعاف ولايته ، هذا خطأ شديد مع إحسان الظن بالدكتور صلاح أنه لا يتهم النوايا ، بل  يتهم سوء التصرف – في نظره - الذي يفهم منه ذلك .

لقد أشار الدكتور -حفظه الله - باستعمال قاعدة انصر أخاك ظالما أو مظلوما بمعناها الشرعي .. وهذا ما فعلته الدعوة السلفية على النحو التالي :

لقد أكثرت الدعوة السلفية من النصح والتسديد في السر للرئيس وجماعته آخرها يوم 16/6 لوفد مكتب الإرشاد الذي هون جدا من شان 30/6 وأسبابها ، فقدمت الدعوة له ورقة مكتوبة بالتخوفات والأسباب والعلاج ، ولم تفصح الدعوة عن ذلك إلا مضطرة لأبنائها في آخر مجلس شورى لها .

فلما لم يعد النصح في السر مجديا واستنفذت الدعوة كل وسائلها لإصلاح الحال المتردي ، كان لزاما عليها ان تعلن بنصائحها وتسديدها إعمالا للقاعدة التي ذكرها الدكتور ، وليس الغرض التشهير ،و كان اول ذلك -فيما أعتقد-  بعد تقديم مبادرة حزب النور للرئيس والوعد بدراستها وطرحا على المائدة لكنه لم يف ، فرأت الدعوة إعلانها في 29/1/2013 إبراء للذمة ونصحا للأمة وإعمالا لهذه القاعدة.

وهذه المبادرة – والتي ذكرها الرئيس في آخر خطبة بعدما فات أوانها – كانت بمثابة طوق نجاة ، فهل بعد ذلك يعد طرح المبادرة محاولة إضعاف له ؟!

كما أحب أن أشير ان النصح علنا لم يكن هو شأننا وحدنا ، بل اضطر إليه من كان دوما في جانب الرئيس ، مدافعا عنه وجماعته ، مبررا لكل فعل مضفيا عليه صبغة شرعية وواقعية ، وذلك إلى هذه اللحظة ، وهو الدكتور محمد يسري إبراهيم حفظه الله ، ففي أخريات عهد الرئيس مرسي وتعقيبا على قانون الدعاة صرح علنا باعتراضه عليه ، مبينا أن قد بذل النصح سرا فلم يجد .

لقد قرات الدعوة السلفية الواقع مبكرا ورأت الاحتقان في الشارع الشعبي والسياسي) ، ورأت تصميما من قبل الإخوان لعدم الالتفات لذلك ، ورأت تأثير ذلك على صورة الإسلاميين في الشعب المصري – محل دعوتنا- وتأثيره على الدعوة الإسلامية ككل ؛ فلم ترد أن يوضع الإسلاميون كلهم في كفة واحدة ، أو أن يحصر المشروع الإسلامي في منصب الرئيس أو جماعةٍ ما ، يسقط بسقوطهم ويخسر بخسرانهم ، خاصة أنهم لم يستمعوا للناصحين من الصف الإسلامي ومن غيره ، فلم تعد هناك فرصة للإصلاح .

فرأت الدعوة السلفية أن تكون هناك مسافة تميزها عن جماعة الإخوان ، نظرا للمعطيات السابقة لئلا يتحمل المشروع الإسلامي تبعات أخطاء الإخوان الشرعية والسياسة ، خاصة بعد انسداد طرق الاستجابة للناصحين.

ولم تكن شكوى عدم الاستجابة للناصحين خاصة بالدعوة السلفية ، بل من كل ناصح لهم وهم كثر ، وراجع مقالات الأستاذ جمال سلطان ومحمود سلطان ، ومقال طوفان الكراهية للأستاذ أحمد منصور الإعلامي المعروف.

فما المصلحة شرعا وعقلا من السير معا جميعا في طريق ضياع المشروع الإسلامي ؟ وما المصلحة في أن يوضع الإسلاميين كلهم في كفة تحمل ضياع المشروع الإسلامي ؟ أو يوضع الجميع في مواجهة الشعب المصري باسره ، وينطبع في ذهن ذلك الشعب أن الإسلام قد خسر المعركة ، أو أن الإسلام -متمثلا في الاتجاهات الإسلامية - يقف في وجه مصالحه المعيشية؟

أما عبارة الشيخ أحمد فريد التي استدل بها الدكتور الصاوي على محاولة الإسقاط ، فلو وضعت في سياقها لم يفهم منها ذلك من قريب أو بعيد ، إنما قيلت في سياق تذكير الرئيس بوعده في مسألة الشيعة وخطر هدم عقائد المسلمين ، وأننا من أجل ذلك انتخبناه ، وإلا لو نجح شفيق ولم يدخل الشيعة واعتقلنا في عهده فلم نبال بالسجن إن لم تفسد عقائد الناس ، فلم يتمن نجاح شفيق إنما قال أننا سنعتقل في ظل حكمه لو نجح .

مع الأخذ في الاعتبار الحساسية البالغة للفكر السلفي تجاه اي أمر يصادم العقيدة خاصة موضوع الشيعة فله حيز كبير في الفكر والمنهج السلفي.

ودعوات شيوخ الدعوة السلفية على المنابر علنا للرئيس مرسي بالتوفيق والسداد مسجلة على موقعينا والحمد لله منذ البداية ، ودفاع أبناء التيار السلفي في الشهور الأولى عن الرئيس في الشارع المصري والتي كانت تؤكد انه لم يأخذ وقتا كافيا للإصلاح في ظل الدولة العميقة - تثبت أننا لم نحاول إسقاطه ، بل كنا ندفع وراءه.

أما قول الدكتور الصاوي :" ولم يكن الأمر في البداية بهذا السوء ، ولعله لو وجد من جميع إخوانه الدعم والمؤازرة لتغيرت الأمور".

فمما سبق قد وجد دعما ومؤازرة ونصحا وتسديدا من جميع إخوانه ، منا ومن غيرنا ، لكنه هو الذي رفض ذلك وأدار له ظهره ، فما ذنبنا نحن؟ لقد كان قيام المشروع الإسلامي حلمنا وحلم كل إسلامي معنا ، ولعل الدكتور صلاح يحاول ان يعرف كيف دعم شباب الدعوة السلفية وحزب النور الدكتور مرسي في جولة الإعادة ليعلم استعدادهم للتفاني من أجل المشروع الإسلامي أيما كان قائده.

ويقول الدكتور الصاوي حفظه الله :" وأكدنا أن من ظن أن له في غير شركاء دربه ورفقاء مسيرته بدائل فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير" .

نقول - مع التحفظ على ما قد يفهم من العبارة - : لم نتخذ بديلا ، إنما لنا طريقتنا الخاصة وإرادتنا الخاصة التي لا يحجر علينا أحد إن تعاملنا بها ، ولسنا بالسذاجة أن نخدع بابتسامة زائفة لقوم حاربناهم (فكريا) على مدى عمر الدعوة وما زالنا – ولم يحاربهم غيرنا في مصر- بل تحالف معهم رفقاء وشركاء الدرب .

إننا لم نرتم في أحضان أحد ولم نسر في ركب أحد من العلمانيين أو غيرهم ، فإذا كانت الدعوة السلفية رفضت أن تسير في ركب الإخوان وتحت عباءتهم حمايةً للمشروع الإسلامي ، فلا يعقل ان ترتمي في أحضان العلمانيين من أجله ، ولا مصلحة سياسية أو دنيوية أو شرعية في ذلك ، مع اعتقادنا أنهم يعلمون تماما التضاد – بل التناقض- الإيدولوجي بيننا وبينهم ، بل صرح البرادعي أن السلفيين متشددين يصعب التوافق معهم لتعاملهم بناء على أيدولوجية دينية ، عكس الإخوان الذين يمكن التفاهم معهم لتعاملهم بناء على المصالح السياسية أو ألفاظا قريبة من هذا .

مع العلم أن شركاء الدرب هم من أبعدونا ولم يرضوا بنا شركاء ولسنا نحن.

وهذا العتاب كان أولى به من ترك الصف الإسلامي وتحالف مع العلمانيين في التحالف الديموقراطي ، وترشح العلمانيون على قوائمه في مواجهة الإسلاميين.

أما قول الدكتور - حفظه الله -:" ومن وعى درس التاريخ والحاضر يدرك هذا المعنى، ورحم الله المعتمد بن عباد القائل: إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير! أي أن يكون مأكولاً ليوسف بن تاشفين أسيرًا يرعى جماله في الصحراء، خير من كونه ممزَّقًا للأذفونش أسيرًا له يرعى خنازيره في قشتالة! مع اعتبار الفارق بين المقامين".

-مع كامل حسن الظن بالدكتور نقول : لو علمنا أننا سنرعى الجمال عند الإخوان في مقابل رعي الخنازير عند غيرهم لفضلنا قطعا رعيها عندهم ، لكننا رأينا أننا حتما -بسبب الفشل والعناد السياسي - سنرعى الخنازير ، فحاولنا جاهدين أن ندفع عنا وعن الإسلاميين رعيها ، وحاولنا أن نبقي للإسلاميين جمالا نرعها لهم.

يقول الدكتور الصاوي – حفظه الله - : " لقد اتخذ منكم الانقلابيون ظهيرا إسلاميا سوقوا به بغيهم، وأخرجهم من عزلتهم الإسلامية! وحشدوكم في ساعة إعلان بغيهم مع الأزهر والكنيسة! في مشهد استفز أهل الدين قاطبة، وترك في نفوسهم جراحات غائرة!"

-ظهور الإسلاميين في الصورة كان له اهداف ، ولن أتكلم عن زحزحة البرادعي أو غيره ، لكن للحفاظ على (الإسلام السياسي) كما يسمونه وصورته أمام عامة الشعب المصري ، ومحاولة إيجاد دور في المستقبل للتيارات الإسلامية ، بدلا من إقصائها تماما عن المشهد وفي ذلك خسارة كبيرة ، فضلا عن تصور العامة سقوط المشروع الإسلامي والإسلام السياسي ، مع العلم ان الدعوة استشارت قوى إسلامية للاستمرار في هذا الطريق فألحوا عليها بالاستمرار ، وناشد الأستاذ جمال سلطان – على سبيل التمثيل- حزب النور بالاستمرار.

أما الظهير الإسلامي للانقلابيين فكان متحققا في الأزهر الذي له قبول شعبي واسع ، ومازال في حس العامة هو الممثل الرسمي للإسلام ، وهو عندهم رمز الإسلام والدين ، أما (عزلتهم الإسلامية) فهل ترى أنهم يعبؤون بها ؟! فها هم مع هذه الأعداد التي في الميادين يصرحون بأنهم يستعدون لمواجهة (الإرهاب)؟ وأخيرا هل ترى عدم ظهورنا في المشهد كان سيغير من الأمر شيئا؟ أو هل سيستفيد منه الإسلاميون شيئا؟

وفي النهاية : لم يقترح لنا الدكتور صلاح حلًّا للخروج من النفق المظلم ، الذي لا يزداد إلا ظلمة ، مع احتمال لسيناريوهات كلها مؤلمة مظلمة ، بدْأً من انشقاق الجيش وانتهاء بسيناريو الجزائر.

هذا تعليق على بعض الفقرات وتركت فقرات وعبارات أخرى الإجابة عليها في أثناء هذه الإجابات ، وعبارات أخرى أظن ان الدكتور لا يقصد بحال ما قد يفهمه منها البعض خطأ ، وفيما كُتب غنية في الإجابة عنها أيضا ، مثل قوله : " وترفعا عن المآرب الشخصية ، والعلائق الحزبية والتنظيمية!"

ومثل :"ولكن منطق المعارضة حمل كثيرا من إخوانه على تتبع عثراته ، والتقاط أخطائه ، والمظاهرة عليه ، والمشاركة بوجه أو بأخر في تطيير ذلك وإشاعته وفض الناس عنه!"

ومثل : "إن المتأمل في كل ما سبق يجد أنه أمام خصومة سياسية لعبت دورها في صياعة هذه الكارثة!"

وفي الختام لابد أن أذكر أمرين :

الأول : لقد أعاد هذا المقال هدي السلف عند الاختلاف ، وضرب أروع مثال في نصح المخالف وتسديده برفق ولين وحسن ظن ، وأعاد لنا الأدب المفقود في مثل هذه الأمور ، كما أنه يبعث في المرء الثقة من جديد في صحوتنا الإسلامية الحالية ، ولا ضير فالدكتور صلاح الصاوي علم على كلِّ أدب وحسن خلق.

الثاني : أني ترددت كثيرًا قبل كتابة هذه السطور إجلالا لمقام الدكتور الصاوي حفظه الله.

والحمد لله رب العالمين


أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم