الطعن على السلفية.. الأسباب الخفية .. والنتائج الجلية .

الطعن على السلفية.. الأسباب الخفية .. والنتائج الجلية .
الثلاثاء ٢٥ يناير ٢٠٢٢ - ٢٠:٣٦ م
64


الطعن على السلفية.. الأسباب الخفية .. والنتائج الجلية .


كتبه / وائل سرحان   


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛


فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا لا يمنعن أحد هيبةُ الناس أن يقول بحق إذا علمه "[ روا أحمد والترمذي وابن ماجه ].


لقد كان للدعوة السلفية بالإسكندرية سبقها العلمي والفكري للصحوة الإسلامية في مصر خاصة، بل وتعدى -بفضل الله- أثرها خارجها، ومن منة الله على أصحاب هذه الدعوة المباركة أن التزم آلاف من الشباب على أيدي علمائها -أحسن الله خاتمتهم ومتعنا الله بعلمهم-، وهدى الله بها وبهم فئامًا من الناس مِن عمى، وأبصروا الحق بعد العشى.


وحمت الدعوة السلفية بمنهجها المستقيم وطريقها المعتدل القويم ألوفًا من الشباب من الانزلاق في الفساد الخلقي، والانحراف العقدي والفكري.


فعلى يد علمائها ودعاتها -بفضل الله- عَرف كثير من الناس مكايد الشيطان وطرق غوايته لبني الإنسان، وعرفوا على أيديهم سبيل الإيمان، فكم من صريع للغفلات، وقتيل للشهوات، وعبد للنزوات اهتدى بدعوتهم، واستنار بطريقتهم؛ فهداه الله لرشده، وكم من مريد للحق لم يظفر به هدوه إلي السبيل القويم والطريق المستقيم، فهدى الله على أيديهم أولئك وهؤلاء من الانحراف والانجراف وراء أسباب الفساد، وطرق المنكرات والشهوات.


فمن الكتب التي عالجت هذه القضية -قضية الشهوة والغفلة والفساد- وذاعت واشتهرت بين الشباب في بداية الصحوة، وأثرت في جيل من أبناء مصر والصحوة الإسلامية:


- تحريم مصافحة الأجنبية للدكتور محمد إسماعيل المقدم.


- لماذا نصلي؟ للدكتور محمد إسماعيل المقدم.


- الإجهاز على الفيديو والتلفاز للدكتور محمد إسماعيل المقدم.


- مختصر النصيحة في الأذكار والأدعية الصحيحة للدكتور محمد إسماعيل المقدم.


- هيا بنا نؤمن ساعة للدكتور سعيد عبد العظيم.


- اللهم لك أسلمت رسالة للدكتور سعيد عبد العظيم.


- البحر الرائق للدكتور أحمد فريد.


- تحذير القاصي والداني من عقوبات الذنوب والمعاصي  للدكتور أحمد فريد.


- معًا على طريق الجنة للدكتور ياسر برهامي.


- لا إله إلا الله منهج حياة للدكتور ياسر برهامي، وغير ذلك..


وحمت هذه الدعوة -كذلك، بفضل الله عليها- فئامًا أخرى من التيه في شبهات الضلال والفساد العقدي والانحراف الفكري.


فحمت -يوم أن كان عمر الدعوة أعوامًا قليلة- مصر الحبيبة، -حفظها الله-  من فتنة التكفير(1)، فوقف علماء الدعوة السلفية بالإسكندرية بعلمهم وفهمهم ومنهجهم، وجهدهم وجهادهم، يدفعون ذلك الشر وتلك الفتنة عن مصرنا -حرسها الله-، وواجهوا جماعات التكفير على تنوعها واختلاف أسمائها يوم عمت فتنتهم وانتشرت حجتهم وأشربها كثير من الناس، وانطلت على خلق كثير.


ومن ذلك النتاج العلمي الذي واجهوا به هذه الفتنة في وقت لم يواجهها فيه غيرهم:


- شرح قضية الإيمان والكفر، محاضرات صوتية للدكتور محمد إسماعيل المقدم.


- الرد على كتاب حد الإسلام، وهو بحث بالآلة الكاتبة للدكتور محمد إسماعيل المقدم.


- التعليق على منهج سيد قطب، محاضرات صوتية للدكتور محمد إسماعيل المقدم.


- كتاب العذر بالجهل، للدكتور أحمد فريد.


- كتاب فضل الغني الحميد، للدكتور ياسر برهامي.


- كتاب منة الرحمن للدكتور ياسر برهامي(2).


ذاع هذا النتاج وغيره من ثمار المدرسة السلفية فسرعان ما انقشعت على أيدي علمائها -بفضل الله- ظلمات هذه الفتنة والتف حولهم الشباب الظامئ للحق، المتعطش للخير، التفوا حولهم  يتعلمون منهج أهل السنة والجماعة، آسفين على الوقت الذي ضيعوه، والجهد الذي بذلوه، شاكرين لأهل العلم جهدهم، عازمين على التزام غرزهم.


وواجهوا كذلك -فيما واجهوا- تلك الجماعات التي رأت المواجهة المسلحة للحكام والأنظمة الحاكمة سبيلاً لتغيير واقع المسلمين، ولم تقم لفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزنا، ولم تعتبر المصالح والمفاسد ميزانًا، فضلاً عن المسارعة في التكفير؛ لتبرير أعمالهم، التي هلك بسببها مئات من أبناء الصحوة وغيرهم، في وقت كانت الحاجة ماسة -ولا تزال- إلى كل قطرة عرق فضلاً عن قطرة دم لأبناء تلك الصحوة المباركة، وكانت فتنة عمياء ومصيبة دهماء لا أرانا الله مثلها أبدًا.


بذل علماء الدعوة بالإسكندرية النصح لهؤلاء بكل سبيل، آملين أن يحقن الله بسببهم الدماء، وأن يخمد على أيديهم الفتنة، وأن يهتدي هؤلاء إلى المحجة البيضاء، وواجهوا شبهاتهم وأفكارهم بالعلم، وقول السلف الصريح، وجلوا منهج أهل السنة والجماعة الصحيح.


كما أنهم ضربوا لهم المثال العملي في خدمة الإسلام، وإصلاح ما فسد من أحوال الناس؛ فسلكوا سبيل العلم والعمل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتزكية، وتربية الأجيال المؤمنة التي يصلحها الله، ويصلح بها البلاد والعباد.


 


واجه علماء الدعوة السلفية تلك الفتنة بكل ما يستطيعون وبما حباهم الله به من صفات جعل الله لهم بها قبولاً في قلوب الخلق، فكتبوا كتبًا وألقوا محاضرات وأقاموا المناظرات وغير ذلك.


وهذه ليست دعاوى عارية من الدليل، فمن النتاج العلمي الذي يشهد لذلك:


- نصيحة موضوعية لفصائل جهادية محاضرات صوتية للدكتور محمد إسماعيل المقدم.


- كتاب تحصيل الزاد في تحقيق الجهاد للدكتور سعيد عبد العظيم.


- كتاب فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للدكتور ياسر برهامي.


- كتاب فقه الخلاف بين المسلمين للدكتور ياسر برهامي.


فدونك هذا النتاج، وذلك التراث فهو لا يزال شاهدًا صدقًا؛ لتكون على بصيرة من أمرك(3).


ولقد نال علماء الدعوة ودعاتها ساعتها من الأذى الشيء الكثير حتى سمعنا بآذاننا من يتهمهم وقتها بأنهم: (نساء الصحوة) و(صوفية السلفية)! لا لشيء إلا لأنهم وقفوا في وجه هؤلاء، وحاربوا هذه الفتنة العمياء، لكنهم لم يبالوا طالما كانوا على الحق المستبين.


وتدور الأيام وتمر السنون، وإذا بمن خالفهم بالأمس واتهمهم، وشنع عليهم وشتمهم، يرجع إلى رأيهم، وإلى ما قعدوه من قواعد، وما أصلوه من أصول، وكانوا في ذلك مهتدين بهدي السلف مستنيرين بمنهج أهل السنة والجماعة.


ومازالت هذه الأصول التي أصلوها والقواعد التي قعدوها تهدي وتحمي ألوفًا ممن قد تمر، وتنطلي عليهم هذه الشبهات التي أضلت من سبقوهم.


ولولا فضل الله على مصر بوجود هذه الثلة من علماء الدعوة السلفية فالله أعلم ما كانت ستئول إليه هذه الفتنة! وكم كان سيكون حجمها وخطرها!


وواجهت كذلك الدعوة السلفية وعلماؤها -منذ النشأة الأولى- من يدفع الشباب إلى حمى السياسة، ويبدد مقدرات المسلمين وزهرة شبابها في سعارها المحموم، وحماستها الكاذبة، فصناديق الاقتراع عديمة الجدوى ، والنتيجة معلومة محسومة ، والحصول على عدة مقاعد كالحصول مقعد واحد ، فضلًا عن التنازل عن ثوابت الدين قربانًا لمن لا يرضى .


وهو أيضًا يشغل الأمة بذلك عن إصلاح أنفسهم ومجتمعاتهم بالعلم والعمل، والتزكية والتربية، فدائمًا ما يدفع هؤلاء الشباب المتحمس إلى هتافات وصرخات تضرهم ولا تنفعهم، يفرغون بها طاقتهم -كما أفرغ شباب مِن قبلهم ومن بعدهم طاقاتهم في سفك الدماء-؛ بدعوى العمل للإسلام، ومع ذلك كان يظن أولئك وهؤلاء أنهم قدموا لدينهم ما لم يقدمه أحد من العالمين.


وعلموا الأمة وشبابها السياسة الشرعية ، وعلموهم كيف يزنون القضايا المعاصرة بميزان الشرع وبصروهم بمنهج السلف في كل قضية معاصرة تجد على الساحة ، ولم يتركوهم حيرى أو (دراويش) .


ومن نتاجهم العلمي في هذه القضية:


- الانتخابات البرلمانية في الميزان، وهي نشرة "السبيل" التي كانت تصدرها الدعوة السلفية.


- الضوابط الشرعية في تحقيق الأخوة الإيمانية للدكتور سعيد عبد العظيم.


- فضل الغني الحميد للدكتور ياسر برهامي.


- فقه الخلاف للدكتور ياسر برهامي.


ونال -أيضًا- علماء الدعوة السلفية هذه المرة أيضًا مثل ما نالوه من قبل حينما بينوا للناس الحق ومنهج أهل السنة، لكنهم وصفوا هنا بـ (الجبن والسلبية، والانغلاق وعدم فهم الواقع)(4)؛ وهكذا كلما واجه علماء المدرسة السلفية أهل الانحراف اكتووا بنارهم وتلظوا برمضائهم.


هذا فضلاً عن وقوفهم سدًا منيعًا أمام كثير من البدع القديمة والمعاصرة، مثل: صمودهم أمام من أراد أن يسلخ الدين عن الحياة ويقصره على طقوس -زعموا- لا تؤثر في واقع الناس، انظر مثلاً هذه الكتب:


- عودة الحجاب الكتاب الماتع للدكتور محمد إسماعيل المقدم.


- الديمقراطية في الميزان للدكتور سعيد عبد العظيم.


- الطغيان المادي المعاصر للدكتور سعيد عبد العظيم.


ومثل موقفهم من بدع الصوفية وخرافاتها، والمعتزلة، والأشعرية، والمرجئة، والخوارج وغيرهم، فأخذ علماء الدعوة السلفية يكشفون شبهات وأباطيل هؤلاء وأولئك، الصور القديمة من مذاهبهم والمعاصرة.


وموقفهم المبكر من الشيعة وعقائدهم، ومن وثورتهم ودولتهم كان أوضح من رابعة النهار، ويومها وصموا بالحزبية والتعصب وتفريق الأمة، إلى أن جاء يوم الناس هذا وعرف الخلق  صحة ما سبق به هؤلاء العلماء غيرهم(5).


في كل ذلك يبينون للناس الحق من منهج أهل السنة والجماعة، ويظهرون منهج السلف -رضي الله عنهم- بالحجة والبرهان، والحكمة والبيان؛ فأظهره الله على أيديهم، ورفع الله بهم أعلامه وأصبحت -بحمد الله- عالية منشورة(6).


وبفضل الله -تعالى- نشر علماء الدعوة السلفية بالإسكندرية نور العلم ومنهج أهل السنة والجماعة في كل ربوع مصر، بعد أن كاد العلم تنمحي آثاره، ومنهج أهل السنة تضيع معالمه، فانتشر -بفضل الله- علمهم، وانتشر بنشره منهج أهل السنة والجماعة، وعلا مناره بين ربوع مصرنا الحبيبة، ودخل كل بيت مدر ووبر، وصافح كل سمع، وطرق كل قلب، واتسع يومًا إثر يوم، وانتشر طلاب العلم في ربى أرض الكنانة يبحثون عن هدي السلف وتراثهم، ويحيون ما أماتته البدعة منه(7).


ولم يجد خصوم الدعوة السلفية أعداء أهل السنة والجماعة من عيب يعيبونه عليها، فعابوها بأنها دعوة علمية، وظهرت وشاعت عبارات يقصدون بها العيب والتشويه، مثل: أصحاب الكتب الصفراء، أصحاب النظارات البيضاء، علماء دورات المياه، علماء الحيض والنفاس!


خاض علماء الدعوة السلفية ما بيناه، وعملوا ما أسلفناه، ولم يكن سواهم ساعتها من أحد يحمل لواء أهل الحق وينصر منهج السلف، ويرفع السنة ويقمع البدعة، ولو كان هناك غيرهم فإنه لم يظهر أثره، ولم يعمل مثل ما عملوا، ولم يجاهد مثل جهادهم بشموله وعمومه ووضوحه ونقائه، ولم يكن له مثل أثرهم، وإن كان فقد تأثر بدعوتهم، وسار على منهجهم ونسج على منوالهم(8).


لذلك أثمرت ثمار هذه الدعوة المباركة، وآتت أكلها ضعفين، والتف حولهم ألوف يستنيرون بعلمهم وينهلون من معينهم، وتعلقت بهم قلوبهم وتطلعت إليهم نفوسهم، وطافت بهم آمالهم، ورحل إليهم طلاب العلم، وأقام الله بهم السنة، وأخمد بهم البدعة، وأصبحت لهم بمصر المكانة العلمية والسطوة الفكرية على الصحوة الإسلامية عامة، والسلفية خاصة.


لكن.. ذهب أمس بما فيه.. وولى ذلك العصر ومرت عليه سنون، ونبتت بعده قلة باتوا صرعى همومهم، وفريسةَ غمومهم أن يكون لعلماء الدعوة السلفية تلك المكانة في قلوب الخلق عامة والشباب -أمل الأمة- خاصة، واضطرمت نار الحسد في قلوبهم، وأورى زندها أن عاد من خالف من قبل هؤلاء العلماء إلى رأيهم بعد أن كانوا بالأمس ضدهم، وأخذ رواد الصحوة يعودون إليهم في كل حدث جلل، ومعضلة علمية، ومشورة دعوية، ينتظرون رأيهم ويسترشدون بقولهم.


فأخذت هذه القلة على عاتقها أن يزلزلوا هذه المكانة، ويزعزعوا تلك المنزلة، فهم لم يخبروا منهج السلف ولم يعرفوا مذهب الخلف، فهم لا يعرفون في هذا ولا ذاك قبيلاً من دبير، ولا لهم في العلم ثاغية ولا راغية.


فأخذوا يبحثون هنا وهناك عن زلة أو سقطة، أو هفوة أو فلتة، فأعجزهم ذلك ولم يظفروا بشيء يطفئ لهيب قلوبهم، رغم أن لكل عالم زلة، ولكل سيف نبوة، ولكل جواد كبوة(9).


يقول الإمام الشاطبي -رحمه الله- مبينًا الموقف الصحيح من زلات العلماء، يقول بعد أن بيَّن أنه لا يصح اعتمادها: "كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص الموافقات من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتًا -أي: خالصًا-، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين"(10).


فلما أعيا هؤلاء ما يريدون، وبقي كل واحد منهم متلددًا؛ أخذوا يشنعون على علماء الدعوة السلفية مرة بأنهم يخرجون على الحكام، ومرة: أنهم يكفرون المجتمعات، ويدينون بدين أهل البدع، ومرة: أنهم محرضون ومهيجون.. !


وقد وقع اختيارهم لهذه القضايا بعينها ليكذبوا بشأنها لعلمهم بالموقف الحساس تجاه هذه القضايا، بل لها من الحساسية البالغة عند الاتجاه السلفي ما يعلمه أي مطلع على بدهيات المنهج السلفي، وهم في ذلك "باغون البرآء العنت"(11)، ولم ينتبهوا إلى قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب:58).


 


ولم يهتدوا بهديه -صلى الله عليه وسلم- ونسوا قوله: (إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاِسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)؛ فضلاً أن يكون ذلك المسلم له فضل وعلم، وظهرت بركة جهده سعيه.


وهذا الذي ذكروه كذب مضحك يعلمه كل قاص ودان، وارجع إلى ما قد أخبرناك خبره آنفًا من تاريخ هذه الدعوة المباركة؛ تعلم سخافة هؤلاء القوم، وها أنا أزيد لك هذا الأمر تأكيدًا..


لقد خاب مسعى هؤلاء فلو زعموا غير هذا الذي زعموا لربما وجدوا لكلامهم سامع، ولرأيهم متابع، فإن مِصرنا لم تعرف في عصرنا مَن دافع عن منهج أهل السنة المعتدل القويم مثل "علماء الدعوة السلفية بالإسكندرية"، وتراثهم وآثارهم باقية ناصعة تدل عليهم.


ولقد كان أولئك الذين يطعنون في الدعوة وعلمائها في رحم الغيب، وهؤلاء العلماء يجوبون أنحاء مصر؛ ليرووا الشباب من منهج الحق، ويبصروه بمواطن الزلل، وليردوا عن الفتن من شذ منهم وند.


غير أن هؤلاء الحاقدين خطر جسيم على المنهج المعتدل المستقيم، وهم كذلك خطر عظيم على مصرنا الحبيبة، فإذا سقط أهل العلم والفهم المستقيم من عيون الشباب ولم يلتفوا حولهم، التفوا ولابد حول كل رأس جاهل، وسارعوا في كل فتنة عمياء يخدعهم بها حدثاء الأسنان، وما أشد تحمس الشباب وسرعة تعجلهم إذا لم يتقيدوا بخطام العلم القويم، والفهم المستقيم.


وهذه الفتن وأولئك الأحداث لن ينتهي أمرهم ما دام في الناس أناس، فأنت ترى أنه رغم انحسار موجات التكفير -بفضل الله وبتسخيره علماء الدعوة السلفية لردها-، وبعد انحسار فكر الجماعات التي رأت المواجهة المسلحة حلاً، رغم ذلك مازال هناك أفراد وجماعات يقولون بمثل قولهم، وينهجون مثل نهجهم! وهذه كذلك دولة الشيعة تتربص بنا الدوائر، ودول الأعداء تجتهد أن تنزل بنا البوائر.


وهؤلاء الطاعنون لا يساوون -في أعين الشباب- شيئًا، فلن يلتفت لكلامهم شاب، ولن يفتح لمقالهم باب، فإذا لم يجدوا من أهل العلم من يبصرهم بالحق، ويهديهم الطريق السوي -ولقد كان التفافهم حول أهل العلم عاصمًا لهم من الانزلاق في الفتن-؛ سيتخذون رؤوسًا جهالاً، وربما عاد سفك الدماء وعادت الفتن العمياء، ولن نجد ساعتها من أهل العلم والمنهج الصحيح مَن يردهم إلى الحق، فلقد أسقطهم هؤلاء الطاعنون من أعين الشباب، وزلزلوا مكانتهم في نفوسهم، لكن بإذن الله سيبطل الله كيدهم، ويخيب مسعاهم.


ونحن -بفضل الله- لا نخاف على دعوتنا هذه، مطمئنين واثقين من ذلك، وذلك لأنها دعوة ربانية المصدر، ربانية المنهج، والطريق والوسيلة ربانية؛ الغاية والهدف، ولهذا حديث طويل مستفيض.


نعم.. علماؤنا بشر يصيبهم مثل ما يصيب البشر، فنحن نحبهم ونجلهم، لكن لا نقدسهم، نعرف مكانتهم، ولا نغلوا فيهم.


قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فأما الصديقون والشهداء والصالحون: فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحقة، وأما ما اجتهدوا فيه: فتارة يصيبون، وتارة يخطئون؛ فإذا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا فأخطئوا؛ فلهم أجر على اجتهادهم وخطؤهم مغفور لهم، وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين: فتارة يغلون فيهم ويقولون: إنهم معصومون، وتارة يجفون عنهم ويقولون: إنهم باغون بالخطأ، وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون"(12).


وقال الإمام الشاطبي -رحمه الله-: "فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها، حاكم بأحكامها جملة وتفصيلاً، وأنه من وجد متوجهًا غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع لم يكن حاكمًا، ولا استقام أن يكون مقتدى به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة البتة" (13).


لكن منهجنا -بفضل الله- لا يعدو كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهدي السلف الكرام قيد أنملة (14).


وأختم بقول ابن عساكر -رحمه الله-: "اعلم يا أخي -وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإيّاك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته-: أن لحوم العلماء مسمومة(15)، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، بلاه الله قبل موته بموت القلب"، وسيأتيك بالأخبار من لم تزود(16)، وإن غدا لناظره لقريب.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين.


 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 


(1) جميع معاني الفتنة يرجع إلى معنى الابتلاء والامتحان، ولها معان كثيرة منها:


1- الابتلاء والامتحان. 2- الشرك. 3- الكفر. 4-العذاب. 5- الخلاص والتخليص. 6- الإحراق. 7- وبمعنى القتل. 8- الميل والصد عن الحق. 9- الضلال. 10- الاعتذار والمعذرة. 11- الجنون. 12- الفجور أو الحب والعشق للنساء. 13- المال والولد. 14- السحر. 15 - التأويل الباطل. 16- المصيبة. 17- الفاتن الذي يفتن الناس عن دينهم أو بعضه، ولكل شاهده من القرآن الكريم.


(2)- هذا غير المناقشات، والمحاورات، والمساجلات، والندوات، والمحاضرات العامة، والدروس المنهجية، وهذا في كل ما حدثتك عنه أو سأحدثك عنه فيما يأتي -إن شاء الله-.


(3) لقد واجه علماء الدعوة السلفية تلك الفتن في وقت مبكر، فانظر موقفهم عند مقتل الشيخ "الذهبي"، وموقفهم من حادث الفنية العسكرية؛ لترى كم كانت أعمارهم ساعتها، وكيف واجهوا تلك الفتن، وكيف بصروا العامة قبل طلبة العلم  بخطر ذلك المنهج وتلك التصرفات وبعدها عن منهج أهل السنة حتى نزلوا إلى الشوارع والمواصلات العامة يحدثون الناس في ذلك.


(4) انظر ثناء الشيخ مقبل بن هادي الوادعي على منهجهم وعلى صبرهم على أذى الإخوان المسلمين في كتابه: "قمع المعاند وزجر الحاقد الحاسد"، والسؤال الذي وجه إليه هو: "فضيلة الشيخ.. لقد زرت القاهرة والإسكندرية ورأيت السلفية هناك ، فما هي أوجه التغيير عندهم، وجزاكم الله خيرًا؟


 


الجواب: أما السلفيون الذين في الإسكندرية فلا أعلم عنهم  إلا خيرًا، وإنهم حريصون على العمل بكتاب الله وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.. فهذا الذي عرفناه عنهم -والحمد لله-، هم دائبون على الكتاب والسنة وليست سلفيتهم كسلفية بعض الناس الملوثة".


(5) راجع في كل ما سبق من قضايا ومسائل مجلة "صوت الدعوة"، وأعداد مجلة "العيد"، وهما مجلتان كانت تصدرهما الدعوة السلفية، هذا غير نتاج تلامذتهم فيما بعد، لكني أحدثك الآن عن سبقهم في بداية الصحوة الإسلامية في مصر.


(6)


 


وإذا الأمور تشابهت أعلامها                   فخذوا السبيل إلى الأحب الأنفع. "أحمد محرم".


(7) ومن الشهادات التي تدل على الفهم المستنير المعتدل لهذه الدعوة السلفية، وأنها السبيل إلى توحيد كلمة المسلمين شهادة الدكتور "الأحمدي أبو النور" في برنامج ندوة للرأي، وكان البرنامج قد استضاف شيوخ الدعوة السلفية بالإسكندرية سنة 1986؛ لمناقشة فكرهم بجمعية الشبان المسلمين بالإسكندرية، وكان قد حضر الندوة اللواء "فوزي معاذ" محافظ الإسكندرية وقتها، وناقش مشايخ الدعوة السلفية في هذه الندوة كلٌّ من الدكتور "الأحمدي أبو النور" عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية وقتها، والدكتور "جمال الدين محمود" الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والدكتور "أحمد عمر هاشم" عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع الزقازيق، وكان مما قاله الدكتور "الأحمدي أبو النور" تعقيبًا على مقدمة الدكتور "سعيد عبد العظيم" للمنهج السلفي كان مما قاله: " فإن هذا الحديث المستفيض والمستطاب الذي استمعنا إليه الآن، والذي اعتبره المتحدث مقدمة حديثه حديث طيب يقوم على مبادئ مسلمة، ونحن نشيد بهذه المبادئ التي عرضها الأخ المتحدث".


وقال أيضا : " إننا جميعا بهذا الفهم المستنير ، الحكيم ، المعتدل الذي يقتفي آثار النبوة وآثار الصحابة والتابعين إننا جميعا سلفيون  "


وقال أيضا : " نحن بين يدي دعوة تعود بنا إلى السلف الصالح إلى الصدر الأول الذي يعتبر أسوة بما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولن يزال أسوة للناس جميعا (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) ولعل هذه الدعوة إن صدقت النوايا وإن خلصت الغايات لعل هذه الدعوة تكون بالاستنارة والفكر المعتدل سبيلا لجمع كلمة الأمة التي تفرقت والتي هي الآن في أمس الحاجة إلى التجمع ، وشكرا "


(8)


أقلّوا عليهم لا أبًا لأبيكم من       اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا.


(9) مثل  يضرب للرجل الصالح قد يَسقُط السقطة.


(10) الموافقات (4/171)، تحقيق دراز، ط المعرفة.


(11) جزء من حديث  أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها-، وهو في الأدب المفرد، وحسنه الشيخ الألباني -رحمه الله-.


(12) الفتاوى الكبرى (3/446)، ومجموع الفتاوى (35/69).


(13) الاعتصام (2/344).


(14) لقد حفظ الله -جل شأنه- كتابه، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الضياع أو التحريف، وبذلك يكون منهج أهل السنة والجماعة -وهو المنهج الذي حافظ على الإسلام نقيًا دون غلو أو تفريط- محفوظًا معصومًا، وهذا مصداق قول النبي -صلى الله عيه وسلم- من حديث جابر عبد الله -رضي الله عنه-: (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (رواه مسلم).


(15) من أهم أسباب أكل لحوم العلماء: 1- الغَيرَة والغِيرة. 2- الحسد. 3- الهوى. 4- التقليد. 5- التعصب. 6- التعالم. 7- النفاق وكره الحق. 8- تمرير مخططات الأعداء: كالعلمنة، وغيرها..


(16) شطر بيت من معلقة طرفة بن العبد الشاعر الجاهلي المعروف، والبيت هو:


ستُبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً                ويأتيك بالأخبار من لم تزود


وأول أبياتها هو:


لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ تَلوحُ                 كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ


وهو جزء من حديث عائشة -رضي الله عنها- في سنن البيهقي، سئلت -رضي الله عنها-: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: ربما دخل وهو يقول: "سيأتيك بالأخبار من لم تزود" سنن البيهقي الكبرى (10 /239) مكتبة دار الباز - مكة المكرمة، تحقيق: محمد عبد القادر عطا.


وانظر: كشف المشكل لابن الجوزي (2/547) دار الوطن -الرياض-، تحقيق: علي حسين البواب.


لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقيم وزنه، وكان ابن عباس يقول: "إنه كلام نبي يجمع الحكمة والمثل".


 

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم