مؤلفات الدعوة السلفية في الميزان
الدعوة السلفية ..بين الحرب الفكرية .. واليد القمعية(2-2)
مؤلفات الدعوة السلفية في الميزان..مؤلفات الدكتور ياسر نموذجًا [1]
كتبه/ وائل سرحان
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ..أما بعد ..
لقد ثارت أسئلة كثيرة من داخل الصف السلفي ومن خارجه حول بعض مؤلفات الدكتور ياسر برهامي حفظه الله – خاصة كتاب المنة – فها هي هذه الأسئلة ، وهذه إجابتها :
لـمـاذا هذه الكتب بعينها لهؤلاء الـمعاصرين؟! ولـمـاذا هذا الإصرار على كتب كانت مثار جدل وأثيرت حولها الاعتراضات؟! أليست في كتب السلف غنية؟! أليست في الكتب التي هي محل اتفاق وحدةٌ للصف ولـملـمة للشمل وسدًّا للخلاف؟! أليست القضايا التي تضمنتها هذه الكتب مبثوثة منشورة في كتب السلف؟! ألا يمكن أن ننفذ من خلال كتب السلف ي للتركيز على هذه القضايا وتدريسها؟! أليس هؤلاء الـمؤلفون مـازالوا أحياء والحي لا تؤمن عليه الفتنة؟!
أسئلة حيرى ترددت كثيرًا، لكن رغم هذه الأسئلة الكثيرة، ورغم هذه الحيرة إلا أن ذلك يدل على انتشار هذه الكتب، وأنها قد وضع لها القبول بإذن الله، وأنها أثرت في قطاع كبير من أبناء الصحوة الإسلامية الـمباركة.
وبادئ ذي بدء، مـا الضير في أن يوضع منهج لطلاب العلـم، واضح الـمعلـم سهل الـمأخذ ؟! سواء للـمبتدئين منهم أو للـمتقدمين ؟! على أن هذا هو ديدن وعادة العلـمـاء والدعاة والـمربين في كل عصر ومصر، فهذا ليس بدعًا من الفعل، فلا غضاضة في ذلك طالـمـا أن هذه التصانيف كانت على وفق منهج الحق أهل السنة والجمـاعة.
مثال ذلك «متن العقيدة الطحاوية» لأبي جعفر الطحاوي (238 - 321هـ، 852 - 933م)، و«لـمعة الاعتقاد» لابن قدامة الـمقدسي الحنبلي (541 - 620 هـ، 1147 - 1223م )، وكتاب «العقيدة الواسطية» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (661 -728هـ، 1263-1328م )، و«كتاب التوحيد»، وكتاب «الأصول الثلاثة»، كتاب «القواعد الأربعة» جميعهم لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، و«سلـم الوصول» للشيخ حافظ حكمي رحمهم الله جميعًا، وغير هذا كثير.
وحتى تندفع الشبهة ويزال اللبس سنذكر لك -أيها القارئ الكريم- بعض النقاط السريعة التي تجيب على الأسئلة التي طرحناها في بداية الحديث، وحتى يطمئن القارئ الكريم أن هذه الـمؤلفات تسير في مسارها الصحيح، وتؤدي دورها الـمنشود في تربية الجيل على منهج السلف رضوان الله عليهم، وتخطو خطوات موفقة نحو بناء شخصية إسلامية بناءً صحيحًا متكاملًا؛ أملًا في عودة عز الـمسلـمين وريادتهم.
أولًا: تبنت هذه الكتب قضايا هامة اشتعل حولها الصراع في العصر الحاضر بين أبناء الصحوة وخصومهم كالولاء والبراء والحكم بمـا أنزل الله، وغيرها من القضايا التي أراد أعداء الأمة لها أن تموت، وطرحوا شبهاتهم الـمعاصرة حولها، أو حاولوا التلبيس في هذه القضايا وحاولوا تمييعها.
فكان لابد من كتب معاصرة تركز على هذه القضايا، وتبين مكر أعداء الأمة في الالتفاف حولها، وتكشف محاولات تمييعها وتحريفها، وتبين للناس كيف العمل في حال الخلل في هذه القضايا أو غيرها، ولا تترك الناس حيرى لا يدرون مـاذا يفعلون، وإنمـا يبكون -فقط- على اللبن الـمسكوب، دون أن تبين لهم الخطوات العملية في التعامل مع هذا الواقع، كل ذلك وهي تجمع بين منهج السلف وسهولة الطرح والوعي بشبهات الـمعاصرين.
فكتب السلف -بلا شك- فيها الغنية والكفاية، لكن هذه الكتب الـمعاصرة تميزت بالوعي لشبهات الـمعاصرين، والحذر من التمحور حول هذه القضايا، أو محاولة الالتقاء في منتصف الطرق.
خاصة أن هذه القضايا لـم تكن في عهد السلف مثار جدل، ولـم يحدث فيها خلل على عهدهم، كقضية الولاء والبراء فلـم يحدث خلاف في معانيها من قبل، لا في أصلها ولا في تفاصيلها، أو كقضية الحكم بغير مـا أنزل الله في التشريع العام التي لـم تعرفها الأمة إلا في العصور الـمتأخرة، وبعض مسائل التوسل، وكذلك قضية العذر بالجهل، بل إلى عهد قريب كانت قضية ككفر أهل الكتاب من الـمعلوم من الدين بالضرورة، أمـا الآن فإنك تجد قطاعًا كبيرًا من أبناء الأمة حيارى تائهين يتساءلون هل النصارى كفار ؟ إلى غير ذلك من أسئلة يذهل الـمرء من سؤالها.
فضلًا عن سهولة الطرح -مع انضباط الألفاظ وعدم التكلف- حتى يتسنى لعامة أبناء الصحوة فهم هذه القضايا، خاصة مع عدم قدرة الكثيرين على الأخذ من كتب السلف مباشرة.
وهذه القضايا الـمذكورة هي من صميم عقيدة التوحيد، ولا يكفي أن يتعلـمها طلبة العلـم الـمتقدمين فقط، بل لابد أن تكون أمرًا عامًّا يعلـمه كل أبناء الأمة الإسلامية ويعتقدون فيها اعتقاد الحق، وإلا ضل قطاع عظيم من أبناء الصحوة في أهم وأعز مـا قامت الصحوة من أجله، وهو إحياء منهج السلف، الذي لبه ولحمته وسداه قضايا العقيدة والتوحيد.
أمـا أن ننفذ من خلال شرح كتب السلف إلى هذه القضايا؛ فإنه من الـمعلوم صعوبة وصول الشروح الصوتية إلى قطاع كبير من الناس، فضلًا على عدم إقبال كثير من الـمبتدئين من طلبة العلـم على مثل هذه الشروح الصوتية، أو حتى على حضورهم دروس أهل العلـم، خاصة في هذا العصر الذي شغلت الدنيا أبناءها أكثر من أي عصر مضى، وضعف طلب العلـم، بل أصبح طلب العلـم عند فصيل من أبناء الصحوة نفسها تهمة وعيبًا يعاب به صاحبه، أمـا لو كتبت هذه الشروح لعاد الأمر إلى كتاب من كتب الـمعاصرين.
أمـا هذه الـمؤلفات مدار الحديث فقد وصلت إلى كل يد، ومع سهولة عرضها وألفاظها ووجازتها وتوسط حجمها فهمها الـمبتدئ من طلبة العلـم واستفاد منها الـمنتهي وبصرته بمواطن الزلل، دون حاجة إلى شرح، أمـا كون مؤلفيها قد شروحها فلا ضير فهذا لزيادة البيان والتوضيح، والتأكيد وتفريع الـمسائل.
ولو قيل كتب السلف أدعى للوحدة، قلنا كيف وكتب السلف أنفسها اختلف الـمعاصرون في تحقيق مذاهب أصحابها في بعض الـمسائل، وأصبحت أراء السلف موضع خلاف أيضًا، هذا في بعض الـمسائل التي اختلف أبناء الصحوة أنفسهم فيها، فعلى سبيل الـمثال تجد أهل العلـم مختلفين في تحقيق مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في تكفير تارك الصلاة، أهو من الكفر الأكبر أم هو كفر أصغر؟ وكل يدّعي أن مذهبه هو مذهب شيخ الإسلام، واختلف أبناء الصحوة قريبًا في مذهب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في مسألة العذر بالجهل.
وكلٌّ يشرح كتب السلف بمـا يوافق مذهبه ورأيه الذي فهمه وأخذه منها، معتمدًا مستدلًّا على مـا نقل عنهم.
أمـا هذه الكتب التي هي محل النقاش فقد حققت مذهب السلف في هذه القضايا بالأدلة الواضحة، وهذا أدعى للوحدة ولـملـمة الصف.
ونحب أن نشير هنا إلى أنه ليس كل مسألة وقع فيها خلاف، أولـم يفصل فيها السلف الكلام أو توضيح لقضية أو رد لبدعة أو مبتدع تكون أمرًا معيبًا، فهذا الإمـام أحمد رحمه الله اضطر للرد على الـمبتدعة في مسائل كان قوله فيها مجملًا قبل ظهور البدعة،كمسألة خلق القرآن، فلـمـا أطلت البدعة والـمبتدعة برأسيهمـا اضطر رحمه الله إلى التفصيل،، وكذلك عبد الله ابن الـمبارك في مسألة الاستواء حينمـا قال أن الله تعالى فوق عرشه، ثم زاد وفصل وقال: بائن من خلقه، لـمـا احتاج الأمر إلى ذلك.
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تكلـم في مسائل لـم يتكلـم فيها من سبقه وفصّل وقعّد بمـا لـم يسبقه أحد في هذا ورد على أهل البدع، وكذلك شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب تكلـم في قضايا ومسائل لـم يفصلها أحد مثل تفصيله كقضايا توحيد الألوهية، وصارت كتبهمـا -رحمهمـا الله- مرجع الناس بعدهمـا في هذه الـمسائل والقضايا، ولو أن كل مسألة خلافية منع من الكلام فيها لـمـا قمعت بدعة قط، ولا رد على مبتدع أبدًا.
ثانيًا: هذه القضايا التي تناولتها هذه الـمؤلفات أصبحت على أولويات سلـم التنازلات، فتنازل عنها الكثير ممن ينسب إلى الصحوة؛ بل وهاجموا من يدعو إليها ممن وعى سنة التدرج في التحول من الحق إلى الباطل، ممـا زاد الأمر أهمية أن تفهم الأجيال هذه القضايا فهمًـا جيدًا، وتربى عليها -وهي من صميم منهج السلف- وترسخ في نفوسهم بمـا لا يقبل الـمساومـات عليها، فكان لابد من تحصين الشباب بأسلوب علـمي رصين من خلال التأصيل العلـمي لهذه القضايا وغيرها.
ثالثًا: تميزت هذه الـمؤلفات بالتوازن في الطرح بين كتابات اكتفت بالتلـميح والإشارات من طرف خفي لهذه القضايا الهامة إن لـم تكن أهملتها، وكتابات أخرى غالت إلى حد كبير في تناولها لهذه القضايا، وأهملوا لذلك قضايا أخرى لا تقل عنها أهمية، واستخفوا بمن يهتم بها ويتناولها ويتعلـمها، وتسربت إليهم -رغم رفعهم للسلفية منهجًا- بدعة تقسيم التوحيد -ولا أقول الدين- إلى قشور ولباب.
رابعًا: واقعية هذه الكتب وتوسطها بين دعوتين؛ دعوة مـازالت تقيم معارك مع فرق وأفكار اندثرت وأقوال هجرت، ودعـوة أهملت كل مذهب قديم وفرقـة قديمـة -رغم وجودها ولو بصور وأسمـاء مختلفة- واهتمت -في زعمها- بالفرق والـمذاهب الـمعاصرة، فاقتصرت هذه الكتب على بيان القدر الـمحتاج من هذه أو تلك.
خامسًا: وهي مسألة متصلة بالسابقة ردت هذه الكتب على طوائف من أهل البدع كالشيعة والصوفية وكشفت خطورة مذاهبهم، في وقت يسعى فيــــــه أعداء الإسلام بجهد جهيد أن يحيوا هذه الفرق لـمواجهة انتشار وتمدد منهج أهل السنة والجمـاعة.
سادسًا: وضع تصور واضح للخلاف بين الـمسلـمين والعاملين في مجال الدعوة إلى الله وأنواعه ودرجته وكيفية والتعامل مع الـمخالفين، خاصة مع انتشار الخلافات دون مبرر، وكثرة الأفكار والجمـاعات العاملة على الساحة الدعوية، وتوضيح السبيل الصحيح للخروج من الخلاف، فنحن أمـام مدرستين أو طرفين، أحدهمـا يهون من شان الخلاف أيمـا كانت درجته ويهمشه ويراه كله ظاهرة صحية حتى لو كان في أصول الدين.
وطرف غالى حتى والى وعادى على كل مسألة خلافية حتى لو كانت من مسائل الخلاف السائغ التي وسعت السلف، وصنف ثالث ضخم من شأن أي خلاف كان، ورأه مرضًا لابد من القضاء عليه.
سابعًا: بعض هذه الكتب تناول الأصول العلـمية للدعوة السلفية؛ التوحيد، والاتباع، والتزكية، بالشرح الوافي والبيان الجلي ممـا يجعل طالب العلـم يقف على أرضية صلبة في فهمه لـمنهج أهل السنة والجمـاعة.
ثامنًا: وضع تصور واضح للدعوة إلى الله من حيث الـمصدر والغاية والوسيلة، والاعتدال بين من يفرط فيميع القضايا من أجل تجميع متوهم، وبين مغالاة لـم تر فائدة للوحدة والتعاون.
هذا مع وضع ضوابط للعمل الدعوي والأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر وتبصير الشباب الـمتلهف لعودة الريادة الإسلامية إلى السبيل الصحيح للعمل للإسلام وتحذيره من حمـاسات تجرف الشباب إلى أعمـال أو أفكار غير منضبطة في الدعوة إلى الله وتغيير الـمنكر والتمكين للإسلام.
تاسعًا: صلاحية هذه الكتب أو بعضها لأن تكون منهجًا متكاملًا، فلـم تقتصر على الناحية العقدية فقط، بل لـم تغفل النواحي السلوكية والتربوية، والفكرية والـمنهجية، فهي إذن جرعة متكاملة لبناء الشخصية الـمسلـمة الـمتكاملة والـمعتدلة.
عاشرًا: اهتمـام هذه الكتب ببناء الإيمـان في القلوب بالتركيز على الآثار الإيمـانية لـمسائل العقيدة ممـا جعل هذه الكتب خالية من الجفاف الذي خلفه تأثر كثير من الكتاب بطريقة الكلاميين في تناول مسائل العقيدة، هذا مع عدم الإخلال بالضبط العلـمي الذي يكوّن العقلية العلـمية لطلاب العلـم.
حادي عشر: وفرت هذه الـمؤلفات على طالب العلـم كثيرًا من العناء في تـحقيق الـمسائــــــل وتـحريرها، حتى إنك تستطيع القول إنـــه حقق الـمعادلة في الـجمع بين الاختصار والشمول، فربمـا تـجد فيها مسائل لا تـجدها إلا في الـمطولات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالـمين.