تقريب كتاب (الاعتصام) للشاطبي رحمه الله

تقريب كتاب (الاعتصام) للشاطبي رحمه الله
الاثنين ٢١ فبراير ٢٠٢٢ - ١٣:٠٠ م
450

تقريب كتاب (الاعتصام) للشاطبي رحمه الله.

كتبه/ محمود الشرقاوي.

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...

الشاطبي (720: 790هـ): 

هو: إبراهيم بن موسى بن محمد، كنيته: أبو إسحاق، نسبته: الغرناطي، والشاطبي.

من أعظم ما ألف هذا الإمام كتابيه (الموافقات) في أصول الشريعة، و(الاعتصام) في لزوم السنة والتحذير من البدع، وقد كان طرحه في الكتابين طرحاً لم يسبق إليه، فقد قيل: إنه أول من تكلم في مقاصد الشريعة كعلم مستقل، وذلك في كتاب الموافقات، وأول من قعّد علم أصول معرفة البدع في كتاب الاعتصام. 

الشاطبي من علماء الأمة الكبار، لكنه -رحمه الله- كغيره بشر يصيب ويخطئ، فقد ظهرت منه بعض الأخطاء العقدية التي خالف فيها أهل السنة والجماعة، فهو يميل إلى قول الأشاعرة في بعض المسائل، لكنه تقرير من غير تعصب؛ فهو يرى أن مسألة التأويل مسألة اجتهادية، حيث يرى أن المرء إذا وجد خبراً يقتضي في الظاهر خرق العادة، كظهور تشبيه أو غيره من العين، واليد، والرجل، والوجه، والمحسوسات، والجهة فهو مخير بين أمرين، وله في أحدهما سعة، إما التفويض المطلق، وإما التأويل. 

سبب تأليف الكتاب: 

تكلم الشاطبي عن طلبه العلم واتباعه للسنة وما ألصقه به قومه من التهم والتبديع ومن ذلك أنه لا يرى الدعاء بهيئة الاجتماع ولا الدعاء للخلفاء الراشدين على المنابر فاتُهم بالرفض والخروج ومخالفة السنة والجماعة، فكان ذلك من أسباب تأليفه الكتاب. 

كتاب الاعتصام: 

(1) فصل في مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم -: ((بُدِئ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما...)) فذكر معني الغربة كيف كانت في أول الإسلام وكيف تكون في آخره.

(2) فصل ملخصه أن الإسلام في عهده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفي قرن الصحابة رضي الله عنهم متمسكين بالوحي، إلى أن نبغ في عصرهم نوابغ الخروج عن السنة، وأصغوا إلى البدع المضلة كبدعة القدر وبدعة الخوارج، ثم لم تزل الفرق تكثر حسبما وعد به الصادق صلى الله عليه وسلم: في قوله: «وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة». فصارت السنة بدعة والبدعة سنة، فيقام على أهل السنة بالتثريب والتعنيف، كما كان أولا يقام على أهل البدعة واستشهد ببعض الآثار على ظهور البدع منها عن أنس قال: لو أن رجلا أدرك السلف الأول، ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا، قال: ووضع يده على خده، ثم قال: إلا هذه الصلاة. 

(3)  فصل في التحذير من البدع وبيان أنها ضلالة وخروج عن الجادة والترغيب في إحياء السنن واستشهد بقول ابن عباس قال: ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدعة، وتموت السنن. 

(4) الباب الأول في تعريف البدع وبيان معناها وما اشتق منه لفظا فقال أصل المادة " بدع " للاختراع على غير مثال سابق، ومنه: قول الله تعالى: (بديع السماوات والأرض) أي: مخترعها من غير مثال سابق متقدم.

أما اصطلاحاً: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه. 

ثم شرح التعريف وَبيَّن أن العلوم الحديثة وإحداث الصنائع والبلدان لا تسمى بدعة شرعاً وكذلك تقسيم العلوم الشرعية ليسهل دراستها وذكر فصل البدعة التركية ملخصه إن ترك شيئا مباحاً تدينا، فهو الابتداع في الدين ما لم يكن الترك خوف الضرر. 

(5)  الباب الثاني في ذم البدع وسوء منقلب أصحابها ملخصه أن المصالح إما دنيوية أو دينية فالدينية لا تدرك بالعقل فلا يغتر الناس بأحوال الفلاسفة المدعين لإدراك الأحوال الدينية بمجرد العقل قبل النظر في الشرع. 

* وأن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان، لأن اللّه تعالى قال فيها: (الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فالمبتدع لسان حاله أو مقاله: إن الشريعة لم تتم، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها وأن المبتدع معاند للشرع، ومتبع للهوى لأن الشارع قد عين طرق العبادات وأخبر أن الخير فيها، وأن الشر في تعديها إلى غير ذلك فالعبد متبع الشرع أو الهوى إلا إذا كان هواه موافق للشرع.

(6)  جملة من الأدلة على ذم البدع من القرآن والسنة كقول النبي صلى الله عليه وسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا; فهو رد» وقوله صلى الله عليه وسلم «وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة» ونقل جملة مما جاء عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم في ذم البدع وأهلها منها قول ابن مسعود " القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة ". ومن أقوال التابعين قول أبي إدريس الخولاني أنه قال: " لأن أرى في المسجد نارا لا أستطيع إطفاءها، أحب إليّ من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها ". 

*ثم عقد فصل فيما جاء عن الصوفية في ذم البدع وأهلها وذكر أن الأوائل منهم سموا أنفسهم بالصوفية لأنهم إنما اختصوا باسم التصوف ليتميزوا عن أهل البدع وإنما دخلت المفاسد وتطرق إليهم البدع من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح ويرون اختراع العبادات طريقا صحيحا للتعبد، ومن أقوال الصوفية في ذم البدع وأهلها قول ذي النون المصري: (من علامة حب الله متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأمره وسنته). وقول شاه الكرماني: (من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشبهات، وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة، وعود نفسه أكل الحلال، لم تخطئ له فراسة). 

* ثم عقد فصل ما جاء في ذم الرأي المذموم وهو المبني على غير أصل من كتاب ولا سنة أو رأي مخالف لهما كقول الشعبي:( إنما هلكتم حين تركتم الآثار وأخذتم بالمقاييس) أما ما كان راجع إلى أصل شرعي فلا يكون بدعة أبدا. 

(7) فصل في الأوصاف المحذورة والمعاني المذمومة في البدع وخطر البدعة ألا يقبل معها عبادة قال أيوب السختياني: (ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا) وفصَّل ذلك بأن تكون بدعة كفرية كبدعة القدرية، حيث قال فيها عبد الله بن عمر:(إذا لقيت أولئك، فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم براء مني، فو الذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه، ما تقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر)، وإما أن يراد أنه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة دون ما لم يبتدع فيه. 

* صاحب البدعة تنزع منه العصمة ويوكل إلى نفسه والماشي إلى المبتدع والموقر له معين على هدم الإسلام وأن صاحبها ملعون على لسان الشريعة: لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). وأن البدع مظنة إلقاء العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام وأنها مانعة من شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وأن على مبتدعها إثم من عمل بها إلى يوم القيامة لما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: (من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها) وأن صاحبها ليس له من توبة لما جاء من قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله حجر التوبة على كل صاحب بدعة)، وأن صاحبها يبعد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الحديث: (أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا تأهبت لأتناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب! أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوه بعدك). 

* الخوف على المبتدع من سوء الخاتمة واسوداد وجه المبتدع في الآخرة ويُخشى عليه الفتنة لقول تعالي: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [النور:63].

(8) فصل الفرق بين البدعة والمعصية، فصاحب البدعة لما غلب عليه الهوى مع الجهل بطريق السنة، توهم أن ما ظهر له بعقله هو الطريق القويم دون غيره، لذلك لا تجد مبتدعا ممن يُنسب إلى الملة إلا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي، وهذا بخلاف من اجتهد فأخطأ فله أجر، وبخلاف صاحب المعصية كالقتل فسُمي القتل سنة بالنسبة لمن يقتدي به فيها، لكنه لا يسمى بدعة، لأنه لم يفعله ليكون تشريعا بخلاف المبتدع يريد أن يُشَرِّع كالنصارى في عقيدة التثليث وتحليل الخنزير ومشركي العرب (قالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) علي سبيل التشريع.

(9) الباب الثالث: في ذم البدع والمحدثات والرد على شبه المبتدعة وإن عامة المبتدعة قائلين بالتحسين والتقبيح العقلي، فهو عمدتهم الأولى لكن ليس كل ما يقضي به العقل يكون حقا، ولذلك تراهم يرتضون اليوم مذهبا، ويرجعون عنه غدًا، ثم يصيرون بعد غد إلى رأي ثالث، لذلك كل راسخ في العلم لا يبتدع أبدًا، وإنما يقع الابتداع ممن لم يتمكن من العلم. 

(10) فصل أقسام المنسوبين إلى البدعة إما أن يكون: مجتهدًا، أو مقلدًا. فالمجتهد لا يقع منه ابتداع إلا فلتة، وتسمى غلطة أو زلة، وذكر أمثلة لذلك وأما العوام فمنهم من يحسن الظن بصاحب البدعة فيتبعه، ولم يكن له دليل على التفصيل يتعلق به، إلا تحسين الظن بالمبتدع خاصة، وهذا القسم في العوام كثير. 

 *ومن المبتدعين أهل الفترات العاملين التابعين لآبائهم على قسمين: قسم غابت عنه الشريعة فهؤلاء هم الداخلون حقيقة تحت عموم الآية الكريمة: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء: 15] وقسم استندوا إلى آبائهم وعظمائهم فيها، وردوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وغطى على قلوبهم رَيْنُ الهوى، صارت شريعته صلى الله عليه وسلم حجة عليهم على الإطلاق والعموم.

(11) فصل إثم المبتدعين ليس على رتبة واحدة واختلافها يقع من جهات بحسب النظر الفقهي، فيختلف من جهة كون صاحبها مدعيًا للاجتهاد أو مقلدًا، ومن جهة وقوعها في الضروريات أو غيرها، ومن جهة كون صاحبها مستترا بها أو معلنًا، ومن جهة كونه مع الدعاء إليها خارجًا على غيره أو غير خارج، ومن جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية، ومن جهة كونها بينة أو مشكلة، ومن جهة كونها كفرًا أو غير كفر، ومن جهة الإصرار عليها أو عدمه إلى غير ذلك من الوجوه التي يقطع معها بالتفاوت في عظم الإثم وعدمه أو يغلب على الظن. 

(12) فصل أنواع الأحكام التي يقام على أهل البدع بها فقال: إن القيام عليهم: بالتثريب، أو التنكيل، أو الطرد، أو الإبعاد، أو الإنكار: هو بحسب حال البدعة في نفسها، من كونها: عظيمة المفسدة في الدين، أو لا، وكون صاحبها مشتهرا بها أو لا، وداعيا إليها أو لا، ومستظهرا بالأتباع أو لا، وخارجا عن الناس أو لا، وكونه عاملا بها على جهة الجهل أو لا. 

(13) فصل شُبه المبتدعة والرد عليهم ومنها شبهة (أن من سن سنة خير فهو خير) ورد على ذلك بأن المقصود من أحيا سنة من سنته صلى الله عليه وسلم أو من عمل بها، لا من اخترع سنة، وشبهة أن الأمة لا تجتمع على ضلالة فرد بأن كل ما كان من المحدثات له وجه صحيح; فليس بمذموم، بل هو محمود كجمع القرآن وكتبه في المصاحف فجاء من بعدهم فجمعوا العلم ودونوه وكتبوه وهذا من قبيل المصالح المرسلة، لا من قبيل البدعة المحدثة.

(14) فصل الرد على زعمهم أن البدعة تنقسم خمسة أقسام فجعلوا منها ما هو واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحرم. وأجاب رحمه الله بأن: هذا التقسيم أمر مخترع، لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو نفسه متدافع; لأن من حقيقة البدعة ألا يدل عليها دليل شرعي، لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة، لما كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلا في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها، فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعًا، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين. أما المكروه منها والمحرم، فمسلم من جهة كونها بدعًا لا من جهة أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته، لم يثبت بذلك كونه بدعة، لإمكان أن يكون معصية،

(15) مسألة التراويح وتركه صلى الله عليه وسلم لها خشية أن تفرض عليهم، وعلة لماذا لم يحيها أبو بكر رضي الله عنه فرد بأن أبا بكر رأى أن قيام الناس آخر الليل أفضل أو لضيق زمانه رضي الله عنه عن النظر في هذه الفروع، مع شغله بأهل الردة وغير ذلك مما هو آكد من صلاة التراويح. ووضح لماذا سماها عمر رضي الله عنه بدعة.

(16) أن من أقام بالرُّبْطِ وما بني من الحصون والقصور قصدا للرباط فيها، وما بني من المدارس للتعليم ليس بدعة، أما من ترك الاكتساب وانقطع إلى الزوايا تشبهًا بحال أهل الصفة فإنه بدعة لأن القعود في الصفة لم يكن مقصودا لنفسه، وفصَّل في مسألة التصوف فمنها ما هو بدعة ومنها ما ليس ببدعة

(17) الباب الرابع في مأخذ أهل البدع بالاستدلال إما لعدم الرسوخ في معرفة كلام العرب والعلم بمقاصدها، وإما لعدم الرسوخ في العلم بقواعد الأصول التي من جهتها تستنبط الأحكام الشرعية، وإما لعدم الأمرين جميعا وفصَّل في ذلك وذكر أسباب مخالفتهم طريق الحق وهي: 

*اعتمادهم على الأحاديث الواهية والمكذوبة وذكر متي يُعمل بأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال وذكر ردهم للأحاديث المخالفة لأغراضهم ومذاهبهم كالمنكرين لعذاب القبر، واتباعهم المتشابهات لكنه للأسف جعل إثبات الصفات من المتشابه. 

*ومنها: تحريف الأدلة عن مواضعها بمعني إذا ندب الشرع مثلا إلى ذكر الله، فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد وبصوت، أو في وقت معلوم مخصوص عن سائر الأوقات فقد خالف إطلاق الدليل. 

*ومنها بناء طائفة منهم الظواهر الشرعية على تأويلات لا تعقل كالباطنية فمما زعموا في الشرعيات: أن الجنابة هي إفشاء سر الطائفة. والصيام هو الإمساك عن كشف السر وذكر كثير من بدعهم.

* ومنها المغالاة في تعظيم الشيوخ وأضعف هؤلاء احتجاجًا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات، وأقبلوا وأعرضوا بسببها فيقولون: رأينا فلانًا الرجل الصالح، فقال لنا: اتركوا كذا، واعملوا كذا. 

(18) فصل الاجتماع في بعض الليالي والأخذ بالذكر الجهري على صوت واحد وما فيه من البدع والشطح والرقص والصياح وضرب الأقدام والزمر وأن يغشى على أحدهم بخلاف مجالس الذكر التي يُذكر فيها الأحاديث؛ أنها هي التي يتلى فيها القرآن، والتي يتعلم فيها العلم وأحكام الدين. 

(19) الباب الخامس في أحكام البدع الحقيقية والإضافية والفرق بينهما فقال رحمه الله: 

* البدعة الحقيقية: هي التي لم يدل عليها دليل شرعي؛ لا من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا استدلال معتبر عند أهل العلم؛ لا في الجملة ولا في التفصيل، ولذلك سميت بدعة لأنها شيء مخترع على غير مثال سابق. 

*وأما البدعة الإضافية؛ فهي التي لها شائبتان: 

إحداهما: لها من الأدلة متعلق، فلا تكون من تلك الجهة بدعة، أي سنة؛ لأنها مستندة إلى دليل في أصلها.

والأخرى: ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية؛ أي أنها بدعة من التطبيق وذكر أن البدع الإضافية على ضربين أحدهما: يقرب من الحقيقية، حتى تكاد البدعة الإضافية تعد بدعة حقيقية. 

والآخر: يبعد منها حتى (يكاد) يعد سنة محضة؛ بمعني أن البدعة الإضافية تبعد البدعة الحقيقية حتى تكاد تعد سنة فعقد في كل واحد منهما فصولا. 

*وذكر مستند تقسيم البدعة إلى الحقيقية والإضافية قوله تعالي (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون) [الحديد: 27]. 

* فهل الرهبانية مما شرعت لهم ـ لكن بشرط قصد الرضوان أي الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خالفوا الشرط أصبحت بدعة إضافية وقاس على ذلك ترك الشروط في العبادات. 

*أم الرهبانية ما شرعت لهم فهي بدعة الحقيقية، وعموما الرهبانية لم تشرع في الإسلام.

*وتطرق لمسألة: التزام عمل ليس بمكتوب بل هو مندوب ثم تركه هل يقع تحت قوله تعالي (فما رعوها حق رعايتها) [الحديد: 27]. والجمع بين الآية وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذوا من العمل ما تطيقون)

* وعقد فصل الأخذ في التسهيل والتيسير مع الالتزام على جهة ما لا يشق الدوام وفصل الدخول في عمل على نية الالتزام له ملخصه أنه يداوم عليه ما لم يورث مللًا، أو خوف التقصير أو العجز عن القيام بما هو أولى وآكد في الشرع أو خوف كراهية النفس لذلك العمل المُلتَزَم يفضي به إلى ضعف بدنه، أو نهك قواه، حتى لا يقدر على الاكتساب لأهله، وأورد جملة من آثار السلف في كثرة العبادة ولم يَعدُهم أحد بذلك مخالفين للسنة، بل عدوهم من السابقين، لأنه لم يشق عليهم وأن المشقة تختلف بحسب اختلاف الناس في قوة أجسامهم، أو في قوة عزائمهم، ووقت نشاطهم

(20) فصل تحريم ما أحل الله من الطيبات تدينًا أو شبه التدين وجعله اعتداء قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) [المائدة: 87] ونقل سبب نزول الآية وأقوال الصحابة في ذلك وأن الإمام مالك جعل ترك الحلال بنية التعبد معصية. 

*و تطرق لقوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) وذكر من حرم عليه الحلال عليه كفارة يمين وأما قوله تعالى: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة) [آل عمران:93]  أن ذلك في شرع من قبلنا وأنه منسوخ بشرعنا وأن العمل بغير شريعة أو العمل بشرع منسوخ فعمله غير صحيح أما العزلة في شرع من قبلنا مندوب إليها في ديننا عند فساد الزمان على شرط أن لا يحرموا ما أحل الله من الأمور التي حرَّمها الرهبان وإن كانت العزلة مؤدية إلى ترك الجُمعات، والجماعات، والتعاون على الطاعات... وأشباه ذلك؛ فإنها موقعة في المحرم من جهة، وأيضا سلامة من جهة أخرى عند الفتن، ويقع التوازن بين المأمورات والمنهيات. 

(21) فصل الخروج عن السنة إلى البدعة الحقيقية أو الإضافية وذكر أمثلة للبدع الإضافية.

* وفصَّل في مسألة سكوت الشارع عن الحكم في مسألة ما هل فعلها جائز أم بدعة وضرب أمثلة للجائز والبدعة.

*وعقد فصل في كل عمل اشتبه أمره فلم يتبين أهو بدعة أم غير بدعة فحكم فيه أنه من البدع الإضافية وقاسها على قاعدة إذا اختلطت الميتة بالذكية وتكلم عن بدعة التبرك بآثار الصالحين وكذلك من البدع الإضافية إخراج العبادة عن حدها الشرعي وذكر جملة من البدع تحت هذا العنوان.

* فصل: البدع الإضافية: هل يُعتد بها عبادات يتقرب بها إلى الله، فقسمها أربعة أقسام وفصل فيها.

(22) الباب السادس في أحكام البدع وأنها ليست على رتبة واحدة، فمنها بدعة محرمة، ومنها بدعة مكروهة.

*وجه ثان في التقسيم ما هو كفر صريح، ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر أو مختلف فيها هل هي كفر أم لا؟ ومنها، ما هو مكروه.

*ووجه ثالث: أن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر واقعة في الضروريات أو الحاجيات أو التكميليات ومنها بدع المقصد، وبدع الوسيلة وقسم بدع الضروريات إلى بدع في الدين أو النفس أو النسل أو العقل أو المال. 

*وذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) فوصف البدعة بالضلالة يتنافى مع أن بعض البدع مكروهة وفاعلها لا أثم عليه فذكر الجمع بين ذلك وأيضاً أن البدع منها الصغيرة فكيف ذلك (كل بدعة ضلالة) وذكر فصل شروط كون البدعة صغيرة: ألا يداوم عليها، ألا يدعو إليها، ألا تفعل في المواضع التي هي مجتمعات الناس والبدعة إذا أظهرها العالم المقتدى به فلا يتحاشى أحد عن اتباعه، وأنه لا يستصغر البدعة ولا يستحقرها.

(23) الباب السابع في الابتداع هل يدخل في الأمور العادية أم يختص بالعبادات؟ فنقل قول من قال بأن الابتداع وقع في العادات من المآكل والمشارب والملابس وأدلتهم ونقل قول من قال بأن الابتداع مختص بالعبادات وفصَّل بأن ما جاء في الشرع غير معقول المعني فهو تعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي فهذا يدخل فيه الابتداع كالنكاح والطلاق والجنايات وأما العاديات من حيث هي عادية لا بدعة فيها.

* فصل في فشو المعاصي والمنكرات والمكروهات والعمل بها هل يعد بدعة؟ فأجاب أنها مخالفة لا بدعة من جهة وبدعة من جهة أخري وذكر أمثلة على ذلك.

(24) الباب الثامن في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان فقال إن كثيرا من الناس عدوا أكثر المصالح المرسلة بدعًا وذكر أقسام المصالح فمنها ما شهد الشرع بقبوله ومنها ما شهد الشرع برده، ومنها ما سكت عنه الشرع، فهذا الأخير على وجهين: 

وجه منه يلائم تصرفات الشرع، وهذا يسمى بالمصالح المرسلة وذكر له عشرة أمثلة منها جمع القرآن، وحد شارب الخمر ثمانين، وتضمين الصناع، وقتل الجماعة بالواحد.

* فصل الاستحسان لا يكون إلا بمستحسن وهو إما العقل أو الشرع، فإن كان بالشرع أو بالعقل وشهد له الشرع كالعادات، فهو المسألة الماضية وما قبلها، أما ما لا دليل عليه أولم يشهد له الشرع فهو الذي يسمى بالبدعة، وذكر أن الاستحسان يراه معتبرا في الأحكام مالك وأبو حنيفة وأورد أمثلة لذلك ومالك وأبي حنيفة لم يخرجا عن الأدلة البتة، بخلاف الشافعي فإنه منكر له جدًا حتى قال: من استحسن فقد شرع. 

* فصل في رد حجج المبتدعة بقوله عليه الصلاة والسلام: (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن) وشبهة استفتاء القلب في الاستحسان الذي لم يشهد له الشرع.

(25) الباب التاسع في السبب الذي لأجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين وهو: إما تقدير الله وإما كسبي ففي الحديث: (وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) وقال الله تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) [هود:118] وذكر توجيه قوله تعالي (ولذلك خلقهم) وأما كسبي كقوله: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) [آل عمران:105] وذكر عدد من الاختلافات التي وقعت في أصل الدين وفي القبلة وتعظيم الأيام وطريقة الصلاة إلى غير ذلك.

*وأيضاً من أسباب الخلاف اتباع الهوى واتباع ما كان عليه الآباء والأشياخ، وأشباه ذلك، وهو التقليد المذموم، ومن الأسباب أيضاً الجهل بمقاصد الشريعة والتكلم على معانيها بالظن من غير تثبت وهو السبب الرئيسي فيما مضي وذكر لكل سبب أدلة وأمثلة ثم تكلم علي مسائل في حديث (افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة) من هذه المسائل ليس كل اختلاف واقع تحت الحديث ومنها أن أسباب الاختلاف بين الناس قد يكون بسبب الدنيا والمعاصي وبعض هذه الفرق لم يبلغ به مبلغ الخروج إلى الكفر المحض وليس كل الاختلافات في العقيدة بل في قاعدة كلية أو كثير من الجزئيات. 

*ثم عقد فصل في تعيين هذه الفرق وأسمائهم ونقل العلماء في ذلك ثم رجح أن الأفضل عدم الخوض في هذه المسألة ولكن ذكر صفات لهم وعلامات إجمالية، وعلامات تفصيلية. 

منها أنهم يتبعون متشابهات القرآن، ويتبعون الهوى ثم ذكر حكم هذه الفرق هل نكفرها أو نفسقها ونفوذ الوعيد فيها لخبره عليه الصلاة والسلام أنها (كلها في النار) أو نجعلها في المشيئة؟ وأما قوله عليه الصلاة والسلام ( إلا واحدة ) أعطى بنصه أن الحق واحد لا يختلف وذكر علة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين مِنْ الفرق إلا فرقة واحدة وهي الناجية، وذكر اختلاف العلماء في معنى الجماعة الوارد في بعض طرق الحديث وحاصل ذلك هم الاعتبار بالسواد الأعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم المتمسكون بأثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه، ثم عرَّج علي إحدى طرق الحديث ( وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه) فكما أن داء الكلب ينتشر في الجسم بالكامل ويصعب علاجه كذلك أهل الأهواء والبدع يصعب رجوعهم للسنة إلا القليل وأن داء الكلب فيه ما يشبه العدوى وكذلك البدع.

(26) الباب العاشر في بيان معنى الصراط المستقيم الذي انحرفت عنه سبل أهل الابتداع فقال إن كل فرقة وكل طائفة تدعي أنها على الصراط المستقيم ولكي يوضح معنى الصراط المستقيم ذكر أن البدع تقع بسبب أربعة أمور: وهي الجهل بأدوات الفهم، والجهل بالمقاصد، وتحسين الظن بالعقل، واتباع الهوى.

*فالجهل بأدوات الفهم سببه أن الله عزوجل أنزل القرآن في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب، قال الله تعالى: (إنا جعلناه قرآنًا عربيًا) [الزخرف:3] وأكثر المبتدعة لم يكن عندهم علم باللغة العربية ومعانيها وأساليبها، فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أن يكون عربيا أو كالعربي في كونه عارفًا بلسان العرب فإذا أشكل عليه في الكتاب أو في السنة لفظًا أو معنًا فلا يقدم على القول فيه دون أن يستظهر بغيره ممن له علم بالعربية وضرب لذلك أمثلة لكن للأسف وقع في تأويل بعض الصفات بسبب مذهبه الأشعري رحمه الله.

(27) وأما الجهل بالمقاصد فذكر أن لله أنزل الله الشريعة فيها تبيان كل شيء وهذه الشريعة بها قواعد كلية وعامة تشمل العديد من الجزئيات وتنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكولاً إلى نظر المجتهد فلا يقال: قد وجدنا من النوازل والوقائع المتجددة ما لم يكن في الكتاب ولا في السنة نص عليه فيرد الجزئيات بذلك وأيضًا أمر آخر وهو أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن مبرًأ عن الاختلاف والتضاد فلا يضرب كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بعضها ببعض وذكر من ذلك عشرة أمثلة.

(28) وأما تحسين الظن بالعقل فذكر أن الله جعل للعقول في إدراكها حدًا تنتهي إليه لا تتعداه فالأخبار قد تأتي بما يدركه الإنسان بعقله وبما لا تدركه مثل ما جاءت النبوات بخوارق العادات كقلب العصا ثعبانا، وفلق البحر، وإحياء الموتى وبأوصاف أهل الجنة وأهل النار خارجة عن المعتاد الذي عندنا وقال ما ملخصه أن العقل ناقص والشرع كامل ولا يصح أن يكون الناقص حاكما على الكامل ونقل جملة من الآثار في التحذير من أهل الكلام ومن ردوا الغيبيات برأيهم وقياسهم الفاسد والنهي عن إعمال النظر العقلي مع طرح السنن

(29) ثم ختم كتابه بالكلام عن اتباع الهوى بأن الشريعة موضوعة لإخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله وأن الله تعالى وضع هذه الشريعة حجة على الخلق في جميع أحوالهم وتقلباتهم وأكمل من سار على هذه الشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ولذلك صار عبدًا لله حقًا. وهو أشرف اسم تسمى به العباد وورثته في ذلك العلماء، لذلك فإن الله سبحانه شرف أهل العلم ورفع أقدارهم، وعظم مقدارهم، ودل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وذكر أقسام المكلف بأحكام الشريعة إما أن يكون مجتهدا فيها أو غير بالغ مبلغ المجتهدين ويصلح فهمه للترجيح بالمرجحات المعتبرة في تحقيق المناط ونحوه أو أن يكون مقلدًا صرفًا خليًا من العلم ثم ذكر ما يجب على كل واحد منهم وذكر عشرة أمثلة لمن تركوا الدليل واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل. 


أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم