الدعوة السلفية .. بين الحرب الفكرية .. واليد القمعية

الدعوة السلفية .. بين الحرب الفكرية .. واليد القمعية
وائل سرحان
السبت ٠٦ نوفمبر ٢٠٢١ - ١٢:٠٥ م
264

الدعوة السلفية .. بين الحرب الفكرية ..  واليد القمعية (1-2)

كتبه/ وائل سرحان (**)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول رب العالمين ، وآله وصحبه أجمعين .. وبعد..

لقد كان الإسلام وسطًا بين الـملل؛ وكذلك كان أهل السنة والـجمـاعة وسطًا بين الفرق، وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم نجاة الفرد على التزامه بمنهج أهل السنة والجمـاعة ، فقال صلى الله عليه وسلم : " وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّـةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّـةً وَاحِدَةً<، قَالُـــــوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "مَا أَنَا عَلَيْـهِ وَأَصْحَابِي" [رواه الترمذي (2641)وحسنه الألباني] ، وعند ابن ماجه قال:(الجَمَاعَةِ) [رواه ابن ماجه (3992)وصححه الألباني].

وكذلك انتصار الأمة والتمكين لها وعودة ريادتها مرهون بالعودة إلى ذلك الـمنهج السديد والسبيل القويم (منهج أهل السُّنَّة والجمـاعة)، أو (منهج السلف) فقد قال صلى الله عليه وسلم كمـا في (صحيح مسلم): >لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [رواه مسلم (156)] ، وعنده أيضًا: "ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ< [رواه البخاري (71)، ومسلم (1037)] ، وعند الترمذي: "

لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ الله".

فنجاة الأفراد وانتصار الأمة مرهون بالعودة إلى هذا المنهج، الذي يعني الإسلام، ولا شيء سوى الإسلام، لكنه الإسلام دون تحريف ودون أن ينقص منـــه أو يزاد فيـــه

، الإسلام كمـا نزل على النبي صلى الله لعيه وسلم وكمـا فهمــه وعمل بــــه صحابتـــه رضوان الله عليهم، فأهل السُّنَّة والجمـاعة هم الامتداد الطبيعي للإسلام والفهم الصحيح لـــــه.

لذلك لـمـا ظهرت الصحوة الإسلاميـــة الـمعاصرة -باركها الله وحرسها- تبنت منهج السلف منهج أهل السُّنَّة والجمـاعة في قضايا الإسلام ومسائل الدين، وكان ذلك هو مصدر قوتها وانتشارها؛ لذلك حاول أعـــــــداؤها والـمتربصون بها أن تتخلى عن قضاياها التي هي سبب تـميزها وسلامــــة منهجها.

وبدأت الدعوة السلفية المعاصرة رحلتها، وأخذت على عاتقها أن تحيي منهج السلف ي وتعيد لـمنهج أهل السُّنَّة مكانته

، ونهلت الدعوة من علوم السلف وتأثرت بدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمهمـا الله تعالى-.

وتبنت الدعوة السلفية قضايا الـمنهج السلفي، وكان لها في ذلك منهجٌ وسطٌ فحاربت البدع القديمة والـمعاصرة التي تهدم كيان الأمة، وتهدد سيرها نحو التمكين واستعادة ريادتها، وتعمل على إبعادها عن طريقها الصحيح؛ منهج السلف الصالح بل وتعمل على هدمـــــه.

لـم تهمل الدعوة السلفية البدع الـمعاصرة وفي ذات الوقت لـم تجعلها -وحدها-القضايا الـمصيرية للأمة دون غيرها، ولـم تهمـــل -أيضًا- البـــدع القديمة لكنها لـم تتمحور حول معارك الـمـاضي، فلم تشعل حروبًا في الهواء، ولـم تشغل أبـنــــاء الأمــــة بحرب أفكار انــدثـــرت أو أقـــوال هُجِرت.

وحافظت -بل حاربت فكريًّا- الدعوة السلفية من أجل قضايا منهج أهل السُّنَّةِ، خاصةً ما تعرض منها لهجوم أعداء الإسلام من حرب أو تشويه أو تـمييع

، وكانت الدعوة السلفية في هذا كله حذرة متيقظة لـمن انتهج منهج التدسس النـــاعم لتحريف هـــــذه القضايــــا أو هدمها من أساسها.

كمـا حافظت الدعوة السلفية على الفهم الصحيح لكثير من القضايـــا التي فهمها كثير من حسني النوايـا فهمًـا خاطئًـــا ظانين أن هذا هو الـحق، وأنهم على وفق منهج أهل السُّنَّـــة والـجمـاعة يسيرون.

وكان هنالك كذلك من القضايا ما تبنته جماعات تنتسب للصحوة الإسلاميـة ضاربة بموقف السلف منها عرض الحائط، أو خاضت فيها غير مبالية بضوابطها وشروطها التي تـجعلها على وفق منهج أهل السُّنَّة، فكان من الدعوة السلفية أن بينت ووضحت مدى قرب أو بعد هذه الجمـاعات في تلك القضايا من منهج السلف الصالح ي، وبينت الضوابط والقواعد التي تـحكم هذه الـمسائل.

وقد فعلت الدعوة السلفية ذلك محافظةً على منهج أهل السُّنَّة، وإيمـانًا منها بأنــــه لا مناص ولا ملجأ إلا بالرجوع إلى هذا الـمنهج لنجاة الفرد وسيادة الأمة

، لكن لـمـا تــنبـــه للدعوة من كان عنها غافيًا وفرغ لها من كان عنها مشغولًا، وأرق هؤلاء وهؤلاء انتشار الدعوة السلفية ووصولها لكل قطاعات الـمجتمع وإقبال الناس عليها؛ فبادروا بالتشغيب على الدعوة يصورونها بالـخطر القادم تــــارة، ويؤزون عليها من يوقف مدها ويعرقــــل انتشارها تارة أخرى، رغم أن منهج الدعوة وأفكارها هي التي حمت وتـحمي الـمجتمع من جهلاء الداخل وأعـــداء الـخارج.

وكان لـحرب هـــؤلاء على الدعوة صور أخرى، تــدثــــر بعضها بالصورة العلميــــة الفكريـــة، فأخذ أصحابها يتناولون مؤلفات الدعوة السلفية بالطعن والتشكيك

، ولو أنهم حاكموا هذه الـمؤلفات إلى منهج أهل السُّنَّة لـمـا احتجنا إلى هذا الكتاب(*)الذي بين يديك أيها القارئ الكريم، لكنهم اكتفوا بالأوهام والشبهات ، والطعون والتشكيكات ، وأحيانًا تثور عليهم نفوسهم فيكتفون بالسباب والتجريـحات.

ومن تقدم في طلب العلم ولو قليـــــلًا فيكفــــه أن يقرأ مؤلفات الدعوة السلفيـــــة ليعلم أنها من منهج أهل السُّنَّة ولدت، ومن طيات فهم السلف الصالح خرجت.

والله الـمستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيـــل.

وآخر دعوانــــا أن الـحمد لله رب العالـمين.

(*) المقصود كتاب (مؤلفات في دائرة الضوء).

(**) المقال من مقدمة الشيخ وائل سرحان لكتاب (مؤلفات في دائرة الضوء) وكان الفراغ منــــــه يوم الاثنين 18 من شهر المحرم 1430 ھ.

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم