دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين (3-2)

دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين (3-2)
السبت ٢٩ يونيو ٢٠٢٤ - ١١:٠٠ ص
35

 دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين (3-2)

قرأه/ محمود الشرقاوي

ثم ذكر تَهَكَّمَ «أَبي رَيَّةَ» في كتابه للصحابي الجليل أبي هريرة – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فيما يربو على خمسين صفحة، ولم يدع منقصة ولا مذمة إِلاَّ ألصقها به، ونال من غيره من الصحابة كما نال منه، وَتَهَكَّمَ بجمهور أهل العلم الذين قالوا إِنّ الصحابة كلهم عدول.

فذكر أبو شهبة مَنْزِلَةُ الصَّحَابَةِ فِي الإِسْلاَمِ، وذكر تعريف الصحابي وعَدَالَةُ الصَّحَابَةِ استشهاداً بقول تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، وذكر جملة أحاديث في فضائل الصحابة وذم من ذمهم، وقول الشافعي: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ.... يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ»

أما الصَّحَابِيُّ المَظْلُومُ أبو هريرة فهو أكثر صحابي نال منه المبتدعة قديماً والمُسْتَشْرِقُونَ حديثاً التي هي امتداد للحملات الصليبية، ثم أبو رية يأخذ افتراءهم ويزيد عليه ويستشهد بالروايات الضعيفة ما دامت تُسْعِفُهُ، ولم يكن أمين في النقل، فينقل ما يشاء يدع ما يشاء بالهوى والتشهي لا بالحُجَّة والبرهان، كما نقل عن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -أنه استعمل أبا هريرة عاملاً على البحرين، ثم بلغه أشياء تخل بأمانته فعزله وَوَلَّى مكانه غيره، وَأَنَّ عمر أهانه وكلمه بكلام شديد.

فرد أبو شهبة بأَنَّ عمر استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف فقال له عمر: فَمِنْ أَيْنَ لَكَ؟ " قال: " خَيْلٌ نُتِجَتْ، وَأَعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ، وَخَرَاجُ رَقِيقٍ لِي "، فَنَظَرَ فَوَجَدَهَا كَمَا قَالَ"

كما نقل أبو رية أيضاً «أَنَّ عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال لأبي هريرة: " أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وأحرى بك أن تكون كاذبا على رسول الله "،

فرد أبو شهبة بأَنَّه لم يجد رمي عمر لأبي هريرة بالكذب في أي كتاب من الكتب الموثوق بها، وأنَّ أَبا رَيَّةَ اعتمد على كتب الأدب ونحوها في النقل، فمن ذلك ما ذكره في التهكم بأبي هريرة وتسميته بشيخ المضيرة، نقلا عن كتاب "ثمار القلوب" للثعالبي وأَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ كَانَ مَزَّاحًا مِهْذَارًا وطَعْن فِي كَثْرَةِ أَحَادِيثَه وأنه اخْتِلق هذه الأحاديث وذكر عدة روايات موضوعة ليدلل على صحة قوله.

فرد عليه ابو شهبة بأن دعوى أبي رية كبقية دعاواه التي لم يقم عليها دليل لا نجد أَحَدًا من العلماء الأثبات قال شيئا من هذا، فليس للمؤلف سلف في هذا التعبير إِلاَّ ما حكى عن النَظَّامِ وأمثاله، و «جولدتسيهر» المستشرق اليهودي

وذكر أبو شهبة عدة أمثلة من تظرف أبي هريرة، لنرى أن مزاحه لا يخلو عن علم شرعي وحكمة، وإعمال الفكر والروية، وتبين مقدار الذكاء والفطنة وهذا مقبول
وأما قضية اخْتِلاَق أَبِي هُرَيْرَةَ للأحاديث فرد أبو شهبة عليها بأن أبا رية غير متثبت لأن بعض ما استشهد به من الأحاديث الموضوعة ليس مَرْوِيًّا عن أبي هريرة، غير أن كل حديث موضوع روي عن صحابي أو تابعي لا يكون من وضع هذا الصحابي أو التابعي، بل جاء من الوَضَّاعِينَ بعدهما ، ومن ثم وقع "أبو رية" في أخطاء كثيرة وجانبه الحق والصواب في جل ما كتب وهذا إِنْ دَلَّ على شيء فإنما يدل على ضحولة في البحث وسطحية في العلم وقصر في النظر، وتحامله على أبي هريرة.

أما قول أبي رية في تكذيب عمر وعثمان وَعَلِيٍّ لأبي هريرة، وأن عَلِيًّا كان سيئ الرأي فيه، فرد أيضاً أبو شهبة عليه بأنها دعاوى كاذبة مغرضة، وهذه كتب الثقات في تاريخ الصحابة لا تكاد تجد فيها شيئا مِمَّا زعم وَادَّعَى،

ثم ذكر أبو شهبة الروايات التي زعم أنها تشهد له وفصل فيها الرد.

وأما استناد أبي رية على رد عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها لبعض روايات أبي هريرة.                                            فرد عليه أبو شهبة بأن مراجعة الصحابي لآخر لا تعتبر اتهامًا ولا تكذيبًا فقد ثبتت أن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها ردت بعض روايات لعمر وابنه رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فلماذا اعتبر مراجعتها لأبي هريرة اتهامًا ولم يعتبر مراجعتها لعمر وابنه اتهامًا؟

ثم أخذ أبو شهبة هذه الروايات التي رُدت علي أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْه ورد عليها تفصيلاً، وبيَّن أنها ليس فيها

ما يطعن في أمانة وعدالة أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْه.

ثم ذكر أبو شهبة افتراء آخر لأبي رية وهو زَعْمُهُ أَنَّ كَعْبَ الأَحْبَارِ أظهر الإسلام خداعا، وطوى قلبه على يهوديته،

فاستغل كعب سذاجة أبي هريرة فاستحوذ عليه ليلقنه كل ما يريد أن يبثه في الدين الإسلامي، وبناءً على ذلك طعن أبو رية في أحاديث كثيرة من رواية كعب عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْه منها: حديث «الشَّمْسُ وَالقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ» وطَعُن بِسَبَبِ سُوءِ فَهْمِهِ فِي حَدِيثٍ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ": «النِّيلُ وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» فرد عليه أبو شهبة بإثبات صحة هذه الأحاديث

وطَعْن أبو رية فِي حَدِيثٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": من حديث أبي هريرة «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ».                  فرد عليه أبو شهبة ما ملخصه بإثبات صحة الحديث وتوجيه ومن ضمن التوجيه أن الله أوجد أدم على هذه الهيئة التي خلقه عليها لم ينتقل في النشأة أحوالاً ولا تردد في الأرحام أطوارًا نطفة ثم علقة ثم مضغة كذريته بل خلقه رجلاً كاملاً سَوِيًّا من أول ما نفخ فيه الروح، أو أن أدم على صفة الرحمن من الحياة والعلم والسمع والبصر ونحوها.

وطَعْن أبو رية فِي حديث «إِنَّ اللهَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ...»، وفِي حَدِيثِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَلاَ صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ» وزعم أن صفة النَّبِيِّ في التوراة خرافة وضعها كعب، وطَعْن أيضاً فِي حَدِيثٍ فِي " صَحِيحِ البُخَارِيِّ ": «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ..» وفِي حَدِيث «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ، اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ فرد عليه أبو شهبة بإثبات صحة هذه الأحاديث

ورَمْي "أبو رية" أَبَا هُرَيْرَةَ بِضَعْفِ الذَّاكِرَةِ وَاخْتِلاَقِ أحاديث يعلل كثرة مروياته عن النبي صلي الله عيه وسلم

فرد عليه أبو شهبة رداً مُفْهماً مفحماً.

وطعن أبو رية فِي حَدِيث «لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا وَدَمًا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» وزَعْم أَنَّ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ عشرات من الأبيات الشعرِيَّةَ.                                                                                                   فرد عليه أبو شهبة ما ملخصه بأنه كيف خفي على المؤلف ذلك والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} أما كلام النبي صلي الله عليه وسلم الموزون كان على السليقة من غير صنعة ولا تكلف إِلاَّ أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه أن جاء موزونًا.

وزَعْم أبو رية أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَحْفَظْ القُرْآنَ ودليله عدم ذكر أبي هريرة في حديث «خذوا القرآن من أربعة..»

فرد عليه أبو شهبة بأن الخلفاء الراشدين وزيد بن ثابت وأبي الدرداء والعبادلة الأربعة أيضاً لم يُذكَروا في الحديث

فهل نطبق عليهم هذا المنطق الأعرج المعكوس؟!! بأنهم لم يحفظوا القرآن ثم أثبت أدلة حفظ أبي هريرة للقرآن.

وطعن أبو رية في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ». فأثبت أبو شهبة صحة الحديث ونقل شروح أهل العلم للحديث.

وأما قول أبي رية أن أبا هريرة لَيْسَتْ لَهُ فَضِيلَةٌ وَلاَ مَنْقَبَةٌ ولا هو من السابقين الأولين، ولا من المهاجرين ولا من الأنصار، ولا من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم.

 فرد عليه أبو شهبة بأن إِسْلاَمَهُ بَيْنَ الحُدَيْبِيَةِ وَخَيْبَرَ، وقَدِمَ المَدِينَةَ مُهَاجِرًا وجاهد مع النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم في خيبر ونقل عدة أحاديث في فضله، ويكفيه شرفاً وفضلاً أنه معدود من الصحابة.

وزَعْم أبو رية أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَضَعَ أَحَادِيثَ فِي ذَمِّ عَلِيٍّ وأخري في مدح بني أمية،                                         فرد عليه أبو شهبة وبيَّن افترائه في ذلك فنقل عن ابْن أَبِي شَيْبَة: «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يَمْشِي فِي السُّوق وَيَقُول: اللَّهُمَّ لاَ تُدْرِكنِي سَنَةَ سِتِّينَ وَلاَ إِمَارَةَ الصِّبْيَان» يريد يزيد بن معاوية فهل يعقل أن يكون من يقول هذا القول متشيعًا لبني أمية وإذا كان مروان أو غيره كانوا ينيبونه في غيبتهم، فليس ذلك لتملقه أو تشيعه لهم وإنما ذلك كان لفضله ومنزلته، وأما عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فقد روى أبو هريرة أحاديث كثيرة في فضائل مِمَّا يبعد غاية البعد معاداته لِعَلِيٍّ، ويلقم المؤلف حَجَرًا.

ذِكْرُ أَبِي رَيَّةَ أَحَادِيثَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَعْنُهُ فِيهَا: حيث ذكر أبو رية أمثلة مِمَّا رواه أبو هريرة، وطعن فيها.     فرد عليه أبو شهبة وحملها على وجهها الصحيح، وأن بعضها يعتبر من محاسن الإسلام في توجيهاته وإرشاداته، من هذه الأحاديث: حَدِيثُ إِرْسَالِ مَلَكِ المَوْتِ إِلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -:"فلطم موسى عين الملك ففقأها" وأنه من الإسرائيليات.

فرد عليه أبو شهبة ما ملخصه بأن الحديث صحيح رواه البُخَارِي ومسلم وليس في الحديث ما يستشكل، فقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم ولولا ذلك لما قدم لهم إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - اللحم المشوي وقال: ألا تأكلون، وكذلك فإن موسي عليه السلام لم يعلم أنه ملك الموت، وظنه شخص يريد أن يعتدي عليه، فدافع موسى عن نفسه فأدت المدافعة إلى فَقْءِ عَيْنِهِ، والدفاع عن النفس أمر مشروع في جميع الشرائع السماوية.

ورد أبو رية أيضاً حَدِيثُ الذُّبَابِ «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الآخَرِ دَاءً» ووصف الحديث بأنه «معركة الذباب» وقال: كيف يكون الذباب الذي هو مباءة الجراثيم فيه دواء؟ وكيف يجمع الله الداء والدواء في شيء واحد؟ وهل الذباب يعقل فيقدم أحد الجناحين على الآخر؟

فرد أبو شهبة هذه الشبهات وَبَيَّن أَنَّ الحديث مُعْجِزَةٌ نَبَوِيَّةٌ، فالحديث رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولا يوجد لأحد من نقاد الحديث طعنا في سنده، وأنه لا مانع عقلاً أن يجمع الله الداء والدواء في شيء واحد، كالحية سُمُّهَا قَاتِل وتَدْخُل لُحُومَهَا فِي التِّرْيَاقِ الَّذِي يُعَالَجُ بِهِ السُمَّ، وقد توصل الأطباء إلى أن في الذباب مادة قاتلة للميكروب فبغمسه في الإناء تكون هذه المادة سَبَبًا في إبادة ما يحمله الذباب من الجراثيم التي ربما تكون عالقة به، ونقل كلام الأطباء في ذلك.

وذكر طَعْن أبي رية فِي حَدِيث «خَمِّرُوا الآنِيَةَ وَأَوْكِئُوا الأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عَنِ النِّسَاءِ (كذا نقله، والصواب: عِنْدَ العِشَاءِ) فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ (أَيْ الْفَأْرَةُ) رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتِ البَيْتَ».

فرد عليه أبو شهبة بأن الحديث رواه البخاري ومسلم ورواه من الصحابة أخرون غير أبي هريرة ولكن بلغ من حقد أبي رية على الصحابي أبي هريرة أنه وصل إلى حد حمله على أن جعل المحاسن مساوئ، والفضائل رذائل، وأن هذا الحديث الذي عرض له المؤلف بالطعن من مفاخر النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوجيهاته السديدة. ويُعْتَبَرُ مِنْ مَحَاسِنِ الإِسْلاَمِ، وقام بشرح كلمات الحديث.

ثم يأتي أبو رية ليرمي الصِدِّيقَ بتهمة لأجل أن ينال من أبي هريرة، فذكر أن الصديق رضي الله عنه انصراف عن حفظ أحاديث رسول الله أنه جمع خمسمائة حديث ثم عاد فحرقها.

 فرذ أبو شهبة بأن كل هذا باطل لا يصح والسَّبَبُ فِي قِلَّةِ رِوَايَةِ الخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ عموماً لاشتغالهم بمهام الخلافة ونشر الإسلام، ولم يكن ذلك لقلة ما سمعوه من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأخر الوفاة أبي هريرة واحتاج الناس لعلمه.

ثم عقد أبو شهبة فصلا ً لبَعْض الأَحَادِيثِ المُشْكِلَةِ التي ذكرها أبو رية في كتابه " أضواء على السُنَّة المحمدية "

ورد عليها أبو شهبة ونقل أقوال الأئمة الشراح للأحاديث ما يزيل هذه الاشكاليات، وأبو رية إما أنه لم يطلع عليها وهذا تقصير منه وجهل، وإما أن يكون اطلع عليها ولم ينقلها فهذه خيانة وتلبيس، غير أن السُنَّة فيها ألوف الأحاديث التعليمية، وَالخُلُقِيَّةِ، وَالتَّوْجِيهِيَّةِ مِمَّا يعتبر من مفاخر الإسلام ومحاسنه، فلماذا لم يذكرها أبو رية وأمثاله ولم يذكروا إلا الأحاديث المشكلة.

ومن هذه الأحاديث المشكلة ما هو غير صحيح فلا اشكال فيه ولا يحتاج لتوجيه لأنه لا ينسب للنبي صلي الله عليه وسلم منها "إِنَّ اللهَ خَلَقَ لَوْحًا مَحْفُوظاً مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ دَفَّتَاهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ..."

ومن الأحاديث المشكلة أحاديث صحيحة مثل «مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ» فالمراد نوع من التمر وهو تمر المدينة وما المانع عقلاً أن يكون لهذا النوع من تمر المدينة خصائص في إزالة السموم، وتقوية النفس والجسم ضد أثر السم والسحر؟ غير أن أثر الطب النفسي له تأثر في العلاج، فمن أكل تَمْرًا أو عجوة بهذه النية فسيحصل له من قوة الروح والبدن ما يزيل كل أثر لما يحتمل من سحر، ثم ذكر أبحاث في فوائد العجوة

أما حديث "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ.." فالحديث من الغيبيات، وإنما ينكر هذا الحديث وأمثاله من لا يؤمن بعالم الجن، وحكم من لا يؤمن بالجن معروف وهو الكفر، لإنكاره ما ثبت بالقرآن.

ونقل تهكم أبي رية لحَدِيثَ: سئل صلي الله عليه وسلم «مَتَى تَقُومَ السَّاعَةُ»: فَقَالَ: «إِنْ عُمِّرَ هَذَا، لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» قال أبو رية فما قول عُبَّادِ الأسانيد؟ لعل بعضهم يقول: لعل هذا الغلام لم يدركه الهرم إلى الآن.

فرد عليه أبو شهبة أن استشكال هذا الحديث إنما يكون مِمَّنْ قصر نظره، وضاق عقله عن إدراك المراد منه وهذا الحديث وأمثاله ليس المراد به يوم القيامة، وإنما المراد الساعة الخاصة، وهي انتهاء الجيل وأهل القرن الواحد.

وطعن أبو رية في أَحَادِيث المَهْدِيِّ وأَحَادِيث الدَجَّالِ عِنْدَه خُرَافَةٌ: فرد عليه أبو شهبة بأنه صحت فيه أحاديث كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما وقال بعض العلماء بتواتر أحاديث الدجال، ونزول عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ فهي قطعية الثبوت، ولا مجال لإنكارها، وإن كانت صحيحة مشهورة ولم تصل إلى حد التواتر فالأحاديث الصحيحة التي تلقتها الأُمَّةُ بالقبول كأحاديث " الصحيحين " تفيد القطع في ثبوتها عند كثير من أئمة علم الحديث كابن الصلاح وابن حجر، وابن تيمية وغيرهم من جماهير العلماء سَلَفًا وَخَلَفًا

ثم ذكر أبو شهبة اِفْتِرَاء أبي رية عَلَى الصَّحَابَةِ بِعَدَمِ عِنَايَتِهِمْ بِجَمْعِ الأَحَادِيثِ ودليل أبي رية أن عمر طلب من أبي بكر

جمع وكتابة القرآن، لأن الموت استشري في الصحابة ولم يقل عنهم إنهم حَمَلَةُ الحديث بل قال: إنهم حَمَلَةُ القرآن ولم يكونوا يعنون بأمر جمع الحديث.

فرد عليه أبو شهبة ما ملخصه أن الأحاديث لم تكن الحاجة ماسة إلى جمعها حينئذ ولا سيما أَنَّ الأُمَّةَ لم تكلف بحفظ ألفاظها والتعبد بها كما كلفت بالقرآن ونهوا عن كتابتها حتى لا تختلط بالقرآن فلما دعت الحاجة إلى جمع الأحاديث، أمر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز بجمعها بصفة رسمية عامة فكان ذلك بدأ التدوين العام، أما التدوين الخاص فقد تحقق فعلاً من قبل فقد كان يكتب السُنَّةَ بعض الصحابة والتابعين، والدليل على ذلك ما رواه البيهقي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَنَ فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَهَا فَطَفِقَ عُمَرُ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهَا شَهْرًا ثُمَّ أَصْبَحَ يَوْمًا وَقَدْ عَزَمَ اللَّهُ لَهُ قَالَ: «إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتُبًا فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَلْبَسُ كِتَابَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا»

ثم شبهة آخري لأبي رية وهي أن التدوين العام للسنة تأخر عن رأس المائة فلم يكن إِلاَّ بعد منتصف القرن الثالث إلى القرن الرابع، وأن تأخر التدوين هو سبب الخلاف في الأحاديث ومدلولاتها بخلاف القرآن،

فرد عليه أبو شهبة بأدلة قوية أبطلت شبهته، أن بعض الصحابة والتابعين كانوا يدونون وأمر عمر بن عبد العزيز بجمع السنة لي رأس 100هـ ثم ذكر فصلاً في شروط صحة الحديث من العدالة والضبط والاتصال وعدم الشذوذ والعلة.

ونقل أبو شهبة تخط أبي رية في كلامه على أحاديث الآحاد والمتواتر وأنها لا تفيد العلم اليقيني بل على زعم أبي رية أن المتواتر لا يمكن تصديقه واستدل على ذلك بأن المسلمون أنكروا أعظم الأمور المتواترة فالنصارى واليهود هما أمتان عظيمتان يخبرون بصلب المسيح والإنجيل يصرح بذلك فإذا أنكروا هذا الخبر وقد وصل إلى أعلى درجات التواتر فأي خبر بعده يمكن الاعتماد عليه والركون إليه ...». وكلامه هذا يصل به لحد الكفر

فرد عليه أبو شهبة بأن المسلمين أنكروا الصلب، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي أنكره ونفاه نفيًا قاطعًا لا يحتمل الشك، وأسانيد المخبرين لحدوث الصلب المتواتر- بزعمه الكاذب - منقطعة غير متصلة وكتب اليهود لم تشر إلى صلب المسيح بكلمة ولا له ذكر في تاريخهم الديني والذين قالوا منهم بالصلب إنما قالوه متابعة للنصارى.
وأما الأناجيل فلم تختلف في مسألة من المسائل كاختلافها في تفصيل مسألة صلب المسيح وقتله مِمَّا يدل على اختلاقها وعدم ثبوتها، ثم إنَّ مسألة صلب المسيح ليست بإجماع عند المسيحيين، فمن طوائفهم من ينفي الصلب والقتل، وغير ذلك من الردود عليه.

ثم ذكر أبو شهبة رَمْي أبي رية لِلْفُقَهَاءِ بِالتَعَصُّبِ لِمَذَاهِبِهِمْ، وَبَيَّن الحَقِّ فِي ذلك.

ثم ذكر أبو شهبة طَعْن أبي رية فِي حَدِيثِ: «أَلاَ إِنَّنِي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» بأن الحديث موضوع لأنه لا يوافق عقل أبي رية وشبهة أبي رية هي: هل يصح أن يدع الرسول نصف ما أوحي إليه بغير أن يأمر بتدوين السنة وهل قد بَلَّغَ الرسالة على وجهها وأدى الأمانة إلى أهلها؟

فرد عيه أبو شهبة بأن الحديث ثابت من جهة النقل والرواية، ومعناه ثابت من جهة العقل والدراية، والكتاب الكريم يُؤَيِّدُهُ،

قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وهل يلزم من عدم الأمر بتدوين الأحاديث ألا تكون معتنى بها، وألا تكون هي الأصل الثاني للتشريع؟ والكل يعلم أن من خصائص جيل الصحابة والتابعين أنهم ذَوُو حوافظ قوية وأذهان سيالة وقلوب واعية فاهمة

ثم ذكر أبو شهبة طَعْن أبي رية في الإمام أبي حنيفة، بحجة أن الإمام أبا حنيفة كان يرد بعض الأحاديث، فرد عيه أبو شهبة بردود قوية تزيل هذا الطعن.

ثم ذكر أبو شهبة طَعْن أبي رية في حَدِيثِ سِحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتبع في ذلك قول الشيخ محمد عبده وكلاهما اتبع شيوخ المعتزلة وأمثالهم وحجتهم في ذلك أن حَدِيث سِحْر النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آحاد وعندهم ألا يأخذ بحديث الآحاد مهما بلغت درجته من الصحة في نظر المُحَدِّثِينَ إذا خالف العقل أو القرآن أو العلم، واثبات سحر النبي صلي الله عليه وسلم يؤثر على التبليغ، ويثبت صحة قول المشركين أن النبي صلي الله عليه وسلم ساحر.

فرد عيه أبو شهبة بأن سحر النبي صلي الله عليه وسلم نوع من الأمراض والعوارض البشرِيَّةَ التي تجوز على الأنبياء، وأن الأمر لم يخرج عن كونه مَرَضًا جِسْمَانِيًّا فلا يكون هناك إخلال بعصمة النَّبِي صلي الله عليه وسلم ولا في عقله ولا في البلاغ، وثبت في القرآن الكريم أن موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - من أنه تخيل في حبال السحرة وعصيهم أنها حيات تسعى، فهل ينكرون القرآن المتواتر؟

ثم ذكر أبو شهبة افتراء أبي رية عَلَى الإمام مالك بأن مالكا لم يكن صاحب حديث، واِفْتِرَاء أَبِي رَيَّةَ عَلَى البُخَارِيِّ بأنه يروي الأحاديث بالمعنى وأنه مات قبل أن يبيض كتابه، واِفْتِرَاء أَبِي رَيَّةَ عَلَى ابْنِ حَجَر، وَتَهْوِين أَبِي رَيَّةَ مِنْ شَأْنِ " الصَّحِيحَيْنِ "، وطَعْنُهُ فِي " مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ " وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ المَسَانِيدِ وأَنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ قَلِيلَ الرِّوَايَةِ،

فرَد عَلَيْهِ أبو شهبة فِي هَذِهِ المَزَاعِمِ كلها.

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم