الصوفية رؤية من الداخل (35) الحقيقة المحمدية عند الصوفية
كتبه / إمام خليفة
الحمد لله وكفى , وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده المصطفى ,
وآله المستكملين الشرفا, وبعد..
سوف نتكلم اليوم بإذن الله تعالى عن : الحقيقة المحمدية عند الصوفية
الحقيقة المحمدية شعبة من شعب الغلو الذي وقعت فيه الصُّوفيَّة بل من
شعب الكفر، وهو مزيج من الغلو في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتأثر بالفلسفة اليونانية في تقريرها
لأول مخلوق، والتأثر بالنصرانية التي أضفت صفات الربوبية على المسيح -عليه السلام- والمشكلة أن هذه التي يسمونها (الحقيقة المحمدية) هي غموض كامل وعماء في عماء،
ولِأَنَّهُا نشأت من خيال مريض وأوهام ليس لها أي رصيد في الواقع، ولذلك نلاحظ أن
أقوالهم في تعريفها أو الكلام عنها غامضة
أيضًا.
إن فكرة الحقيقة المحمدية - في نظر الحلاج - تقوم على أساس أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ليس مخلوقًا ككل الناس، وإنَّما هو أزلي الوجود، وأن أوَّل شيء خلقه الله تعالى هو "الروح المحمدية" أو "النور المحمدي"، وقد ظهر محمد -صلى الله عليه وسلم- أول ما ظهر في
صورة آدم -عليه السلام- وظـل يظهر بعد ذلك في صورة جميع الأنبياء من بعد آدم.
وهكذا يقرر الصُّوفيَّة أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هو أصل الوجود،
وهو العلة الأولى في خلق كل مخلوق وعنه صدرت جميع الموجودات في الكون، فهو أول
موجود وأول مخلوق، وهو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود ومنه كشفت الأسرار.
ولا شيء إِلَّا وهو به منوط وهو عين الإيمان والسبب في وجود كل إنسان
، وهكذا أدت تلك النظرية دورًا خطيرًا في التَّصَوُّف، وللأسف الشديد لقد افتتن
بها كثير من الصُّوفيَّة الذين يعتقدون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو النور
الأزلي الذ ي فاضت عنه جميع الكائنات.
قال البوصيري:
كل ٱي أتى الرسل الكرام بها
فإنما
اتصلت به من نوره بهم
وقال:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة
من
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
وقول ابن نباتة المصري:
لولاه ما كان أرض ولا أفق
ولا زمان ولا خلق ولا جبل
وقال الشيخ الدباغ: إن مجمع نوره لو وضع على العرش لذاب.
وقال أبو العباس المرسي: جميع
الأنبياء خلقوا من الرحمة ونبينا هو عين الرحمة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
[الأنبياء: 107].
يقول ابن عربي: اعلم أن الحقيقة المحمدية مسماة بالعقل الأوَّل،
وبالقلم الذي علَّم الله-تعالى- به الخلق كلهم، وبالحق الذي قامت السماوات والأرض
وهو بالنسبة للعالم بمنزلة النفس الناطقة للخلق وهو الغاية المطلوبة من العالم:
لما أعطاه الكشف، لقوله صلى الله عليه وسلم: « أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ » وليس
العالم إنسانًا إِلَّا بوجود الإنسان، الذي هو نفسه الناطقة و نفس العالم التي هي عبارة عن سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم، حازت درجة الكمال بتمام الصورة الإلهية في الوجود والبقاء والتنوع
في الصور، وبقاء العالم به. فالحقيقة المحمدية: صورة لاسم >الله< الجامع
لجميع الأسماء الإلهية، الذي منه الفيض على جميعها. فالحقيقة المحمدية التي ترب (
تجمع) صورة العالم كلها بالرب الظاهر فيها، الذي هو رب الأرباب. واعلم أن القطب هو
الذي عليه مدار أحكام العالم وهو مركز دائرة الوجود - من الأزل إلى الأبد -واحد:
فالنبي في كل عصر هو قطبه، وعند انقضاء نبوة التشريع بإتمام دائرتها، انتقلت
القطبية إلى الأولياء مطلقًا. الحقيقة المحمدية التي هي أصل النوع الإنساني في
الحضرة العلمية (أي في علم الله -تعالى-) فوجدت حقائق العالم كلها بوجودها. فصارت
أعيانًا ثابتة فهي الحادث الأزلي والنشأ الدائم.
فانظر إلى هذه الاستنتاجات العجيبة منهم وهذا الغلو الذي حذَّر
النَّبِي صلى الله عليه وسلم أمته منه أشد التحذير من ذلك قوله صلى الله عليه
وسلم: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا
عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» ومن دعا إلى هذا الغلو وأصر
عليه بعد علمه بنهي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فقد ردَّ سنته صلى الله عليه وسلم
، ودعا الناس إلى عدم اتباعه صلى الله عليه وسلم ، وإلى اتباع وتقليد اليهود
والنصارى في ضلالهم وغلوهم في أنبيائهم، والذي نهاهم الله -تعالى- عنه قال تعالى:
{ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا
تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا
وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } [المائدة: 77]، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم
له فضائل كثيرة ثابتة في كتاب الله تعالى وفي صحيح سنته صلى الله عليه وسلم ، فهو
ليس في حاجة إلى أن يكذِب ويزوِّر الناسُ له فضائل صلوات ربي وسلامه عليه، ومن
المؤسف أن المستشرق (نيكلسون) يتكلم في كتابه كلامًا صحيحًا عن شخصية الرسول صلى
الله عليه وسلم بينما غلاة الصُّوفيَّة تاهوا في معمياتهم وسراديبهم، يقول:
>إذا بحثنا في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم في ضوء ما ورد في القرآن، وجدنا
الفرق شاسعًا بينهما وبين الصورة التي صور بها الصُّوفيَّة أوليائهم، ذلك أن الولي
الصوفي أو الإمام المعصوم عند الشيعة، قد وُصفا بجميع الصفات الإلهية، بينما وصف
الرسول في القرآن الكريم بأنَّه بشر.
إلى هنا ينتهي حديثنا حول الحقيقة المحمدية.