الصوفية.. رؤية من الداخل (10) الحلول والاتحاد

الصوفية.. رؤية من الداخل (10) الحلول والاتحاد
الخميس ٢٤ أغسطس ٢٠٢٣ - ١٧:٠٠ م
882

  الصوفية.. رؤية من الداخل (10) الحلول والاتحاد

كتبه /إمام خليفه

الحمد لله وكفى , وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده المصطفى , وآله المستكملين الشرفا, وبعد..

تكلمنا في المقال السابق عن وقفات مع التصوف السلوكي، واليوم بإذن الله تعالى نتكلم عن: 

      أهم مصطلحات التصوف الفلسفي وتعريفاتها : الحلول والاتحاد   

أما الحلول فمعناه فى اللغة: فيقال حل في المكان إذا نزل فيه أو دخله فهو حال فيه

 وفي الاصطلاح العام: أن يحل أحد الشيئين  فى الآخر وهو نوعان:

‏1 _سريانى: وهو عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد، فيسمى الساري: حالًا، والمسري فيه: محلًا.

2-الحلول الجواري: عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفًا للآخر، كحلول الماء في الكوز.

‏فالحلول هو إثبات وجودين وحلول أحدهما فى الاخر

‏ومعناه عند الصوفيه حلول الله عز وجل فى مخلوقاته أو بعض مخلوقاته وهو نوعان

‏1- حلول عام: وهو اعتقاد أن الله قد حل فى كل شىء ولكن هذا من قبيل حلول اللاهوت (الإله)بالناسوت (المخلوق)مع وجود التباين بمعنى أنه ليس متحدا بمن حل فيه بل هو فى كل مكان مع الانفصال فهو إثبات لوجودين.

قال شيخ الاسلام:  والقائلون بالحلول العام هم الحلولية الذين يزعمون أن معبودهم في كل مكان بذاته، وينزهونه عن استوائه على عرشه، وعلوه على خلقه، ولم يصونوه عن أقبح الأماكن، وأقذرها وهؤلاء هم قدماء الجهمية، الذين تصدى للرد عليهم أئمة الحديث كأحمد بن حنبل وغيره.

‏2- حلول خاص: وهو اعتقاد أن الله _ جل وعلا _ قد حل في بعض مخلوقاته.مع اعتقاد وجود خالق ومخلوق.وذلك كاعتقاد بعض فرق النصارى أن اللاهوت _الله_ حل بالناسوت _عيسى_ وأن عيسى _عليه السلام_ كان له طبيعتان: لاهوتية لما كان يتكلم بالوحي، وناسوتية عندما صلب وهكذا ...وكذلك اعتقاد بعض غلاة الرافضة _ كالنصيرية _ أن الله _ عز وجل _ حل في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنه هو الإله؛ حيث حلت فيه الألوهية. وذلك من عقائدهم الأساسية.ولهذا تراهم يمجدون قاتله ابن ملجم، ويحبونه، ويخطِّؤون من يلعنه، أو يذكره بسوء.

قال شيخ الاسلام: وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنْ الْآلِهَةِ: فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلَّاجُ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ نَطَقَ عَلَى لِسَانِ الْحَلَّاجِ وَأَنَّ الْكَلَامَ الْمَسْمُوعَ مِنْ الْحَلَّاجِ كَانَ كَلَامَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ هُوَ الْقَائِلَ عَلَى لِسَانِهِ: أَنَا اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحِلُّ فِي الْبَشَرِ وَلَا تَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِ بَشَرٍ وَلَكِنْ يُرْسِلُ الرُّسُلَ بِكَلَامِهِ فَيَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا أَمَرَهُمْ بِبَلَاغِهِ

وأما الاتحاد

معناه فى اللغة:  امتزاج الشيئين واختلاطهما حتى يصيرا شيئًا واحدًا "

وفي الاصطلاح العام: هوكون الشيئين واحدا.

 معناه عند الصوفيه: هو اعتقاد أن الله عز وجل اتحد بمخلوقاته أو بعض مخلوقاته, أي اعتقاد أن وجود الكائنات أو بعضها هو عين وجود الله تعالى.

أنواعه:

1-اتحاد عام: وهو ما يطلق عليه أيضا (وحدة الوجود) وهو اعتقاد كون الوجود هو عين الله عز وجل أي أن الخالق اتحد بالمخلوقات جميعها والقائلون به يسموا الاتحاديه ،أو أهل وحده الوجود، كابن الفارض وابن عربى

يقول أحدهم : اللهم انشلني من أوحال التوحيد وأغرقني في عين بحر الوحدة

 ويقول ابن الفارض مقرراً عقيدة وحدة الوجود:

جَلَتْ في تجليها الوجودَ لناظري ... ففي كل مرئيٍّ أراها برؤية

فهو يزعم أن الذات الإلهية هتكت عنه حجب الغَيْريَّة، وجلت له الحق المغيب، فرأى حقيقة الله متعينة بذاتها في كل مظاهر الوجود.

و يقول: وكلُّ الجهات الستِّ نحوي توجهت ... بما تمَّ من نسك وحجٍ وعمرةِ

لها صلواتي بالمقام أقيمها ... وأشهد فيها أنها ليَ صلتِ

2-الاتحاد الخاص:  هو اعتقاد أن الله اتحد ببعض المخلوقات وليس كل المخلوقات، فالقائلون بذلك نزهوه من الاتحاد بالأشياء القذرة القبيحة، فقالوا إنه اتحد بالأنبياء، أو الصالحين، أو الفلاسفة، أو غيرهم.

فصاروا هم عين وجود الله _ جل وعلا _. كقول بعض فرق النصاري أن اللاهوت اتحد بالناسوت بخلاف الحلولين يرون له طبيعتين.ولا ريب أن القول بالحلول أو الاتحاد أعظم الكفر والإلحاد عياذاً بالله.

*ملحوظة* أصل كلام الفلاسفه وجود الرب   وجود حقيقى أما وجود المخلوق وجود ذهنى لانه لايستطيع أن يوجد نفسه إذا كل الصور هي صور للإله

                                         الفرق بين الاتحاد والحلول

    يمكن بإختصار تحديد الفرق بين الإتحاد والحلول فيما يلي :-

1- الحلول إثبات لوجودين بخلاف الاتحاد إثبات لوجود واحد.

 2- الحلول يقبل الانفصال أما الاتحاد فلا يقبل الانفصال مثل السكر إذا وضعته فى الماء دون تحريك فهذا حلول لأنه ثم ذاتان أما إذا حركته فذاب صار اتحاد فهو لا يقبل أن ينفصل مره اخري.

3- القول بالحلول أوالاتحاد من أعظم الكفر ولكن القول بأنه اتحد بكل شيء أعظم من القول بأنه اتحد ببعض مخلوقاته.

4- يرفض بعض القائلون بوحده الوجود وصفهم بأنهم حلوليه أو اتحاديه فهذا يعني تثنيه عندهم وأما رفضهم تسميتهم حلوليه فمعلوم، أما رفضهم لإسم اتحادية لان الاتحاد على وزن الافتراق والافتراق يقتضى شيئين اتحد  أحدهما بالآخر وهم لا يقرون بوجودين أبدا وهذا مذهب ابن سبعين وغيره.

البعض الأخر يري صحة تسميتهم اتحادية ويقول بها ابن عربي فإنه يجعل الوجود غير الثبوت فيقول إن وجود الحق قاضيا على ثبوت الممكن فيصح الاتحاد بين الوجود والثبوت عنده  .لانه قد بني فلسفته في وحدة الوجود على مسألة المعدوم وهل هو شئ أم ليس بشئ؟ وعلي مسألة : هل يفرق بين الثبوت والوجود أم لا.

إلى هنا ينتهي حديثنا عن الحلول والاتحاد على أن نكمل الكلام حول وحدة الوجود في المقال القادم إن شاء الله تعالى.

 

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية