الصوفية.. رؤية من الداخل (11)
وحدة
الوجود
كتبه/ إمام خليفة
الحمد لله وكفى , وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده
المصطفى , وآله المستكملين الشرفا, وبعد..
تكلمنا في المقال السابق عن الحلول والاتحاد، واليوم بإذن الله
تعالى نتكلم عن:
وحدة
الوجود
هو التصوف المبني على القول بأن وجود الكائنات هو عين وجود الله
ليس وجودها غيره الخالق عندهم هو عين المخلوق ومن لوازم ذلك
1- الخالق
لم يخلق فهو عين المخلوق ولا هو رب أحد إذ أنه عين المربوب ولم يرزق أحدا فهو عين
المرزوق وعبدة الأوثان ما عبدوا غير الله وما ضل من عبد عيسى فما لله مخلوق من
البشر أو غيره إلا وهو عين وجود الله لا فرق بين مسلم و كافر مؤمن وفاسق حتى
الكلاب والخنازير تعالى الله عن ذلك علوا كثيرا
وقد تكلم أهل السنة على تكفير الجهمية القائلين بأن الله موجود
بذاته في كل مكان مع اقرارهم بأن الخالق غير المخلوق فكيف بهؤلاء
قال شيخ الاسلام: فَإِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ مِنْ أَبْيَنِ
الْعُلُومِ وَأَبَدِّهَا لِلْعُقُولِ إنَّ الشَّيْءَ لَا يَخْلُقُ نَفْسَهُ
وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ
الْخَالِقُونَ} . فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَخْلُوقِينَ
مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَخْلُقُ نَفْسَهُ فَتَعَيَّنَ
أَنَّ لَهُمْ خَالِقًا. وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الْمَلَاحِدَةِ
الْفِرْعَوْنِيَّةِ. أَنَّهُ مَا ثَمَّ شَيْءٌ يَكُونُ الرَّبُّ قَدْ خَلَقَهُ
أَوْ بَرَأَهُ أَوْ أَبْدَعَهُ إلَّا نَفْسُهُ الْمُقَدَّسَةُ وَنَفْسُهُ
الْمُقَدَّسَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مَخْلُوقَةً مَرْبُوبَةً مَصْنُوعَةً
مَبْرُوءَةً؛ لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي بَدَائِهِ الْعُقُولِ وَذَلِكَ مِنْ
أَظْهَرِ الْكُفْرِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْآرَاءِ.
حقيقة قول ابن عربي في وحدة الوجود
لابد أن نعلم أن الأصل الذي بنى عليه ابن عربي قوله في وحدة الوجود هو
أن الوجود واحد، وأن الوجود الواجب هو عين الوجود الممكن. و(الوجود
الواجب) يعبرون به عن الله عز وجل، و(الوجود الممكن) يعبرون به عن الخلق فهم
يقولون: إن الخلق والخالق والمخلوق واحد لا فرق بينهم، هذه وحدة الوجود، وهذا عين
الكفر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وليس هناك أكفر من هذا القول؛ لأنه يؤدي إلى
الإلحاد المطلق الكامل، الإلحاد المقنن المفلسف، كما أنه يؤدي أيضاً إلى أعظم
الإساءة إلى الله عز وجل، يعني: إلى حد أن أصحاب وحدة الوجود إذا سمع أحدهم
حيواناً سبح له كما يسبح لله، هذا أمر شنيع لا يتصور لكنه هو نتيجة مذهب وحدة
الوجود.
وكذلك القول بأن المعدوم شيء وأعيان
المعدومات ثابتة في العدم، ووجود الحق فاض عليها، فوجود كل شيء عين وجود الحق.
قوله: (والقول بأن المعدوم شيء) هذا قول
كثير من الفلاسفة ولما افترضوا أن المعدوم شيء بنوا عليه أحكاماً وعقائد وأوهاماً
وتصورات، حتى في أمور الدنيا لما زعموا أن المعدوم شيء بنوا على المعدوم أحكاماً،
وهذا باطل انبنى على باطل، ومذهب ابن عربي أن أعيان المعدومات ثابتة في العدم يعود
إلى الأول، يعني: لما قالوا: إن المعدومات أعيان، يعني: ذوات، و هذا أمر لا يصح
عقلاً ولا يمكن أن يرد في الذهن، لكنهم أحياناً يجعلون الأوهام أشياء؛ فلذلك
قالوا: إن أعيان المعدومات ثابتة في العدم، كأنهم يقولون: الأشياء قبل الوجود لها
وجود، لكن كانت على وضع غير وضع الموجودات.
ولذلك كل أمر يتصورونه يعتقدونه، بناء على
أن المعدوم شيء، وأن المعدومات ثابتة في العدم، وهذا هروب من إثبات وجود الله؛
لأنهم يزعمون أن هذه الموجودات كان لها وجود في الأعيان، ويثبت لها حق الوجودية
وتثبت لها أحكام الوجود، ، وهو سبب القول بوحدة الوجود والحلول والاتحاد.
ثم قال: (ووجود الحق فاض عليها) الفيض:
نظرية فلسفية، يقصدون به تأثيراً معنوياً، هذا التأثير المعنوي ينتقل من مرحلة إلى
مرحلة، أو من المؤثر إلى المؤثر فيه، فينتج عن ذلك أثر مادي، والعملية بين الفائض
والمفوض عليه عملية ذهنية لا حقيقة لها، لكنهم يتصورونها، ولذلك زعموا أن الدين
كله والوحي خيال ليس له حقيقة مستقلة، إنما هو فيض، فوجود كل شيء عين وجود الحق
عندهم، ولذا يقول عن فرعون : ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه
الخليفة بالسيف، وإن جار في العرف الناموسي، لذلك قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24] أي: وإن كان الكل أرباباً بنسبة ما، فأنا الأعلى منهم،
بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم، ولما علمت السحرة صدقه فيما قال لم ينكروه،
وأقروا له بذلك، فقالوا له: اقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، والدولة
لك، فصح قول فرعون: {أَنَا
رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]، وإن كان عين الحق].
هذا كلام ابن عربي، نعوذ بالله،
والعجيب أن هذا التلبيس مع وضوحه قد انطلى على طوائف ممن انقلبت فطرهم، وفسدت
قلوبهم من أهل الأهواء والبدع، خاصة الذين ينتسبون للتصوف الآن، وتوجد طوائف من
الذين لم ينتسبوا للتصوف يميلون إلى تصحيح هذا القول الباطل، الذي يصادم الحق
مصادمة ظاهرة وعنيفة، لكن هؤلاء يلبسون على الجهال وعلى المفتونين، وتأملوا
العبارة قال: (ولهذا لما قال -يعني: ابن عربي -: ولما كان فرعون في مصر في
منصب التحكم صاحب الوقت) انظروا كيف يستجلب عواطف الفرق التي تنتظر إما ولياً وإما
إماماً، فالصوفية ينتظرون ولياً ويظنون أنه صاحب الوقت، ويزعمون أنه يدبر الكون،
وكذلك الرافضة والباطنية ينتظرون أيضاً إماماً، يزعمون أنه يخرج في آخر الزمان،
فهو تكلم بما يوافق مصطلحاتهم؛ ليجذب عقولهم إلى الباطل على ما هم فيه من الباطل،
ولهذا فهو يزعم أن فرعون ولي لله؛ ولذلك له رسالة اسمها (إيمان فرعون) قال فيها
مثل هذا الكلام، ثم قال: (وإنه الخليفة في السيف، وإن جار في العرف الناموسي)
يعني: أن هناك فرقاً بين العرف الظاهر وبين العرف الباطن، ففرعون ولي لله في
الباطن، لكنه في الظاهر جبار، فهو خليفة بالسيف.
ثم زعم أن فرعون حينما قال: (فأنا الأعلى
منهم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم) زعم أن السحرة علموا أن فرعون هو
المستحق للربوبية، والعكس هو الصحيح، أن السحرة تبرءوا من ربوبيته وإلهيته،
وأعلنوا خلاف مذهبه، ولذلك فرعون قتلهم، لكن أراد ابن عربي أن يعكس القضية تماماً
ويجعل الحق باطلاً والباطل حقاً.
ولذلك قال: (لم ينكروه) زعم أن السحرة لم
ينكروا ربوبية فرعون، وأنهم أقروا له بذلك، وأنهم حينما أقروا له بالربوبية سلموا
رقابهم له، وقالوا: اقض ما أنت قاض، انظروا هل بعد هذا التلبيس تلبيس؟ ثم قالوا:
إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، والدولة لك فصح قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]، فهو يزعم أن قول فرعون هو الصحيح.
هذا المذهب بدأ الآن يروج، وله دعاته عبر
الفضائيات وعبر الإنترنت وعبر الإعلام، وبدأ يقتنع به طوائف، إضافة إلى طوائف
الصوفية، وجمهور المتصوفة يصعب عليهم أن تقول لهم: إن ابن عربي ملحد رغم أن هذا
كلامه، ولم يتراجع عنه في يوم من الأيام، والدليل أنه ما تراجع عنه، فقد كتبه في
كتب مستقلة، ثم لما كتب مجموعة آرائه في الكتب الكبيرة كفصوص الحكم أعاد هذا
الكلام مرة وأكده ونظمه ورتبه، وجعله أكثر صراحة في الإلحاد والكفر، فمثلاً:
ابن عربي يسمي الأنبياء وأتباعهم: العوام، ويقول عن النبوات والرسالات: (هذه مجرد
سياسات إلهية لضبط الناس في سلوكهم في الدنيا، وإلا فالنار في الآخرة ما هي إلا
غاية النعيم) مثل هذا ماذا تصنع به، يرى أن الوعيد الذي على فرعون هو قمة النعيم،
والوعيد إنما سمي وعيداً وسميت النار ناراً من أجل ضبط سلوك العامة في الدنيا؛ حتى
يكون عندهم رادع خوف.
وقد رتب القائلون بوحدة الوجود على
اعتقادهم أموراً
1 - الإيمان
بوحدة الأديان إذ كل من عبد شئ فهو عابد لله
وإلى هذا أشار ابن الفارض
بقوله:
فبي مجلس الأذكار سمع مطالع ... ولي حانة
الخمار عين طليعة
وما عقد الزنار حكما سوى يدي ... وإن حل
بالإقرار بي، فهي حلت
وإن نار بالتنزيل محراب مسجد ... فما بار
بالإنجيل هيكل بيعة
وأسفار توراة الكليم لقومه ... يناجي بها
الأحبار في كل ليلة
وإن خر للأحجار في البيد عاكف ... فلا تعد
بالإنكار بالعصبية
ويقول أيضا في قصيدته المشهورة التي يقول
فيها:
لها صلواتي بالمقام أقيمها ... وأشهد فيها
أنها لي صلت
كلانا مصل واحد ساجد إلى ... حقيقته
بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم تكن ... صلاتي
لغيري في أدا كل ركعة
وقوله: وقد رُفِعَت تاءُ المخاطَبِ
بيننا ... وفي رَفْعها عن فرقة الفرق رِفْعتي
فإن دُعِيَتْ كُنْتُ المجيبَ وإن أكن ...
منادًى أجابَتْ من دعاني ولبَّتِ
وأمثال هذه الأبيات التي يذكر فيها قولهم
في وحدة الوجود.
ومن عتاة دعاة وحدة الوجود الجيلي صاحب
كتاب "الإنسان الكامل"
ومما يدل على تعمق عبد الكريم الجيلي في
القول بوحدة الوجود وأنه لم يعد بينه وبين الله أي فارق، ولا بينه وبين كل
المخلوقات في هذا الكون أي فارق أيضاً ما أورده في كتابه الإنسان الكامل :
لي الملك في الدارين لم أر فيهما ... سواي فأرجو فضله أو فأخشاه
وقد حزت أنواع الكمال ... جمال جلال الكل ما أنا إلا هو
لي الملك والملكوت نسجي وصنعي ... لي الغيب والجبروت مني منشاه
ويقول أيضا: وأسلمت
نفسي حيث أسلمني الهوى ... ومالي عن حكم الحبيب تنازعُ
فطوراً تراني في المساجد راكعاً ... وأنيَ طوراً في الكنائس راتعُ
إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً ... فإنيَ في حكم الحقيقة طائع
2- إنكار عذاب القبر و عذاب الآخرة فنعيم الجنة عين
عذاب السعير كما يقرر ذلك ابن عربي من أن الوعيد لا يقع منه شيء، وعلى تقدير
وقوعه، فالعذاب المتوعد به إنما هو نعيم وعذوبة، ونحو ذلك!! وإن حصل لأهله ألم،
فهو لا ينافي السعادة والرضى، كما لم ينافها ما يحصل من الآلام في الدنيا وما هي
الا أرحام تدفع وأرض تبلع.
قال أبو يزيد البسطامي " إن
جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق , وما النار والله لئن رأيتها لأطفأنها بطرف
مرقعتي "ويَقُول وددت أن قد قامت القيامة حتى أنصب خيمتي عَلَى جهنم فسأله
رجل ولم ذاك يا أبا يَزِيد فَقَالَ إني أعلم أن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة
للخلق ويَقُول إذا كان يوم القيامة وأدخل أهل الْجَنَّة الجنة وأهل النار النار
فاسأله أن يدخلني النار فَقِيلَ لَهُ لم قَالَ حتى تعلم الخلائق أن بره ولطفه فِي
النار مَعَ أوليائه.
3- الجمع بين التنزيه والتشبيه هو الإيمان
عندهم.
يقول ابن عربي: فإن قلت بالتنزيه كنت
مقيداً ... وإن قلت بالتشبيه كنت محدداً
وإن قلت بالأمرين كنت مسدداً ... وكنت إماماً في المعارف سيداً
فمن قال بالإشفاع كان مشركاً ... ومن قال بالإفراد كان موحداً
فإياك والتشبيه إن كنت ثانياً ... وإياك والتنزيه إن كنت مفرداً
فما أنت هو بل أنت هو وتراه ... في عين الأمور مسرحا ومقيدا
ويقول أيضا: الرب عبد والعبد رب ...
يا ليت شعري من المكلف
وقد قال العلامة: ابن القيم، رحمه الله
ردا على هؤلاء:
فالقوم ما صانوه عن إنس ولا ... جن ولا
شجر ولا حيوان
لكنه المطعوم والملبوس والـ ... مشموم
والمسموع بالآذان
وكذلك قالوا إنه المنكوح والـ ... مذبوح
بل عين الغوي الزاني
والكفر عندهم هدى ولو أنه ... دين المجوس
وعابدي الأوثان.
إلى هنا ينتهي حديثنا عن الكلام حول وحدة الوجود على أن حديثنا في المقال القادم حول التطور التاريخي للتصوف عبر القرون إن شاء الله تعالى.