الصوفية.. رؤية من الداخل (6)
أقسام التصوف
كتبه/ إمام خليفة
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرفا، وبعد..
تكلمنا في المقال السابق عن أهم الأسباب التي أدت إلى إنحراف الصوفية سواء في السلوك أو في الاعتقاد واليوم بإذن الله تعالى نتكلم عن أقسام التصوف حسب نشأته وتطوره وأهم ما يميزه.
لقد مر التصوف بمراحل متعددة وأطوار مختلفة وكانت كل مرحلة مختلفة عن الأخرى من حيث طبيعة التصوف وسماته وأهم من أثروا في تلك الفترة , ولذلك فالتصوف عند الأوائل ليس كالتصوف عند غيرهم ممن أتى بعدهم
ويصف ابن الجوزي المراحل التي مر بها التصوف فيقول. كان التصوف عند أوائلهم عبارة عن رياضة النفس ومجاهدة الطبع برده عَن الأخلاق الرذيلة وحمله عَلَى الأخلاق الجميلة من الزهد والحلم والصبر والإخلاص والصدق إِلَى غير ذلك من الخصال الحسنة التي تكسب المدائح فِي الدنيا والثواب فِي الأخرى يَقُول الجنيد بْن مُحَمَّد عَن التصوف هو الخروج عَنْ كل خلق رديء والدخول فِي كل خلق سني ،وعلى هَذَا كان أوائل القوم، فلبس إبليس عليهم فِي أشياء ثم لبس عَلَى من بعدهم من تابعيهم فكلما مضى قرن زاد طعمه فِي القرن الثاني فزاد تلبيسه عليهم إِلَى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن.
وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بِهَا من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة
ثم مَا زال الأمر ينمي والأشياخ يضعون لهم أوضاعا حتى سموا التصوف العلم الباطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق ففسدت عقائدهم فمن هؤلاء من قَالَ بالحلول ومنهم من قَالَ بالاتحاد وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سننا وطرقا.
بعد العرض السابق:
يمكن تقسيم التصوف حسب نشأته وتطوره إلى
التصوف السلوكي العملي: وكانت وسيلته المبالغة في الزهدومجاهدة النفس
التصوف شبه الفلسفي : هي المرحلة الوسط بين القسمين الأول والثالث وظهور مصطلحات خاصة
التصوف الفلسفي النظري: وهي الصورة التي تبلور فيها التصوف كمذهب له منهجه وافكاره التنظيرية فكانت الدعوة إلى الحلول والإتحاد والقول بوحدة الوجود
أولا: التصوف السلوكي
1-ماهيته: هو المرحلة المبكرة من التصوف وكان قائما على المبالغة في الزهد الى حد الرهبنة
2-سماته: لم يكن له منهج عقدي ولم يكن له تأثر بالنزعة الفلسفية
3-غايته: الفوز برضا الله في الآخرة
4-وسيلته: المبالغة في التعبد والزهد بالرياضات النفسية المختلفة والمجاهدات البدنية كالخلوة والعزلة ومنع النفس شهواتها
فكانت أقوال صوفية هذا العصر من جنس وطبيعة أقوال العصر الأول ، إلا أنها تميزت عن العصر الأول بمميزات هي :
أولاً : أنها كانت أكثر بكثير من أقوال الصحابة الذين شغلوا أكثر ما شغلوا بحفظ القرآن الكريم والسنة المطهرة ، فلم تكن أقوال الصحابة فيما يتعلق بجوانب التصوف بمثل الكثرة في هذا العصر لاختلاف الظروف التي سبقت الإشارة إليها .
ثانياً : تميزت حكم ومواعظ أو مصطلحات هذا العصر بالتركيز على ثلاثة جوانب رئيسية تتناسب ومرحلتهم التي كانوا يعيشون فيها ، وهي :
أ . أقوال ومواعظ تدعو بشكل كبير إلى التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله .
ب. أقوال تدعو إلى الخوف والرعب من أهوال يوم القيامة وعذاب النار.
ج. أقوال تدعو إلى الحب الإلهي وتعتبر السيدة رابعة العدوية ( ت 185 هـ ) على رأس الذين ساروا في هذا الطور حتى اشتهرت بـ ( شهيدة العشق الإلهي ) .
5-عيوبه:
• الخروج عن نهج السلف في تزكية النفس
• عدم الأخذ بالزهد وفق ضوابط الشرع
• عدم الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي اصحابه من بعده
6-مميزاته بالنسبة لمراحله الأخرى: عدم الخروج عن عقائد الامة في الجملة
7-درجة انحرافه : المخالفة كانت في الوسيلة لا في الغاية وفي الفروع لا في الاصول وفي التعبديات لا في الغيبيات
8-مدة هذه المرحلة: هذه المرحلة استغرقت النصف الثاني من القرن الثاني الهجري وبداية القرن الثالث الهجري وهي المرحلة التي اشتهرت فيها اقوال المنتسبين فيها للتصوف ومن تبعهم من بعدهم في ادعاء التمسك الكتاب والسنة وعدم الخروج عنهما
وهل يوصف التصوفي هذه المرحلة بأنه "سني" ؟؟
كمن يقول طريقة سنية وحقيقة صوفية ودعوة سلفية
الجواب: لا
لان في هذا التصوف من الابتداع في الوسيلة والمنهج وان وافق المسلمين في الغاية والاصول والعقائد وفرق بين البدعة والسنة
9-من اهم كتبهم
لمع الصوفية _ أبو نصرالسراج 378 هـ
قوت القلوب _ أبوطالب المكي 386هـ
حلية الاولياء وطبقات الاصفياء _ ابو نعيم الاصبهاني 430 هـ
وهذه الكتب التي صنفت في هذه الفترة والتي ذكرنا بعضا منها كان للعلماء فيها رأي
أولا: أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي صنف لهم كتاب السنن وجمع لهم حقائق التفسير فذكر عنهم فيه العجب فِي تفسيرهم القرآن بما يقع لهم من غير إسناد ذلك إِلَى أصل من أصول العلم وإنما حملوه عَلَى مذاهبهم والعجب من ورعهم فِي الطعام وانبساطهم فِي القرآن
ثانيا: أَبُو نصر السراج صنف لهم كتابا سماه لمع الصوفية ذكر فيه من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول
ثالثا: أَبُو طالب المكي صنف لهم قوت القلوب فذكر فيه الأحاديث الباطلة وما لا يستند فيه إِلَى أصل من صلوات الأيام والليالي وغير ذلك من الموضوع وذكر فيه الاعتقاد الفاسد
وذكر فيه أشياء منكرة مستبشعة فِي الصفات.
رابعا: أَبُو نعيم الأصبهاني صنف لهم كتاب الحلية وذكر فِي حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة ولم يستح أن يذكر فِي الصوفية أبا بَكْر وعمر وعثمان وعليا وسادات الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عنهم فذكر عنهم فيه العجب وذكر منهم شريحا القاضي والحسن البصري وسفيان الثوري وأحمد بْن حنبل
خامسا: عَبْد الكريم بْن هوزان القشيري صنف لهم كتاب الرسالة فذكر فيها العجائب من الكلام فِي الفناء والبقاء والقبض والبسط والوقت والحال والوجد والوجود والجمع والتفرقة والصحو والسكر والذوق والشرب والمحو والإثبات والتجلي والمحاضرة والمكاشفة واللوائح والطوالع واللوامع والتكوين والتمكين والشريعة والحقيقة إِلَى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء وتفسيره أعجب مِنْهُ
سادسا: مُحَمَّد بْن ظاهر المقدسي فصنف لهم صفوة التصوف فذكر فيه أشياء يستحي العاقل من ذكرها.
وسئل أبو زرعة عن كتب المحاسبي فقال : إياك وهذه الكتب , هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر تجد غنية هل بلغكم ان مالكاً أو الثوري أو الاوزاعي صنفوا في الخطرات أو الوساوس ما أسرع الناس من البدع فقيل له : في هذه عبرة , قال : من لم يکن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة".
10-من متقدمي رجالهم
•إبراهيم بن أدهم 160 هـ •وشقيق البلخي194هـ
• داود الطائي 165هـ •بشر الحافي 227 هـ
•وأبو سليمان الداراني215هـ
إلى هنا ينتهي حديثنا اليوم ثم نكمل الحديث في المقال القادم بإذن الله تعالى حول وقفات مع التصوف السلوكي