الصوفية.. رؤية من الداخل (1)
أسماء الصوفية
كتبه/ إمام خليفة
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرفا، وبعد..
فإن قضية التزكية هي أحد القضايا البارزة في المنهج السلفي , فتزكية النفوس من كبرى مقاصد الرسالات الإلهية وبعث الرسل، قال الله - تعالى - لموسى - عليه السلام -: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾، وقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾، ويقول رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ».
وتزكية النفس سبيل فلاحها وسلامتِها من عقبى الخيبة، كما أكدّه المولى - جل وعلا - بأحد عشر قَسَماً: ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾.
وبتلك التزكية يُذاق طعم الإيمان، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث من فعلهن فقد طَعِم طَعْم الإيمان" وذكر منها: "وزكّى نفسه". ودرجات الجنة العلى جزاء من تزكى، يقول الله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾.
والعبادات البدنية والمالية سبيل لطهارة النفس وزكاتها، فالصلاة كما وصفها الله عز وجل: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وقال صلى الله عليه وسلم : -أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا- ، والصيام سبب للتقوى التي هي من غايات التزكية الشرعية كما قال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، والزكاة تطهير للمال ولنفس المزكي من الشح والبخل كما قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)
وإقامة حدود الله تعالى في العقوبات طهارة للمجتمع من الجرائم وإشاعة للأمن والاستقرار كما قال –تعالى- (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون). ولا سبيل إلى تزكية النفوس إلا من الشرع الحنيف والتزام هديه -صلى الله عليه وسلم- ففي الحديث جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟! أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي) ).ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للثلاثة نفر فمن رغب عن سنتي فليس مني)
- والخلاصة: أن التزام أحكام الدين في الظاهر والباطن، في العلم والعمل، في العبادات والمعاملات وسائر مجالات الحياة سبب لتزكية الأفراد والمجتمعات.
وقد ظهرت مناهج مخالفة لهذا المنهج الأصيل، تهدف إلى تقديم سبل أخرى لتزكية النفوس، وقد وضعت لها غايات ووسائل بعيدة عن المنهج الشرعي للتزكية، ذلك المنهج المستمد من النصوص الشرعية والآثار السلفية عن الصحابة والتابعين وأئمة الدين المعتبرين.
فبرزت الصوفية إحدى أهم الفرق المخالفة في هذا الباب العظيم فبدلا من اعتماد الكتاب والسنة بفهم الصحابة ومن تبعهم مصدرا للتلقي قدموا الإلهام والذوق والكشف وأصبح من أهم ركائز التزكية عندهم التلقي عن الشيخ المرشد، فلابد لكل من أراد سلوك الطريق من شيخ يدله عليه ويرشده إليه ويضع له العلامات الهادية ويحذره من المزالق والمهالك التي قد تعترض طريقه.
ولذلك كانت هذه القضية من القضايا التي تميز بها أهل السنة عن أهل الأهواء والبدع كالصوفية والذين جنحوا بشكل واضح فقد ظهر ذلك جلياً في غلوهم في تزكية أنفسهم عن طريق الرؤى واليقظة فجعلوها مصدراً للتلقي حتى أنك لترى أكثر طرق الصوفية تنشأ لرؤيا رآها شيخ الطريقة فيدعي أن الرسول صلى الله عليه وسلم خصه بشيء من الدعوات والصلوات أو نحو ذلك وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يخص أحد بشيء هو من دين الله، ولا يخفى على كل ذي لب وعقل أن من يدعي ويزعم أن النبي صل الله عليه وسلم يأمره وينهاه ويشرع له فهو كاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رماه بالكتمان وهذا لا يتناسب مع مقام النبوة والرسالة بل إن من الصوفية من يدعي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وذا ممتنع عند جماهير أهل العلم بل إن من زعماء الصوفية من يزعم أنه رفع عنه التكليف فلا يؤمر بشيء من الأوامر والطاعات بل ويفعل المحرمات والمنكرات .
يستوجب ذلك التعرف على الصوفية كطريقة عن قرب ومعرفة منهجها وخاصة إذا كان من خلال أبنائها فكانت هذه المقالات والتي بعنوان (الصوفية رؤية من الداخل) محاولة منا في المساهمة في التعرف علي المناهج المخالفة لأهل السنة والجماعة وسلف الأمة من خلال بيان تاريخ الصوفية ونشأتها وتطورها وأفكارها ومصادر التلقي عندهم والمخالفات العلمية والعملية وتأثرها بالديانات والمذاهب المختلفة. وأول ما نبدأ به حديثنا عن الصوفية هو التعرف على نشأة الصوفية.
من خلال النقاط التالية:
أولاً - أسماء الصوفية.
ثانياً - أصل كلمة الصوفية وتاريخ ظهورها.
ثالثاً - أول من تسمي بالصوفية.
رابعاً - تعريف التصوف.
خامساً - نشأة الصوفية.
سادساً - أسباب انحراف الصوفية.
أولاً – أسماء الصوفية
للصوفية اسماء كثيرة ومن أشهر الأسماء لهذه الطائفة اسم "الصوفية"، ولهم أسماء أخرى غير مشهورة علي ألسنة الناس، ومن تلك الأسماء التي أطلقت عليهم أو أطلقوها هم علي أنفسهم:
1- أرباب الحقائق
سموا بذلك لزعمهم أنهم وصلوا إلي حقائق الأمور وخفاياها بخلاف غيرهم من الناس الذين أطلقوا عليهم اسم "أهل الظاهر"و"أهل الرسوم
2-الفقراء
سموا بذلك لزعمهم الزهد في الدنيا والعزوف عن ملذاتها وهو الإسم الذي زعم السهروردي ) أن الله هو الذي سماهم به حيث قال: "وأهل الشام لا يفرقون بين التصوف والفقر يقولون: قال الله تعالي: {لِلفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} ، هذا وصف الصوفية، والله تعالي سماهم فقراء"
3-الملاماتية:
سموا بذلك لكونهم أظهروا فعل ما يغضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لينالوا الملامة على ذلك ويرون الصبرَ عليه براءةً من النفاق واستكمالًا للإخلاص وسموه النفاق المحمود، حين يأتى الصوفي بما يلام عليه لأجل أغراض سامية فيما يزعمون، والملامتي هو الذي لا يظهر خيراً ولا يضمر شراً", قد تشربت عروقه طعم الإخلاص وتحقق بالصدق , فلا يحب أن يطلع أحد على حاله وأعماله ولا يتم هذا الإخلاص إلا إذا أصبح يستوي عنده المدح والذم له من الناس، وألا يفكر في اقتضاء ثواب العمل في الآخرة )
وقد يسمون بأسماء أخرى كما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية : وَكَانَ " لِلزُّهَّادِ " عِدَّةُ أَسْمَاءٍ: يُسَمَّوْنَ بِالشَّامِ " الجوعية " وَيُسَمَّوْنَ بِالْبَصْرَةِ " الفقرية " و " الْفِكْرِيَّةَ " وَيُسَمَّوْنَ بِخُرَاسَانَ " الْمَغَارِبَةَ " وَيُسَمَّوْنَ أَيْضًا " الصُّوفِيَّةَ وَالْفُقَرَاءَ ". ) وقد يسمون أهل الإرادة وأهل السلوك ,أهل التأله فهذه مسميات أطلقت على الصوفية والمتأمل فيها يجد أنها كلها تدور حول العبادة والزهد والإعراض عن الدنيا ولو دام الأمر على هذا لكان سهلا لكنه تعدى عند الكثير منهم إلى بدع وضلالات أوقعتهم في الحلول والإتحاد بل الانسلاخ من ربقة الإسلام بدعاء غير الله وصرف العبادة للأولياء .
إلى هنا ينتهي حديثنا اليوم ثم نكمل الحديث في المقال القادم بإذن الله تعالى حول أصل كلمة الصوفية وتاريخ ظهورها.
وللحديث بقية.