قراءة في كتاب: الداء والدواء لابن القيم رحمه الله.
كتبه/ محمود الشرقاوي.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإنّ هذا الكتاب الذي اشتهر بعنوان "الجواب
الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"، وطبع مرّات باسم "الداء والدواء"،
من أنفع الكتب في تهذيب النفوس، واستثارتها للكفّ عن المعاصي والتوبة النصوح.
ترجمة المؤلف: بن قيِّم الجوزية (691 - 751هـ)
هو الإمام محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن
حرَيْزٍ الزُّرَعي، ثم الدمشقي الفقيه الأصولي، المفسر النحوي، العارف، شمس الدين أبو
عبد الله بن قيِّم الجوزية، ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة.
تفقه في المذهب الحنبلي، وبرع وأفتى، ولازم شيخ
الإسلام ابن تيمية وأخذ عنه، وتفنن في علوم الإِسلام، وكان عارفًا بالتفسير لا يجارى
فيه، وبأصول الدين، وإليه فيهما المنتهى، والحديث ومعانيه وفقهه، ودقائق الاستنباط
منه، وبالفقه وأصوله وبالعربية، وله فيها اليد الطولي، وتعلم الكلام والنحو وغير ذلك،
وكان عالمًا بعلم السلوك،، له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولي.
قال عنه الحافظ بن رجب رحمه الله: وكان رحمه الله
ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشغف بالمحبة، والإِنابة
والاستغفار، والافتقار إلى الله، والانكسار له، والاطِّراح بين يديه على عتبة عبوديته،
لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علمًا، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق
الإيمان منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أرَ في معناه مثله.
أهمية الكتاب:
إذا كان المجتمع الذي عاش فيه المؤلف رحمه الله
بحاجة إلى هذا الكتاب - على ما فيه من تمسّك بالدين ومحافظة على الأخلاق والآداب- فإن
مجتمعاتنا الآن إليه لأحوج، إذ صارت تمور بأسباب الفساد، بعد ما نجح الغواة في كثير
من البلدان الإِسلامية في استدراج المرأة المسلمة تحت شعارات خادعة إلى نزع الحجاب
والاختلاط بالرجال فصار المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا. ثم تفنّن إخوان الشياطين
في إيجاد وسائل جديدة لإثارة الغرائز وإشاعة
الفاحشة في الذين اَمنوا، فقد علموا أنّ الانحلال الخلقي هو أقرب طريق إلى تدمير الأمّة،
فانتشرت المواقع الإباحية وصور العُري حتى أغروا الشباب والرجال والنساء من كافة
الأعمار حتى وصل الأمر عند البعض للإدمان ونري بعض المؤسسات في دول الغرب ترفع
وتدعم شعار اللواط والمثليين وتغزوا به بلاد الإسلام بلا استحياء والله المستعان على
ما يدبرون، وهذا الكتاب في هذه الآونة فيه علاج لهذه الفتن.
نبذة عن الكتاب:
1- كان أصل هذا الكتاب
استفتاء ورد على المؤلف، ابن القيم رحمه الله فسُئل عن رجل ابتُلي ببلية إن استمرّت
به أفسدت دنياه واَخرته، وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق، فما تزداد إلاّ توقدًا
وشدّةً.
وكان مرض هذا السائل هو مرض العشق.
2- قام ابن
القيم رحمه الله بالتفصيل في الإجابة فلم يكتفِ بعلاج داء العشق فقط ولكنه تكلم عن
خطورة المعاصي عموما.
3- فبدأ جوابه بأن
الله تعالى أخبر عن القرآن أنه شفاء، ثم نبّه على أنّ الأذكار والآيات والأدعية التي
يُستشفى بها هي في نفسها نافعة وشافية ولكن تستدعي قبول المحلّ وقوة همة الفاعل وتأثيره.
ثم ذكر أسبابًا أخرى لتخلّف الشفاء، وذكر شروط قبول الدعاء، والآفات التي تحول دون
قبول الدعاء.
4- ثم ذكر فصل
في حسن الظنّ بالله تعالى مع الحذر من الاغترار به والفرق بين حسن الظن بالله والأماني.
5- ثم ذكر فصل في
أضرار المعاصي واَثارها في حياة الأفراد والأمم وعقوباتها في الدنيا والآخرة، وأشار
إلى أن المعصية هي التي أخرجت الأبوين من الجنة، كما أخرجت إبليس من ملكوت السماء.
6- ثم ذكر جملة من أضرار المعاصي على الفرد منها:
-أن المعاصي تزرع أمثالها.
- المعصية تضعف إرادة الخير.
-هوان العاصي على ربه.
- أنّ غيره من الناس والدوابّ يعود عليه شؤم ذنوبه.
- المعصية تورث الذل.
-المعاصي تفسد العقل.
-الذنوب تطبع على القلوب.
-الذنوب تُدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
-الذنوب تطفئ الغيرة.
- المعاصي تذهب الحياء.
-المعاصي تضعف في القلب تعظيم الرب.
-المعاصي تُنسي الله.
-المعاصي تضعف القلب.
-المعاصي تزيل النعم.
-المعاصي تلقي الرعب والخوف في قلب العاصي.
-المعاصي تمرض القلوب.
-المعاصي تعمي البصيرة.
-المعاصي تصغر النفس.
-المعاصي تسقط الكرام.
-المعصية مجلبة للذم.
-المعصية تؤثر في العقل.
-المعاصي تمحق البركة.
-المعاصي تعمي القلب.
- أنّ العاصي دائمًا في أسْر شيطانه، وسجن شهواته.
- المعاصي تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة
العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة.
7- وذكر الثغور التي يدخل منها الشيطان للقلب فذكر ثغر العين والأذن،
وذكر إذا غفل القلب عن الله تعالى وزيُّنت له
الشهوات وسيطر عليه الغضب، تمكن منه الشيطان.
8- ثم عاد ابن
القيم للكلام عن أضرار المعاصي على الفرد أنها تنسي العبد نفسه وأنها تزيل النعم الحاضرة،
وتقطع النعم الواصلة وأن المعاصي مجلبة للهلاك.
9- ثم ذكر فصل في
العقوبات الشرعية والحدود والتعزيرات على المعاصي، لتكون هذه رادعةً لمن لم يتعظ بتلك.
وقسم العقوبات الشرعية إلى ثلاثة أنواع: القتل،
والقطع، والجلد؛ والعقوبات القدرية إلى نوعين: نوع على القلب، ونوع على البدن، وأورد
طرفًا منها مرةً أخرى، ليستحضرها العبد، ويكفّ عن الذنوب.
10-
ثم ذكر فصل أصل الذنوب، وأصلها نوعان: ترك مأمور، وفعل محظور، وهما الذنبان
اللذان ابتلى الله سبحانه بهما أبوي الجن والإنس.
ثم قسمها إلى أربعة أقسام: الملكية والشيطانية
والسبعية والبهيمية، ثم قسمها إلى كبائر وصغائر، وأن الذنوب الصغائر كلها تصير كبائر
بالنظر إلى الجرأة على الله. وفصَّل ذلك.
وذكر
بعض أنواع الشرك في الأفعال
والأقوال والإرادات والنيات وفصّل القول في هذه المسألة ببيان أنواع الشرك وحقيقته
وخصائص الإلهية، وكون الشرك أكبر الكبائر عند الله.
11-
ثم ذكر بعض أنواع الظلم والعدوان وأشدها القتل وبَيَّن ما
يتعلق به من حقوق وأن الزنى من أعظم المفاسد وهو مناف لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب
وبَيَّن أن من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه وهي: اللحظات،
والخطرات، واللفظات، والخطوات. ثم شرح مفسدة الزنى وما اختصّ حدّه به من بين الحدود،
ثم بيّن عظم مفسدة اللواط وشدة فحشها، وردّ على من جعل عقوبته دون عقوبة الزنى، وانجرّ
الكلام إلى وطء الميتة والبهيمة والسحاق، ثم حكم التلوّط مع المملوك
12-
ثم تكلم عن دواء الزني واللواط وهذا القسم هو
أصل الجواب ومقصود السائل لأن داء العشق هو المؤدي لذلك.
وقد بين المؤلف في علاج العشق الاهتمام
بأمرين:
أحدهما: حسم مادته قبل حصولها والثاني: قلعها
بعد نزوله.
13-
ثم ذكر الأمر الأول
وهو حسم مادته قبل حصول هذا الداء، فأمران: الأول: غض البصر، وتكلم على منافع غض البصر
والثاني: منع تعلق القلب عن الوقوع في
شَرَك العشق. وهو إما خوف مقلق أو حبّ مزعج. ثم تكلّم على الحبّ، وقال: لا يمكن أن
يجتمع في القلب حب المحبوب الأعلى وعشق الصور، بل هما ضدّان لا يتلاقيان. والمحبة الصادقة
تقتضي توحيد المحبوب، وأوضح أن أصل الشرك بالله هو الإشراك به في المحبة، وذكر مراتب
المحبة، وأن العاقل يؤثر أعلى المحبة على أدناها، وأن أصل السعادة محبة الله وحده ومحبة
ما يحبّه الله.
14-
أما الطريق الثاني وهو قلع مادة العشق بعد نزولها،
فبدأ الكلام عليه بأن هذا المرض إنما حكاه الله سبحانه عن طائفتين من الناس، وهما اللوطية
والنساء.
15-
فذكر الطائفة الأولى وهي النساء، ومثال ذلك
حب امرأة العزيز ليوسف عليه السلام، وفصّل في توافر الدواعي القوية إلى الفاحشة في
قصة يوسف، وكيف آثر يوسف عليه السلام مرضاة الله وخوفه، وحمله حبُّه لله على أن اختار
السجن على ما دعته إليه امرأة العزيز.
16-
ثم ذكر الطائفة الثانية، الذين حكى الله عنهم
العشق: هم اللوطية قال وهذا داء أعيا الأطباء دواؤه، وعز عليهم شفاؤه،
وهو والله الداء العضال، والسم القتال، الذي ما علق بقلب إلا وعز على الورى خلاصه من
إساره، ولا اشتعلت ناره في مهجة إلا وصعب على الخلق تخليصها من ناره.
ثم ذكر أن عشق الصور أقسام، وأنه تارةً يكون كفرًا،
كمن اتخذ معشوقه ندًّا يحبّه كما يحبّ الله، بل يُقدّم بعضهم رضا معشوقه على رضا ربّه،
قال: "فهذا العشق الكفري الشركي لا يغفر لصاحبه. وهكذا حال أكثر عشّاق الصور إذا
تأمّلته".
17-
ثم بيّن علاج هذا الدّاء القتّال، وهو أن يعرف
الإنسان أنّ ما ابتلي به هو مضادّ للتوحيد، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما
يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه، ويكثر اللجأ والتضرّع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه.
18-
ثم بين مفاسد العشق الدينية والدنيوية، وأشار
إلى ثلاثة مقامات للعاشق وما يجب عليه فيها. ثم كشف عما في العشق من صور الظلم والعدوان،
وانتهى إلى أنه قد تضمن أنواع الظلم كلها.
19-
ثم ذكر من يُلزمه بذكر فوائد العشق ومنافعه، وطائفة
من قصص العشاق، وإعانة الصالحين إيَّاهم على بلوغ مآربهم. ثم ردّ عليه بأنّ العشق من
حيث هو لا يحمد ولا يذمّ، وإنما يتبين حكمه بذكر ما يتعلّق به. فمنه النافع والضارّ
والجائز والحرام. ثم ذكر أنّ أنفع المحبة على الإطلاق وأوجبها وأعلاها حبّ الله سبحانه،
وأنّ أعظم لذّات الدنيا هي الموصلة إلى أعظم لذة في الآخرة.
20-
ثم عقد فصلاً على أنّ محبّة الزوجات لا لوم فيها
على المحبّ، بل هي من كماله. فنكاح المعشوقة هو دواء العشق الذي جعله الله دواءه شرعًا
وقدرًا. ثم ذكر أنّ العشق ثلاثة أقسام:
أحدها: قربة وطاعة، وهو عشق الرجل امرأته.
والثاني: مقت من الله، وهو عشق المردان، وسمّاه
"الداء الدويّ"، وذكر علاجه.
والثالث: عشق مباح لا يُملَك، كمن وُصفت له امرأة
جميلة أو رآها فجأة من غير قصد، فأورثه ذلك عشقًا لها، ولم يُحدِث له ذلك العشق معصيةً.
وذكر أن الأنفع له مدافعته والاشتغال بما هو أنفع له، ويجب عليه أن يكتم ويعف، ويصبر
على بلواه. فيثيبه الله على ذلك، ويعوّضه على صبره لله، وعفّته، وتركه طاعة هواه، وايثار
مرضاة الله وما عنده.
21-
ثم ذكر حديث " من عشق فعف " ونقل
أقوال أئمة الحديث بأنه حديث باطل لا ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه.