قراءة في كتاب: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1-3)

قراءة في كتاب: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1-3)
الأحد ٢٥ سبتمبر ٢٠٢٢ - ٢١:٤٠ م
264

قراءة في كتاب: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1-3)

قرأه/ محمود الشرقاوي.

المؤلف: أبو عبد الله شمس الدين بن محمد بن أشرف بن قيصر الأفغاني (المتوفى: 1420هـ)

أهمية الكتاب: أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من الجامعة الإسلامية، يرد فيها الكاتب على بدعة القبورية، وخاصة أن هذه البدعة انتشرت ليس فقط في فئة العوام، بل للأسف الشديد يتمسك بها، وينافح عنها ويدعو لها أئمة من أعلام المذاهب الإسلامية وخاصة الحنفية، فرد لهم من خلال أقوال أئمة أيضًا من المذهب الحنفيّ، وبسط الموضوع بسطًا شافيًا كافيًا.

نبذة عن البحث:

بدأ المؤلف كتابه بذكر آيات وأحاديث في العقيدة، ثم شرع في وصف كتابه بأنه يشمل: 

مقدمة وعشرة أبواب وخاتمة.

مقدمة الكتاب: وفيها أمور ثلاثة عشر:

منها خطبة الحاجة، وأهمية توحيد العبادة، 

وذكر الكاتب حالة الناس قبل نشأة القبورية، فقال: فمنذ آدم عليه السلام، والناس أمة واحدة على ملَّة واحدة ولم يكن فيهم مشرك بالله، ولا قبوريّ.

ثم ذكر الكاتب نشأة القبورية في الأمم الماضية، فقال: وكان إبليس عدوًّا لهم، يتحين لهم الفرص لإغوائهم، فلم يتمكن من ذلك؛ إلى أن تُوُفِّيَ بعضُ الصالحين، أمثال وُد، وسُواع، ويَغوث، ويَعوق، ونَسر، فحزنوا لفراقهم، فاحتال عليهم الشيطان، وسوَّل لهم أمورًا استدرجهم بها إلى أن عكفوا على قبورهم فعبدوهم. وبهذه الطريقة الشيطانية، ظهرت فِرقة قبورية في بني آدم قبل رسول الله نوح عليه الصلاة والسلام؛ فأرسل الله تعالى إليهم رسوله نوحًا عليه السلام، وكان يدعوهم إلى توحيد الله، فأهلك الله أهلَ الشرك، ونجَّى أهل التوحيد، ثم بعد فترة من الزمن انتشرت القبورية، في كثير من الأمم؛ أمثال عاد وثمود ومَدين وغيرهم، حتى دخلت القبورية بشكل واضح إلى الفلاسفة اليونانية، أمثال أرسطو وتلاميذه؛ مع عبادة الأصنام أيضًا، ثم آلت سموم القبورية إلى اليهود والنصارى، حتى وصل الأمر إلى مشركي العرب، وقد كانوا في الأصل على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولكن استدرجهم الشيطان، هكذا عمت القبورية البلاد والعباد وطمَّت؛ إلا مَن شاء الله من موحدي الفطرة.

ثم ذكر الكاتب نشأة القبورية في هذه الأمة، ومصادرها، وأسباب انتشارها:

قال الكاتب: هدى الله الناس بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وجمعهم على دين الإسلام؛ دين التوحيد، وأُزيل كل ما يُعبد من دون الله؛ من قبر وشجر وحجر ونَصب وصنم ووثن، وتوفَّى الله تعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم والإسلام في تقدم وشَوكة تامة، فواصل خلفاؤه الراشدون سيرهم إلى أن صارت الفرس والروم في ذِلَّة وهَوان، ولمَّا رأى أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين: من عَبَدة القبور والأوثان والأصنام أنه لا يمكن القضاء على هذا التيار، اندسَّ كثيرٌ من جواسيسهم في المسلمين، فتمكنوا من تمهيد الطريق لإعادة الجاهلية الأولى، عن طريق الغلو في الصالحين وتعظيم قبورهم، فابتليت هذه الأمة بملحد زنديق مشرك منافق يهودي يدعى عبد الله بن سبأ وابن السوداء؛ فادَّعى ألوهية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحياة الأموات الأولياء حياة دنيوية، إلى أن تطورت وعُرفت بالروافض، ثم الإسماعيلية القرمطية، والنصيرية، وغيرهم من الباطنية، فظهرت في هذه الأمة فرقة قبورية وثنية في صورة هؤلاء الروافض؛ فعمَّروا المشاهد وعطَّلوا المساجد.

قال الكاتب ومن ناحية أخرى: أنه عُرِّبت كتب الفلاسفة اليونانية القبورية الوثنية، وعكف عليها كثير مِمَّن تفلسفوا في الإسلام أمثال: الفارابي وابن سينا الحنفي القرمطي فتأثروا بآرائهم الفلسفية، ومنها العقائد القبورية.

وسايرهم كثير من المتكلمين من الماتريدية الحنفية، والأشعرية الكلابية بسبب العكوف على كتبهم الفلسفية.

 ومن ناحية ثالثة: أنه قد ظهر ناس من المسلمين بمظهر التقشف ويتظاهرون بمظهر الدعوة إلى السنة، وقد عُرف هؤلاء الملاحدة الزنادقة بالصوفية الحلولية والاتحادية القبورية الخرافية؛ أمثال الحلَّاج وابن الفارض وابن عربي وابن سَبعين.

فمن طريق هؤلاء الروافض والمتفلسفة والمتكلمة والصوفية الخرافية تسرَّبت القبورية إلى كثير مِمَّن ينتمون إلى الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى.

بل أصيب بهذا الداء العضال داء القبورية كثير من أهل العلم والفضل والفقه واللغة والأدب من العلماء الأعلام فضلًا عن الجهلة العوام، وظهرت القبورية في كثير من الطوائف بشكل واضح.

ثم ذكر الكاتب أشهر فرق القبورية: المتمثلة في الروافض، بجميع فرقهم، والصوفية الحلولية والاتحادية والقادرية، والرفاعية، والشاذلية المغربية المصرية، والخلوتية، والبدوية السطوحية المصرية، والنقشبندية الفارسية، والتجانية الأفريقية المغربية، وأكثر المتفلسفة المعطلة المنطقية، وكثير من المتكلمة الجهمية: كبعض الماتريدية الحنفية، وبعض الأشعرية الكلابية، وغيرهم كثير.

ثم ذكر الكاتب جهاد أئمة الإسلام وعلماء الحنفية في الرد على القبورية: قال: أكرم الله تعالى هذه الأمة وتداركها بشيخ الإسلام، وتلاه ابن القيم، ثم مجدد الدعوة الإمام، وشاركهم كثير من الأعلام من أهل المذاهب الثلاثة، وعلى رأسهم علماء الحنفية؛ فقد قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى مقالة حنفية حنيفية قاطعة لدابر القبورية (لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به)، وهذه المقالة في باب توحيد العبادة؛ كالمقالة المالكية الملكية للإمام مالك:(الاستواء معلوم والكيف مجهول) في باب توحيد الصفات.

لذلك تتابعت جهود علماء الحنفية في الرد على القبورية، فمن أبرز هؤلاء: الإمام ابن أبي العز، والإمامين البركوي وأحمد الرومي، وصنع الله الحلبي، والإمام ولي الله الدهلوي، وغيرهم من علماء الحنفية.

ثم ذكر الكاتب أسباب اختيار الموضوع: قال: إن كثيرًا من القبورية يزعمون أن الردَّ على القبورية من خصائص طائفة ظنوها شاذة محصورة في أمثال: شيخ الإسلام، وابن القيم، ومجدد الدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، ونبذوهم، لذلك نرى أصنافًا من القبورية والصوفية الخرافية الذين يكرهون العقيدة السلفية من أعماق قلوبهم، لأجل ما عندهم من التوحيد المضاد للقبورية، فأراد إبطال هذا الزعم الباطل بجمع جهود علماء الحنفية المبعثرة في كتبهم في إبطال عقائد القبورية.

ثم ذكر الكاتب خطة البحث: قال: هذه الرسالة مشتملة على مقدمة وعشرة أبواب وخاتمة. 

ثم ذكر منهجه في هذه الرسالة.

الباب الأول: وفيه أربعة فصول: 

الفصل الأول: في أهمية شأن العقيدة عند علماء الحنفية: قال الكاتب: كان الرسل عليهم السلام يهتمون بإصلاح العقيدة قبل إصلاح الأعمال، وقد درج على ذلك علماء الحنفية أيضًا، ونقل بعض نصوص أئمة الحنفية وعلمائهم منها:   

 قول الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:(الفقه في الدين أفضل من الفقه في الأحكام، ولأَنْ يتفقه الرجل كيف يعبد ربه خير له من أن يجمع العلم الكثير)، ونقل شروح الأئمة الأحناف لقول أبي حنيفة، وأنه سماه (الفقه الأكبر)، وأنهم قالوا: (وهو أول واجب وآخر واجب)، فمنهم الإمام أبو الليث السمرقندي، وابن أبي العز رحمه الله تعالى، والعلامة القاري، والإمام البدر العيني، وغيرهم كثير. 

الفصل الثاني: في تعريف التوحيد، وبيان أنواعه عند علماء الحنفية، وردهم على تعريف التوحيد عند القبورية:

قال الكاتب: لقد جهلت القبورية مفهوم التوحيد، وحرفوه وفسروه بتوحيد الربوبية، وبسبب هذا الجهل المركب المطبق، صاروا أعداء للتوحيد الصحيح وأهله، ولأجل هذه الطامة الكبرى حرَّفوا معنى (العبادة) تحريفًا واضحًا، كما غيَّروا معنى (الشرك) أيضًا تغييرًا فاضحًا.

وذكر الكاتب تعريف التوحيد لغةً واصطلاحًا، فقال: قال الإمام أبو جعفر الطحاوي إمام الحنفية في عصره مبينًا عقيدة الأئمة الثلاثة للحنفية على الإطلاق: أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، (نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ له، ولا شيءَ مثلُه، ولا شيءَ يعجزه، ولا إلهَ غيرُه) ونقل عدة أقوال بنفس المعنى، تدلُّ على أن تعريف التوحيد عند أئمة الأحناف يشمل ثلاثة أنواع.

أما تعريف القبورية وأهل الكلام للتوحيد: أنَّ الله واحدٌ في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا نظير له وواحد في أفعاله لا شريك له.

ثم قال الكاتب: فقد عرفوا التوحيد بتعريفات ناقصة غير جامعة لأنواعه.

 ثم ذكر الكاتب أنواع التوحيد عند علماء الحنفية وردهم على القبورية، الذين لم يدخلوا توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد، الذي هو أهم هذه الأنواع فهو في الحقيقة مفترق الطرق بين المسلمين وبين المشركين، ولأجل تحقيقه أُرسلت الرسل وأُنزلت الكتب، وهو المتضمن المستلزم لتوحيد الربوبية وتوحيد الصفات.

 وعلى الرغم من ذلك قال القبورية الكلامية: إنَّ تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع: الربوبية، والأسماء والصفات، والألوهية، ليس من دين السلف؛ بل هو من دين النصارى وأقانيمهم الثلاثة.

قال الكاتب: بل عند علماء الحنفية التوحيد قسمان:

1- توحيد المُرسِل أي: توحيد الربوبية، والأسماء والصفات، والألوهية

2- توحيد المتابعة أي: عدم تقديم أقوال الأئمة على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله، وعدم معارضته بالقياس والعقول، فهو أيضًا في غاية الأهمية عند علماء الحنفية.

الفصل الثالث: في أهمية توحيد الألوهية وكونه هو الغاية عند علماء الحنفية: فبيَّن الكاتب ذلك بعدة وجوه، من خلال أقوال علماء الأحناف حول بعض الآيات والأحاديث.

الفصل الرابع: في أركان توحيد الألوهية وشروط صحته: 

المبحث الأول: أركان توحيد العبادة:

 قال الكاتب: إنَّ علماء الحنفية قد صرَّحوا أنَّ توحيد العبادة متركب من ركنين: 

الركن الأول: النفي؛ أي نفي جميع ما يُعبد من دون الله، 

الركن الثاني: الإثبات؛ أي إثبات أن الله تعالى هو وحده إله حق، مستحق للعبادة وحده. 

فالأول: (لا إله) وهو النفي، والثاني: (إلا الله)، وهو الإثبات، ونقل أقوال عدة أئمة على ذلك منهم: الإمام ابن أبي العز والعلامة القاري والشيخ أحمد السر هندي الملقب عند الحنفية بالإمام الرباني، ومجدد الألف الثاني، والعلامة شكري الآلوسي، وغيرهم.

المبحث الثاني: في بيان شروط صحة توحيد العبادة:

 قال الكاتب: إن علماء الحنفية صرحوا بأنه لا صحة للتوحيد إلا بعد توفر تلك الشروط.

الشرط الأول: فَهْم معنى توحيد العبادة، والعلم به المنافي للجهل.

الشرط الثاني: اليقين المنافي للظنّ والشك.

الشرط الثالث: التصديق المنافي للتكذيب.

الشرط الرابع: الإخلاص المنافي للشرك والنفاق والرياء والسمعة.

ونقل الكاتب أدلة على تلك الشروط، من القرآن والسنة وأقوال أئمة الحنفية، مثل الإمام البدر العينتابي والملا علي القاري والعلامة الخجندي وغيرهم.

الباب الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية من قولهم باتحاد توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإبطال جعلهم توحيد الربوبية هو الغاية، وبيان التعريف الصحيح للعبادة، وأركانها، وأنواعها، وشروط صحتها، وإبطال عقيدة القبورية في ذلك كله:

وذكر الكاتب فيه أربعة فصول:

الفصل الأول: في عرض عقيدة القبورية في القول باتحاد توحيد الربوبية والألوهية وجعلهم توحيد الربوبية الغاية: 

قال الكاتب: وهذه الطامة الكبرى التي هي أم الطامات، ثم ذكر ثلاث عشرة طامة، منها توصلوا إلى أن توحيد الربوبية كافٍ لدخول المرء في الإسلام والنجاة، وتحريفهم لتلك الآيات الصريحة الناصَّة على أن المشركين كانوا يعترفون بتوحيد الربوبية، وغيروا مفهوم الشرك وزعموا أنه لا يتحقق الشرك إلا إذا اعتقد في غير الله أنه رب مستقل، وإنكارهم وجود الشرك في المنتسبين إلى الإسلام إنكارًا قاطعًا باتًّا؛ وأن الشرك لم يقع في المستغيثين بأهل القبور، وارتكب القبورية أنواعًا من الإشراك بالله، من دعاء الأموات والاستغاثة بهم عند الكربات وعبادتهم للقبور وأهلها، ويسمون أنفسهم موحدين مؤمنين، ويسمون  أئمة التوحيد والسنة دعاة العقيدة السلفية خوارج كلاب النار؛ ويتهمونهم بأنهم يكفرون جميع الأمة الإسلامية، وتبرير إشراكهم بأنهم لا يعبدون الأصنام، كما أصيب بهذا الداء العضال خلطاؤهم المتكلمون من الماتريدية والأشعرية، ونقل بعض نصوص أئمة القبورية، مثل: السمنودي وابن جرجيس كقولهم ) الرب والإله معناهما ومفادهما واحد (وكقولهم:(فإن توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية، وأما جعلهم التوحيد نوعين: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية  فباطل؛ وهو قول المُلحدة المكفرة للمسلمين) إلى غير ذلك من أقوال القبورية، التي نالوا بها من شيخ الإسلام ومجدد الدعوة الإمام محمد عبدالوهاب .

الفصل الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في القول باتحاد هذين التوحيدين (الربوبية والألوهية) وإبطال جعلهم توحيد الربوبية هو الغاية: 

فذكر الكاتب ردود أئمة الأحناف عليهم من ثلاثين وجهًا منها:

معني كلمة الإله و الرب وأنهما متغايران اصطلاحًا كما أنهما متغايران لغةً، فالربوبية توحيد الله تعالى بأفعاله، والألوهية توحيد الله تعالى بأفعال العبد؛ وأنه لا يدخل في دين الإسلام إلا بكلمة:(لا إله إلا الله) بخلاف غيرها من الكلمات، مثل (لا رب إلا الله) أو (لا خالق إلا الله)، بدليل اعتراف المشركين بهذه الكلمات، ولم يعترفوا بالكلمة الأولى، وأن المشركين الأوائل إنما أشركوا بالله تعالى شرك الشفاعة والتوسل إلى الله تعالى بعباده الصالحين؛ أي إشراكهم كان في توحيد الألوهية؛ وأنَّ المشركين كانوا يستغيثون بالله وحده عند الكربات، وأنَّ المشركين كانوا على بقية من بقايا الملة الإبراهيمية، وكانوا يسمون أنفسهم الحنفاء؛ وأنَّ المشركين في الجاهلية لم يدعوا الاستقلال لآلهتهم كما في تلبيتهم (لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملِكه وما مَلَك)، وأنَّ توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، ولا عكس؛ وأنَّ توحيد الربوبية دليل على توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية مدلول لتوحيد الربوبية؛ والدليل غير المدلول، وإذا علمت هذا تبيَّن لك أنَّ المعركة بين أهل التوحيد والمشركين في الألوهية فقط.

الفصل الثالث: في جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية التي تشبثوا بها للقول باتحاد هذين التوحيدين، وزعمهم أن المشركين كانوا مشركين آلهتهم بالله في الخالقية والمالكية والربوبية ونحوها.

فذكر الكاتب عدة شبهات لهم باتحاد هذين التوحيدين ورد عليها منها: شبهة (برهان التمانع) أي امتناع وجود صانعين، وحملوا قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} فالتمانع دليلًا على اتحاد الرب والإله؛ والفساد بمعنى التدمير والهدم الظاهري، وبالتالي ما يفعله القبورية ليس بشرك، ولم يتخذوا أهل القبور أندادًا، لأنَّ العالم لم ينهدم.

والشبهة الثانية: تشبثهم بقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} قال القبورية: (لم يقل ألست بإلهكم، فاكتفى منهم بتوحيد الربوبية، ومن المعلوم أنَّ مَن أقر لله بالربوبية فقد أقر له بالألوهية إذ ليس الرب غير الإله، بل هو بعينه).

وغير ذلك من الآيات التي استدل بها القبورية بأن المشركين كانوا مشركين في الربوبية، ولا يوجد ما يسمي بتوحيد الألوهية.

ورد على شبههم من خلال أقوال أئمة الأحناف كالعلامة محمود شكري الآلوسي، والعلامة السهسواني، ثم عقب بكلام الإمام محمد بن عبد الوهاب.

- الفصل الرابع: في جهود علماء الحنفية في تعريف العبادة، وأركانها، وأنواعها، وشروط صحتها، وإبطال عقيدة القبورية في ذلك كله.

ذكر الكاتب في هذا الفصل عقيدة القبورية في العبادة، وتعريفهم لها، ثم ذكر تعريف العبادة عند علماء الحنفية، وردهم على تعريف القبورية للعبادة، ثم ذكر أركان العبادة، وأنواعها، وشروط صحتها عند علماء الحنفية، وردهم على القبورية في ذلك كله.

قال الكاتب: فكما أنَّ القبورية انحرفت في مفهوم (التوحيد)، ومفهوم (الشرك)، انحرفت أيضًا في مفهوم (العبادة)، فقالوا: في كل ما يسمى عبادة شرعًا: (إنه لا يكون عبادة إلا باعتقاد الربوبية في المعبود؛ لا يدخل فيه شيء من التوسل والاستغاثة وغيرهما)، وصرحوا بحصر العبادة في بعض أمور الإسلام، حسب ما جاء في حديث جبريل الذي فيه تعليم لأركان الإسلام والإيمان، وسموا دعاء الأموات نداءً، وبذلك قد برَّروا جميع أنواع إشراكهم بالله عز وجل، إنه ليس من الشرك، بل من باب التوحيد، وإنه من سنن الأنبياء والمرسلين، وطريقة العلماء العاملين، ومسلك الأولياء المقربين، وقالوا: (وقوله [أي شيخ الإسلام] العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة): هُراء ليس بتعريف للعبادة) .

وذكر الكاتب رد علماء أئمة الأحناف عليهم ومجمل قولهم: 

*وهو أنَّ تعريف القبورية للعبادة تعريفٌ باطلٌ مزيّفٌ فاسدٌ غيرُ جامعٍ لأفراده.

* أنه يلزم من تعريفهم للعبادة: أنَّ المشركين غير عابدين لغير الله.

* أنَّ عبادة المشركين لآلهتهم إنما كانت على أساس الشفاعة؛ والدعاء والاستغاثة بهم، لا على أساس الاستقلال بالربوبية؛ لأنهم اعترفوا بتوحيد الربوبية والخالقية والمالكية لله.

ثم ذكر الكاتب تعريف العبادة لغة وأنها تشمل أحد عشر معنًى، وذكر تعريف العبادة اصطلاحًا وشرعًا عند علماء الحنفية وأنها تشمل اثني عشر تعريفًا، وذكر أركان العبادة وأنواعها وشروط صحتها عند علماء الحنفية وردهم على القبورية في ذلك كله، وتبين من أركان العبادة التي ذكرها عن الحنفية: أن العبادة غير محصورة في بعض الأمور، من الركوع والسجود والصلاة والزكاة ونحوها كما زعم القبورية، وقد صرح العلامة محمود شكري الآلوسي بأن حديث جبريل في بيان أركان الإسلام والإيمان لا يدل على حصر العبادة في بعض الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فلا مستند للقبورية في هذا الحديث على حصر العبادة، ونقل عن الشيخ الرستمي والشيخ الندوي من علماء الأحناف مبينًا بعض أنواع العبادة، محققًا أنَّ القبورية يعبدون الأموات بكثير من أنواع العبادة.

يبتع، إن شاء الله.

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية