قراءة في كتاب: الأسهم - حكمها وآثارها
أعده/ وحيد قطب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
عنوان الكتاب:الأسهم - حكمها وآثارها، لـ(أ. د. صالح بن محمد بن سليمان السلطان).
موضوع الكتاب: من فقه المعاملات، مسألة حكم الأسهم في الشريعة الإسلامية، وما يتعلق به من آثار.
أهمية
الكتاب:
ترجع أهمية الكتاب إلى موضوعه؛ حيث إن مسائل المعاملات قد تشعبت صورها، وتداخلت
أحكامها، واختلطت عند الكثير من المسلمين، مما زاد من حاجة المسلمين إلى تبين
أحكامها وآثارها.
محتوى
الكتاب:
المقدمة:بدأ الشيخ بمقدمة فيها أن الإسلام جاء تامًّا ومتكاملًا، بشرائعه وقيمه وأصوله، قائمًا برعاية أفراده، وصيانة حقوقهم، وبيانها جلية واضحة، ودعاهم إلى السعي في الأرض، وأمرهم بالعمل والأكل من الطيبات، وحذَّرهم من الحرام، وأمرهم بالاستثمار، وحدده بالحلال، وترك للعباد تعيين طرق هذا الاستثمار بناء على هذا الأصل، وجريا على قواعده؛ فتنوعت طرق العباد في استثمارهم في كل زمان ومكان، وَجَدَّ لهم في هذا الزمان من المعاملات ما لم يكن معروفًا فيما مضى، وكان من هذه المعاملات: الأسهم؛ استثمارًا في ريعها، ومضاربة على فروق الأسعار فيها؛ بل صارت هذه المعاملة أشهر هذه المعاملات، ودخل فيها الكثير، وشغلت بالهم، واستغرقت أموالهم، وصارت حديث مجالسهم، ومحل حواراتهم.
وقد قسَّم هذا البحث إلى تمهيد ومباحث:
التمهيد:
في التعريف بالأسهم وأنواعها. وفيه مسائل:
المسألة
الأولى: في تعريف الأسهم والمقصود بها.
والذي منها أن
السهم هو: النصيب الذي يشترك به المساهم في الشركة .... ويتمثل في صَكٍّ يعطى
للمساهم، يكون وسيلة في إثبات حقوقه في الشركة.
المسألة
الثانية: في خصائص الأسهم.
وبين أنها تَتَّصِفُ
بالخصائص الآتية:
1 - التساوي
في القيمة الاسمية التي تصدر بها الأسهم.
2 - أنها غيرُ
قابلة للتجزئة؛ بمعنى أنه لا يصح أن يملك جزءًا من سهم، ويجوز أن يشترك أكثر من
واحد في ملكية سهم؛ لكن يُمَثِّلُهم تجاه الشركة شخص واحد.
3 - أنها قابلة للتداول بالطرق التجارية بيعًا وشراءً ورهنًا وغيرها.
المسألة
الثالثة: في قيمة الأسهم وأقسامها.
فقيمة السهم
تطلب باعتبارات متعددة؛ فله قيمة اسمية، وقيمة إصدار، وقيمة دفترية، وقيمة حقيقية،
وقيمة سوقية.
المسألة الرابعة: في أنواع الأسهم.
أولا: من حيث الشكل الذي تظهر به تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
السهم الاسمي، وهو السهم الذي كتب باسم صاحبه.
القسم الثاني:
السهم لحامله، ويكون مِلْكًا لحامله، ولا يكتب عليه اسم صاحبه.
القسم الثالث:
السهم الإذني أو للأمر، وهو ما يسبق اسم صاحبه بعبارة: لإذن أو لأمر، ونقل ملكيته
تكون بتظهيره؛ وذلك بكتابة اسم المالك الجديد، وتوقيع المالك السابق، دون الحاجة
إلى الرجوع إلى سجلات الشركة.
ثانيا:
من حيث الحقوق التي تعطيها لصاحبها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
أسهم عادية، وهي التي تعطى عادة لغالب المساهمين، وتخولهم حقوقا متساوية، ويوزع
على أصحابها الأرباح التي تبقى بعد أرباح الأسهم الممتازة.
القسم الثاني:
أسهم ممتازة، وهي الأسهم التي تختص ببعض المزايا التي لا تتمتع بها الأسهم
العادية؛ كالأولوية في توزيع الأرباح بنسبة معينة كـ 5 % من قيمته، وحق استعادة
قيمة السهم بكاملها عند التصفية، وما يبقى فللأسهم العادية بالتساوي، وأحيانًا
بزيادة الأصوات، أو الأولوية في الاكتتاب عند تقرير زيادة رأس المال.
ثالثا:
من حيث إرجاعها إلى أصحابها وعدم إرجاعها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أسهم
رأس مال؛ وهي: الأسهم التي تستهلك قيمتها؛ بمعنى: أنها لا تعود إليه إلا عند فسخ
الشركة أو انقضائها وتصفيتها لأي سبب من الأسباب.
القسم الثاني:
أسهم تمتع؛ وهو: الصَّكُّ الذي يتسلمه المساهم بعد أن يستهلك قيمة سهمه. ويتأخر حق
صاحبه في الربح وعند التصفية عن أصحاب الأسهم غير المستهلكة حسب نظام الشركة.
والمراد
باستهلاك السهم هو: رد قيمته الاسمية إلى المساهم قبل انقضاء الشركة، وقد يكون
الرد له دفعة واحدة، وقد يكون تدريجيا.
المسألة
الخامسة: في محل العقد في بيع الأسهم.
وهو الحصة
الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق من تلك الحصة.
المسألة السادسة: بيع الأسهم قبل تداولها.
فالأسهم إما أن تكون أموالا نقدية، أو ديونا، أو أعيانا، أو مختلطة منها:
1 - فإن كانت
لا تزال نقودا، فإنه يعتبر بيعها مبادلة نقد بنقد، وتجري عليها أحكام الصرف إذا
بيت بجنسها أو بغير جنسها.
2 - وإذا كانت
ديونًا في الذمم، فإنه يطبق عليها أحكام التعامل بالديون.
3 - إذا أصبح
المال موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع، فإنه يجوز تداولها
بالسعر المتفق عليه؛ على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع.
المبحث الأول: حكم المساهمة في هذه الشركات؛ وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة.
الحديث هنا في
بيان حكم الأسهم استثمارا ومضاربة هو في حكم الشركات التي أصل نشاطها مباح، لكنها
تمارس أعمالا محرمة كالاقتراض بفوائد من أجل زيادة نشاط الشركة الاستثماري، أو
تقوم بإيداع بعض أموالها في المصارف الربوية وتأخذ على هذه الأموال فوائد ربوية،
كما هو حال كثير من الشركات الصناعية والخدماتية وغيرها.
فهل يجوز
الاتجار في أسهمها استثمارا ومضاربة أم لا؟
على قولين:
القول الأول:
تحريم الاتِّجار فيها مطلقا:
وهو قول
جماهير أهل العلم، والقول الذي صدرت به قرارات المجامع الفقهية، واللجنة العلمية
الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي، والهيئة
الشرعية لبنك دبي الإسلامي، وهيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني، وبه
قال عدد من الفقهاء المعاصرين، وقول أئمة السلف على التحريم، أو دال عليه.
القول الثاني:
التفريق بين ما كانت نسبة الاستثمار المحرم فيه كثيرة فيحرم، وبين ما كانت فيه
قليلة، فيجوز: مع أن الورع تركها، مع اختلاف أصحاب هذا القول في تحديد هذه النسب،
وكذلك اختلافهم في تطبيق هذه النسب على الاستثمار في عائد المساهمة وعلى المضاربة،
أو في قصره على الاستثمار في العائد فقط دون المضاربة.
وهو قول طائفة
من المعاصرين؛ منهم: الشيخ عبد الله بن منيع، والدكتور علي القره داغي، والشيخ
مصطفى الزرقا، والدكتور تقي الدين العثماني، والدكتور نزيه حماد، وعدد من الهيئات
الشرعية، منها:
الهيئة الشرعية لشركة الراجحي، والهيئة الشرعية للبنك الإسلامي الأردني.
الترجيح:
القول الأول
هو القول الراجح الذي تدل على قوته ورجحانه الأدلة من الكتاب والسنة والآثار عن
الصحابة فمن بعدهم.
المسألة الثانية: في فروع متعلقة بحكم هذه المسألة.
الفرع الأول: التطهير هل يرفع التحريم.
الفرع الثاني:
مساهمة من يقدر على التغيير في هذه الشركات ويزيل ما فيها من حرام.
الفرع الثالث:
المساهمة فيها إذا خيف من استيلاء غير المسلمين على هذه الشركات.
المسألة
الثالثة: إذا دخل في شركة ثم تبين له وجود استثمار محرم.
المبحث
الثاني: المعقود عليه في المضاربة على الأسهم.
فالشركة التي
لها نشاط بارز وظاهر في مجالها ورائدة فيه ويمكن أن تكون قيمة السهم ممثلة لحقيقته
في موجودات الشركة وقيمتها المعنوية ومركزها المالي - فالمضاربة فيها ـ فيما يظهر
ـ صحيحة على القول بجواز هذه المضاربات أصلا.
وأما الشركة
التي تظهر خسارة في ميزانياتها وشحًّا في موجوداتها وإنتاجها بحيث يعلم أن قيمة
السهم السوقية لا تمثل حقيقة هذا السهم، وإنما هي أثر ارتفاع غير مبرر نتيجة
مضاربة غير نزيهة - فإن هذا عقد على ما يشبه المعدوم أو غير المقدور عليه؛ فالغرر
فيه ظاهر.
المبحث
الثالث: تصرفات المضاربين في سوق الأسهم وحكمها.
وفيه تحدث عن
أخلاقيات المضاربين، وما يجب أن يكونوا عليه من الفضائل وتجنب الرذائل.
المبحث
الرابع: حقيقة المضاربة في سوق الأسهم.
فالمتابع
للتعاملات التي تجري في سوق الأسهم يتبادر إليه مجموعة من الاستفسارات والإيرادات
منها:
الأول: هل
يوجد بالفعل تلك السيولة ـ التي أرقامها فلكية ـ تريليونات تغطي هذه الأسهم؟ أم هي
مجرد أرقام، وكأنه بيع لأسهم في الهواء لا حقيقة لها؟ وهل توجد هذه الأموال في
البنوك التي يتم عن طريقها تداول الأسهم؟ فلو طلب باعة هذه الأسهم تحويل هذه
القيمة الكبيرة إلى حساباتهم فهل هذا ممكن؟ أم أنه مجرد تدوير بأموال لا وجود لها؟
وإذا كانت هذه
الأموال لا وجود لها، فما حكم تبايع تلك الأسهم التي هي محل العقد بأموال لا وجود
لها؟!
الثاني:
الأسهم التي تتم عليها عمليات المضاربة، هل هي تمثل بالفعل جزءا من موجودات
الشركة، أم هي ورقة مستقلة منسوبة لتلك الشركة؟ فما هو رصيد هذه الورقة في الواقع؟
لابد من
التفريق بين أسهم الاستثمار - فهي تمثل جزءا من موجودات الشركة وأصولها - وبين
أسهم المضاربة التي هي محل خلاف قوي، ويقوي القول بأنها ورقة مالية مستقلة ما يلي:
1 - واقع
المضاربة عليها؛ فالمضارب قد لا يعرف شيئا عن الشركة، ولا عن ميزانياتها وأرباحها
وخسائرها ومركزها المالي.
2 - ما يحدث
من مضاربات حادة وبأسعار مرتفعة على أسهم شركات تظهر ميزانياتها بطء في تقدمها،
وقد تظهر خسائر متكررة، وقد يكون العكس؛ فتجد ضعفا في التداول، وكسادا على أسهم
شركات قوية في نشاطاتها وميزانياتها، وتحقق أرباحا متكررة وبنسب جيدة، وقد ينعكس
الحال فجأة في التداول، وقد يكون خلال لحظات، وواقع التداول في سوق الأسهم شاهد
قوي على ذلك.
وإذا كان
التخريج على أنها ورقة مالية قوي، فهل لهذه الورقة حقيقة؛ بمعنى: هل المعقود عليه
له مالية محسوسة؟ أليس هذا يشبه إلى حد كبير البيع على المؤشر المجمع على تحريمه؟
3 - أن
المضارب على هذه الأسهم لا تعنيه الشركة لا من قريب ولا من بعيد؛ وإنما يعنيه
المضاربة على السهم بعيدا عن كل شيء.
وإذا كان
كذلك، فإنه قد يقوي قول من يقول أن التعامل حقيقة إنما هو بقيمة هذه الورقة وثمنها
ليس إلا، وأن العملية لا تعدو أن تكون متاجرة بأثمانها، وهذه الورقة مجرد غطاء
لهذه العملية، والعبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني. وإذا
كان كذلك فهل شروط تبادل الأثمان متحققة؟
الثالث: السوق
بدأ بطريقة غير نزيهة يغلب عليها الخداع في رفع المؤشرات وهبوطها؛ فالارتفاع ليس
لعوامل طبيعية ـ كما يحدث في سائر المبادلات التجارية المبنية على العرض والطلب
غالبا ـ بل لعوامل غائبة مجهولة لدى الكثير، ولاسيما الصغار، وهي في غاية الخطورة،
ودائما أيدي صغار المساهمين على قلوبهم - كما يقال ـ من أي هبوط حاد لا يتمكنون
معه من إجراء أي عملية بيع؛ فهو على مخاطرة كبيرة قد تذهب بأمواله أو جُلِّها في
أي لحظة.
وهذا فيه جمع
بين الغرر، وفيه شبه كبير جدا بالقمار؛ نظرا لعظم المخاطرة فيه، والتي يبقى فيها
دائما على خطر أن يغنم أو يغرم غرامة كبيرة.
ولهذه
المحاذير وغيرها مال بعض فقهاء العصر فيها إلى المنع، منهم الدكتور الصديق الضرير
عضو مجمع الفقه الإسلامي بجدة.
المبحث
الخامس: في آثار المضاربة على الأسهم.
وفيه بين أن
الأسهم أثرت على تقليص حجم الأموال الموجَّهة للاستثمارات المباشرة.
والمتابع
للتداولات اليومية يشاهد مليارات الريالات يتم تداولها يوميا، والغرض من هذه
التداولات جني أرباح آنية ليس إلا، وليس لهذه التداولات أي مردود إيجابي أو قيمة
مضافة للناتج المحلي؛ بل هي معوِّق من معوقاته كما تقدم.
ومن هنا فلابد
للجهات المسؤولة من منع هذه الازدواجية في الاستثمار، وقصر استثمار كل شركة في
مجال نشاطها حتى تكون النتائج إيجابية للجميع وللسوق المحلية والاقتصاد الوطني.
وأما
آثارها الاجتماعية فمن أبرزها:
- البطالة
نتيجة توجيه الأموال إلى سوق الأسهم؛ فأدى ذلك إلى قلة أو ندرة الأعمال والوظائف
في الشركات والمؤسسات؛ نظرا لتوقف التوسع في تأسيسها، أو تأجيل بعض خططها التوسعية
التي تستوعب الكثير من الأفراد، أو وقف بعض أنشطتها وضخ الفائض من أموالها في هذا
السوق.
- الإخلال بالأعمال الوظيفية القائمة في القطاعين العام والخاص.
وأما
آثارها الشرعية:
- فقد ظهرت
جلية في تغير سلوكيات البعض، وفي التفريط في أداء العبادات وفقدان الخشوع وحضور
القلب؛ حيث اشتغل بالأسهم، وهذا أمر خطير والوسيلة إلى الحرام حرام.
- التساهل في
الحلال والحرام، وهذا ظاهر في المضاربة في أسهم شركات محرمة مجمع على تحريمها، أو مختلطة،
وأين الورع والبعد عن المتشابهات، فضلا عما يحدث من البعض من نجش وغبن وإشاعات
كاذبة ترتب عليها أضرار فادحة.
الخاتمة.
وفيه بين أن
الأسهم من أدق المعاملات وأكثرها شيوعا وأخطرها تداولا وأشدها ارتفاعا وهبوطا،
والناس في معرفة أحكامها وتعلُّمها في تفاوت بَيِّنٍ؛ فمنهم العارف كثير السؤال
تورعا عن الوقوع في الحرام وبعدا عن المتشابه، ومنهم المقصر في ذلك؛ هم درجات؛
فمنهم الجاهل بأحكامها ومنها المتأول، وربما تأول بما يوافق هواه أو بحث وتعلق بكل
قول ولو كان القائل به قليل، حتى ولو اعتقد مخالفته الدليل.
ومنهم من دخل
فيها من غير سؤال ولا تمييز بين حلال ولا حرام، فولغ فيها حتى عمي لسان حاله، يقول
مقال الجاهلين: "الحلال ما حل في الجيب" غافلا أو متغافلا عن: ﴿الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا
يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة:
275].
والأسهم منها
ما لا يختلف في تحريمه وهو أسهم الشركات التي أصل نشاطها محرم، ومنها ما هو حلال
بيِّنٌ، وهي أسهم الشركات التي أصل نشاطها مباح ولم تدخل في معاملات محرمة،
وبينهما درجة هي محل خلاف؛ وهو ما كان أصل نشاطها حلال ووجد في نشاطها حلال، ووجد
في نشاطها أعمال محرمة قرضا بالربا وإقراضا له، والجمهور على تحريمها، وهو القول
الذي تدل عليه ظواهر الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة؛ فضلا عن المعقول المبني
على مراعاة مقاصد الشريعة.
وقول من خالفه
مبني على استدلال بقواعد لا تنهض على معارضة صريح تحريم الربا مطلقا قليله وكثيره
...
إن هناك فرقا
بين المستثمر في عائد السهم وبين المضارب على فروق الأسعار في مسائل عدة؛
فالمستثمر استثمر أمواله في موجودات الشركة وأصولها، وهي موجودة ولها قيمتها؛
بخلاف المضارب؛ فقد يضارب على أسهم شركات خاسرة أو لا قيمة لها تقارب قيمتها
السوقية؛ فهو يضارب على فروق الأسعار، وفيه شبه قوي بالمضاربة على المؤشر المجمع
على تحريمه، وفيه مخاطرة تشبه القمار إلى حد كبير، وقد يكون بمنزله بيع المعدوم.
- أن المضاربة
عموما في أسواق الأسهم يعتريها شبه كثيرة؛ منها أن هذه المضاربة لا تعدو أن تكون
على أوراق مالية مستقلة عن الشركة المنسوبة إليها بدلالة البون الشاسع بين قيمتها
السوقية وقيمتها الحقيقية، وهذه الورقة وسيلة لهذا البيع، وإلا فالواقع أنه مبادلة
مال بمال، وهذا قول له وجه قوي يشهد له واقع الحال.
- ومنها شدة
المخاطرة الناشئة عن التقلب الحاد في الأسعار نتيجة التلاعب بأسعار السوق، هذه
المخاطرة التي يدخل فيها المضارب وهو على وجل كبير من أن يغرم ويفقد أمواله أو
جلها؛ بل خطورتها أشد من المقامر الذي قد لا يقامر إلا في القليل من ماله.
- ومنها أن
الغش والتغرير ونشر الأخبار الكاذبة والمخادعة صار وسيلة معتادة عند كثير من
المتعاملين.
- أن المضاربة
لا تعدو أن تكون تدويرا للأموال ومحلا للإتجار بها، وهذا يخالف ما قصدت به
الأثمان، وأبعدت عن مجال استخدامها الصحيح في تنمية اقتصاد البلد وتنويع موارده
ودعم برامجه، وتنويع مصادر دخله وتعدد وسائل الإنتاج؛ فضلا عن تأثيراتها
الاجتماعية من تفاقُم حالة البطالة حينما حجبت هذه الأموال عن مشاريع منتجة تستوعب
أعدادا كبيرة في العمل فيها، وإعالة أسرهم وسد فاقتهم، مع ما ترتب عليها من خلل
عندما ذهب كثير من صغار المستثمرين ضحية تلك المضاربات فأغرقتهم الديون وأثقلت
كاهلهم بعد أن استنزفت سائر ممتلكاتهم.... مع تأثيراتها النفسية والصحية الحادة
والمؤلمة على الكثير؛ فضلا عن تأثيراتها الشرعية من الإخلال بكثير من الشعائر،
والواقع شاهد على ذلك.
وهذا يستدعي
إعادة النظر في هذه المضاربات وضبطها بضوابط الشرع وقواعده ومراعاة مقاصده.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه.