قراءة في كتاب: موقف الشريعة الإسلامية من: البنوك والمعاملات المصرفية والتأمين
قرأه/ محمود الشرقاوي.
المؤلف: هو ا.د/ رمضان حافظ عبدالرحمن الشهير بالسيوطي،
أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر القاهرة.
أهمية الكتاب:
هذا الكتاب يعالج قضية من أكثر القضايا انتشاراً في بلادنا وسائر بلاد المسلمين، بالرغم من إجماع أهل الملل كلها علي حرمتها، وتحريمها في كل الشرائع،ألا وهي المعاملات الربوية، لكن بسبب صدور فتاوي بحل الربا والمعاملات البنكية ممن له سلطة دينية، وأقواله وفتواه لها صدي عند الخاصة والعامة اعتقد الناس حل الربا اكثر من حل البيع، سواءً علي مستوي الأفراد أو الشركات أو الدول " وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"
فلقد كانت الفتوي بحل فوائد البنوك لها أثر سئ ووقع أليم علي المسلمين في العالم الإسلامي كله، وذلك لأنها أباحت الربا وجعلته حلالاً، دون دليل صحيح، وإنما القصد إرضاء الخلق، ولو غضب الخالق. وفي الحديث: "من التمس رضا الناس في سخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه من الناس"، ولهذا فإني تطوعت بالرد علي هذه الفتوي وإن كان غيرى سبقني بالرد، لعل القائل بها أن يفيق من غفلته، ويرجع للحق ويتوب، فإن الله غفار الذنوب.
ومن أهمية الكتاب أنه ذكر فيه أنواع وصور الربا المنتشرة، وذكر بدائل شرعية عن الربا سواءً داخل الدولة أو خارجها، وذكر أيضاً حكم التأمين علي الأنفس والأموال.
عرض الكتاب:
يشتمل الكتاب علي ثلاث اجزاء:
1-موقف الشريعة الإسلامية من البنوك وصندق التوفير وشهادات الاستثمار.
2-المعاملات المصرفية والبديل عنها.
3-التأمين علي الأنفس والأموال)
أولاً: موقف الشريعة الإسلامية من البنوك وصندوق التوفير وشهادات الاستثمار:
ويحتوي علي ثمانية فصول:
الفصل الأول: عرف فيه الربا لغة، أما تعريف الربا شرعاً نقل فيه تعريف الأئمة الأربعة مع شرح كل تعريف، وذكر أن هذه التعريفات لم تتعرض لربا الجاهلية وهو القرض بفائدة، لأنه معلوم لدي العامة والخاصة وثبت تحريمه بالكتاب، قال الله تعالي (وَحَرَّمَ الرِّبَا)، وكذلك ثبت تحريمه بالسنة والإجماع.
الفصل الثاني: ذكر فيه حكم الربا أنه محرم ومنهي عنه شرعاً وعده العلماء من الكبائر، وذكر أدلة ذلك من القرآن والسنة والإجماع.
الفصل الثالث: ذكر فيه علة تحريم الربا، وأن العلماء اختلفوا في ذلك عل قولين: الأول: أن علة التحريم تعبدية، وقال أنه قول ضعيف. والثاني: أن علة التحريم أكل أموال الناس بالباطل، ويمنع من المعروف بين الناس، ويمنع الاشتغال والتكسب.
الفصل الرابع: في عقد الربا هل هو عقد باطل فيُلغي من أصله، أم فاسد فيُلغي الوصف الذي أخل بالبيع من الزيادة أو التأجيل أو فائدة القرض؟ فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة علي بطلان عقد الربا من أصله لأن الفاسد والباطل عندهم بمعني واحد، خلافاً للأحناف فالباطل ما لم يشرع بأصله كبيع الخمر، أما الفاسد ما شرع أصله دون وصفه كعقد الربا، فأصل البيع حلال والزيادة الربوية محرمة تُرد، قال الكاتب: والراجح قول الجمهور وذكر عدة أحاديث فيها بيع ربا فقال صلي الله عليه وسلم "ردوه".
الفصل الخامس: حد الربا: قال فيه أحد ثلاثة أمور:
الأول: أن يستحل الربا سواءً تعامل به أم لا، فهذا يُستتاب فإن تاب وإلا قتل ردة.
الثاني: أن يتعاملوا بالربا مع اعتقاد حرمته ولم تكن لهم شوكة، ففيه قولان:
أ- حدهم القتل، ب- التعزير بالحبس حتي يتوبوا.
الثالث: إذا لم يستحلوهوكانت لهم شوكة يحاربهم الإمام حرب البغاة.
ثم ذكر الكاتب عقوبة المرابي فقال: له عقوبتان: دنيوية:بالمصائب والبلاء وفقد المال وسوء الخاتمة....ألخ، قال تعالي: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا)، وقال صلي الله عليه وسلم"إن الربا وإن كثر عاقبته إلي قله" إلي غير ذلك من الأدلة.
أما العقوبة الأخروية: يبعث كالمصروع، ويسبح في نهر من الدم، وذكر الأدلة علي ذلك.
الفصل السادس: في حكمة النهي عن المعاملات المصرفية الربوية: وهي الظلم قال تعالي:(وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)، وتقتتضي العداوة والبغضاء، وفصل في ذلك، وقارن بين حال المرابي والمتصدق في الدنيا والأخرة، وقارن بين شرع الله وواضعي القوانين الوضعية المدنية في هذا الباب.
الفصل السابع: في بيان أنواع المصارف (البنوك):
أ- بنوك عامة تتعامل بالربا لكل الناس.
ب- بنوك خاصة:
1-بنك التسليف الزراعي: خاص بالمزارعين.
2-البنك الصناعي: خاص بأصحاب المصانع.
3-البنك العقاري: خاص بأصحاب العقارات.
ثم ذكر فروعًا أخري: 1-البوستة (دفتر التوفير) 2-شهادات الاستثمار ذات الفائدة السنوية تزيد كل ستة أشهر، وشهادات الاستثمار ذات العائد الجاري يعطي صاحبها 5% سنوياً يصرف كل ستة أشهر، وكلا النوعين ربا، ويوجد شهادات استثمارذات الحوافز ليس لها فائدة لكن تدخل علي سحب والفائز له جائزة وهذا النوع ليس ربا ولكن محرم للغرر.
معاملات أخري ربوية: قرض الموظفين من البنك بفائدة بضمان الوظيفة وهذا ربا، وشراء الموظفين من الشركات بطريق الاستمارات سلعاً بالأجل نظير فوائد تضاف علي الثمن الأصلي، وهذا من باب التمثيل وليس الحصر لكل المعاملات الربوية.
الفصل الثامن: في بيان يسر الإسلام بإيجاد البديل عن معاملات المصارف الربوية:
أدلة تحريم الربا مجمع عليها لكن كثيراً ممن لا يحسنون فهم الإسلام، ولا يدركون حكمة النهي عنه، أو يريدون أن يكون الدين تابع للنظريات الاقتصادية الحديثة تراهم تضييق صدورهم ذرعاً حين يسمعون أن الإسلام يحرم المعاملات ذات الفوائد الربوية، ويوسوس لهم الشيطان أن الإسلام يحارب الأرزاق، ففكرهم باطل لأن الإسلام حث علي تنمية المال واستثماره، وأحل البيع وحرم الربا، وذكر أدلة علي فضل التجارة، وليس الأمر مقتصر علي التجارة والبيع بل يوجد المضاربة والشركات والمزارعة والمساقاة وبيع السَلَم، ولكن ما أكثر من أفتوا بحل الفوائد المصرفية المعاملات الربوية ليتقربوا للحاكم، ولو فرضنا أن حاكماً أمر بحل هذه المعاملات الربوية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
كلام من أحل البنوك الرد عليه: "أن تحديد السعر في المضاربة يجعلها معاملة شرعية كذلك جميع معاملات البنوك بالفوائد الربوية حلال"
الرد: فهل هذا نسخ بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ أم أصبحت الأوامر والنواهي الشرعية تتغير حسب الأهواء،
ومن قال أن الفائدة في البنوك تعتبر مضاربة شرعية كلام باطل من وجوه:
الأول: أن تحديد مال بمقدر معين لصاحب المال كمائة علي الألف مخالف لحقيقة المضاربة الشرعية، وهذا في المذاهب الأربعة وعند الظاهرية، والأئمة لم يأتوا بهذا الشرط من عندهم أنفسهم كما ادعي صاحب فتوي حل الفوائد الربوية، بل من سنة النبي صلي الله عليه وسلم وعمل الصحابة كما ورد عند البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة، ونقل الإجماع علي ذلك الإمام مالك وابن المنذر وابن قدامة وابن رشد رحمهم الله. غير أن المضاربة رخصة فيقتصر فيها علي ما ورد، غير أن تحديد ربح في المضاربة كعشرة مثلاً فهو مخالف للقواعد الفقهية، كقاعدة: "الضرر يزال"، فتبين بذلك أن الفقهاء أتوا بهذا الشرط من أنفسهم يعتبر كذباً.
الوجه الثاني: أن تحديد ربح معين في المضاربة ولا ضمان علي صاحب المال إذا هلك عين الربا وشروط باطلة.
الوجه الثالث: أن البنوك هي الضامنة للمال شرط باطل بالإجماع.
الوجه الرابع: لا يوجد للبنوك محلات تعرض فيها سلع ومشروعات تستثمر فيها المال.
الوجه الخامس: أن تلك المعاملة يكون فيها الربح منسوب لرأس المال كعشرة في المائة من رأس المال وهذا عين الربا.
بذلك يتضح أن فتوي القائل بتحليل فوائد البنوك باطلة جمعت أصول الربا: ربا الفضل وربا النساء والقرض بفائدة مشروطة، وهذه الأصول محرمة بالكتاب والسنة والإجماع.
قال من أحل الفوائد: "إن لولي الأمر أن يتدخل في عقد المضاربة وأن يجعل ضمان المال إذا هلك علي العامل وهو البنك............ألخ"، فهل يجعل ولي الأمر مشرعاً مع الله، وقد ذم الله الذين يشرعون مع الله، فقال تعالي: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ)
قال من أحل الفوائد: "إن رسوالله رفض أن يُسعر للناس وكثير من الفقهاء أجازوا لولي الأمرتسعير السلع إذا غالي التجار فيها واحتكروها". والرد علي ذلك: أن تحديد السعر مختلف فيه بين الفقهاء، ولا يصح قياس المجمع عليه، وهو عدم تحديد ربح في المضاربة كعشرة مثلاً علي المختلف في حكمه وهو التسعير، وهو قياس يعارضه نص وإجماع.
قال من أحل الفوائد: " للعامل في المضاربة الفاسدة أجر المثل" والرد علي ذلك: أنه كلام متضارب لأن الذي يأخذ المثل في الواقع صاحب المال، والمفترض أن يأخذه العامل وهو البنك، ولو علم صاحب المال والعامل (البنك) بأن هذه المعاملة فاسدة كيف يقدمان عليها شرعاً.
قال من أحل الفوائد: "إن مسألة التحديد للربح مقدماً أو عدم التحديد ليست من العقائد ولا العبادات التي لا يجوز التغيير أو التبديل فيها، وإنما هي من المعاملات الاقتصادية التي تتوقف علي رضي الطرفين في حدود شريعة الله التي شرعها لمصللح العباد" فالرد علي ذلك: إن مسألة التحديد للربح من عدمه ليست من العقائد أو العبادات كلام مُسلَّم ولا خلاف فيه، أما قوله بجواز التغيير فيه والتبديل فهذا كلام باطل وله خطورة علي التشريع الإسلامي، فهل يجعل ثلث التشريع وهو المعاملات عرضة للتغيير والتبديل، فالشريعة الإسلامية المشتملة علي العقائد والعبادات والمعاملات متصفة بالثبات والاستقرار والدوام، فالمعاملات أحكامها ثابتة ومحكمة مثل العبادات، ويلزم صاحب هذا القول إباحة الربا وبيع الخمر والقمار ومهر البغي لأنها معاملات، وهذه الفتوي تجعل المصلحة مقدمة علي الأدلة القطعية، وهذا قد قاله الطوفي من الشعية وقد تبرأ منه العلماء قاطبة حتي علماء الشيعة.
واستدل القائل بحل الفوائد الربوية بقول عمر: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ تَصْلُحُ لَكُمْ، وَآمُرُكُمْ بِأَشْيَاءَ لَا تَصْلُحُ لَكُمْ، وَإِنَّ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا آيَةَ الرِّبَا، وَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا، فَدَعُوا مَا يُرِيبُكُمْ، إِلَى مَا لَا يُرِيبُكُمْ.
وتم الرد عليه بالتفصيل بقول ابن الحزم في المحلي ملخصه: "حاشا لله من أن يكون رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يبين الربا الذي توعد فيه أشد الوعيد، وأذن الله فيه بالحرب، ولا عليه أن يبين كل شئ لكل أحد فإن لم يكن بينه لعمر فقد بينه لغيره ........ألخ"
وهذه الفتوي صدرت في جريدة الأهرام بتاريخ 29،28،27 سنة ،1991، وكانت في الأصل لتحليل الفوائد الربوية التي تعطي علي أنها شهادات استثمار أو لصناديق التوفيروما شابه ذلك من المعاملات الربوية، والفتوي القائلة بحل الفوائد الربوية لشهادات الاستثمار تبع فيها القائل لعالم آخر قال بحل فوائد البنوك، فتم بذلك الرد علي من أحل فوائد البنوك، لأن دعوتهما واحدة.
وملخص الرد:
*أن من أحل فوائد صندوق التوفير قال: إنها غير فوائد البنوك، وصناديق التوفير تقوم بتشغيل هذه الأموال، الرد:هذا كلام غير صحيح لأن فوائد صندوق التوفير، كفوائد البنوك في الحرمة، وصناديق التوفير لا تشغل المال، بل تعطيه للبنوك والبنك يخرج عليه فائدة.
*أن من أحل فوائد صندوق التوفير قال: الذي يعطي المال لصناديق لم يكن دَيناً ولا قرضاً، بل وديعة لحفظ المال وزيادته، الرد: هذا كلام غير صحيح فلو لم يكن قرضاً فلماذا يضمنه صندوق التوفير، وفي الأحاديث والإجماع لا ضمان علي مُودَع إلا إذا فرط، لكن الواقع أن الصندوق ضامن للمال فهو مقترض وإن سموه وديعة وبالتالي الفائدة علي القرض ربا.
وتم تناول باقي القتوي القائلة بحل فوائد شهادات الاستثمار والرد عليها بالتفصيل، فأجاد وأفاد ولم يدع للقائل بحل فوائد البنوك وصندوق التوفير مجال للرد أو التعقيب، ثم نصيحة لكل من أفتي بما يخالف الشرع وعلم الحق يجب عليه الرجوع للحق.
موقف الشريعة الإسلامية من المعاملات المصرفية والبديل عنها: وتحتوي علي بابين ومقدمة:
المقدمة: وفيها:
أولاً: اسباب اختيار الموضوع: فمن هذه الأسباب تحذير المسلمين من الربا،الرد علي من أحل فوائد البنوك، قطع الحجة علي من يتذرعون بفتاوي العلماء الباطلة بحل فوائد البنوك.
ثانياً: نشأة المصارف والبنوك: بدأت البنوك في مدينة البدقية سنة 1157 ميلادياً، ثم فرنسا وانجلترا وغيرهما من بلاد أوربا، ثم زحفت أوربا بأموالها لبلاد الإسلام ثم صارت لهم السلطة السياسية في بلاد المسلمين وزحفوا بجيوشهم لاحتلال هذه البلاد لحفظ أموالهم وكانوا يسمونها مصالح، وبدأت البنوك في مصرسنة (1850-1919م)، ونشأ البنك الأهلي المصري سنة 1898م برأس مال مصري وإنجليزي، ثم أسس طلعت حرب بنك مصر 1920م، ثم بنك التسليف الزراعي1931م، ثم البنك العقاري1935م، ثم البنك الصناعي 1949م، ثم بنك القاهرة 1952م.
الباب الأول: وفيه سبعة فصول:
الفصل الأول: في الرد علي من زعم إباحة ربا الفضل:
حيث استدل من أباح ربا الفضل بحديث" لا ربا إلا في النسيئة"، وقول ابن عمر وابن عباس. فالرد: فالحديث منسوخ أو أن له مفهوم يخالف منطوق والمنطوق مقدم علي المفهوم، إلي غير ذلك من التوجيهات للحديث، أما قول ابن عمر وابن عباس كان اجتهاد منهما رضي الله عنهما ولما علما بالتحريم رجعا عن قوليهما، وربا الفضل دلالة تحريمه ثابتة من القرآن والسنة والإجماع.
الفصل الثاني: في الرد علي من زعم أن المحرم من الربا ما كان أضعاف مضاعفة: استدل من أباح الربا أن المحرم ما كان فاحشاً وأضعاف مضاعفة بمفهوم الآية "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً"، وربا البنوك ليس فاحشاً ولا أضعاف مضاعفة. والرد عليه: بأن دلالة المفهوم ليست حجة، ولوكانت حجة يشترط ألا تخالف منطوق وهي تخالف منطوق قول تعالي:(وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)، إلي غير ذلك من الردود المبنية علي أصول فقهية صحيحة، وأن تحريم الربا أضعاف مضاعفة من باب التدرج في التشريع ثم حُرِّم قليله وكثيره كالخمر.
الفصل الثالث: في الرد علي من أباح القرض بفائدة: ذكر عدة أدلة في أن القرض بفائدة ربا مؤيداً ذلك بأقوال أصحاب المذاهب الأربعة والظاهرية، فالقرض له أحول:
الأولي: القرض بفائدة مشروطة: محرم عند جميع الفقهاء، ونقل أقوال لبعض أهل العلم في ذلك.
الثانية: القرض بفائدة غير مشروطة قبل الوفاء: الجمهور قالوا بعدم جواز دفع شيئاً للمقرض نظير القرض قبل الوفاء، ونقل أقوالهم وأدلتهم.
الثالثة: قضاء القرض بأكثر عدداً أو صفة: إن كانت غير مشروطة وكانت عند الوفاء بالدين ففيها خلاف، منع منها مطلقاً أبي بن كعب وابن عمر وابن عباس، وأجازها مطلقاً أبو حنيفة والشافعي وأحمد والظاهرية، أما مالك أجازها بشرط ألا يكون عرف أو عادة لذلك، وتكون الزيادة في الصفة لا في العدد. ونقل أدلة كل قول، ورجح القول الثاني الجواز مطلقاً، وبناءً عليه يُرد قول من أجاز فوائد البنوك أو البوستة أو بوليصة التأمين لأنها فائدة غير مشروطة والبنك لم يعطيها من أجل القرض، لأن الواقع أنها فائدة مشروطة ومن أجل الدين، وقد ثبت تحريم ذلك بالكتاب والسنة والإجماع.
الفصل الرابع: الرد علي من زعم أن فوائد البنوك والبوستة جائزة للضرورة: ودليلهم: (الضرورات تبيح المحظورات)، فالرد علي ذلك ما هي الضرورات التي تبيح المحظورات؟ هل هي الكماليات؟ فالواقع أن الذي يضع المال في البنوك هم أهل غني ومعهم مال، وكذلك الذين يقترضون لم يقترضوا لحفظ حياتهم من الموت كالمضطر لأكل الميتة، إنما يقترضون من أجل شراء سيارة وبناء عمارة....
الفصل الخامس: في الرد علي من زعم أن فوائد البنوك والبوستة جائزة لأن فيها نفع للفرد والمجتمع فهي من قبيل المصلح المرسلة:
الرد: هذه دعوة باطلة لأكل أموال الناس بالباطل، فأين المصلحة لفعل كبيرة؟ ولا نسلم أنها مبنية علي مصلحة مرسلة بل مبنية علي مصلحة مهدرة، لأن المصالح المرسلة هي: "الوصف المناسب للحكم الذي لم يعلم من الشارع إلغاؤه أو اعتباره وكانت متفقة مع روح الشريعة" مثل: جمع القرآن الكريم في المصاحف، تضمين الصناع لحفظ أموال الناس.
وفوائد البنوك والبوستة مخالفة لنصوص القرآن والسنة وإجماع العلماء.
الفصل السادس: الرد علي من أباح جميع الفوائد المصرفية وفوائد السندات: الرد إن القائل بذلك أضر علي الإسلام من محاربة أعدائه بالسيوف، لأن إزهاق الأرواح أخف من ضياع الدين، ثم تناول الفتوي بإباحة الفوائد تحت شعار حاجة التجار لزيادة تجاراتهم ومجاراة دول الغرب وبالتالي إباحة فوائد البنك التجاري، وكذلك في بناء أبنية قوية تظهر قوة المسلمين وبالتالي إباحة فوائد بنك التعمير، وعلي نفس المنوال إباحة فوائد بنك التسليف الزراعي وبنك التسليف الصناعي، وتم الرد علي ذلك ونقل كلام فضيلة الشيخ محمود شلتوت من تفسيره في سورة آل عمران التي حرم فيها المعاملات المصرفية الربوية، وفيها رد بقوة علي كل من أباح الربا، وإن كان فضيلة الشيخ أجاز هذه الفوائد وهذا من التضارب، وأين دليله الجديد ليحلل ما حرمه بأدلة قوة.
ومستند الشيخ شلتوت لإباحة الفوائد الربوية هي الضرورة، ورد علي ذلك من خلال تعريف الضرورة عند الفقهاء الأربعة، وعلي الفرض بوجود ضرورة فوجب علي المضطر البحث عن البديل في الشريعة الإسلامية.
الفصل السابع: في الرد علي زعم أن تحويل تحويل فوائد البنوك والبوستة وشهادات الاستثمار من قرض لقراض يجعلها جائزة شرعاً: واستدلوا بقضاء عمر علي أبنيه لما أخذا مالاً من أبي موسي الأشعري لتوصيله لعمر فأتجرا فيه وربحا فقضي بأخذ نصفه مضاربة بأمر من الصحابة، والرد أن هذا من عمر لرفع النزاع لأن عمر أراد أخذ كل المال لأنه أمانة ولا يصح الإتجار فيه إلا بإذن صاحبه، وأبو موسي أذن لهما بالإتجار فيه مقابل التوصيل، وعمر أعطاهم مقابل التوصيل.
شبهة أخري أن فوائد البنوك مسكوت عنها. والرد علي هذه الشبهة بأن تلك المعاملات تعتبر من القرض بفائدة، أو تندرج تحت الأصل الثالث من أصول الربا وهو التأخير في الأجل نظير الزيادة في الربح، وكلاهما محرم بالنصوص والإجماع، حتي وإن سموا تلك المعاملات بغير أسمائها.
شبهة أخري: أن شروط المضاربة من وضع الفقهاء وبالتالي يجوز لرب المال ربح ما يضمن، والرد: ثبت النهي عن ذلك من كلام النبي صلي الله عليه وسلم " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن"، فالفقهاء لم يضعوا هذه الشروط من عند أنفسهم كما زعم صاحب الفتوي بحل الربا، بل هذه الشروط مستقاه من نصوص الشريعة.
وشبهة أخري: يجوز للعامل أخذ ربح معلوم في المضاربة، الرد بل ثبت النهي بالسنة والإجماع وأن المضاربة تبطل بذلك، ونقل الدليل علي ذلك.
الباب الثاني: في البديل عن الربا في الشريعة الإسلامية:
الفصل الأول: مبحث أول: في طبيعة أعمال المصارف (البنوك):
1-فوائد القروض أو الديون فتأخذ الأموال من المودعين بفائدة، وكلما تأخر المال تزيد الفائدة، وتعطي هذه الأموال للمقترضين بفائدة أعلي وكلما تأخر في السداد تزيد الفائدة.
2-شراء الأوراق المالية (الكمبيالات) بأنقص من قيمتها مع شرط تعجيل قيمتها.
مبحث ثاني: وهذه معاملات ربوية صريحة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع. ونقل أدلة علي ذلك.
الفصل الثاني: مبحث أول: في البديل عن الربا في داخل الدولة:
البديل الأول: القراض (شركة المضاربة): وذكر تعريفها وحكمها والحكمة في مشروعيتها وشروطها بالتفصيل ومن أقوال أهل العلم.
البديل الثاني: الأسهم:وهو أن تجمع رؤس الأموال وتجعل سهماً ثم يتجر المصرف فيها ثم يقسم الربح حسب الأسهم.
البديل الثالث: شركات الأموال: إنشاء مصرف للاستيراد من الخارج وبيع ما تستورده في الداخل، أو العكس تصدر الفائض عن حاجة الدولة. وإنشاء مصانع، وتسمي هذه المعاملة بـ (شركة العنان)، ثم ذكر تعريفها وحكمها والحكمة في مشروعيتها وشروطها بالتفصيل ومن أقوال أهل العلم.
البديل الرابع: البنك الصناعي: حيث يشتري السلعة (المواد الخام) وبيعها بالتقسيط للمصانع، أو يشتري من المصانع المنتجات في صورة بيع السلم ويقدم المال كامل للمصنع (ثمن المنتج) ويقوم البنك بعد استلام المنتج ببيعه، أو استئجار البنك المصنع ويدفع له إيجار المصنع والبنك يدفع أجور العمال ويحضر المواد الخام ويقوم ببيع المنتج، أو يقوم البنك بانشاء مصانع بأموال المودعين ولكل مودِع حصة في المصنع حسب سهمه. ونقل تفاصيل هذه المعاملات من أقوال الأئمة ومذاهيهم كالشافعي وأحمد وغيرهم.
وعلي نفس المنوال البنك الزراعي الخاص بالمزارعين فيقوم البنك بعمل شركة المزارعة مع صاحب الأرض، فصاحب الأرض العامل ويكون البنك نائب عن أصحاب رؤوس الأموال المساهمين، وذكر طرق للمشاركة بين البنك الزراعي والمزارعين بأدلة من السنة وأقوال الأئمة، أو يشتري البنك للمزارع كل إحتياجته ويبيعها للمزارع نقداً مؤجلاً.
وعلي نفس المنوال البنك العقاري الخاص بقرض أصحاب العقارات ويقوم البنك بعمل شركة مع صاحب الأرض ويكون البنك نائب عن أصحاب رؤوس الأموال المساهمين، فتقدر الأرض ويقوم البنك بالبناء ويخرج حصة لصاحب الأرض وحصة للمساهمين، أو يشتري البنك للمقاول مواد البناء ويبيعها له بالتقسيط.
مبحث ثاني: البديل عن الربا في الخارج: وذلك بعدة وسائل منها: عمل سوق مشتركة بين الدول الإسلامية.
أما البدائل:
فالبديل الأول: إنشاء صندوق إسلامي: يتكون رأس ماله من أسهم من الدول الإسلامية وتُستغل تلك الأموال في مشروعات استثمارية.
البديل الثاني: تطلب بعض الدول المحتاجة من الدول الأخري شراء ما تحتاجه ثم تبيعه لها بالتقسيط.
البديل الثالث: تبادل السلع بين الدول المسلمة.
البديل الرابع: إنشاء صندوق تعاوني إسلامي.
الباب الثالث: موقف الشريعة الإسلامية من التأمين علي الأنفس والأموال:
مقدمة: اقتضت حكمة الله تعالي أن يكون عمران الدنيا بالخلق، وأنهم في هذه الحياة الدنيا يتعرضون لأنواع البلاء والمخاطر والفتن في الأنفس والأموال والزوجة والأولاد قال تعالي: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، من أجل ذلك شرع لهم أسباب الوقاية، وقد ذكر الله أسباب الأمان في كتابه، فمن عمل بالكتاب والسنة، تحقق له الأمن والسعادة في الدنيا والأخرة التي هي غاية كل مؤمن.
هذا وقد وجد في العصر فكرة خاطئة ونظرية ضالة نادي بها من حاد عن الإسلام ألا وهي "التأمين"، وهي تشمل التأمين علي النفس أو الحياة أو الزوجة أو الأولاد أو الأموال، وتدور فكرة التأمين علي أن المُؤمن يدفع قسطاً شهرياً من المال لشركات التأمين نظير التأمين له علي حياته أو ماله أو زوجته أو أولاده.
الفصل الأول: التأمين علي النفس أي: الحياة من الهلاك: لقد نجي الله يونس عليه السلام بإيمانه وصلاحه ودعائه ثم قال تعالي: " وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ" ونجي الله أصحاب الغار بصالح أعملهم، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمُدَّ اللَّهُ فِي عُمْرِهِ وَيُوَسِّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيَدْفَعَ عَنْهُ مَيْتَةَ السُّوءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
الفصل الثاني: التأمين علي الأولاد خشية الموت أو الفقر: قال تعالي: " وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً" وقال تعالي في حق اليتيمين: " وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً"
الفصل الثالث: التأمين علي الأموال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ ". وانظر لأصحاب الجنة في سورة القلم ما حدث لهم بسبب منع حقوق الفقراء.
الفصل الرابع: التأمين علي الزوجة: اخبر تعالى عن عبده زكريا: "فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ"
الفصل الخامس: في عقد التأمين:
المطلب الأول: تعريف لغة: السلامة. أما شرعاً: لم تكن هذه المعاملة موجودة في عصر الفقهاء لكن وضعوا تعريفاً يماثلها وهو تعريف القمار وهو" ما لا يخلوا فيه أحد الاعبين من غرم أو غرم" وحقيقته: تمليك مال علي المخاطرة.
أما عند علماء الفقه الوضعي: فهو "عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي للمؤمن له أو المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو مرتباً أو أي عوض مالي في حالة وقوع الحادث وذلك في نظير قسط أو أقساط يؤديها المؤمن له للمؤمن".
المطلب الثاني: في أقسام التأمين:
الأول: التأمين الأجتماعي الذي تقوم به الدولة. وهو محرم شرعاً لوجود الغرر.
الثاني: التأمين الإجتماعي الذي تقوم به جمعيات التأمين التعاوني. وبعض العلماء المحدثين أفتي بحله والمسؤلية أمام الله عليه.
الثالث: التأمين بقسط ثابت تقوم به شركات التأمين. وهو المقصود في هذا البحث
المطلب الثالث: في بيان حقيقة عقد التأمين شرعاً: وذكر صوره. ونقل من أقوال العلماء أنه صورة القمار المحرم.
المطلب الرابع: في حكم التأمين علي الحوادث: فهو قمار ومحرم شرعاً وذكر أدلة علي ذلك.
المطلب الخامس: في بيان شبهة من أجازوه والرد عليهم:
الشبهة الأولي: أنه عقد مضاربة: وهي فتوي الشيخ محمد عبده وهي فتوي علي سؤال علي من يدفع ماله لمن يتاجر فيه فإن كان حي أخذ أصل المال بربحه وإن كان قد مات أخذ الورثة أصل المال والربح، فأفتي الشيخ محمد عبده أنها مضاربة شرعية، وهي فتوي صحيحة ولكن أين صورة الفتوي من صورة التأمين الحالي، هل شركات التأمين تقوم بتشغيل المال والخسارة علي صاحب المال والربح بينهما لم يكن ذلك، وأفتي الشيخ عبدالرحمن قراعة بتحريم عقد التأمين وأنه ليس عقد مضاربة.
الشبهة الثانية: أوردها الدكتور الزرقا: الأصل في العقود الإباحة: الرد: نعم صحيح ما لم يكن العقد ورد نص بتحريمه، كعقد التأمين فهو قمار محرم بالنص.
الشبهة الثالثة: أنه يشبه ضمان خطر الطريق. وتسمي (سوكرة) ونقل رد ابن عابدين علي تحريم مسألة (السوكرة) وهي ضمان خطر الطريق.
الشبهة الرابعة: أنه وعد ملزم يجب الوفاء به، والرد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوِ أَحَلَّ حَرَامًا وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا»
الشبهة الخامسة: أنه يشبه نظام العاقلة في الدية. والرد: أنها شبهة لا تستحق الرد للفرق الشاسع بين نظام العاقلة وعقد التأمين.
المطلب السادس: في بيان علة النهي عن التأمين: يشتمل هذا العقد علي علل للتحريم منها: القمار والغرر والربا وبيع الدين بالدين.
]]>العرف وأثره في حقوق الزوج في الفقه الإسلامي
المؤلف: الباحثة رهیفة سليمان حمادة
أهمية الكتاب: جعل الله للزوجين حقوقاً وواجبات، وبمراعاة هذه الحقوق، والقيام بتلك الواجبات تسير الحياة الزوجية سيراً حسنا، دونما انحراف عن مسارها الصحيح، ولما كانت هذه الحقوق وتلك الواجبات لصيقة بعرف المجتمعات وعاداتها تتأثر بها وتؤثر فيها، نال قسم كبير منها حظاً وافراً من اعتراضات دعاة الحداثة، وطعناً من مخالفي الإسلام بدعوي تأثر هذه الحقوق بأصل الإسلام ونشأته في مجتمع بدوي عربي له عاداته الخاصة به، التي لم تعد موجودة اليوم لتغير الزمان والمكان وبالتالي تغير العادات والأعراف
وقد قامت الباحثة في هذا البحث بتوضيح مدي تأثير العرف على بعض حقوق الزوج، واثبات حق الزوج شرعاً وعرفاً.
نبذة عن البحث:
بدأت الباحثة بحثها بمقدمة عن اهتمام الشارع الحكيم بعقد النكاح اهتماماً بالغاً، وأن العرف هو لب حياة الناس العملية، ويؤثر على التطبيقات الفقهية المختلفة.
قالت الباحثة: فقد آثرت أن أبحث مدى تأثير هذه الأعراف في جانب من جوانب هذه الحقوق، واخترت جانب الزوج، لخصوصية الزوج، فقد خصه المولى عز وجل بأمور كثيرة، أهمها القوامة لقوله سبحانه
[الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى الِّنسَاءِ]
وبعد أن ذكرت الباحثة أهمية الموضوع، وأسباب اختياره ذكرت الجهود السابقة في هذا المجال، فقالت: اهتم الفقهاء قديماً وحديثا بحقوق الزوج، فلم يكد يخلو كتاب من كتب الفقه المختصة بفقه الأحكام الشخصية من ذكر هذه الحقوق، كذلك نال موضوع العرف حظاً وافراً من اهتمام الفقهاء والأصوليين، لما له من أثر واضح في الأحكام الفقهية، وذكرت عدة مؤلفات في ذلك منها: (أثر العرف على الفُرَق ومتعلقاتها)، و(أثر العرف في كتاب النكاح).
عرض الكتاب:
الفصل التمهيدي: العرف وحقوق الزوج والعلاقة بينهما:
فيه ثلاث مباحث:
المبحث الأول: مفهوم العرف وأركانه وأقسامه وحجيته:
ذكرت الباحثة تعريف العرف لغة واصطلاحاً، ونقلت عدة تعريفات، ثم ذكرت تعريف شامل له، وذكرت أركان العرف، كتكرار العمل به بين قوم، واستقراره في نفوسهم.
وذكرت أقسام العرف منها: تقسيم العرف إلى لفظي وفعلي، وتقسيمه إلى عرف خاص مخصوص ببلد أو مكان دون آخر وعرف عام منتشر في جميع البلاد بين جميع الناس أو غالبيتهم.
وتقسيمه لعرف أقره الشرع كالقصاص في القتل العمد العدوان، وحكمه أنه ثابت لا يتبدل ولا يتغير بتغير الأزمان والبيئات، ولا يؤخذ فيه بآراء الناس؛ كأن يقال: إن القصاص في القتل العمد العدوان وحشية تتنافى مع ما وصل إليه المجتمع من رقي وتمدين فيجب أن يحرم، فهذه آراء باطل.
أو عرف نفاه الشرع كتعارف بعض التجار على الفوائد الربوية، وكالاختلاط في الحفلات والأندية
العامة، أو لم يقره الشرع ولم ينفه ككشف رأس الرجل فهو قبيح في بلاد ومستحسن في أخري.
ثم ذكرت الباحثة حجية العرف من القرآن والسنة والمعقول، كقوله تعالي: (وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نُفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا) وما ثبت عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَبَنِيَّ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَبَنِيكِ بِالْمَعْرُوفِ»
ثم ذكرت شروط اعتبار العرف منه: أن يكون العرف مطرداً غالباً، وعدم معارضته لتصريح بخلافه من المتعاقدين، وألا يخالف العرف أدلة الشرع.
المبحث الثاني: التعريف بحقوق الزوج في الإسلام:
ذكرت الباحثة مفهوم حقوق الزوج، فذكرت مفهوم الحق لغة واصطلاحاً، ومفهوم الزوج لغة واصطلاحاً، حيث يطلق الفقهاء لفظ (زوج) على الرجل إذا اقترن بالمرأة بعقد نكاح صحيح.
أنواع حقوق الزوج:
أولا - حقوق الزوج قبل الدخول وتنقسم بهذا الاعتبار إلى حقوق مالية وحقوق غير مالية:
1-حقوق الزوج المالية قبل الدخول:
أ. حق التوارث: يثبت للزوجين حق التوارث بمجرد العقد الصحيح بينهما، ويبقى هذا الحق ما دامت الزوجية قائمة، وذلك بشروط وكيفية أثبتها الشرع لهما.
ب. المهر: للزوج أن يسترد نصف المهر عند تطليق زوجته قبل الدخول، وقد سمى لها مهرا، وضابط ما يُسقط المهر أو يشطره يرجع إلى الفُرقة؛ فإن كانت منها أو بسببها يسقط حقها في المهر، أما إذا لم تكن منها ولا بسببها فإنه يشطر بينهما، وإذا مات أحد الزوجين قبل الدخول يثبت المهر في حق الزوجة لأن عقد النكاح لا يبطل بالموت.
2-حقوق الزوج غير المالية قبل الدخول:
أ. حرمة المصاهرة: يحرم على الزوج أربعة أصناف من النساء، ثلاثة يحرمن بالعقد، زوجة الأب وزوجة الابن وأصول الزوجة، أما فروع الزوجة تحرم بالدخول.
ب. حفظ عرضه وكرامته.
ثانياً- حقوق الزوج بعد الدخول:
أ. الحقوق المالية بعد الدخول: كحق حفظ ماله.
ب. الحقوق غير المالية بعد الدخول: وهي:
1-حق الطاعة: وهذه الطاعة أمر طبيعي تقتضيه الحياة المشتركة بين الزوجين لما فيها من حفظ لكيان الأسرة من التفكك والانهيار، وهذه الطاعة تكون في حدود الشرع إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
2-حق الاستمتاع. 3- تحريم إفشاء سره. 4- حق التجمل والتزين.
5-حق التأديب: إذا خالفت الزوجة ما وجب عليها تجاه زوجها، فلزوجها أن يؤدبها أولاً بالموعظة الحسنة، ثم بالهجر لفراشها، ثم بالضرب غير المبرح.
6-خدمة البيت وتنظيم شؤونه. والراجح فيه أن مرجعه للعرف، فيجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وقد استدل بالخدمة عليها بما جاء في السنة والأثر.
أما من السنة: فعن على بن أبي طالب أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنهما "أَتَتِ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْه مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى.... " أي طحن الشعير
وأما من الأثر: فعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ أَسْمَاءَ قَالَتْ: " كُنْتُ أَخْدُمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ، وَكَانَ لَه فَرَسٌ، وَكُنْتُ أَسُوسُهُ، فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْخِدْمَةِ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ، كُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُوم عَلَيهِ وَأَسُوسُه"
7-حق ثبوت النسب: فينسب الأطفال إلى أبيهم باعتبار أنهم من صلبه من زوجته وهو حق للزوجين والأطفال جميعاً قال صلي الله عليه وسلم "الْوَلَدُ لِلْفِراَ شِ "
حق المعاشرة بالمعروف 9- حق المحافظة على عرضه وكرامته. - 8
10-حق الفرا ق: وهو من الحقوق المشتركة فإذا استحالت الحياة الزوجية بين الزوجين فللزوج حق الفراق بالطلاق، وللزوجة أيضاً حق طلب الطلاق من زوجها أو من القاضي بالفسخ أو الخلع.
11-حق الإنجاب: لا يجوز للزوجة أن تمتنع عن الإنجاب تحقيقاً لمقصد النكاح في حفظ النسل. فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وإنَّها لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا، قَالَ: "لَا".... "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ"
12- حق الاستئذان: ويشمل: عدم الإذن لأحد بدخول بيته إلا بإذنه حتى لو كان من محارمها، ولا تخرج ولا تصوم النافلة إلا بإذنه.
13- حق تربية أولاده والصبر عليهم: قال صلي الله عليه وسلم: " وَالْمَرأْة ُراَعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِها وَوَلَدِهِ"
14- حق بر أهله وإكرام ضيفه. 15- حق السفر بزوجته.
16- حق الإرضاع: اختلف الفقهاء في وجوب الرضاع على الأم، فمنهم من أوجبه عليها على الإطلاق، ومنهم من اعتبر العرف والعادة في ذلك، وأما المُطَلقة فلا رضاع عليها إلا ألا يقبل ثدي غيرها، فعليها الإرضاع وعلى الزوج أجر الرضاع.
المبحث الثالث: علاقة العرف بحقوق الزوج
ذكرت الباحثة تمهيد بَيَّنت فيه مدي ارتباط العرف ببعض الأحكام كالطهارة والزواج والطلاق مثل الألفاظ الصريحة والكناية في الطلاق وتقدير النفقة للزوجة ومرجع ذلك العرف.
الفصل الأول: العرف وحقوق الزوج قبل الدخول: ذكرت فيه مبحثين:
المبحث الأول: أثر العرف على حقوق الزوج المالية قبل الدخول:
أولاً: العدول عن الخطبة:
ذكرت الباحثة معني الخطبة لغة واصطلاحاً وأنها مشروعة بالكتاب والسنة.
وذكرت التكييف الفقهي للخطبة فقالت: الخطبة مقدمة تسبق عقد الزواج، فهي ليست عقداً، ولكنها وعد بالزواج، وبناءً على ذلك فإن الخلوة في أثناء الخطبة حرام والدخول بالمخطوبة زنا.
أما أثر العرف في حكم ما قدمه الخاطب من مهر بعد العدول عن الخطبة.
قالت الباحثة: فالمهر: اسم لما تستحقه المرأة بعقد النكاح أو الوطء بعد العقد، يثبت لها نصفه بالعقد وكله بالدخول، ولا خلاف بين الفقهاء في وجوب رد ما قدمه الخاطب من المهر إليها عند العدول عن الخطبة، ويأخذ حكم الوديعة وتكون يد المخطوبة عليه يد أمانه.
الأعراف والمهر في الخطبة:
ذكرت الباحثة بعض الأعراف والعادات التي يتبعها الخاطبان في المهر منها:
ما يقدمه الخاطب للمخطوبة من ذهب يسمى "الشبكة" أقرب ما تكون إلى المهر منها إلى الهدايا حيث يقع الخلاف في كثير من الأحيان بين الخاطب وأهل المخطوبة في قيمتها، فلو كانت من الهدايا لما كان التفاوض عليها ولا الخلاف في تقديرها، ولذلك فإنها كانت تأخذ حكم المهر، أما في الوقت الحاضر ومع غلاء الذهب الفاحش والمستمر، تغير حال الشبكة وأصبحت شيئاً رمزياً قد لا يتعدى في كثير من الأحيان خاتم الزواج فغدت في عرف الناس اليك أقرب إلى الهدايا منها إلى المهر فتأخذ حكمها.. والله أعلم.
2- حكم الهدايا المقدمة في الخطبة بعد العدول عن الخطبة: قالت ما ملخصه:
إذا وجد شرط بينهما، أو عرف عُمل به أولاً. *
إذا لم يكن هناك شرط أو عرف فيه ثلاث أقوال: *
الأول: يجب رد الهدايا القائمة دون المستهلكة، وهو قول الحنفية.
الثاني: على التفصيل: يُنظر إلى المتسبب، فإن كان العدول من جانب المخطوبة حُق للخاطب استرداد الهدايا، وإن كان من جانب الخاطب حُق للمخطوبة استمرار تملك الهدايا وهو قول المالكية.
القول الثالث: ترد الهدايا القائمة بعينها والمستهلكة بقيمتها وهو قول الشافعية والحنابلة.
وذكرت أسباب الخلاف: هو التكييف الفقهي، فهل هدايا الخطبة هبة لا يجوز الرجوع فيها أم ليست هبة؟ وسبب آخر وهو العرف، ثم ذكرت أدلة كل فريق، ثم قالت الباحثة: والراجح هو قول المالكية.
3-أثر العرف في تعويض ضرر العدول عن الخطبة:
قالت الباحثة: لم يتعرض الفقهاء القدامى لمسألة التعويض عن ضرر العدول في زمانهم، ربما لأن الناس قديماً ما كانوا يتورطون فيما قد يضرهم، ولما تغيرت الأحكام وتبدلت الأعراف بتغير الزمان واختلاف المكان، استجدت أضرار ناجمة عن العدول عن الخطبة، فاختلفت فتوي العلماء بين مؤيد لمبدأ التعويض والمعارض في حالة وقوع ضرر، وكان لهم في ذلك أقوال ثلاثة:
القول الأول: عدم التعويض عن الضرر، وهو قول القدامى وأخذ به الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية.
القول الثاني: وجوب التعويض عن العدول مطلقاً، وهو ما قال به الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر
القول الثالث: وجوب التعويض في حالة وقوع ضرر (مادي أو معنوي)، وهو قول د/ مصطفي السباعي، ود/عبد الرازق السنهوري، بشرط أن يثبت العدول من الطرف الأخر.
ثم ذكرت أدلة كل فريق، قالت الباحثة: والراجح هو قول الثالث، وذكرت أسباب الترجيح.
ثانياً: المهر.
ذكرت الباحثة تعريف المهر، وأن الفقهاء اتفقوا أنه لا حد لأكثره.
ثم ذكرت الباحثة الأعراف وتحديد الحد الأعلى للمهر فقالت: راودت فكرة تحديد الحد الأعلى للمهر الكثيرين بداية من عمر رضي الله عنه حتى يومنا هذا، فقد تصطلح قبيلة ما على تحديد مقدار أعلى للمهر ولا تسمح بالزيادة عليه، قالت: والصحيح أن ذلك متروك للناس لتفاوتهم في الغنى والفقر، كلٌ بحسب حاله وحال من يرغب بالزواج منها، دون المغالاة في المهر، الأمر الذي يؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج، وزيادة نسبة العنوسة بين الفتيات، وذكرت عدة أدلة تؤكد استحباب عدم المغالاة في المهر، ويجوز لقبيلة ما وضع حد أعلى للمهر لجواز تقييد المباح في مقابل تحقيق مصلحة عامة تربو على المصالح الشخصية، أما بالنسبة للأب الذل يتورع عن المغالاة في مهر ابنته فلا يجوز له ذلك، لأنه من حق المرأة وهي صاحبة القرار في الحط منه إذا بلغت رشيدة.
ثالثاً: أثر العرف في تجهيز المرأة نفسها أو بيت الزوجية:
قالت الباحثة: المقصود بجهاز البيت: ما يعد به مسكن الزوجية من أثاث كفراش وأدوات منزلية.
أما تجهيز الزوجة فهو شراء ما تحتاجه من حلي وملابس وأدوات للزينة وما شابه ذلك. عند زفاف الزوجة إلى زوجها.
قالت الباحثة: اختلف الفقهاء في حكم المُلزَم بجهاز الزوجة وبيت الزوجية على ثلاثة أقوال:
الأول: يُلزَم به الزوج وهو قول الجمهور.
الثاني: تُلزَم به الزوجة إن كان هناك عرف بذلك أو اشترط عليها الزوج، وهو قول المالكية.
الثالث: إذا دفع لها الزوج المال منفصلاً عن المهر أو زاد فيه عن مهر المثل فتلزم الزوجة به
في حدود ما دفعه زيادة عن المهر، وهو قول بعض الحنفية.
ثم ذكرت الباحثة أدلة كل فريق، قالت الباحثة: والراجح هو القول الأول مع إضافة اعتبار العرف في
تجهيز المرأة لنفسها من المهر عرفاً صحيحاً يمكن العمل به، وذكرت أسباب الترجيح.
المبحث الثاني: أثر العرف على حقوق الزوج غير المالية قبل الدخول:
أولاً أثر العرف على الكفاءة في الزواج:
ذكرت الباحثة تعريف الكفاءة لغة واصطلاحاً واختارت تعريف الشافعية وهو: "أمر يوجب عدمه عاراً"
والكفاءة يعتبر وجودها عاملاً مساعداً على استقرار الحياة الزوجية.
ثم ذكرت الباحثة خلاف العلماء في حكم الكفاءة وأدلة كل فريق
قالت الباحثة: خصصت البحث في خصلتين هما كفاءة الحرفة، وكفاءة المستوي التعليمي لما لهما من
أهمية ووجود واقعي في عصرنا الحاضر.
كفاءة الحرفة: قالت فيها قولان:
الأول: ذهب إلى اعتبارها جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وبعض المالكية والراجح عند الحنابلة.
الثاني: ذهب إلى عدم اعتبارها إلا إذا كانت من الحرف الوضيعة كالدباغ، وهذا القول لأبي حنيفة وراية عن أحمد.
ثم ذكرت الباحثة أدلة كل فريق، قالت الباحثة: بعد استعراض آراء الفقهاء وأدلتهم تبين لي أن الخلاف بين الفقهاء هو اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان، ففي عهد الإمام أبي حنيفة لم تكن
دناءة الحرفة منقصة فلم تعتبر الكفاءة عنده في الحرفة، أما في زمن من بعده اصبحت منقصة فاعتبرت.
العرف وتحديد الحرف الدنيئة والشريفة:
قالت الباحثة: إن الحرفة قد تكون دنيئة في زمن ثم تصبح شريفة في زمن آخر، فالحجامة أصبح من يمارسها حاصلاً على شهادة جامعية ملماً بأمور التمريض والطب فأصبح يحظى باحترام الناس وتقديرهم،
ويمكنني القول: إن كل المهن المباحة هي مهن شريفة طالما كسبه حلالاً في ظل صعوبة الحصول على لقمة العيش الحلال وتفشي البطالة بين الشباب، إن دول شرق آسيا كاليابان تعلم الأطفال احترام جميع المهن، مهما صغرت كعامل النظافة لأنها تفيد المجتمع، ولا يمكن الاستغناء عنها.
وكان الأولى بنا أن نكون السباقين إلى ذلك لقول الله تعالي: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ)
العرف وتحديد صاحب المهنة المكافئ:
قالت الباحثة: كان في الماضي ينظر لمهنة الأب لأن المرأة نادراً ما كانت تعمل، أما الآن أصبحت المرأة مدرسة وطبيبة، ولم يعد يكفي النظر الى مهنة الأب في مفهوم كفاءة الحرفة.
الكفاءة في المستوى التعليمي: والمقصود أن يكون الزوج مساوياً للزوجة في الدرجة العلمية أو أعلى منها، ويقصد بالعلم هنا: كل علم فيه نفع للمسلمين ولا يتعارض مع الدين الإسلامي سواء كان علماً شرعياً أو غير شرعي، كاللغة والطب والتمريض.
ثم ذكرت الباحثة أدلة اعتبار الكفاءة في المستوى التعليمي: استدلت بأدلة فضل طلب العلم منها قول الله تعالي: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، غير أن بعض الفقهاء اعتبر الحرفة في الكفاءة، فالعلم أولي.
العرف وتحديد صاحب المستوي التعليمي المكافئ:
قالت الباحثة: اقتصر نظر الفقهاء القدامى في ذلك على مقدار علم الأب، فقالوا بأن بنت العالم لا يكافئها أحد، لأن شرف العلم فوق شرف المال والنسب، أما اليوم ونتيجة للتطور الهائل في طريقة التحصيل العلمي، ولعل السؤال الأول اليوم عن الخاطب وعن شهاداته ودرجته العلمية سيما وأن المرأة قد تساوت معه في الخروج لطلب العلم، فنجد: الطبيبة، والمهندسة، والمدرِّسة.. الخ.
الفصل الثاني حقوق الزوج بعد الدخول:
المبحث الأول أثر العرف في حقوق الزوج المالية بعد الدخول:
قالت الباحثة: المال نعمة من الله تعالى خص بها البعض من عباده...لكن قد تتحول هذه النعمة الي نقمة فقد يصبح المال سبباً في الصراع والتنازع بين الأزواج، وقد كفل الإسلام للمرأة حقها في التملك وحرية التصرف، قال تعالي: (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ).
ولكن هناك خلافاً في استحقاق الزوجة العاملة للنفقة، وفي إلزامها الإنفاق من راتبها على بيتها.
المطلب الأول: ذكرت فيه الباحثة تعريف النفقة لغة واصطلاحاً حيث تشمل الكسوة والطعام والسكني.
المطلب الثاني: حكم نفقة الزوجة العاملة: لها حالان:
الأول: أن تخرج للعمل بإذنه وموافقته، ويلحق بذلك ما إذا اشترطت عليه ذلك فوافق، ففيها قولان:
1- تسقط نفقتها وهو قول عند الحنفية 2- لا تسقط نفقتها وهو قول المالكية وبعض الشافعية.
ثم ذكرت الباحثة أدلة كل فريق.
قالت الباحثة: العرف ونفقة الزوجة العاملة: بعد ما تيسر للمرأة التعليم والعمل، وأصبحت تشارك الرجال في الوظائف مما زاد الإقبال على الزواج من هذه الفئة العاملة من النساء لاعتبارات منها:
إسقاط جزء من نفقتها مقابل عملها، ومشاركتها براتبها أو بجزء منه في مصاريف البيت، وبخاصة إذا كان رتبه لا يكفي.
قالت الباحثة الراجح: القول بسقوط نفقة الزوجة العاملة وإن خرجت بإذن ز وجها، لأن النفقة مقابل
الاحتباس.
الثاني: أن تخرج للعمل بغير إذنه وموافقته، ففيها قولان:
1- تسقط نفقتها وهو قول عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في رواية.
2- لا تسقط نفقتها وهو قول الحنفية والحنابلة في رواية والظاهرية.
ثم ذكرت الباحثة أدلة كل فريق. وقالت الراجح: القول بسقوط نفقة الزوجة العاملة إن خرجت بغير بإذن زوجها حيث يُعد عدم طاعة للزوج، ولأن خروجها يُخل بالاحتباس، ويشهد لهذا الحكم ما تعارفه الناس من حق الزوج في منع زوجته من العمل، ومن أن خروجها بغير إذنه ومخالفتها له في ذلك يعد نشوزاً.
المطلب الثالث: حكم مشاركة الزوجة العاملة أو الغنية في النفقة على بيتها: فيها قولان:
الأول: إن المرأة لا تجبر على المشاركة في النفقة على بيتها، وهو قول الفقهاء الأربعة.
الثاني: يجب على المرأة العاملة أو الغنية المشاركة في النفقة على بيتها، إذا كان الزوج عاجز عن النفقة، وهو قول الظاهرية وبعض المعاصرين مثل القرضاوي ومحمد عبد السلام.
ثم ذكرت الباحثة العرف في مشاركة الزوجة العاملة أو الغنية في النفقة:
قالت: بنى الفقهاء الأربعة الحكم في هذه المسألة على واقع أعرافهم وعادات مجتمعاتهم، حيث كانت حياتهم بسيطة، فألزموا الزوج النفقة في كل الأحوال، لأن الزوجة وإن كانت غنية تستطيع أن تعيش في نفقة زوج معسر حيث كانت متطلبات الحياة بسيطة لا تتعدي المأكل والمشرب والمسكن.
أما اليوم فقد تغير الحال وأصبح كل شيء يحتاج إلى المال للحصول عليه، فأثقل الزوج بأعباء لم تكن على عصرهم، فالماء والكهرباء وتعليم الأولاد ووسائل المواصلات والاتصال والأجهزة الكهربائية من الضروريات وتحتاج إلى مال، وأغلب الأزواج يعجز عن الوفاء بها وحده، وقد اعتاد الناس بأن يكتفي الزوج بدلالة حاله، وبما يشهد به العرف من زواج مثله بمثلها، ليقوم مقام الشرط عليها بمشاركته دونما تصريح منه بذلك.
ثم ذكرت الباحثة أدلة كل فريق. وقالت الراجح: القول بوجوب مشاركة المرأة في نفقة بيتها مع ضمان حسن العشرة والمعاملة، على رغم أن القول به، قد يبدو متعارضاً مع ظواهر النصوص الشرعية، إلا أنه في الحقيقة لا يتعارض مع روح التشريع الإسلامي الصالح لكل زمان ومكان.
وقالت: ولقد شاركت المرأة زجها في النفقة حال فقره واعساره في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعَنْ زَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَتْ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَجُلًا خَفِيفَ ذَاتِ الْيَدِ فَقُلْتُ لَهُ: سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُجْزِئُ عَنِّي مِنَ الصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي؟ قُلْتُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: اذْهَبِي فَسَلِيهِ، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ فَانْتَهَيْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَاجَتُهَا كَحَاجَتِي، قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَيْنَا بِلَالٌ، فَقُلْنَا لَهُ: سَلْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُجْزِئُ عَنَّا مِنَ الصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حِجْرِنَا؟ قُلْتُ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِلَالٌ، فَقَالَ: عَلَى الْبَابِ زَيْنَبُ، قَالَ: «أَيُّ الزَّيَانِبِ» قَالَ: زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْنَبُ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَسْأَلَانِكَ النَّفَقَةَ عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهِمَا أَيُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهُمَا مِنَ الصَّدَقَةِ؟ قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَيْنَا بِلَالٌ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ" صحيح البخاري
المبحث الثاني أثر العرف على حقوق الزوج غير المالية:
المطلب الأول: أثر العرف على حق الزوج في تعدد الزوجات:
قالت الباحثة: إن الإسلام لم ينفرد بإباحة التعدد حيث كان التعدد مشروعاً في الشرائع السماوية السابقة، إلا أن حق الزوج في التعدد في الإسلام كان الحق الأكثر نقداً لدي الرأي العام النسوي، ودعاة الحداثة والثقافة الغربية.
ثم ذكرت الباحثة أقسام الناس في التعدد فمنهم: مجتمعات تمنع التعدد، ومجتمعات تعتبر أن الأصل في الزواج هو التعدد، ومجتمعات تعتبر أن الأصل في الزواج هو الاكتفاء بواحدة والتعدد يكون عند الحاجة أو الضرورة.
قالت: وأسباب تفاوت أعراف المجتمعات في حق تعدد الزوجات هو:
الغزو الفكري، واختلاف الفقهاء في أن الأصل في النكاح التعدد، أم الإفراد؟ وفقر المجتمعات وغناها.
ثم ذكرت الباحثة أن تعدد الزوجات مباح في أصله، ولكنه وكأي أمر مباح قد يطرأ عليه ما يجعله واجباً أو مندوباً أو مكروهاً أو محرماً.
ثم قالت: والقول بهذا لا يعطي الدولة ولا القضاء ولا غيره الحق في سلب هذا الحق من الرجل، فالتعدد أمرٌ أباحه الله تعالى للأزواج لحكمة قد نعلمها وقد يخفى علينا علمها، ولا يعني سوء التطبيق لهذا الحق من قبل بعض الأزواج أن يقيدوا تعدد الزوجات.
المطلب الثاني: أثر العرف على حق الزوج في الطاعة والقرار في البيت:
قالت الباحثة: للرجل حق القوامة على زوجته، وله عليها حق الطاعة، يَقُولُ تَعَالَى: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ)، فالمرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لزوجها قائمة بحقوقه، لأن الله تَعَالَى يَقُولُ: (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ)، وهذا يقتضي أن كل امرأة صالحة لا بد أن تكون قانتة مطيعة.
وقالت: وهذه الطاعة إنما تكون وفق شروط وضوابط شرعية أهمها:
أن تكون موافقة لأوامر الشريعة الإسلامية، والاستطاعة، وانتفاء الضرر.
ويتعلق بحق الزوج في الطاعة حقه في القرار في البيت وولاية الاستئذان:
فقال تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)، وقد أجاز الفقهاء للمرأة الخروج ولو لم يأذن الزوج في حالات محددة منها:
أن تستفسر عن حكم فقهي لنازلة حلت بها، ورفض الزوج سؤال العلماء، وأن تكون هناك ضرورة ملحة، كأن خشيت سقوط البيت عليها.
العرف في حق الزوج في الطاعة والقرار في البيت:
قالت: تعارف الناس اليوم على خروج المرأة للتعليم والعمل، وقد شهدت المرأة تحولاً جذري في شخصيتها، وأصبح الكثير منهن يعتبرن طاعة الزوج تقييداً لحريتهن في ظل تعالي أصوات مساواة المرأة بالرجل.
وقالت: إن حق الزوج في الطاعة هو حق ثابت له بأدلة الكتاب والسنة، وخروج المرأة من بيت زوجها على خلاف هذا الأصل، وعلى خلاف التوزيع الرباني للمهمات لكل من الزوجين، وأحكام الناس مهما اختلفت فإنه لا أثر لها في تغيير هذا الحق أو تقييده، وليس معنى أن حق الطاعة مقيد بالعرف إسقاط هذا الحق بأعراف بالية مستوحاة من الغرب الغارق في التحرر والانحلال.
المطلب الثالث: حق الزوج في التأديب:
قالت الباحثة: من الحقوق المقررة للزوج في الشرع حقه في تأديب زوجته إذا ارتكبت ما يستوجب ذلك، مثل: نشوزها، أو امتناعها من الفراش، أو ارتكاب المعاصي التي لا حد لها في الإسلام، أو تركت فريضة.
ويكون التأديب على النحو التالي: الموعظة والإرشاد، فإن استمرت يهجرها في المضجع، فإن استمرت يضربها ضرباً خفيفاً غير مبرح.
أثر العرف في حق الزوج في التأديب:
قالت الباحثة: هاجم حملة الحضارة الغربية والحاملون لواءها هذا الحق هجوماً شديداً وقالوا إنه أسلوب متخلف لا يليق بآدمية الإنسان، وأنه تحيز للرجال، وسوء فهم للآيات، وعلق آخرون أسباب إباحة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ له إلى ظرف استثنائي وهو هزيمة المسلمين في أحد.
وقالت: وفي يومنا هذا انقسمت المجتمعات بالنسبة لاستعمال الأزواج حق الضرب بين مُفْرط ومُفَرِّط.
ثم قالت: إن حق الزوج في تأديب زوجته هو حق ثابت له بصريح النص القرآني، والعبرة بعموم
اللفظ لا بخصوص السبب على فرض صحة ما ذكروه من سبب، ولما أعطى الإسلام الزوج حق تأديب زوجته لم يترك الأمر له على إطلاقه، وانما وضع لذلك ضوابط وشروط وأوجب عليه مراعاتها، وإساءة استخدام هذا الحق من جانب البعض لا يبرر الطعن فيه أو المطالبة بإلغائه.
المطلب الرابع: أثر العرف على حق الزوج في الخدمة:
قالت الباحثة: وهو حق اختلف فيه الفقهاء.
القول الأول: يجب على المرأة أن تخدم زوجها في كل شيء. وهو قول أبي ثور وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية
القول الثاني: لا يجب على المرأة أن تخدم زوجها، إلا أن تقوم بهذا مختارة دون إجبار وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية.
قالت: وسبب الخلاف:
هل مقتضى عقد النكاح الاستمتاع أم أنه يتعدى ذلك إلى الاستخدام وبذل المنافع؟ *
*وكذلك مراعاة العرف.
ثم ذكرت الباحثة أدلة كل فريق.
العرف وحق الزوج في الخدمة:
قالت: جرت عادة الناس وأعرافهم على قيام الزوجة بخدمة زوجها والقيام بشؤن الأسرة من كنس وطبخ وتنظيف وما إلى ذلك من أعمال البيت الباطنة، وقد يساهم الزوج في مساعدة زوجته في أعمال البيت الباطنة تأسياً بالنَّبِي صلي الله عليه وسلم.
وقالت: ساعد توفر الأدوات الكهربائية المنزلية كثيراً في مساعدة الزوجة على إتمام مهماتها المنزلية
بصورة أسرع وأقل عناءً عن ذي قبل، وغير أن أكثر الطعام اليوم نصف مجهز كالمجمد والمعلب والخبز.
العرف في خدمة الزوجة أهل الزوج:
قالت الباحثة: جرت أعراف الناس أيضاً أن تقوم الزوجة على خدمة أهل زوجها، من باب المعاشرة بالمعروف، ومكارم الأخلاق ومساعدة الزوج في بر أهله، ولكن قد تتضرر الزوجة من جراء هذا العرف، فتجبر على خدمة أهله دونما مراعاة لحالها واستطاعتها القيام بذلك بجانب خدمة بيتها ورعاية شؤونه،
وقد دلت السنة على مشروعيته حينما تزوج جابر بثيب لتعينه على تربية أخواته البنات وأقره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
الخلاصة والترجيح:
قالت الباحثة: أرجح الرأي القائل بوجوب الخدمة على الزوجة بالمعروف؛ وذلك لقوة ما استدلوا به من أدلة، وهذا القول فيه إنصاف للرجل والمرأة معاً، فالرجل للكسب والمرأة لشؤن البيت، وعلى الزوج التلطف مع زجته وعدم التشدد، وتفعل المرأة استطاعتها في شؤون لبيت.
أما خدمة أهله فهو على الاستحباب فتأتي منه الزوجة ما استطاعت.
ثم ذكرت الباحثة خاتمة البحث مشتملة على النتائج والتوصيات.
]]>حقيقه السنة والبدعة = الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع.
المؤلف: هو عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
أهمية الكتاب: لا شك أن الكتاب له أهمية عظيمة، لانتشار كثير من البدع التي نبها عليها المؤلف رحمه الله، وخاصة في هذه الأونة التي يحاول البعض ممن ينتسب للعلم، وله مكانة عند الناس بسلطته الدينية أو الوظيفية، يحاول بها إحياء كثير من البدع التي قد ماتت، ويأتي بأدلة من أقوال بعض أهل العلم من متأخري المذاهب الأربعة، ويعرض عن قول وهدي المعصوم صلي الله عليه وسلم، ويترك أقوال الصحابة والسلف الصالح الأقرب لفهم كلام ربنا وسنة نبينا صلي الله عليه وسلم، وكذلك يترك أقوال أصحاب المذاهب نفسها، الموافقة لهدي النبي صلي الله عليه وسلم.
ولما كان الإمام السيوطي رحمه الله له المكانة المعروفة المشهورة، وقد أفاد وأجاد رحمه الله في هذا الكتاب، فأردنا أن نقدم الكتاب لكل مسلم وقارئ وعالم ومعلم ومتعلم، لوقف تيار البدع المتمثل في بعض الطرق الصوفية، ومن باب (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )، واوصي كل غيور علي دينه وسنة نبيه 3صلي الله عليه وسلم أن ينشر هذا الكتاب سواءً بالطباعة أويًشرح في الدروس العامة في المساجد.
نبذة عن الكتاب:
*بدأ الكتاب بذكر الآيات والأحاديث التي تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع: منها قوله تعالى: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) وقوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقوله صلي الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"
*ثم ذكر فصل في الأمر بلزوم السنة والجماعة والنهي عن الفرقة واستدل بآيات وأحاديث منها:
قول الله تعالى: (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)، وقوله صلي الله عليه وسلم: " من أراد منكم بَحبوحَة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد ". رواه الترمذي وصححه.
*ثم ذكر فصل فيما جاء عن السلف في الأمر بالاتباع:
كقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة.
وقول أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهم، وأبي العالية والأوزاعي وابن شوذب وابن أسباط ومعتمر بن سليمان
وقول سفيان الثوري: استوصوا بأهل السنة خيراً، فإنهم غرباء.
وقول أبي بكر بن عياش: السنة في الإسلام أعز من الإسلام في سائر الأديان.
وقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث، فكأني رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله.
*ثم ذكر فصل في ذم البدع والأهواء واستدل بآيات وأحاديث منها:
قوله صلي الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " متفق عليه.
*ثم ذكر آثار عن السلف في ذم البدع والأهواء:
منها قول عبد الله بن مسعود:أيها الناس إنكم ستُحدثون ويُحدث لكم، فإذا رأيتم مُحَدَثَةً فعليكم بالأمر الأول.
وذكر آثار عن معاذ بن جبل وأبي بكر رضي الله عنه وعمر وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
*ثم ذكر آثار عن السلف في أن أعمال صاحب البدعة لا تقبل حتى يدعها، وأن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية:
منها قول الحسن: لا يقبل الله لصاحب البدعة صوماً، ولا صلاة ولا حجاً، ولا عمرة، حتى يدعها.
وقول سفيان الثوري رحمه الله: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتابُ منها.
ومثلها عن الليث بن سعد ومالك بن أنس والإمام الشافعي
*ثم ذكر كلمات جوامع لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لا تشرك بالله شيئاً، وزل مع القرآن حيث زال، ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيداً بغيضاً، ومن جاءك بالباطل فرده عليه وإن كان قريباً حبيباً.
*ثم ذكر فصل في تمييز البدعة من السنة وعَرَّف السنة والبدعة قائلاً:
السنة في اللغة الطريق، ولا ريب في أن أهل النقل والأثر، المتبعين آثار رسول الله صلي الله عليه وسلم وآثار الصحابة، هم أهل السنة؛ لأنهم على تلك الطريق التي لم يحدث فيها حادث.
والبدعة عبارة عن فعلة تصادم الشريعة بالمخالفة، أو توجب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان. وقد كان جمهور السلف يكرهون ذلك، وينفرون من كل مبتدع.
*ثم ذكر أنه يوجد محدثات وبدع لا تصادم الشريعة كجمع عمر رضي الله عنه، الناس في رمضان وكانوا يصلون وحداناً،
فلما خرج فرآهم قال: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من هذه - يعني صلاة آخر الليل.
*ثم ذكر أنواع البدع والحوادث تنقسم إلى: بدعة مستحسنة، وإلى بدع مستقبحة:
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم. واحتج بقول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه.
*ثم ذكر جملة مما يُعد من البدع الحسنة: كالتصانيف في العلوم النافعة الشرعية على اختلاف فنونها، وتعيين قواعدها.
*ثم ذكر وصف البدعة المستقبحة: وهي ما كان مخالفاً للشريعة أو ملتزماً لمخالفتها.
*ثم ذكر أقسام البدع المستقبحة أنها تنقسم إلى قسمين: أحدهما: في العقائد المؤدية إلى الضلال والخسران.
القسم الثاني: في الأفعال من البدع المستقبحة: وهو المراد من هذا الباب، وينقسم قسمين: قسم تعرف العامة والخاصة أنه بدعة محدثة، إما محرمة، وإما مكروهة.
وقسم يظنه معظمهم عبادات، وقربان، وطاعات وسنناً ومن ذلك:
الخلوة بالنساء الأجنبيات ومصاحبتهن من البدع التي يمكن أن تؤدي إلى الهلاك، ومن ذلك أيضاً ما أُحدث من السماع والرقص والوجد. وفاعل ذلك ساقط المروءة، مردود الشهادة، عاصٍ لله ولرسوله. وذكر الأدلة علي تحريم ذلك وأقوال للسلف في ذلك.
*ثم قال فصل تعظيم الأماكن التي لا تستحق التعظيم:
قال ومن البدع أيضاً: ما قد عم الابتلاء به تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان وبالزعفران المجبول بماء الورد، وإسراج مواضع مخصوصة في كل بلد بما ليس عليهم، فيفعلون ذلك، ويظنون أنهم متقربون بذلك؛ ثم يتجاوزون في ذلك إلى تعظيم تلك الأماكن في قلوبهم؛ فيعظمونها، ويرجون الشفاء، وقضاء الحوائج بالنذر لها، وتلك الأماكن من بين عيون وشجر وحائط وطاقة وعامود وما أشبه ذلك بذات أنواط الواردة في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه، عن أبي واقد الليثي، ولم تستحب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض. وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعوا أو ليقرأ، أو ليذكر الله، أو ليذبح عندها ذبيحة، أو يخصها بنوع من العبادات.
*ثم ذكر بدع النذور:
*ثم قال وأقبح من ذلك أن ينذر لتلك البقعة دهناً لتنويرها أو شمعاً، ويقول: إنها تقبل النذر، كما يقول بعض الضالين، أو ينذر ذلك لقبر، أي قبر كان، فإن هذا نذر معصية باتفاق العلماء، لا يجوز الوفاء به، بل عليه كفارة يمين عند كثير من العلماء، منهم أحمد وغيره.
قبور وهمية فذكر بعض القبور الوهمية وقال:
واجزل ثواب من أعان على هدمه اتباعاً لسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم في هدم مسجد الضرار المرصد لأعدائه من الكفار. فلم ينظر الشرع إلى كونه مسجداً، وهدمه لما قصد به من السوء والضرار.
قال رحمه الله: دفع شبهة: وأما إجابة الدعاء هناك فقد يكون سببه اضطرار الداعي، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له، وقد كان الكفار يدعون، فيستجاب لهم، فيُسقون ويُنصرون ويُعافون مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها.
*ثم قال النهي عن الصلاة في القبور واتخاذها عيداً:
وذكر عدة أدلة علي ذلك منها: قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : " لا تتخذوا بيتي عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني ".
*ثم ذكر آداب زيارة القبور:
ثم قال وما سوى ذلك من المحدثات، كالصلاة عندها، واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها؛ فقد تواترت النصوص عن النبي صلي الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك، والتغليظ على فاعله.
*ثم ذكر النهي عن بناء المساجد على القبور:
فقد لُعن فاعله، كما جاء عن النبي صلي الله عليه وسلم: " لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ".
*ثم ذكر حكم المساجد المبنية على القبور:
وذكر في الباب أحاديث كثيرة وآثار، ثم قال: فهذه المساجد المبنية على القبور يتعين إزالتها، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف، ولا تصح عن الإمام أحمد في ظاهر مذهبه، لأجل النهي واللعن
الوارد في ذلك.
*ثم ذكر بدع أخرى تتعلق بالقبوروأصل عبادة الأوثان وما حدث في قوم نوح وتفسير معني اللات.
*ثم قال فأما إن قصد الإنسان الصلاة عندها، أو الدعاء لنفسه في مهماته وحوائجه متبركاً بها راجياً للإجابة عندها، فهذا عين المحادّة لله ولرسوله، والمخالفة لدينه وشرعه، وابتداع دين لم يأذن به الله ولا رسوله ولا أئمة المسلمين المتبعين آثاره وسننه، وذكر استسقاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالعباس عم النبي صلي الله عليه وسلم ولم يستسقوا عند قبر النبي صلي الله عليه وسلم.
*ثم ذكر فصل في بدع الأعياد والمواسم والنهي عن مشاركة أهل الكتاب في أعيادهم ومواسمهم الملعونة، كما يفعل كثير من جهلة المسلمين في مشاركة النصارى وموافقتهم فيما يفعلونه في خميس البيض الذي هو أكبر أعياد النصارى
النهي عن الاحتفال بما يسمى بليلة رأس السنة الميلادية.
*ثم قال ومما يفعله كثير من الناس في فصل الشتاء، ويزعمون أنه ميلاد عيسى عليه السلام، فجميع ما يصنع أيضاً في هذه الليالي من المنكرات،
*ثم ذكر النهي عن التشبه بالكافرين بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: " ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا النصارى ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " خالفوا المشركين، احفوا الشوارب، وأعفوا اللحى " فأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم بمخالفة المشركين مطلقاً.
*وذكر قول الله تعالي (والذين لا يشهدون الزور) قال مجاهد والضحاك والربيع بن أنس: هو أعياد المشركين.
*ثم ذكر عدم الاغترار بكثرة الضالين واتباع أهل الحق ولو كانوا قلة ولا ينظر الرجل إلى كثرة الجاهلين الواقعين في مشابهة الكافرين والعلماء والغافلين وموافقتهم، فقد قال السيد الجليل الفضيل بن عياض رضي الله عنه: عليك بطريق الهدى وإن قل السالكون واجتنب طريق الردّى وإن كثر الهالكون.
*ثم ذكر القسم الثاني ما يظنه الناس طاعة وقربة وهو بخلاف ذلك:
وذكر منها: الصلاة في الأوقات المكروهة صوم الأيام المكروهة، ثم قال الرد على من فعل هذا:
فهؤلاء وأمثالهم متقربون إلى الله بما لم يشرعه الله، بل نهى عنه. وإذا قيل لهؤلاء: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)، وأن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن صوم خمسة أيام في السنة: يوم الفطر، ويوم النحر، وثلاثة أيام التشريق.
*ثم ذكر صلاة الرغائب: قال: ومن هذا القسم أمور اشتهرت في معظم بلاد الإسلام، وعظم وقعها عند العوام، ووضعت فيها أحاديث كذب على رسول الله.
*وذكرحكم صوم رجب وبيان بدع ليلة النصف من شعبان وبدع يوم عاشوراء وما يفعله بعض أهل الأهواء في يوم عاشوراء من والحزن والتفجع، وإنما كانت هذه مصيبة وقعت في الزمن الأول بقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما.
يجب أن تتلقى بما تتلقى به المصائب، من الاسترجاع المشروع، والصبر الجميل، دون الجزع والتفجع وتعذيب النفوس، الذي أحدثه أهل البدع في هذا اليوم، وضموا إلى ذلك من الكذب والوقيعة في الصحابة البُرآء أموراً أخرى مما يكرهه الله ورسوله.
*ثم ذكر بدع الكلام والمشي من ترك العجلة المفرطة، وترك التكاسل والتثبيط والتماوت، وتكلف التخشع والتباكي وطأطأة الرأس ليرى بعين الزهد.
*ثم ذكر بدع التبتل والانصراف عن الدنيا وبدعة ترك الزواج، وذكر حكم الزواج والترغيب فيه وذكر أدلة علي فضل الزواج وعدة آثار عن السلف في ذلك.
*ورد علي من يقول: الذي يريد الولد أحمق، فلا نال الدنيا ولا الآخرة، إن أراد أن يأكل أو ينام أو يجامع نغص عليه، وإذا أراد أن يتعبد شغله أيضاً، إن ذلك غلط عظيم.
*ثم ذكر فصل في الاشتغال بنوافل العبادات وترك التعلم وقال: أن هذا خطأ يدخل على العبد منه آفات كثيرة مخالفة للشريعة، وقد قال تعالى لنبيه صلي الله عليه وسلم: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً).
*ثم ذكر جملة من الأحاديث وعدة آثار عن السلف في ذلك في فضل العالم على العابد.
*ثم ذكر فصل مهم جداً وهو: التمييز بين الحقيقة والشريعة فقال:
ومنهم من فرق بين الحقيقة والشريعة، وأعرضوا عن ظواهر الشرع، وهذا غلط؛ لأن الشريعة كلها حقائق.
*ثم ذكر عدة أقوال عن السلف تبين ذلك منها: قول أبي سعيد الخراز: كل باطن يخالف ظاهراً فهو باطل.
وقول أبي بكر الدقاق: كل حقيقة لا تتبعها الشريعة فهي كفر.
*ثم ذكر فصل في تعذيب النفس وترك المباحات وأنه من الشيطان
*ثم ذكر أن من البدع أيضاً التكبر والاستعلاء واحتقار الناس، لحفظ ناموسه ورئاسته؛ فتراه يجب أن يُزار ولا يزور،
فيترك عيادة المرضى، وشهود الجنائز، وهذا خلاف هدي كان رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد كان يمزح، ويلاعب الأطفال، ويتحدث مع أزواجه، وسابق مرة عائشة رضي الله عنها.
*ثم ذكر أن من البدع أيضاً الإعجاب بالعمل، ولبس المرقعات ادعاءً للزهد، ولباس الشهرة: وذكر الأدلة من السنة وأقوال السلف في النهي عن ذلك.
*ثم ذكر فصل وجوب اتباع العلماء فقال: فاعرف يا أخي مرتبة العلماء في الاتباع وحفظ الشريعة، فهم ورثة الأنبياء، فالعلماء أدلة الطريق، والخلق وراءهم.
واعلم أن المقصود من سماع العلم، هو العمل.
فعليك يا أخي بالاتباع لسلفك الصالح، واجتنب المبتدعات المنكرات، تكن عبداً صالحاً. واسأل ربك التوفيق، والسداد، وسلوك المنهاج الرابح؛ فإن من رزق ذلك كان متجره متجراً رابحاً رزقنا الله ذلك بمنه وكرمه؛ إنه أرحم الراحمين.
*ثم ذكر فصل في ألوان من البدع متفرقات منها:
بدع رفع الصوت في الصلاة على النبي فقال: وتكلفهم رفع الصوت في الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم ، وذلك جهل، فإن الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم إنما هو دعاء له، والأدعية جميعها السنة فيها الإسرار دون الجهر، وحيث يسن الجهر فهو لمصلحة كدعاء القنوت.
*قال ومن بدع الجنائز: قراءة القرآن معها بالألحان، وعدم التفكر فيما هم صائرون إليه، بل يتكلمون باللغو، وحديث الدنيا، الاجتماع في المآتم.
*قال ومن بدع التحية قولهم: كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ قبل السلام وإنما السنة السلام أولاً. وبدعة الانحناء
وهو أمر منهي عنه، وذكر أحاديث في فضل السلام.
*قال ومن البدع استطلاع الغيب واستعلام حوادث الأمور من المنجمين، وقد ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ".
*ذكر بدع دخول المنازل - والسؤال عما لا يغنيه - وإظهار الإشارة في المواجيد - والتلحين في القراءة والأذان - والصياح عند سماع القرآن - والموسيقى والغناء وما شابههما من اللهو - والحذف بالبندق - ومضغ العلك - والقمار والطاولة والشطرنج - وستر الحيطان بالحرير - وكشف العورات - والوسوسة في الوضوء - والوسوسة في نية الصلاة - والتساهل في المكاسب - وأتباع هوى النفس - ودخول الحمام بغير مئزر - وزخرفة المساجد - وشغل طرقات الناس - وحب المدح وطلب الحمد. وذكر أدلة من السنة وأقوال للسلف في النهي عن ذلك.
*ثم ختم الكتاب بفصل تعريف السلف للسنة ووصيتهم بلزومها:
*فذكر وصية سفيان الثوري. *وذكر وصية الإمام الشافعي.
وكلا الوصيتين تشتمل علي مهمات الشريعة من العقائد وما يجب الإيمان به والتذكير بالآخرة وكيفية السير إلي الله والتنبيه علي جملة من واجبات الشريعة، فكانت خاتمة حسنة زادت الكتاب حسناً.
نسأل الله لنا جميعاً حسن الخاتمة.
]]>قراءة في كتاب: كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع.
قرأه/ محمود الشرقاوي.
أصل هذا الكتاب: كان جوابًا على من أباح سَماع المَزامِير حيث ألَّف كتاب سماه "فرح الأسماع برخص السماع" وانتشر بسببه القول بحل المزامير فِي بلد الله وحرَمِه مكة فردِّ في هذا الكتاب الذي بين أيدينا وأثبت حرمة المزامير وقام بتحقيقه عبد الحميد الأزهري
المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي (المتوفى: 974هـ) قال عنه الزركلي فِي "الأعلام": فقيه باحث مصري، تلقَّى العلم فِي الأزهر، ومات بمكة، له تصانيف كثيرة وقال عنه صديق حسن خان: كان أعظم عُلَماء عصره، وفُقَهاء دهره، لم يكن له نظيرٌ فِي الفقاهة فِي زمانه.
أهمية الكتاب: بيان تسويلات الشيطان لبعض المتصوُّفة الذين أباحوا سَماع المَزامِير زاعِمين زيادةَ مَعارِفهم بذلك
عرض الكتاب:
*بدأ بالبسملة والحمد ثم ذكر سبب تأليف الكتاب وأن المعصية بَرِيدُ الكفر؛ لا سيما مَن استصغر المعاصي
*ثم ذكر مقدمة في ذم المعازِف والمزامِير بأدلة منها قول رسول صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لَيكونَنَّ في أمَّتي أقوامٌ يستَحِلُّون الخزَّ، والحرير، والخمر، والمعازف)) أخرجه البخاري
*ثم ذكر أثار وإن كان بعضها ضعيف وأقوال لأهل العلم في حرمة الدفِّ والصنج والزَّمَّارة والطبل والطُّنْبُور والعُود
الباب الأول: في أقسام الغناء المحرَّم وغيره
القسم الأول: فِي سماع مجرد الغناء من غير آلة (أي من غير آلات موسيقية):
نقل عدة أقوال لبعض العلماء في تقسيم هذا النوع من السماع لأقسام ملخصه: أنَّ كلَّ شِعر فيه أمر بطاعة، أو كان حكمةً أو كان فِي مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك من خِصال البر؛ أو اجتناب معصية فيكون إنشائه وإنشاده وسماعِه سنَّة؛ كما صرَّح به غيرُ واحد من أئمَّتنا، لأن وسيلةُ الطاعة طاعةٌ؛ ما لم يخشَ منه فتنة كأنْ سمعه من امرأةٍ أجنبيَّة، ولم يقترنْ به منكرٌ من عشقٍ محرَّم أو رقص أما ما يدعوا لهوًى مُباح كعشق زوجته فمباح كوصف الخدود، والأصداغ، وحُسن والقامة، وسائر أوصاف النساء فإن نزَّله على زوجته جاز، وإنْ نزَّلَه على الأجنبيَّة فهو العاصي بالتنزيل، وهذا وصفه فينبغي أنْ يتجنَّب السماع.
*ثم ذكر حكم إنشاد الشعر في المسجد: قال النووي لا بأسَ إذا كان فيه خيرٌ، أما إنْ كان فيه مذموم كهجو محرَّم أو صفة خمر أو ذكر نساء أو مدح ظالم أو افتخار منهي عنه فحرام،
*ثم ذكر عدة تنبيهات منها: يحرم سَماع الغناء من حرَّةٍ أو أمة أجنبيَّة بِناءً على قولٍ عندنا أنَّ صوت المرأة عورة، سواء أخاف فتنة بها أم لا وإن قلنا إنَّ صوتها غير عورة فهو محرَّم لما فيه من تهييج الشهوة وخوف الفتنة لا سيَّما إذا لحنته
وأما ما اعتاد الناس استعماله عند عمَلٍ شاق وحملِ ثقيلٍ، وسفر ترويحًا للنُّفوس وتنشيطًا لها؛ كحداء الأعراب بإبلهم، وغناء النساء لتسكين صِغارهن، ولعب الجواري بلعبهن، فهذا إذا سلم المغنِّي به من فحش وذِكر محرَّم كوصف الخمور لا شكَّ فِي جَوازه،
*ثم ذكر ردود العلماء على ابن طاهر الذي قال: (إنَّ جواز الغناء مُجمَعٌ عليه بين الصحابة والتابعين لا خلاف بينهم، وهم أهل الحلِّ والعقد، فليس لِمَن بعدهم إحداث قولٍ يخالفهم، ثم قال: وعليه إجماع أهل المدينة)
الرد عليه: قال العلماء في: لا يفهم الجاهل من كلام ابن طاهر إلا هذا الغناء الذي تَعاطاه المغنُّون المخنَّثون ونحوهم وهذا فهم باطل فإن ما ثبت عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي مسعود الأنصاري، فإنهم كانوا يترنَّمون بالأشعار فِي السفر وسفر ترويحًا للنُّفوس
ونقل أثار عن الصحابة والتابعين بحرمة الغناء
* ثم ذكر خاتمة لما سبق منها: مَن غنَّى لنفسه أو غيره إنْ أخَذ عليه أجرًا واشتهر به بحيث يُسمَّى مغنِّيًا فهو سفيهٌ مردود الشهادة،
القسم الثاني: في سماع الغناء المقترن برقص أو نحو دف أو مزمار أو وتر:
والمقصود هنا أنَّ الغناء إذا أُبِيح أو كره إن انضمَّ إليه محرَّمٌ يصير بانضِمام المحرَّم إليه محرمًا، وإذا كان حرام يشتدُّ إثمه بانضِمام المحرَّم الآخَر إليه،
* ثم ذكر تَنْبِيه أن الرقص إن كان بدون تثنٍّ أو تكسُّر يُباح أو يكره قال القاضي حسين والغزالي فِي "إحيائه" أنَّ محلَّ الخلاف فيمَن فعَلَه باختياره بخلاف مَن كان من أهل الأحوال، فحصل له وجدٌ اضطرَّه إليه، فإنَّ هذا لا حُرمة ولا كَراهة عليه اتِّفاقًا.
الرد عليه قال: هذا الكلام حجَّة للصوفية على جواز الرقص فِي المساجد مع ضم الغناء إليه وكذلك لعب الحبشة بالحراب في المسجد
* ثم ذكر رد العزِّ بن عبد السلام على ذلك في كتابه القواعد "أمَّا الرقص والتصفيق فخفَّة ورُعونة مشابهة لرُعونة الإناث لا يفعلهما إلا أرعن أو مُتصنِّع جاهل، وأنَّ الشريعة لم تردْ بهما لا فِي كتابٍ ولا سنَّة ولا فعَل ذلك أحدٌ من الأنبياء وإنما يفعله الجهلة السُّفَهاء الذين التبسَتْ عليهم الحقائق بالأهواء، وقد حرَّم بعض العلماء التصفيق على الرجال؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم (إنَّما التَّصْفِيقُ للنِّساءِ) ا. هـ كلامه.
قال: وأما لعب الحبشة بالحراب في المسجد لم يكن من الحبشة رقصًا على غِناء ولا ضربًا بالأقدام، بل كان لعبًا بالسلاح، ولا عورة تظهَر ونقَل القرطبي "وأمَّا الرقص والتواجُد فأوَّل مَن أحدَثَه أصحاب السامري لما اتَّخذ لهم عجلاً جسدًا له خوار، فأتوا يرقصون حوله ويتواجَدون..... ولا يحلُّ لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أنْ يحضر معهم (أي مع الصوفية) ولا يُعِينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، وغيرهم من أئمَّة المسلمين" ا. هـ كلام هذا الإمام
* ثم ذكر قول صاحب كتاب "فرح الأسماع برخص السماع" (بأن الشَّبَّابَة تُحرِّك الدمع وتُرقِّق القلب، ولم يزل أهل المَعارِف والصَّلاح والعلم يحضرون السماع بالشَّبَّابَة، وتجري على أيديهم الكَرامات الظاهرة وتحصل لهم الأحوال السُنيَّة)
فذكر بَيان خطئه فِي ذلك وزلَلِه ونقل أقوال أهل العلم في تحريم ذلك
وذكر أحوال بعض الصوفية الذِين يُصرَعون إِذا قُرِئ عليهِم القُرآن ونقل أقوال أهل العلم بأن هذا ضَرْبٌ من الجنون والهذيان،
وذكر تتمَّة: فيها ردعٌ لِمَن يمدح الغناء، ويُثنِي على سماعه من المتصوُّفة، ويحض العامَّة والخاصَّة على سَماعه، ليس ذلك إلاَّ لاستِحكام هَواه وغلبة شَهواته فإنَّ مَن آثَر سَماع الغناء على القُرآن والذكر كما هو دأب أكثَر متصوِّفة الوقت فقد استحكم عليه شيطانه حتى أنزَلَه بساحة الممقوتين، بل أخرَجَه إلى حيِّز العُصاة المبعدين؛
القسم الثالث: فِي قراءة القرآن بالألحان:
ونقل أقوال لأهل العلم مجملها أن القراءة بالألحان مُستَحبَّة ما لم يزدْ حرفًا عن حركته أو يسقطه أو يُفرِط فِي المدِّ، وفي إشباع الحركات حتى يتولَّد من الفتحة ألفٌ، ومن الضمَّة واو، ومن الكسرة ياء، أو يدغم فِي غير مَوضِعِ الإدغام، فإنْ لم يصل إلى هذا الحدِّ فلا كَراهة
قال تَنْبِيه علق فيه على من قال: إنَّ القرآن يَحدُث سماعه طرَب فقال إنَّ كلام الله ليس كالأناشيد ولا جامع بينهما حتى يَحدُث سماعه طرَب، وإنما يحصل من سماع القرآن الخشوع والهيبة والتعظيم،
وعلق على الأذرعي الذي أباح الغناء وقراءة بالألحان على إطلاقه: فرد بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم "من أشرَاطِ السَّاعَة أنْ يَتَّخِذ القُرآنَ مزاميرَ يُقدِّمونَ أحدهم ليسَ بأقَرئِهم ولا أفضلهم إلا ليغنِّيَهُم به غناءً"
وقال تَنْبِيه: ممَّا يدلُّ على ندْب تحسين الصوت بقِراءة القُرآن بشرط السلامة عن أدنى تغييرٍ فيه بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم "ما أذِن الله لشيء كأذْنه لعبدٍ يترنَّم بالقُرآن" ولكن للأسف ابن حجر الهيتمي وقع في التأويل حيث قال: "ما أذِن" أي ما رضي بشيء كرضاه بذلك.
القسم الرابع: فِي الدُّف: قال المعتمَد من مذهبنا أنَّه حلالٌ بلا كراهة فِي عرس وختان، وتركُه أفضل وقال جمعٌ من أصحابنا: إنه فيهما مستحب حرام فِي غيرهما، لقوله صلَّى الله عليه "فصْل ما بين الحلال والحرام الضَّرب بالدُّفِّ"
وذكر تَنْبِيهات منها: قال إذا أبَحْنا الدُّفَّ فإنما نُبِيحه للنساء خاصَّة أما إذا اقترن به جلاجل أو نحوها كالصنوج ممَّا يقتضي تحريمه حَرُم ورد على من أباحه للرجال كالسبكي
القسم الخامس: في الكُوبَة وسائر الطبول:
قال: ولا يحرم ضَرْبُ الطبول إلاَّ الكُوبَة؛ وهي: طبل طويل متَّسِع الطرفين ضيِّق الوسط، وهو الذي يعتاد ضربه المخنَّثون ويولعون به وفي الحديث" إنَّ الله يَغفِر لكلِّ مذنبٍ إلا صاحب عَرطَبة أو كُوبة" والعَرطَبة العود، وقد نقل الإجماع على تحريم الكوبة القرطبيُّ، ورد بذلك على الأذرعي الذي خالفٌ الإجماع واستَحسَن الكوبة،
ونقل عن بعض أهل العلم من استَثنَى من الطبول طبل الحرب والعيد،
القسم السادس: فِي الضرب بالصفاقتين:
قال وهما دائرتان من صفرٍ تضرب أحدهما على الأخرى وتُسمَّيان بالصَّنْج أيضًا وهما حرامٌ؛ لأنهما من عادة المخنَّثين كالكُوبَة
القسم السابع: في الضرب بالقضيب على الوسائد: قال اختلف أصحابنا فيه على وجهين:
أحدهما: أنَّه مكروهٌ، لأنَّه لا يفرد عن الغِناء ولا يطرب وحدَه، وإنما يزيدُ الغناء طربًا بخِلاف
وثانيهما: أنَّه حرامٌ، وسُئِلَ الشَّافِعِيُّ عن هذا فقال: أوَّل مَن أحدَثَه الزنادقة فِي العراق حتى يلهوا الناس عن الصلاة وعَن الذكر
القسم الثامن: فِي التصفيق ببطن أحد الكفين على الآخر: قال: حُكمُه حكمُ الضرب بالقضيب على الوسائد؛ أي: فيَجرِي فيه هذا الخلاف المذكور؛ فيكون مكروهًا أو حرامًا وبالَغ ابن عبد السلام فِي ذمِّه بقوله: أمَّا الرَّقْصُ والتصفيق فخفَّة ورُعونة مُشابهة لرُعونة الإناث، لا يفعلها إلا أرعن أو متصنِّع جاهل ولم يفعَل ذلك أحدٌ من الأنبياء ولا من أتْباع الأنبياء، وإنما يفعَلُه الجهَّال السُّفهاء وقد حرَّم بعضُ العلماء التصفيقَ على الرجال بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم "إنَّما التَّصفيقُ للنِّساء"
القسم التاسع: الضرب بالأقلام على الصيني أو بإحدى قطعتين منه على الأخرى: قال:
هذا النَّوع قد اشتَهَر بين أهل الفُسوق والشَّرَبة للخُمور فلذلك أفتيتُ غيرَ مرَّة بِحُرمة ذلك، وأنَّه مُلحَقٌ بذوات الأوتار فِي حُرمتها الأكيدة وعُقوبتها الشديدة؛ لما قدَّمته من أنَّ لذَّة هذا وإطرابَه فاقَ لذَّة تلك وإطرابها، فسُئِلَ عنه مشايخنا كشيخ الإسلام النووي ومعاصروهم "أنَّ شخصًا كان بزمننا فِي مصر، وكان يملأ إناءً من صيني ماء، ويمرُّ أصبعه على حافَّة الإناء، فبعضهم جزَم بِحُرمته لأنَّ فيه طربًا"
القسم العاشر: في الشَّبَّابة والزَّمارَة وهي اليَراع:
قال: اليَرَاع والشَّبَّابَة هي الزَّمارَة وفي تحريمها خلاف
وصحَّح البَغَوي التحريم، وصنَّف الإمام أبو القاسم الدولقي كتابًا فِي تحريم اليَرَاع مشتملاً على نفائس، وأطنَبَ فِي دَلائل تحريمه، وقال الدولقي: والعجب كلُّ العجب ممَّن هو من أهل العلم يَزعُم أنَّ الشَّبَّابَة حلالٌ، وينسبه إلى مذهب الشَّافِعِي، ومَعاذ الله أنْ يكون ذلك مذهبًا له أو لأحدٍ من أصحابه الذين عليهم التعويل وقد عُلِمَ من غير شكٍّ أنَّ الشَّافِعِي حرَّم سائر أنواع الزمر، والشَّبَّابة من جملة الزمر، وأحد أنواعه، بل هي أحقُّ بالتحريم من غيرها؛ لما فيها من التأثير فوق ما فِي الناي
قال: وأما كلام الأسنوي من تَساوِي القائلين لكلٍّ من الحل والحرمة فيه نظر؛ بل أكثر أصحاب الشَّافِعِي على الحرمة، ورد ما نقله الأسنوي أن الغزالي ذهب إلى الحلِّ
وذكر حديث "أنَّ ابن عمر سمع مِزمارًا فوضَع أصبعَيْه في أذنَيْه" وما حوله من الأقوال والأجوبة عنها
ورد على قول السبكي الذي قال بالتحريم إلا على أهل الذوق لِمَن غلَبَه حال حتى صار لا شُعورَ له فهذا لا تكليفَ عليه الآن حتى يعترض عليه
القسم الحادي عشر: الموصول: وهو ما يُضرَب به مع الأوتار ونقل عن الرافعي أنه حَرامٌ بلا خلافٍ
القسم الثاني عشر: المِزْمَار العِرَاقِي وما يُضرَب به مع الأَوْتَار: نقل عن الرافعي والنووي: أنه حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ وقيل: وأوَّل مَن اتَّخذ المزَامِير بنو إسرائيل.
القسم الثالث عشر: الأوتار والمعازف: قال كالطُّنْبُور والعُود والرباب والكمنجة وغير ذلك من الآلات المشهورة عند أهل اللهو والسَّفاهة والفُسوق، وهذه كلُّها محرَّمة بلا خِلاف، ومَن حكى فيه خلافًا فقد غلط أو غلب عليه هَواه، حتى أصمَّه وأعماه، ومنعه هداه، وزلَّ به عن سنن تَقواه. وممَّن حكَى الإجماع على تحريم ذلك كلِّه الإمام أبو العباس القرطبي
ورد على ابن حزم الذي أباح الأوتار والمعازف وعلى ابن طاهر الذي قال: إن أهل المدينة بالإجماع أباحوها لأنها تشفي من بعض الأمراض فقال: وأمَّا ما حَكاه ابن طاهر من إجماع أهل المدينة فهو من كَذِبه وخُرافاته ومن كَذِبه دَعواه إجماع الصحابة والتابعين على إباحة الغناء وكذَّبه أيضاً في نقله عن إبراهيم بن سعد أن أباه اجتمع مع أناس ومعهم دُفوف ومَعازف وعيدان يغنون ويلعبون ومع الإمام مالك دفٌّ مربع وهو يغنيهم وكذَّبه أيضاً في نقله عن العز الدين بن عبد السلام أنَّ الأوتار والمعازف مباحة.
ونقل أدلة على تحريم الأوتار والمعازف منها قوله صلَّى الله عليه وسلَّم "ليَكوننَّ فِي أمَّتي أقوام يستَحلُّون الخَزَّ والحرير والخَمْر والمعازِف" وزعَم ابن حزمٍ أنَّه لم يَصِحَّ فِي تحريم العُود حديث
القسم الرابع عشر: في بيان أنَّ ما مرَّ صغيرة أو كبيرة:
قال: قد بسَطتُ ذلك فِي كتابي "الزَّواجر عن اقترافِ الكبائر"، إنَّه كبيرة، ومَن استَمَع إلى شيءٍ من هذه المحرَّمات فُسِّق ورُدَّتْ شهادته، ونقل عن بعض العلماء أن فيه التعزير
وذكر قول ابن طاهر الذي أباح الغناء والموسيقي القائل بعدم التعزير في ذلك وأنَّ الله لا يُعذِّب على فعلٍ اختَلَف العلماء فيه،
ورد عليه قائلاً: وليس مجرَّد الاختِلاف مُسوِّغًا للفعل، ومذاهب المجتهِدين الشاذَّة التي كاد الإجماع أنْ ينعقد على خِلافها، فهذه كلُّها لا يجوز تقليدها، ومَن قلَّدهم فهو آثِمٌ فاسق يحدُّ ويُعزَّر إجماعًا
الباب الثاني: فِي أقسام اللهو المحرم وغيره:
قال اعلمْ أنَّ أصل هذا الباب قوله صلَّى الله عليه وسلَّم "كُلُّ شيء يَلهُو بهِ ابن آدم باطِلٌ إلا رَميَه بقَوْسِه، وتأدِيبَهُ فرَسَه، مُلاعَبَته امرأته" وكلَّ واحدةٍ منها إذا تأمَّلتها وجدتها مُعِينة على حقٍّ أو ذريعة إليه، وسائر ضُروب اللهو ممَّا لا يُستعان به في حقٍّ فمحظورٌ كله أي أنَّ كلَّ ما يَتلهَّى به الإنسان ممَّا لا يفيد فِي العاجل والآجل فائدة دينيَّة فهو باطل
القسم الأول: اللعب بالنرد وهي(الطاولة): قال وهو حَرامٌ كما نصَّ عليه الشَّافِعِي ونقلُ القُرطبي اتِّفاقَ العلماء على تحريم اللعب به، ونقَل الموفَّق الحنبلي الإجماعَ على تحريم اللعب به.
ثم ذكر أدلة تحريمه منها قوله صلَّى الله عليه وسلَّم "مَن لعب بالنرد شير فكأنَّما غمَس يدَهُ في لحمِ خِنزير ودَمِه" وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم "مَن لعِب بالنَّرْدِ فقد عصَى الله ورسُولَه"
وذكر أنَّه فسقٌ تردُّ به الشهادة وذكر أصل هذه اللعبة
وذكر جملة من الآثار في ترَوِّيح القُلُوب بالمباح وما يعين على الطاعة
القسم الثاني: اللعب بالشِّطرَنج: قال هو حَرامٌ عند أكثر العلماء، وإنَّ لعبَه مع مَن يعتقدُ تحريمه أو اقترن به قمارٌ أو إخراجُ صلاة عن وقتها أو سب أو نحو ذلك من الفَواحش التي تغلب على أهله يحرم لعبها، وإلا كره كراهةَ تنزيهٍ.
ثم ذكر جملة من الأحاديث والآثار علي تحريمه ولكنها ضعيفة لذلك اختلف العلماء فيه على ثلاث أقوال: التحريم والكراهة والإباحة
وقال: تَنْبِيه علم ممَّا مرَّ أنَّ محلَّ القول بالإباحة أو الكراهة ما لم تكنْ قطع الشِّطرَنج ونحوها مُصوَّرة كلها أو بعضها ولو كان واحدًا بصُورة حَيوان، وإلا حرم اللعب به لأنَّ فيه تعظيمًا له،
ثم ذكر متي ترد شهادة من لعب بالشِّطرَنج وقال: إذا قامر لم يلزم المال المشروط فإنْ أخذه ولم يردَّه فسق ورُدَّتْ شهادته؛
القسم الثالث: اللعب بالحزة والقِرق:
قال هي قطعة خشب تحفر فيها حفر ثلاثة أسطر، ويجعل فيها حصى صِغار يُلعَب بها ويسمى شطرنج المغاربة واختَلَف أئمَّتنا فيه على رأيين:
الأول: أنَّ اللعب بهما لهوٌ كالنرد الثاني: كالشِّطرَنج، ورجح أن ما يعتمد فيه على إخراج الكعبين فهو كالنرد، وما يعتمد فيه على الفكر فهو كالشِّطرَنج. أما أبو حنيفة فقال: بالتحريم
القسم الرابع: اللعب بما تسميه العامة الطاب والدك:
قال هو حَرام لأن معتمده ليس إلا على الحزر والتخمين
القسم الخامس والسادس: اللعب بالكنجفة وبالخاتم: قال بجَوازه لم يكنْ فيه حزر ولا تخمين
القسم السابع: اللعب بالجوز: قال بجَوازه وهذا حيث لا قمار، وإلا فهو حرام إجماعًا
القسم الثامن: اللعب بالحمام: قال اتِّخاذ الحمام للبيض والفرخ أو الأنس أو حمل الكتب جائزٌ بلا كَراهة، وأمَّا اللعب به بالتطيير والمسابقة فيه أقوال:
الأول: جائزٌ لأنَّ فيه تعليمها وترسيخها لإنهاء الأخبار.
الثاني: أنَّه مكروهٌ
الثالث: حرام قال الموفَّق الحنبلي: اللاعب بالحمام بتطييرها لا شَهادة له؛ لأنَّه سفهٌ ودَناءة وقلَّة مُروءة، ويتضمَّن أذَى الجيران بتطييره وإشْرافه على دُورِهم ورميه إيَّاها بالحجارة، وقد رأَى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجلاً يتبعُ حَمامةً، فقال: "شَيْطانٌ يَتْبَعُ شَيْطانة"
القسم التاسع: اللعب بغير الحمام:
فيه ما مرَّ فِي اللعب بالحمام وإن كان فيه إضرار بحيوان فهو حرامًا تحريمًا غليظًا كنطاح الكباش والثيران ومهارشة الديوك وغير ذلك ممَّا فِي معناه، كلُّ ذلك حَرامٌ
القسم العاشر: اللعب بأمورٍ أخرى في معنى ما مرَّ:
قال الضابط الذي عليه المعوَّل فِي ذلك وهو: أنَّ ما كان المعتمَد فيه الحزر والتخمين حَرامٌ، وما كان المعتمَد فيه الفكر والحساب حَلال.
القسم الحادي عشر: اللعب بالمسابقة بالجري ونحوه وبالمصارعة ونحوها:
هو جائزٌ حيث لا مالَ من الجانبين ولا قِمار، والأصل فِي ذلك أَنَّ رسُولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تسابَقَ هو وعائشة رضي الله عنها؛ وأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم صارَع ركانة على شاة.
]]>الهدايا للموظفين أحكامها وكيفيّة التّصرّف فيها.
قرأه/ محمود الشرقاوي.
أصل هذا الكتاب
بحث منشور في مجلة البحوث الأمنية بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض في المجلد 13 العدد 19 ذو الحجة 1425 هـ
ومن البحوث التي حصل بها المؤلف على درجة أستاذ مشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
المؤلف:
عبد الرحيم بن إبراهيم بن عبد الرحمن السيد الهاشم، أستاذ مشارك بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء.
عرض الكتاب:
*بدأ البحث بذكر حديثين شريفين في حرمة هدايا العمال منها قوله صلى الله عليه وسلم: «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» وذكر أقوال لبعض الفقهاء في حرمة هدايا العمال وذكر ما أُلِّف في هذا الباب منها «فصل المقال في هدايا العمال» للسُّبكي.
الفصل الأول: الهدية، والرشوة، والفرق بينهما وذكر فيه:
* الفرع الأول: التعريف بالهدية وهي لغة: تمليك المرء ماله لغيره بلا عوض؛ تلطفًا.
اصطلاحاً: «تمليك ممن له التبرع في حياته لغيره، عينًا من ماله؛ إكرامًا بلا شرط ولا عوض» وبيَّن معني التعريف
*ثم ذكر حكم بذل الهدية وقبولها والمكافأة عليها: فالهدية مستحبة؛ فقد أمر بها الشارع الحكيم وحث عليها قال صلى الله عليه وسلم قال: «تهادوا تحابوا» وهي سيلة للتآلف والمحبة بين المسلمين وسبب فوزهم بالجنة ويستحب قبولها؛ ويكره ردها لما فيها من إدخال السرور على باذلها ويكره قبول الهدية إذا ترتب عليها ما يناقض القصد الذي شرعت له؛ لأن المقاصد في العقود معتبرة.
ويجب ردها إن علم أنها بذلت بغير طيب نفس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه» أو كانت مما لا يحل للمهدي أخذه ويباح ردها إن كان باذلها منانًا؛ دفعًا للمنة، ويستحب المكافأة على الهدية فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية، ويثيب عليها»
الفرع الثاني: الرشوة وهي: ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره؛ ليحكم له، أو يحمله على ما يريد.
أضرار الرشوة: محرمة، وتوعد الله عليها باللعن، وفيها أضرار عظيمة، ومفاسد وخيمة على الفرد والمجتمع؛ فتؤدي الي القطيعة والخيانة والغش وتفسد الخلق، روي عن كعب الأحبار: «الرشوة تسفه الحليم، وتعمي عين الحكيم» وتضيع الحقوق، وتنصر الظالم على المظلوم وخيانة للأمانة وتقديم من يستحق التأخير، وتأخير من يستحق التقديم، فيكون كل من الموظف والباذل له هدية قد عملا لمنفعتهما لا للمصلحة العامة فيضران غيرهما، ويحدثان في المجتمع الأنانية التي هي من أوائل أسباب الفساد فيه.
* ثم ذكر حكم بذل الرشوة وقبولها: فالرشوة محرم بذلها وقبولها؛ بدليل القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والإجماع.
فمن القرآن الكريم: قول الله جل وعز: وَلَا تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال البغوي: «أي لا تعطوها الحكام على سبيل الرشوة؛ ليغيروا الحكم لكم»
ومن السنة: عن ثوبان رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي، والمرتشي، والرائش» شمل هذا اللعن جميع المتعاونين على الرشوة، وهم: الراشي: معطي الرشوة. والمرتشي: آخذها. والرائش: الذي يأخذ الرشوة من الراشي ويعطيها للمرتشي
الفرع الثالث: الفرق بين الهدية والرشوة:
الأول: الهدية: مأمور بها ومن الكسب الطيب والرشوة: منهى عنها ومن الكسب الخبيث.
الثاني: الهدية: لا شرط في بذلها. والرشوة: مشروطة بعوض غير شرعي، لفظًا أو معناً
الثالث: الهدية: تبذل في حق كتودد لقريب أو صديق أو لمن أسدى لك معروفًا ليس واجبًا عليه بوظيفة لدولة أو فرد. والرشوة: تبذل للتقرب والاستعطاف في الباطل
الرابع: الهدية: ظاهرة معلنة، ومبنية على الجود والكرم والسماحة وطيب نفس، ويمدح باذلها وآخذها، فيبارك فيها. والرشوة مخفاة، ومبنية على المشاحّة والمنَّة، وغالبًا على عدم طيب نفس، ويعاب باذلها وآخذها، فتمحق بركتها.
الخامس: الرشوة اشتراطها يسبق العمل، والهدية تكون بعده.
الفصل الثاني: الهدية إلى الموظف، وإلى جهة عمله
الفرع الأول: التعريف بالموظف: وهو «من يختص عمله بغيره من دولة أو شركة أو مؤسسة أو فرد، في محل تجاري أو مزرعة أو مصنع أو ورشة ونحوها»
والحديث في هذا الفصل عن الهدية للموظف لا لصاحب العمل الحر؛ فإن الهدية إليه داخلة في عموم الهدية المباحة، إلا أن يقصد بها الإساءة إلى غيره بالتأخير ونحوه فتكون من الإعانة على الإثم والعدوان. والله تعالى أعلم.
الفرع الثاني: حكم الهدية إلى الموظف: الموظف إذا قام بواجب عمله، استحق الشكر بالكلام على جهده، والشريعة تأمر بذلك أما الهدية سواءً نقوداً أو أي شيء أخر لأجل وظيفته فحكمها كالآتي:
القسم الأول: الهدايا المحرم بذلها للموظف ويحرم قبوله لها:
إن كانت لقصد استمالة قلب الموظف في غير الحق حالاً أو مستقبلاً؛ فهذه في ظاهرها هدية، لكنها في باطنها رشوة ألبست ثوب الهدية، فيحرم على المُهدي وهي حرام في حق جميع الموظفين لكنها في حق الحاكم والقاضي أعظم جرمًا من غيرهما
فإن كان للشخص حق مرتبط إنجازه بموظف، ولا يستطيع الوصول إليه إلا بدفع مال لهذا الموظف، فصبره وعدم دفعه أولى. فإن أبى الموظف إلا الدفع، فإنه يحرم على الموظف مماطلة صاحب الحق، وقبوله ما يدفعه إليه تجاهه؛ لأنه مرتشٍ.
أما البذل له من صاحب الحق، فللفقهاء في جوازه قولان:
الأول: يجوز البذل؛ لأن الباذل يدفع به الظلم عن نفسه، وهو جائز؛ لاستنقاذه حقه بذلك كما يستنقذ الرجل أسيره، وإليه ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة
والثاني: يحرم البذل؛ لعموم حديث: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي
تنبيه: ومن هذه الهدايا المحرمة بذلاً وقبولاً؛ ما يقدمه أصحاب المحلات التجارية والمستشفيات ونحوها لموظفيها؛ مقابل قيامهم بتغيير صلاحية المنتج، أو أسماء الشركات، أو طلب تحاليل من المرضى، أو ترويج أدوية.
القسم الثاني: الهدايا المنهي الموظف عن قبولها، وقد يباح بذلها له: ذكر لها خمس أنواع:
الهدية الأولى: الهدية للموظف ممن له حاجة مباحة تتعلق بوظيفته، وبَذَلَها له قبل إنهاء حاجته، فهذه محرمة بالاتفاق وذكر أدلة على ذلك وأقوال لأهل العلم
الهدية الثانية: الهدية للموظف ممن لا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته، وكان معتادًا أن يهدي له قبل توليته لها؛ لكن زادت هديته بعد الوظيفة فوق ما اعتاده قبلها، ومال المهدي لم يزدد، فهذه فيها خلاف في تحريمها وذكر وأقوال أهل العلم في ذلك ورجح تحريم الزيادة المتميزة فقط، وتحريم الكل إن لم تتميز الزيادة.
الهدية الثالثة: الهدية للموظف ممن له حاجة عنده تتعلق بوظيفته، وكان يهدي له قبل توليته الوظيفة، وهديته لم تتغير بزيادة بعد توليته. وهذه فيها خلاف فقال الترجيح: لم يظهر لي ترجيح أحد القولين؛ لتكافؤ دليلهما.
الهدية الرابعة: الهدية للموظف ولم يكن يهدي له قبل توليته الوظيفة، ولا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته. وهذه فيها خلاف في تحريمها قال والراجح القول بالتحريم
الهدية الخامسة: الهدية للموظف ممن لم يكن يهدي له قبل توليته الوظيفة، وبذلها للموظف بعد إنهائه حاجته المتعلقة بوظيفته. وهذه فيها خلاف في تحريمها قال والراجح القول بالتحريم ولما فيه من سد ذريعة الاكتساب بالوظيفة
والموظف يعمل في جهة عمله مقابل عوض ولا يحل له الإخلال بحجة قلة راتبه، أو كثرة عمله؛ فإنه داخل باتفاق عليهما مع جهة العمل ولا يحل له أخذ عمولة فليطلب الإقالة عن عمله؛ فإنها خير له من أخذه ذلك؛
القسم الثالث: الهدايا المباح بذلها للموظف، وقبوله لها: وهذه الهدايا، ست عشرة هدية:
منها الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقبل الهدية صلى الله عليه وسلم وأما الهدية للسلطان ممن لا يريد منه وظيفة في الدولة وهدية أهل الحرب للسلطان وهدية الأعداء المحاربين لأمير جيش محاربيهم أو لأحد عسكره. فمنها المقبول لنفسه أو توضع في بيت مال المسلمين ومنها الهدية للموظف ممن لا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته، ومنها الهدية للموظف ممن لا يُقبل له حكمه لو كان قاضيًا كولده وأخيه ومنها الهدية المأذون بها للموظف من ولي الأمر ومنها الهدية للموظف من الأعلى منه في وظيفته ومنها الهدية للموظف بعد تركه الوظيفة والهدية على وجه إكرام العلم والصلاح، المقدمة للمفتي والواعظ وإمام المسجد ومنها ضيافة الموظف المسافر في غير بلده ومنها الهدية للموظف من غير أهل بلد الوظيفة ومنها الهدية للموظف في غير بلد الوظيفة ومنها الهدية للموظف من زميله في عمله الذي تعرف عليه فيه فهذه كلها يباح قبولها
الفرع الثالث: حكم الهدية إلى جهة عمل الموظف قسمها قسمان:
القسم الأول: جهة عمل ليست لها ارتباط بعمل الدولة كالمؤسسات والمحلات التجارية. فهذه يجوز بذلها، ويجوز للمسئول عن هذه الجهات قبولها. بشرط ألا يقصد بها المهدي للإضرار بغيره.
القسم الثاني: جهة عمل للدولة، أو لها ارتباط بعمل متعلق بالدولة وتشمل الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة المرتبطة بالحقوق العامة كمكاتب التقارير الطبية في المستشفيات الخاصة، ومكاتب المحاماة والمحاسبين القانونيين، أو المؤسسات المرتبطة بمشاريع مالية للدولة كشركات ومؤسسات المقاولة، والمحلات التجارية التي تتعامل مع الدولة.
والهدية لهذه الجهات: لا تجوز لكن موظفو الجهة لا ينجزو العمل إلا ببذله هدية لدائرتهم لا لأنفسهم. فهذه الهدية: يجوز للمهدي بذلها، ويحرم على موظفي الجهة قبولها. لكن لو أراد أن يقدموه على غيره كما في مشاريع المقاولات، أو غير ذلك من المقاصد غير المشروعة. فهذه تعتبر رشوة، يحرم على المهدي بذلها، ويحرم على موظفي الدائرة قبولها
أما إن قصد بهديته هذه إكرام الجهة ومجازاتها على ما قامت به تجاه مهمته. فهذه الهدية: أرجو ألا يكون بأس في بذلها وقبولها؛ لأن المصلحة عائدة للمجتمع كله لأن يهدي للمؤسسة لا للموظف،
الفصل الثالث: التصرف في الهدايا للموظفين: فذكر لهذه المسألة ثلاثة فروع:
فمن الأخلاق السامية للموظف أنه لا يقبل أي هدية تبذل إليه لأجل وظيفته،
الفرع الأول: تصرف الموظف في الهدايا المباح بذلها له، وقبوله لها فله أن يمتلكها حلالاً طيبًا، ويسن له مكافأة المهدي إن استطاع؛ وإن خشي منته ونحوها، رد الهدية، وإلا وضعها في بيت المال.
الفرع الثاني: تصرف الموظف في الهدايا المحرم بذلها له، وقبوله لها هذه الهدايا لها حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون الموظف لم يستلم هذه الهدية فحينئذ يجب عليه أمران:
الأول: عدم قبوله هذه الهدية.
الثاني: نهيه إن استطاع باذل الهدية عن هذا المنكر، لأن إنكار المنكر واجب
الحالة الثانية: أن يكون الموظف أخذ هذه الهدية. فحينئذ اختلف الفقهاء في كيفية تصرفه فيها، على قولين:
الأول: يحفظها؛ ليردها إلى المهدي، فإن تعذر ردها؛ فيضعها في بيت المال
الثاني: لا يردها على باذلها، وإنما يجعلها في بيت مال المسلمين وذكر أدلة كل قول والراجح القول الثاني، توضع الهدايا في بيت المال.
الفرع الثالث: التصرف في الهدايا المباح بذلها للموظف والمنهي هو عن قبولها لأن باذلها مضطر؛ فلها حالتان:
الأولى: أن يقصد بالهدية إكرام الموظف فأعطاه هدية فهي قسمان:
القسم الأول: بعد قضائه حاجة المهدي. فعلي الموظف رد الهدية؛ أو قبولها ويجب عليه مكافأة
القسم الثاني: هدية مبذولة ممن لا حاجة له في جهة عمل الموظف، أو إلى موظف لا علاقة له بحاجة المهدي في جهة عمله.
فإن كان الموظف سلطانًا، وكانت الهدية ممن لا يريد وظيفة في الدولة، ولا مجازاة فللسلطان قبولها والمكافأة عليها أو
يقبلها لبيت المال أو يردها على المهدي
وإن كان الموظف غير سلطان، فإن كافأ مهديها بمثلها، حلت له وإلا ردها لبيت المال من سد باب رغبة الموظفين في الهدايا
الثانية: أن يقصد بهذه الهدية استعطاف الموظف في قيامه بعمل مباح للمهدي أو دفع ظلم عنه، وهي غالبًا تكون قبل إنهاء الغرض. فهذه الهدية يحرم على الموظف قبولها
الخاتمة:
ثم ذكر خاتمة للبحث فيها أربع نتائج وأربع توصيات.
]]>قراءة في كتاب: "المقدمات العشر في قراءة التاريخ وكتابته"
المؤلف: عبد الناصر الدياسطي.
أهمية الكتاب:
مما لا شك فيه أن دراسة تاريخ أمتنا الإسلامية دراسة واعية؛ نستلهم منه الدروس والعبر؛ ونعرف من خلاله السنن الكونية والشرعية؛ التي توقفنا على أسباب التقدم والرقي وتوقفنا كذلك على أسباب الضعف والانكسار؛ لهو من أعظم أسباب خروج الأمة من كبوتها وهزيمتها النفسية؛ لتسترد مكانتها من جديد. ولن يكون هذا إلا بقراءة التاريخ ودراسته من منابعه الصحيحة؛ وفق أصول صحيحة؛ والوقوف على حجم الخلل الرهيب الذي أصابه من أعداء الأمه في القديم والحديث فجاء هذا الكتاب ليفتح أمامنا الطريق؛ ويساهم في وضع عدة ضوابط وقواعد في هذا الباب.
عرض الكتاب:
جاء الكتاب في ٣٣٦ صفحة تضمنت ١٠ مقدمات
• المقدمة الأولى
ذكر المؤلف فيها "أهمية دراسة التاريخ " فذكر أنه "يربي الأفراد على معالي الأمور" خاصة سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم والقادة من بعدهم؛ والمجاهدين والعلماء الربانيين. وذكر أن دراسته توقفنا على معرفة سنن الله في الأمم والمجتمعات" فالأمم تقوى وتضعف وتزدهر الحضارات وتنهار وفقا لسنن ثابته وذكر أن التاريخ هو التطبيق العملي لأمور الدين وأحكامه " وأن دراسته "تربطنا بمقومات الأمة من الدين واللغة والأخلاق وأنه ملئ بالتجارب والفوائد للدعوة والدعاة".
• المقدمة الثانية
ذكر فيها مراحل تدوين التاريخ وأنه مر بمراحل ثلاث
1. الأولى: النشأة والتكوين من منتصف القرن الأول إلى منتصف القرن الثالث؛ وأن يد التشويه طالت تاريخنا في هذه الفترة؛ فترة تدوين أحداث التاريخ من خلال الرواة الشيعة كأبي مخنف لوط بن يحي؛ والواقدي؛ وسيف بن عمر؛ ونصر بن مزاحم؛ وغيرهم.
2. المرحلة الثانية: النضج والاكتمال من متصف القرن الثالث إلي آخر القرن السابع.
3. ثم مرحلة ما بعد النضج والاكتمال؛ إلى القرن العاشر.
• المقدمة الثالثة:
ذكر فيها "أنماط التأليف" الحولي؛ الموضوعي؛ المحلي.
• المقدمة الرابعة
ذكر فيها "ترجمة ودراسة مختصرة لمنهج أشهر المؤرخين " بداية من موسى بن عقبة وابن إسحاق والواقدي؛ ومرورا بأبي مخنق لوط بن يحيى ومحمد بن السائب الكلبي؛ وسيف بن عمر؛ وهشام الكلبي؛ وغيرهم؛ وانتهاء بالذهبي وابن كثير وابن خلدون.
وبين في هذه المقدمة الأثر الكبير الذي أحدثه رواة الشيعة ومؤرخوهم في تزييف الحقائق التاريخية والنيل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والقادة والفاتحين.
• المقدمة الخامسة
ذكر فيها "ضوابط قراءة التاريخ ودراسته"
كالتأكد من صحة المرويات التاريخية؛ وأن العبرة بكثرة الفضائل؛ والاعتدال في تناول أحداث التاريخ؛ وفهم التاريخ وتفسيره وفق المنهج الإسلامي؛ والتفريق بين أخطاء البشر وأخطاء الإسلام؛
والتجرد والميل عن الهوى؛ وتعظيم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والابتعاد عن أسلوب التعميم.
• المقدمة السادسة:
ذكر فيها "كتبا شوهت تاريخنا" حذر في هذه المقدمة من سبعة عشر كتابا؛ كالإمامة والسياسة المنسوب زورا لابن قتيبة؛ ونهج البلاغة؛ والأغاني؛ والعقد الفريد؛ ومروج الذهب؛ وألف ليلة وليلة؛ وكتب جورج زيدان؛ وعباس العقاد؛ وطه حسين.
• المقدمة السابعة:
ذكر فيها "الاستشراق ودوافعه " عرف فيها الاستشراق وبين أهدافه الخبيثة التي أراد بها تحريف الدين والتشكيك في القرآن والسنة؛ وإبعاد الأجيال عن الفهم الصحيح للإسلام؛ وبين أثاره الفظيعة في تفريغ دعاة التغريب كطه حسين؛ ولطفي السيد؛ وقاسم أمين؛ وفرح أنطون؛ وشبلي شميل؛ وسلامة موسى؛ وعلى عبد الرازق؛ وغيرهم ألوف مؤلفة ممن غربوا أمتنا وبدلوا ثقافتنا ونشروا العلمانية السياسية والاقتصادية في بلاد المسلمين وفصلوا الدين عن جميع مناحي الحياة.
• المقدمة الثامنة
ذكر فيها "من زور تاريخنا" وسلط الضوء على "رواة الشيعة" الأوائل ودورهم البارز في هذه الجناية؛ كالواقدي وأبي مخنف لوط بن يحيى؛ وسيف بن عمر؛ ونصر بن مزاحم؛ وكذلك مؤرخوهم كاليعقوبي؛ والمسعودي؛ وغيرهم.
ثم اقتفى أثرهم المستشرقون النصارى واليهود الذين أخذوا ما ذكره هؤلاء الشيعة وعظموا فيه؛ وبنوا عليه؛ وخلطوا هذا الكذب بأضعاف أضعافه حتى صار التاريخ مسخا لا روح فيه. ثم جاء أذيال هؤلاء وأذنابهم من أبناء جلدتنا؛ كجورج زيدان؛ وسليم نقاش؛ وفيليب حتَى؛ وطه حسين؛ وعبد الرحمن الشرقاوي؛ وغيرهم كثير.
• المقدمة التاسعة
ذكر فيها "كتبا ينصح بقراءتها" ذكر أكثر من مائة كتاب بداية من عهد النبوة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام؛ ثم عهد الراشدين؛ والأيوبيين؛ والعباسيين؛ ثم العهد المملوكي؛ والعثماني؛ تصلح هذه الكتب لأن تكون نواة جيدة لمكتبة تاريخية موثقة إن شاء الله تعالى.
• المقدمة العاشرة
ذكر فيها أن التاريخ يحتاج إلى إعادة صياغة؛ ونبه على عدة أمور مهمة لمن يريد إعادة صياغة تاريخ الأمة؛ وذكر المحاولات التي بذلت في ذلك؛ وأسباب فشل بعض المحاولات؛ ثم ختم المقدمة والكتاب باقتراح لإعادة صياغة التاريخ.
]]>جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3-3)
الباب السابع: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية، في استغاثتهم بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وعرض عقيدة القبورية في الاستغاثة، وتحقيق أنهم أشد شركا من الوثنية الأولى.
قال الكاتب: إن الاستغاثة بغير الله ولا سيما الأموات أهم العقائد القبوريات عند القبورية، وأنفع للمكروب وأسرع لقضاء الحاجات عند القبورية من الاستغاثة بخالق الكائنات، وأنهم ينفقون ملايين الملايين من الذهب والفضة، على بناء القبب والمساجد على قبور المستغاث بهم، بل وألفوا كتب كثيرة تدعوا وترغب في الاستغاثة بالأموات مثل: " أنوار الانتباه بحل النداء بيا رسول الله " و" نفحات القرب والاتصال بإثبات التصرف للأولياء بعد الانتقال ".
ثم ذكر الكاتب أمثلة متفرقة لعقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله عند الكربات، وأن الميت أقدر على إنجاح الحاجات عندهم من الأحياء، والاستغاثة عند القبورية على وجوه ثلاثة:
الأول: أن يهتف باسمه مجردا، مثل أن يقول: " يا محمد، يا علي"
الثاني: أن يقول: " يا فلان، كن شفيعي إلى الله في قضاء حاجتي"
الثالث: أن يقول: "يا فلان اقض ديني، أو اشف مريضي"
وليس في شيء من هذه الوجوه الثلاثة مانع عند القبورية، ونقل الكاتب ذلك عن أئمة القبورية منهم: التقي السبكي وتبعه السمهودي والقسطلاني، والهيتمي والزرقاني وابن جرجيس الحنفي العراقي، وغيرهم من القبورية.
ثم ذكر الكاتب: نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله أمر محرم في شرع الله ومحذور في دين الله أمثال: الإمام أبي حنيفة والإمام أبي يوسف والإمام محمد وكذا الإمام أبو جعفر الطحاوي وغيرهم: أن الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه إشراك بالله عز وجل، وهي أم لعدة أنواع من الشرك بالله.
ثم ذكر الكاتب: جهود علماء الحنفية في تحقيقهم أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى، في باب الاستغاثة، وأنهم أشد خوفا وأكثر خضوعا وأعظم عبادة للأموات منهم لخالق البريات.
فنقل ذلك عن الإمام محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد، وتبعه العلامتان ابنه نعمان الآلوسي، وحفيده شكري الآلوسي، والشيخان: الأديب الأريب الرباطي الملقب بجامع المعقول والمنقول، والرستمي الملقب بشيخ القرآن والحديث، قال الآلوسي: سمعت عن بعضهم أنه قال:" الولي أسرع إجابة من الله عز وجل "، وقال العلامتان السهسواني والخجندي: أن القبورية أعظم شركا من الوثنية الأولى.
الباب الثامن: في جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية التي تشبثوا بها لتبرير الاستغاثة بالأموات.
قال الكاتب: فإن جميع عقائدهم مبنية على الشبهات الشيطانية، وقد ذكرت منها أربعًا وأربعين شبهة، مع أجوبة علماء الحنفية عنها.
منها شبهة في تعريف التوحيد، وشبهة في تعريف الشرك، وست شبهات في جعلهم توحيد الألوهية عين توحيد الربوبية، وأربع عشرة شبهة في زعمهم أن المشركين الأولين كانوا مشركين في توحيد الربوبية، والخالقية، والرازقية، والمالكية.
وشبهة في حصرهم للعبادة في عدة أعمال، وشبهة في تعريفهم للعبادة، وشبهة في عدم جعلهم القبور أوثانًا، وشبهة في عدم وقوع الشرك، وشبهة الأحجار والأصنام، وشبه التكفير والخروج، وشبهة قول لا إله إلا الله، وشبهة التعظيم والمحبة للأولياء، وشبهة تنقيص الأولياء، وشبهة في تعظيم القبور، وشبهة في جعل القبور أعيادًا، وشبهة إيقاد السرج على القبور، وشبهة في الحج والسفر إلى القبور، وشبهة التبرك الباطل، وشبهتان في الحياة البرزخية، وشبهتان في سماع الموتى، وشبهة الاستقلال والعطاء، وشبهة المجاز والحقيقة، وشبهة الكرامة والولاية، وشبهة الكسب والسبب.
قال الكاتب: وسأذكر في هذا الباب عشرين شبهة، تشبَّثت بها القبورية لتبرير الاستغاثة بالأموات، وهي أشهر شبهاتهم في هذا الباب، مع جهود علماء الحنفية في قلعها وقمع أصحابها.
وستأتي ثلاث شبهات في باب التوسل، وسأذكر ثماني شبهات في باب النذر لغير الله، والبناء على القبور، فتصير خمسًا وخمسين شبهة قبورية باطلة، وتكون مع أخواتها خمسًا وسبعين شبهة.
قال الكاتب: الشبهة الأولى: حياة الأولياء في قبورهم: أي فلا مانع من الاستغاثة بهم.
والشبهة الثانية: هي تلك الحكايات التي شحنت بها القبورية كتبهم، من أن فلانًا استغاث بالولي الفلاني فأغاثه.
قال الكاتب: وأجاب علماء الحنفية على ذلك بعدة أجوبة، منها:
أن علماء الحنفية قد صرَّحوا بأن هذه الحكايات التي تناقلتها القبورية لدعوة المضطرين إلى الاستغاثة بالأموات بحجة أن هذه الحكايات كرامات لهؤلاء الأولياء هي محض الأساطير، وعين الأكاذيب.
يحدث ذلك استدراجًا من الشياطين لهذا القبوري المشرك الذي يستغيث بالأموات، فتأتي الشياطين وتساعده في بعض حاجاته استدراجًا له، وكثير من المقاصد تحصل بأسباب محرمة قطعًا كالسرقة، والخمر، وشهادة الزور، بل الشرك والكفر قد يحصل بهما بعض المقاصد، فليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون مشروعًا.
والشبهة الثالثة: هي ما تشبَّثت به القبورية من نصوص الكتاب والسنة، التي تدل على جواز استغاثة بعض الناس ببعضهم، فكقوله تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ
وفي حديث الشفاعة: (يا محمد، ارفع رأسك واشفع تشفع، وسَلْ تُعطَه).
وأحاديث ترغيب المسلم في قضاء حاجة أخيه، كحديث: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته).
قال الكاتب: ولقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة التي تتضمن عدة شبهات:
أنَّ القبورية محرفون الكلم عن مواضعه، لأنَّ هذه النصوص إنما تدل على جواز مناصرة بعض الناس بعضًا، واستغاثة بعضهم ببعض فيما يقدرون عليه.
أما طلب الدعاء من الأحياء مسألة، ونداء غير الله تعالى أمواتًا وأحياءً بما هو من خصائص الألوهية مسألة أخرى.
الشبهة السادسة: استدلال القبورية بقصة هاجر رضي الله عنها: (فلما أشرفت على المَروة سمعت صوتًا..؛ فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث)
قال الكاتب: ولقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة، أنها تدل على جواز الطلب من الحي الحاضر فيما يقدر عليه، فإن هاجر قد سمعت جبريل الحي الحاضر، ويدل على ذلك ما عند الطبراني بإسناد حسن:(فناداها جبريل فقال: من أنتِ؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم، قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله. قال: وكلكما إلى كافٍ).
شبهة أخرى: استدلالهم بأحاديث مختلقة موضوعة مثل: «إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور» وغير ذلك من الأحاديث المناقضة لدين الإسلام التي وضعها القبورية.
وشبهة أخرى بصورة فلسفية منطقية كلامية، وضعها كثير من القبورية المتفلسفة الكلامية، كالرازي فيلسوف الأشعرية، والتفتازاني فيلسوف الماتريدية، والنبهاني، والكوثري وهي:
"أن النفوس التي فارقت أبدانها أقوى من هذه النفوس المتعلقة بالأبدان"
وقال الرازي فيلسوف الأشعرية: (أن أصحاب أرسطاطاليس، كلما أشكل عليهم بحث موضوع، ذهبوا إلى قبره وبحثوا في تلك المسألة، فكانت المسألة تنفتح، والإشكال يزول).
وشبهة أخرى بصورة أمية عامية عادية وهي: من أن والأولياء واسطة لعلو شأنهم عند الله تعالى،
وأن المكروب ملطخًا بالذنوب، فهو بعيد عن الله لا يصل إليه إلا بواسطة من الأولياء الذين يشفعون لهم عند الله تعالى، وقاسوا رب العباد على ملوك البلاد، وقاسوا الأنبياء والأولياء على الوزراء والأمراء.
قال الكاتب: ولقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة، أن القبورية في تشبثهم بكلمة (الواسطة) مشبهون لله بالملوك، وشبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادًا، وهذا هو دين المشركين السابقين، قال الله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ
فمرة شبهوا المخلوق بالخالق في صفات الكمال، وأخرى شبهوا الخالق بالمخلوق في صفات النقص، فصاروا مشبهة، فالملوك لأجل جهلهم بحقائق الأمور وعدم علمهم بأحوال الرعية، يحتاجون إلى الوسائط من الأمراء والوزراء ليبلغوهم أحوال الرعية، فمن ظنَّ أن الله تعالى مثل الملوك فهو كافر.
وشبهة أخرى: أن الدعاء ليس من العبادات
قال الكاتب: ولقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة، بأنه قد ثبت بالكتاب والسنة ونصوص علماء الحنفية، أن الدعاء والاستغاثة من أعظم أنواع العبادة ومخّها ولُبّها، وأن القبورية باستغاثتهم بالأموات قد عبدوا غير الله.
الباب التاسع: في جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية في التوسلات الشركية والبدعية
وفيه فصول ثلاثة:
الفصل الأول: ذكر فيه الكاتب تعريف التوسل والوسيلةً لغة واصطلاحًا شرعيًّا عند علماء الحنفية وعند القبورية.
الفصل الثاني: ذكر فيه الكاتب أنواع التوسل، الشرعية منها والقبورية.
قال الكاتب: أنواع التوسل عند القبورية:
الأول: أن يدعو الله تعالى بذات الميت، أو ببركته، أو بحرمته، أو بحقه، أو بجاهه، ونحو ذلك.
الثاني: أن يطلب من الميت الشفاعة عند الله في قضاء حاجته، بأن يقول للميت: يا فلان! ادع الله لي: أن يرد علي بصري.
الثالث: أن يطلب من الميت حاجته نفسه، ونحو ذلك بأن يقول للميت: يا فلان! رد علي بصري، واقضِ حاجتي، واشفِ مريضي، ونحو ذلك.
ثم ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية وإبطال التوسلات القبورية، الشركية منها والبدعية.
ثم ذكر الكاتب أنواع التوسل الشرعي عند علماء الحنفية:
قال الكاتب: لقد حقق علماء الحنفية أن حقيقة التوسل الشرعي ومصداقها: هو التقرب إلى الله تعالى بفعل الطاعات، وترك السيئات، وهي عدة أنواع لا تخرج عن التوسل بالطاعات:
الأول: التوسل بالطاعات مطلقًا، مثل أن يقول: اللهم إن كنت فعلت هذا لرضاك فارحمني واشفني.
الثاني والثالث: التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، مثل أن يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنتَ الله لا إله إلا أنتَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لي.
الرابع: التوسل بالفقر والحاجة، مثل أن يقول: اللهم إني عبدك وابن عبدك.
الخامس: التوسل بالاعتراف بالذنب، مثل أن يقول: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي
السادس: التوسل بدعاء الحي الحاضر، مثل قوله تعالى: قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ
- الفصل الثالث: في جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية في توسلاتهم الشركية والبدعية.
فذكر الكاتب قول ستة وثلاثين إمامًا من أئمة الحنفية، في إبطال توسلات القبورية، منهم أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وبشر الكندي والقدوري والمرغيناني وابن أبي العز، وابن عابدين.
ثم ذكر الكاتب بيان حكم التوسل ببركة فلان، وحقه، وجاهه، أن كثيرًا من الأئمة قد نهوا عن مثل هذا، ولا سيما أئمة الحنفية، وأثبت أن هذا النوع من التوسل بدعة بلا ريب، فالتعبد بالبدعة ضلال.
ثم ذكر الكاتب بيان حكم التوسل ببركة فلان خاصة، قائلًا: لقد صرح بعض فضلاء الحنفية الرادِّين على القبورية، محتمل لأن يكون شركًا بواحًا صراحًا، أو يكون بدعة على أقل تقدير، فلا يجوز التوسل بمثل هذه الكلمة مطلقًا.
ثم ذكر الكاتب ذكر ثلاث من شبهات القبورية، التي هي أقوى الشبهات على الإطلاق في توسلاتهم الشركية، وجهود علماء الحنفية في إبطال تلك الشبهات.
الشبهة الأولى: تشبث القبورية بقوله تعالى: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ
قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة القبورية بوجهين:
الأول: جواب إجمالي هو: أن مقصود التوسل في الآية بأسماء الله وصفاته والأعمال الصالحة، دون التوسل بالأموات والاستغاثة بهم عند الكربات.
الوجه الثاني: أن (الوسيلة) في هذه الآية إنما المراد بها فعل الطاعات وترك السيئات، وقد أطبقت على ذلك كلمة المحققين من الحنفية في تفسير هذه الآية، منهم الإمام أبو الليث السمرقندي والزمخشري الحنفي اللغوي البلاغي وتبعه الإمام النسفي والإمام محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد.
الشبهة الثانية: تشبث القبورية بتوسل عمر بالعباس رضي الله عنهما قي قوله: (اللهم إنَّا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)
قال الكاتب: والواقع والتحقيق: أن التوسل في هذا الأثر هو التوسل بدعاء الحي الحاضر.
ونقل الكاتب نصوص بعض كبار أئمة الحنفية في الفرق بين توسل السلف وبين توسل هؤلاء الخلف القبورية، من خلال شرح هذا الأثر منهم: الإمام الشاه ولي الله الدهلوي إمام الحنفية في عصره، والإمام ابن أبي العز أحد كبار علماء الحنفية، والإمام البدر العيني إمام الحنفية في عصره.
الشبهة الثالثة: دعوى القبورية الإجماع على التوسل القبوري.
قال الكاتب: لقد ادعى السبكي وغيره إجماع هذه الأمة، بل إجماع جميع أهل الأديان على حسن التوسل والاستغاثة بالأموات عند الكربات وأنه فِعل الأنبياء والمرسلين، ومن سير السلف الصالحين، ولم ينكر ذلك أحد من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتى جاء ابن تيمية فأنكر الاستغاثة والتوسل، وابتدع ما لم يقله عالم قبله، وصار به بين الأنام مثله.
قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة الفتاكة الأفاكة بوجهين:
الوجه الأول: أنه قد تحقق على لسان علماء الحنفية أن التوسل في اصطلاح السلف الصالح من الصحابة والتابعين إنما هو التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، والتوسل بالأعمال الصالحة، والتوسل بدعاء حي حاضر ليس غير، فإن السلف لم يستغيثوا بالأموات عند الكربات.
الوجه الثاني: أن هذا الإجماع الذي ذكره القبورية ليس من الإجماع الشرعي، حتى يكونا حجة عند النزاع، وأنه قد تحقق تحقيقًا لا مزيد عليه أن إجماع الصحابة والتابعين والفقهاء المحققين والأئمة المجتهدين، على عدم جواز الاستغاثة والتوسل بالأموات، فإذا كان في الدنيا إجماع صحيح فهو هذا.
وأما الإجماعات الأخرى: كإجماع الوثنية من أهل الملل والنحل، أو إجماع القبورية من هذه الأمة، أو إجماع الفسقة والفجرة من الناس، أو إجماع أهل البدع، أو إجماع العوام فهي من أبطل الباطل.
الباب العاشر:في جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية من النذر لأهل القبور والتبرك على الوجه المحذور وزيارتهم للقبور والبناء عليها:
نقل الكاتب أقوال أئمة القبورية في جواز النذور لأهل القبور.
قال الكاتب: لقد صرح كثير من العلماء الحنفية في الرد على القبورية بأن النذر لغير الله تعالى حرام، بل هو شرك؛ لأنه من أعظم أنواع العبادة، وعبادة غير الله شرك، ولأنه متضمن أنواعًا أخرى للشرك بالله تعالى، منها أن يعتقد أن الولي يعلم حال هذا الناذر، ويعتقد أن الولي يتصرف في الأمور، من شفاء المريض وغناء الفقير، وأنه يسمع نداء الناذر واستغاثته به.
ونقل الكاتب عدة نصوص لعلماء الحنفية دالة على أن النذر لغير الله تعالى حرام، بل إشراك صريح بالله وأنه من أعمال المشركين السابقين منهم: الإمام قاسم بن قطلوبغا، والإمام ابن نجيم، الملقب بأبي حنيفة الثاني، والإمام خير الدين الرملي والإمام سراج الدين عمر بن نجيم، والإمام علاء الدين الحصكفي،
وفقيه الحنفية الشامية ابن عابدين، والعلامتان شكري الآلوسي والخجندي والشيخ علي محفوظ الحنفي المصري وغيرهم.
ثم ذكر الكاتب بعض شبه القبورية التي تشبثوا بها لتبرير نذورهم للقبور وأهلها والجواب عليها:
الأولى: أن ما يقرب إلى القبور وأهلها من المنذورات لا يدخل في باب عبادة غير الله تعالى.
قال الكاتب والجواب: أنه قد أجمع علماء الحنفية وغيرهم على أن النذر عبادة.
الشبهة الثانية: أن القبورية زعمت أن الإنسان إذا نذر لغير الله تعالى، فذكر اسم الله عند الذبح فهو جائز.
قال الكاتب الجواب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة أن العبرة في النذر لغير الله تعالى للنية لا لذكر اسم غير الله عند ذبح المنذور، فمن نذر بقرة لميت مثلًا فقد أشرك بمجرد نذره إياه له، سواء ذكر اسم الله عند ذبحها أو ذكر اسم ذلك الميت، لقوله تعالى: وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ والإهلال هو رفع الصوت بالشيء وليس معناه الذبح.
الشبهة الثالثة: أنهم يقولون: نحن إذا نذرنا للأولياء فإن نذرنا في الحقيقة لله تعالى.
قال الكاتب لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة الماكرة بأن هذه المعذرة حيلة محضة لا تسمن ولا تغني من جوع، وأن القبورية غير صادقين في هذا الاعتذار.
المبحث الثاني في جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية في التبرك على الوجه المحذور
أولًا: عرض الكاتب عقيدة القبورية في التبركات الشركية والبدعية، حيث يهتم القبورية بالتبرك بقبور الصالحين، وأتربة قبورهم وآثارهم ومجالسهم التي لا يوجد الدليل الشرعي على جواز التبرك بها.
ثم نقل الكاتب أمثلة لتبركات القبورية الشركية والبدعية.
ثم ذكر الكاتب: جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في التبرك على الوجه المحذور،
بأن التبرك نوعان:
نوع مشروع: وهو ما ورد الشرع بجوازه، فهذا النوع من التبرك لا كلام فيه، فكل ما ثبت في شرع الله تعالى التبرك به يجوز التبرك به ولا ينافي التوحيد ولا السنة.
ونوع ممنوع غير مشروع: وهو التبرك الذي لم يرد الشرع بجوازه، أو ورد الشرع بخلافه وهو صنفان:
الأول تبرك شركي: وهو ما كان فيه طلب الخير والنماء من غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه.
الثاني: تبرك بدعي: وهو ما كان فيه طلب الخير والنماء من الله تعالى، ولكن بواسطة شيء لم يرد الشرع به.
قال الكاتب: ولقد صرح علماء الحنفية بمنع التبرك والتمسح بحجر مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم،
ونصوا أيضًا على أن الحجر الأسود يُقبَّل للتعبد لا للتبرك، فلا يجوز تقبيل الحجر الأسود للتبرك، حماية للتوحيد، وسدًا لذرائع الشرك، فكيف يتبرك بغيرهما، وقد جاء الشرع بمنع التعلق بشجرة تشبه شجرة للمشركين، ولو كان هذا التشبه بالاسم فقط، فضلًا عن التبرك بها، كما في حديث (ذات أنواط)
الفصل الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في زيارتهم الشركية والبدعية للقبور.
فعرض الكاتب عقيدة القبورية في زيارتهم الشركية والبدعية للقبور منها:
*زيارة القبور لأجل حصول الفيوض من قبور الأكابر، وهذه دعوة المتفلسفة في الإسلام، أمثال الفارابي الملقب بالمعلم الثاني، وابن سينا الحنفي القرمطي.
*وزيارة القبور لأجل الدعاء والصلاة والقيام عندها، وطلب القربة إلى الله تعالى بواسطة أهلها، وأول
الذين ارتكبوا هذه الزيارة ودعوا إليها هم إخوان الصفا، المتفلسفة الباطنية، وأخذها عنهم الرازي فيلسوف الأشعرية والتفتازاني فيلسوف الماتريدية، ثم تبعهم عامة القبورية.
*زيارة القبور بالسفر إليها، وشد الرحال إليها، والحج إليها، فقد صنف ابن النعمان شيخ الرافضة، المعروف بابن المعلم، والملقب بالمفيد كتابا سماه: (مناسك حج المشاهد).
*زيارة القبور لأجل الاستغاثة بهم.
ثم نقل الكاتب جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية، في زيارتهم الشركية والبدعية للقبور، منهم: محمد البركوي وأحمد الرومي والشاه ولي الله الدهلوي والعلامتان: نعمان الآلوسي وشكري الآلوسي، حيث بينوا الفرق بين الزيارتين: السنية، والشركية البدعية؛ محققين أن طريقة حصول الفيوض من القبور وأهلها طريقة للوثنية الأولى، وأن هذه الزيارة أخذها منهم المتفلسفة في الإسلام، ثم عامة القبورية.
فالزيارة الشرعية: التي أذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمقصود منها شيئان:
أحدهما: راجع إلى الزائر: وهو الاعتبار والاتعاظ.
والثاني: راجع إلى الميت: وهو أن يسلم عليه الزائر، ويدعو له.
وأما الزيارة البدعية: فزيارة القبور لأجل الصلاة عندها، والطواف بها، وتقبيلها، واستلامها، وتعفير الخدود عليها، وأخذ ترابها، ودعاء أصحابها، والاستعانة بهم، وسؤالهم، فليس شيء من ذلك مشروعًا باتفاق الأئمة، إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة والتابعين، وسائر أئمة الدين، بل أصل هذه الزيارة البدعية الشركية مأخوذة عن عباد الأوثان؛ لأن القبورية ناقضوا السنة والتوحيد في زيارتهم للقبور من وجوه:
الأول: صلاتهم عندها؛ فإنه عليه السلام نهى عن الصلاة إلى القبور.
الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن اتخاذ المساجد عليها؛ وهم يخالفونه ويبنون عليها مساجد، ويسمونها مشاهد.
الثالث: أنه نهى عن إيقاد السرج عليها؛ وهم يخالفونه ويوقدون عليها القناديل والشموع؛ بل يوقفون لذلك أوقافًا.
الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم أمر بتسويتها؛ وهم يخالفونه، ويرفعونها من الأرض كالبيت.
الخامس: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذها عيدًا، وهم يخالفونه ويتخذونها عيدًا، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد وأكثر.
السادس: أنه قد آل الأمر بهؤلاء الضالين المضلين إلى أن شرعوا للقبور حجًّا، ووضعوا لها مناسك، حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتابًا وسماه: (مناسك حج المشاهد)
ولا ريب أن في ذلك من المفاسد ما يعجز عن حصره:
فمنها: تعظيمها الموقع في الافتتان بها.
ومنها: تفضيلها على أحب البقاع إلى الله تعالى، فإنهم يقصدونها مع التعظيم، والاحترام، والخشوع، ورقة القلب، وغير ذلك مما لا يفعلونه في المساجد.
ومنها: الشرك الأكبر الذي يفعل عندها، والدخول في لعنة الله تعالى ورسوله باتخاذ المساجد عليها.
ومنها: المخالفة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومنها: إماتة السنن، وإحياء البدع.
الفصل الثالث: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في البناء على القبور:
عرض الكاتب عقيدة القبورية في البناء على القبور، حيث يعتقد القبورية جواز بناء المساجد والقباب على القبور؛ وألف أبو الفيض أحمد بن محمد الغماري الصوفي القبوري دعوة إلى الوثنية برسالة سماها: (إحياء المقبور * من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور)
ثم ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في البناء على القبور
فنقل استدلال علماء الحنفية بالأحاديث الصحيحة الصريحة المحذرة من البناء على القبور والموجبة لهدم ما بني عليها منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وحديث: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح، أو الرجل الصالح بنواعلى قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله)
ثم ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية في بيان مفاسد البناء على القبور، ونصوصهم على وجوب المبادرة إلى هدمها فنقل عن: البركوي؛ وأحمد الرومي وولي الله الدهلوي ومحمد المظفري والعلامة الرباطي،
والإمام ابن أبي العز رحمه الله، حيث ذكروا عدة أحاديث لتحقيق تحريم بناء القباب والمساجد على القبور، وأن ذلك موجب للعنة والطرد من رحمة الله تعالى، وأنه من أعمال الكفرة الأوائل اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين؛ وأن ذلك من أسباب الإشراك بالله عز وجل؛ وأنه تجب المبادرة والمسارعة لهدم ما بني على القبور.
ثم ذكر الكاتب بعض شبه القبورية في البناء على القبور وإبطال علماء الحنفية لهذه الشبهات:
الشبهة الأولى: القدح في أحاديث تحريم البناء على القبور، وأجابوا بأنها كلها صحيحة وثابتة.
الشبهة الثانية: أن القبورية زعموا أن النهي الوارد في تلك الأحاديث إنما هو عن بناء المساجد وإيقاد السرج على القبور أي فوق القبور، بدليل كلمة (على)؛ ولكن لو بني المسجد بجوار قبر فلا حرج في ذلك.
قال الكاتب: ولقد أجاب عن هذه الشبهة بعض علماء الحنفية بأن كلمة (على) في الكتاب والسنة ولغة العرب تأتي لمعنى المجاورة أيضًا؛ فقد قال تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
فليس معنى ذلك أن هذا المار مر فوق جدران هذه القرية.
الشبهة الثالثة: استدلال القبورية بقوله تعالى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا
قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة، بأن هذه الآية لا تدل على أن هذا من فعل المسلمين الموحدين أتباع سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام، بل الظاهر أن هؤلاء كانوا من المشركين فبنوا ذلك على عادتهم الوثنية؛ ولو سلم أن هذا من فعل المسلمين فلا نسلم أن ذلك من فعل أهل السنة أتباع الرسل صلى الله عليهم وسلم، ولو سلم أن هذا من فعل أهل أتباع الرسل صلى الله عليهم وسلم، فإن الشرائع السابقة غير حجة في شريعتنا هذه إلا إذا كانت شريعتنا مؤيدة لها مقررة لها؛ فإن شريعتنا جاءت بالإنكار على بناء المساجد والقباب على القبور، وتحريم ذلك ولعن فاعله.
الشبهة الخامسة: تشبث القبورية بالقبة التي بنيت على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما.
قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة من وجهين:
الوجه الأول: أن البناء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ليس من باب البناء على القبور؛ لأن أصل هذا البناء كان موجودًا قبل أن يقبر تحته النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان حجرة لعائشة رضي الله عنها؛ وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه؛ فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا ما نسيته، قال: ((ما قبض الله نبيًا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه))؛ ادفنوه في موضع فراشه"
وأما دفن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فكان تبعًا لدفن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان؛ فلم يكن هذا البناء أيضًا على قبورهما على سبيل القصد والتعمد.
الوجه الثاني: أن القبة على ضريح النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن موجودة على عهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولا على عهد التابعين ولا على عهد أتباع التابعين، ولا على عهد أئمة السنة في خير القرون من قرون هذه الأمة.
ثم ذكر الكاتب: الخاتمة وفيها أمور ثلاثة:
- الأمر الأول: النتائج.
- الأمر الثاني: الاقتراحات.
- الأمر الثالث: الفهارس.
]]>قراءة في كتاب التاريخ الإسلامي، دروس وعبر (3 -3)
المؤلف: عبد الناصر الدياسطي باحث فى التاريخ الإسلامي
الدولة العثمانية:
أ. ذكر المؤلف أن حكم الدولة العثمانية امتد على مدار أكثر من ستة قرون وتحديدا من سنة ٦٩٩هـ وحتى ١٣٤٣هـ وصلت في هذه المدة بجيوشها إلى قلب أوروبا ، ونشرت الإسلام في شتى الأقاليم الأوروبية ، ففتحت بلاد اليونان ، بلغاريا ، رومانيا ، الصرب ، المجر ، ترنسلفانيا ، البوسنة ، الهرسك ، ألبانيا ، الجبل الأسود ، وبلغت جيوشها فيينا عاصمة النمسا ، لذلك كله شوه هؤلاء الأعداء تاريخ العثمانيين ، وللأسف الشديد تابعتهم الأجيال المسلمة في ذلك دون وعي أو دراسة.
ب. وأوضح المؤلف أن الدولة العثمانية منذ تأسيسها أطلق على زعيمها لقب "الغازي" أي المجاهد في سبيل الله تعالى ، وكانت غايتهم كما حددها مؤسسوها المجاهدون الأوائل: "الدفاع عن الإسلام ورفع رايته على الأنام" فصبغت الدولة شعبا وسلطانا أو خليفة وحكومة وجيشا وتشريعا ، وثقافة ، ومنهجا ، وهدفا ، ورسالة بصبغة إسلامية خالصة منذ النشأة الأولى وعلى مدى أكثر من ستة قرون ، وإن لم تكن في ذات الوقت هي الدولة التي تسير علي المنهج الإسلامي كاملا ، وإنما كانت تحرص عليه ، وتطبق بعض جوانبه ، وتهمل جوانب أخرى.
ج. ذكر المؤلف أن سلطنة بني عثمان امتدت إلي ما يقرب من مائتي وإحدى وثلاثين سنة ، ومرت بمرحلتين ، تجاوزت كل مرحلة منهما مائة سنة ، وبينهما مدة من الخلاف بين أبناء السلطان بايزيد الأول تجاوزت أحد عشر عاما.
حكم في المرحلة الأولى: عثمان ، أورخان ، مراد الأول ، بايزيد الأول.
وفي الثانية: محمد جلبي ، مراد الثاني ، محمد الفاتح ، بايزيد الثاني.
ويلاحظ في مرحلة السلطنة انصراف هم الدولة كلية نحو فتح القسطنطينية ، واستمرت هذه المهمة مدة السلطنة كلها.
انتهى عهد السلطنة بانتهاء عهد بايزيد الثاني سنة ١٥١٢مـ ، وبدأ عهد الخلافة مع بداية عهد سليم الأول بن بايزيد ، بعدما قضى على دولة المماليك ، وتنازل له الخليفة العباسي محمد المتوكل عن الخلافة.
د. وذكر المؤلف أن الخلافة العثمانية مرت بثلاثة عصور:
عصر القوة: وتولى فيه خليفتان سليم الأول١٥١٢:١٥٢٠، وسليمان الأول القانوني ١٥٢٠ : ١٥٦٦
عصر الضعف: وتولي فيه خمسة عشر خليفة أكثرهم مغمورون أولهم : سليم الثاني ١٥٦١ : ١٥٧٤ وآخرهم : عثمان الثالث ١٧٥٤ : ١٧٥٧
عصر الإنحطاط والتراجع : وتولي فيه تسعة خلفاء فقط ، أولهم مصطفى الثالث ١٧٥٧ : ١٧٧٣ ، وآخرهم عبدالحميد الثاني ١٨٧٦ : ١٩١٠ ، ثم سيطرت جماعة الاتحاد والترقي على الحكم.
هـ. وذكر المؤلف أن العصر العثماني الأول ، هو عصر قوة الدولة الذي طبقت فيه النظم الإسلامية فتبلورت شخصية الدولة في ظرف مائة عام فقط ، وعظم أمرها وصارت تهابها أوروبا بعدما كانت إمارة صغيرة ، وهذا يعود إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، وفي ضوء هذه السياسة الإسلامية ، انطلق العثمانيون في جميع حروبهم الهجومية والدفاعية، فاعتبروا نشر الإسلام وهداية الناس من أعظم الواجبات المقدسة ، فأرسلوا إلى جميع أمراء الروم بآسيا الصغرى يخيرونهم بين الإسلام أو الجزية أو الحرب ، ثم اتبعوا سياسة التسامح مع أصحاب الديانات الأخرى لكسب ثقتهم ، قبل اللجوء إلى الحرب ، وحرصوا على إظهار العدل معهم في قضايا التحاكم.
و. ثم كانت مخالفة منهج الله تعالى ، وظهور البدع والخرافات السبب الرئيسي في ضعف الدولة في طورها قبل الأخير.
ز. ثم كان طور الإنحطاط والسقوط ، والذي كان امتدادا طبيعيا لما قبله من الضعف الشديد للدولة ، فقوي التحالف الغربي لإسقاط الدولة ، وأصيب المسلمون بهزيمة نفسية كبيرة ، وأصبح تقليدا أوروبا والسير خلفها أمرا طبيعيا ، وظهرت بقوة فكرة القومية العربية لتساعد في تمزيق وحدة الدولة تمهيدا للقضاء عليها.
ح. ثم كان السقوط المروع للدولة العثمانية على أيدي جمعية الإتحاد والترقي المدعومة من الماسونية اليهودية والصليبية الحاقدة في ٢٩ أكتوبر ١٩٢٣ ، وذكر المؤلف عدة أسباب لذلك السقوط فكان منها: الإبتعاد عن شرع الله تعالى وهو السبب الرئيسي وموالاة الكافرين ، وغياب السنة وانتشار البدعة ، وانتشار الفرق الضالة ، وغياب القيادة الرشيدة ، والحروب الصليبية ، والامتيازات الأجنبية ، وعداء الماسونية الرهيب ، والتخلف العلمي ، والإختلاف والفرقة ، وغير ذلك من الأسباب.
لمحة عن تاريخ أهم الدول العربية المعاصرة :
أ. بدأها المؤلف بإعطاء لمحة عن تاريخ مصر الحديث والمعاصر ، فذكر الإحتلال الإنجليزي لمصر وما جرَ من ويلات على البلاد ، وتربية أجيال موالية له ، ترى بعينه ، وتسمع بأذنه ، فابتعدوا بالأمة المصرية عن أسباب عزها ومجدها وهو التمسك بالإسلام ، فتغيرت الثقافة ، والعادات والتقاليد ، وأصبح معيار التقدم هو متابعة الغرب النصراني ، ثم ذكر الثورة العرابية ، واهتمام كرومر بتربية جيل من المثقفين ثقافة أوروبية تقبل التعاون مع الغرب ، ويخلفه في حمل راية التفريغ _تفريغ الأمة من دينها_حتى يضمن قهر الإسلام ، ثم ذكر المؤلف مصطفى كامل ودوره الوطني ، وثورة سعد زغلول ١٩١٩ ، ثم معاهدة ٤٨ ، والتي مهدت لقيام ثورة ١٩٥٢ والتي لم ترفع شعارا دينيا واحدا ، وذكر عهد محمد نجيب وإجبار عبدالناصر له على التنحي ، ثم اعتقاله ، وصفا الجو لعبدالناصر الذي دخل في صراع صفري مع الإخوان المسلمين ، انتهى باعتقالهم ثم موت عبدالناصر ، وتولى بعده السادات الذي قام بطرد الخبراء السوفييت الذين شكلوا دولة داخل الدولة ، ثم حرب أكتوبر ، ومعاهدة كامب ديفيد والتي كانت من أسباب اغتيال السادات على أيدي المنحرفين فكريا ، ثم تولي حسني مبارك ١٩٨١ ، فوقعت في عهده أحداث الجماعة الإسلامية المنحرفة ، ثم قامت ثورة يناير ٢٠١١ والتي أسقطت حسني مبارك.
ب. ثم ذكر لمحة سريعة عن تاريخ شبه الجزيرة العربية مبتدءا بالسعودية والتي مرت بثلاثة اطوار:
الأول: قيام الدولة السعودية الأولى ١٧٢٤ : ١٨١٨ ، والتي أسسها محمد بن سعود بن مقرن ، والذي أيد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في دعوته ، فيما يعرف باتفاق الدرعية ( ١١٥٧ هـ _ ١٧٤٤مـ) ، والذي كانت على إثره الدولة السعودية الأولى.
ثم قامت الدولة السعودية الثانية ١٨١٩ : ١٨٧٢ والتي أسسها الملك فيصل بن تركي
ثم قامت المملكة العربية السعودية ١٩٠٢ ، والتي أسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي ، والذي أقام الحكم في الدولة على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما عليه الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح والأئمة الأربعة ، وفي ١٩٣٢ صدر مرسوم ملكي بتوحيد المناطق التي تحت سيطرة الدولة تحت اسم "المملكة العربية السعودية" ثم تولي الملك سعود بن عبدالعزيز ، ثم فيصل ثم خالد ، ثم فهد ، ثم عبدالله ، ثم سلمان الحالي ، ومما تجدر الإشارة إليه أنه في عام ١٩٢٦ صدر مرسوم ينص على أن الدولة الحجازية ملكية شورية ، تكون الأحكام فيها دوما منطبقة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ، والسلف الصالح رحمهم الله ، ثم بقيت وراثة العرش محصورة في أولاد عبدالعزيز فيتولى العرش الأخ بعد أخيه لا الولد بعد أبيه ؛ ثم ذكر المؤلف بلاد العراق وإيران ، وبلاد المغرب العربي ، وبلاد الشام ، وختمها بلمحة مختصرة عن تاريخ فلسطين ، وذكر في نهاية الكتاب : الطريق إلى إعادة فلسطين والقدس المحتل ، بل إعادة الأمة جمعاء إلي سابق عزها ومجدها ، والذي يتمثل في عدة خطوات ، منها : أن إعادة الأقصى بل الأمة جميعا يبدأ من إصلاح النفوس عقديا وعبوديا وسلوكيا وأخلاقيا ، ثم إيجاد الطائفة المؤمنة ، وتكوين القاعدة الصلبة التي تقوم عليها الدعوة ، ثم إصلاح المؤسسات ، والعمل على امتلاك العلوم الحديثة والتكنولوجيا المتطورة ، وإصلاح مناهج التعليم في الأمة كلها ، ومحاربة الثقافة الغربية التي غيرت أفكار المسلمين وقيمهم وعاداتهم ، مما نتج عنه تحلل خلقي ، واغتراب عن الهوية الإسلامية فبرزت عقدة الإنبهار بالغرب النصراني وفقدان الاستقلالية في الفكر الصحيح ، ومن ثم التبعية المطلقة ، والتسليم بإمامة الغرب في جميع المجالات وشتى المناحي ؛ ثم ختم الكتاب بنظرة تفاؤلية ، وجزم بعودة الأمة إلي مكان الريادة من جديد ، كما وعد رب العالمين في كتابه العزيز، في قوله جل وعلا :
"هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" .
هذا والحمد لله رب العالمين
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
]]>جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (2 -3)
الباب الثالث: في جهود علماء الحنفية في تعريف الشرك وأنواعه وتطوره، ومصدر عبادة القبور، ونشأة القبورية وانتشارهم، وتحقيق أن الشرك موجود في القبورية من هذه الأمة، وردهم على القبورية في ذلك كله.
قال الكاتب: انحرفت القبورية في مفهوم الشرك كما انحرفت في مفهوم التوحيد، فزعموا أن الشرك: عبارة عن أن يجعل العبد مع الله أحدًا - شريكًا - في الربوبية والخلق والتدبير والإيجاد، والإحياء والإماتة، وبذلك قد برروا ما يرتكبونه من الإشراك الأكبر الأعظم وعبادة القبور وأهلها بأنواع من العبادات، من النذور والاستغاثة، والدعاء.
ثم ذكر الكاتب: تعريف علماء الحنفية للشرك وأن له عدة تعريفات نقلها عن الإمام ابن أبي العز، والإمام ولي الله الدهلوي الإمام الشاه عبد القادر الدهلوي، والإمام محمد إسماعيل الدهلوي العلامة السهسواني، والشيخ أبو الحسن الندوي منها:
أن الشرك: هو الاعتقاد في الصالحين أنهم شفعاء عند الله.
ومنها أن الشرك: هو دعاء غير الله في الأشياء التي تخص به سبحانه أو اعتقاد القدرة لغير الله فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه.
ثم ذكر الكاتب: جهود علماء الحنفية في إبطال تعريف القبورية للشرك، وأنَّ جعل الأموات أسبابًا يُستغاث بها وتُدعى وتُرجى وتُعظَّم -على أنها وسائط - فهذا دين عبادة الأصنام، يُكفَّر فاعله بمجرد اعتقاده وفعله؛ وإن لم يعتقد الاستقلال، كما نص عليه القرآن في غير موضع.
فالغلاة معارضون للقرآن متصادمون لنصوصه.
ثم ذكر الكاتب: أنواع الشرك عند علماء الحنفية منه: الشرك في العبادة، والشرك في الطاعة أي في التحليل والتحريم، والشرك في التسمية، والشرك في العلم بمعنى علم الغيب، والشرك القدرة بمعنى في التصرف، والشرك في الاستعانة، والشرك في النذور، والشرك في الحلف بغير الله.، والشرك في الحج لغير الله، والشرك بدعاء الأولياء والاستغاثة بهم، والشرك في الذبح للأولياء.
قال الكاتب: وبذلك يعلم أن القبورية أشركوا في عبادة الله تعالى، وأن القبورية، اهتموا بتعمير ما أمر الأنبياء بهدمه من الدير والمشاهد، وتحقيق: أن القبورية عبدة الأوثان.
ثم ذكر الكاتب: مصدر الشرك بعبادة القبور وتطوره، ونشأة القبورية، وانتشارهم في العالم، وأن المشركين لم يكونوا يعبدون الأحجار كما تزعم القبورية، بل كانوا يعبدون الصالحين، وأن عبادة القبور هي أصل شرك العالم، نشأت في قوم نوح، ثم تطورت وانتشرت فيمن بعدهم من الأقوام والأمم.
قال الشيخ ابن آصف الفنجفيري الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن بعد سرد أقوال المفسرين:
(فاتفقت كلمتهم على أن المشركين [كانوا] يدعون العباد الصالحين ويتوسلون بهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ...، ويعطون النذور لهم باعتقاد أنهم يقربونا إلى الله زُلفى فكان شركهم العبادة للمقبورين والدعاء من الغائبين والأموات، وأن أصحاب القبور يسمعون الدعاء والنداء ويعلمون السر وأخفى ويتصرفون في الأمور كيف يشاءون).
ثم ذكر الكاتب أقوالًا في: تحقيق أن اليهود والنصارى كانوا قبورية أقحاحًا، وأن فلاسفة اليونان كانوا قبورية أجلادًا، وأن المتفلسفة في الإسلام أمثال الفارابي وابن سينا الحنفيّ القرمطيّ دعاة للقبورية الوثنية بتفلسفهم، وأن الرافضة من أبعد الناس عن العلم والدين؛ إذ عمَّروا المشاهد وعطَّلوا المساجد؛ وأن كثيرًا من المتكلمين من الماتريدية والأشعرية وغيرهم قبورية؛ لتأثرهم بالفلاسفة والمناطقة والصوفية، وجعلهم حقيقة توحيد الألوهية عين توحيد الربوبية، ولأن كثيرًا بل أكثر مَن ينتمون إلى المذاهب الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة قبورية، وأن أكثر القبورية في المنتسبين إلى المذاهب الأربعة - هم الحنفية لكثرتهم ونفوذ سلطانهم ودولهم في شرق الأرض وغربها، ثم في الشافعية، ثم في المالكية، ونزر قليل من الحنابلة؛ لكون عامة الحنابلة من أهل الحديث والأثر والسنة المحضة، ولكونهم أقل عددًا من بقية أهل المذاهب.
ثم نقل الكاتب نصوص علماء الحنفية التي تكذِّب القبورية، وتثبت وجود الشرك فيهم بأوسع ما يكون، فنقل عن الإمام قاسم بن قطلوبغا، وابن نجيم الملقب بأبي حنيفة الثاني، وخير الدين الرملي، وسراج الدين عمر بن نجيم، وعلاء الدين الحصكفي، وابن عابدين الشامي، والعلامتان: شكري الآلوسي والخجندي.
ثم نقل الكاتب فضائح من أقوال وأفعال القبورية عند القبور والأولياء مما لا يشك فيه شاكٌّ أنه كُفر، قال ابن عابدين: (ولا سيما في مولد السيد أحمد البدوي).
ثم ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية في المقارنة بين القبورية وبين الوثنية الأولى، وتحقيق أن القبورية أشد شركًا من مشركي العرب في باب الاستغاثة بالأموات عند إلمام الملمات.
ثم ذكر الكاتب شبهة القبورية التي تشبثوا بها في زعمهم أن الشرك لم يقع في هذه الأمة، وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم» .
ثم ذكر الكاتب أجوبة علماء الحنفية عنها: منها أن المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: (المصلون) في هذا الحديث: هم المؤمنون الكاملون العارفون للتوحيد والشرك، وليس المراد من يصلي فقط وينتمي إلى الإسلام مع ارتكابه الشرك والكفر. إلى غير ذلك من الشبهات والردود عليها، وشبهة أن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب كفروا المسلمين، وحاربوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم.
فرد الكاتب علي هذه الشبهة من كلام أئمة الأحناف ودفاعهم عن ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب أنهم حكموا على أفعال القبورية بالشرك ولم يكفرهم لأجل عدم إتمام الحجة.
وأن أئمة السنة ليسوا متهورين في التكفير، وأن القبورية كاذبون في هذه الشبهة.
ونقل الكاتب عن أبي غدة الكوثري- أحد كبار الكوثرية وأحد الموالين للقبورية- قوله: "بل إن علماء الحنفية قد صرحوا بأن القبورية يستحقون وصف الخوارج، فإنهم هم أشد الناس تكفيرًا، بل هم أشنع تكفيرًا من الخوارج"
ثم ذكر الكاتب شبهة القبورية أن تعظيم الأنبياء ومحبة الأولياء ليس من باب الإشراك بالله ولا من قبيل عبادة غير الله، بل ذلك من تعظيم أولياء الله، ومحبة أحباب الله.
قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة بتحقيقات طويلة جعلوها كأمس الدابر.
وحاصلها: أن تعظيم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومحبة الأولياء والصالحين، أمر مطلوب وهو من الإيمان، ومن أعظم الأمور في الإسلام، ومن أجل العبادة لله تعالى، ولكن إذا كان في حدود الشريعة الغراء؛ بحيث لا يكون ذلك غلوًّا ولا مفضيًا إلى الغلو، ولا يكون ذريعة إلى الإشراك بالله تعالى، ولا وسيلة إلى عبادة غير الله تعالى، وألا يسمى الشرك الصريح، ولا عبادة الأموات باسم التعظيم والمحبة، ولا يعبد غير الله تحت ستار التعظيم والمحبة، وأما تعظيم الأنبياء والأولياء إذا كان بالغلو فيهم وإطرائهم ورفعهم عن منزلتهم، ويتذرع به إلى الاستغاثة بهم والنذور لهم واعتقاد التصرف وعلم الغيب فيهم، ونحوها من الكفر والشرك فهو ليس بتعظيم، بل هو في الحقيقة تحقير لشأنهم، واستخفاف بهم، بل هو استخفاف بالله تعالى.
الباب الرابع: في جهود علماء الحنفية في التحذير من الشرك، وحماية حمى التوحيد، وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك، وردِّهم على القبورية في ذلك كله.
نقل الكاتب قول الإمام ابن أبي العز والعلامة القاري: أن غالب سور القرآن الكريم متضمنة لنوعَي التوحيد [توحيد الربوبية وغيرها من الصفات، وتوحيد الألوهية].
ثم ذكر الكاتب: ثماني آيات من الذكر الحكيم مع بعض أقوال مفسري الحنفية في تفسيرها في بيان شناعة الشرك وعواقبه الوخيمة؛ منها: قول الله تعالى: حُنَفَاءَ لِلهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ
ثم ذكر الكاتب بعض الأحاديث التي تحذر من الشرك مع أقوال علماء الحنفية في شرحها.
ثم ذكر الكاتب بعض نصوص علماء الحنفية في التحذير من الشرك وعواقبه الوخيمة.
ثم ذكر الكاتب عدة قواعد وضوابط فقهية لعلماء الحنفية يستفاد منها في حماية حمى التوحيد وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك منها:
"درء المفاسد أولى من جلب المنافع" "دفع المضرة أولى من جلب المنفعة"
ومضمونها: أن زيارة القبور على الطريقة القبورية وتوسُّلهم المتضمن للاستغاثة بالذوات والاستعانة منهم ونحو ذلك؛ كل ذلك يجب اجتنابها لما في ذلك من المفاسد ما لا يخفى.
ومن القواعد: "اختيار أهون البليتين".
ويتفرع من هذه القاعدة ثماني قواعد ومضمونها: أننا فرضنا أن هدم القباب والمساجد التي بنيت على القبور ونحوها فيه شيء من الشر، فبقاؤها على حالها وانتياب الناس إليها أفواجًا، بقصد الاستغاثة بأصحابها ونحوها، من المفاسد العظمى التي هي إما شِرك صراح، أو موصلة إلى الشرك الصريح،
وضرر أشد ومفسدة أعظم فلا بد من هدمها وإزالتها وتسوية تلك القبور.
ومن القواعد: "يتحتم ترك الحلال خشية الوقوع في الحرام".
ومضمونها: إذا تردد الأمر بين كونه سنة وبين كونه بدعة فتركه محتم.
ومن القواعد: "عدم النقل يدل على العدم كما يدل على الكراهة والبدعة"
وهذه القاعدة من أهم القواعد التي ذكرها علماء الحنفية للتمييز بين الأمور البدعيَّة والسُّنيَّة؛
ثم ذكر الكاتب: ذرائع الشرك التي صرح علماء الحنفية بوجوب سدها لئلا يتذرع بها إلى الشرك وحماية لحمى التوحيد منها: الغلو في الصالحين، والتوجه إلى غير الكعبة بقصد القربة، وزيارة القبور على غير السنة، والعكوف على القبور، واتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السُّرج على القبور.
فذكر الكاتب ثلاثين ذريعة، ونقل من القرآن والسنة وأقوال علماء الأحناف بطلان هذه الذرائع.
الباب الخامس: في بيان غلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين من اعتقاد علم الغيب لهم والتصرف في الكون لهم ووصفهم بصفات رب العالمين.
قال الكاتب: ولما كان أصل سبب ضلال هؤلاء القبورية خاصة والوثنية عامة هو الغلو في الصالحين،
أردت أن أسوق في القسم الأول من هذا الباب عدة أمثلة من غلو القبورية في الصالحين، واعتقادهم فيهم علم الغيب، والتصرف في الكون فمن ذلك:
أولًا: في بيان غلو القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فوصفوه بأنه علم الغيب، وعالم بجميع ما كان وما يكون أزلًا وأبدًا، وأنه يعلم جميع ما في اللوح المحفوظ؛ وأول من أشاع ذلك هو البوصيري، وتبعه الكوثري وغيره كثير ممن لا يُحصى.
ووصفوه بأنه صلى الله عليه وسلم عليمٌ بأحوالهم ونياتهم، وعزائمهم، وخواطرهم، وذلك عنده جليّ، لا خفاء فيه، وأشاع ذلك ابن الحاج وتبعه الزرقاني والنبهاني وكثير ممَّن لا يُحصى.
ووصفوه بأنه صلى الله عليه وسلم يتصرف في الكون، وأن مفاتيح الكون كلها في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقدم من قال بهذه الخرافات القسطلاني ثم الزرقاني.
ووصفوه بأنه صلى الله عليه وسلم يسمع نداء المستغيثين،
ووصفوه بأنه صلى الله عليه وسلم بأنه يصلي في قبره بأذان وإقامة، فهو كمن انعزل عن الناس واعتكف أربعين يومًا؛ بل قالوا: إن الأولياء لا يموتون، فما ظنك بالأنبياء عليهم السلام.
ووصفوه بأنه صلى الله عليه وسلم نورًا لا بشرًا وجعلهم إياه شفافًا لا ظلَّ له، وألَّفوا في ذلك عدة كتب، منها "صلاة الصفا في نور المصطفى" و"قمر التمام في نفي الظل عن سيد الأنام"
ثانيًا: في بيان غلو القبورية في بعض الأولياء خاصة.
قال الكاتب: لقد غالت القبورية في كثير من الصالحين إلى أن جعلوهم آلهة يعبدونهم من دون الله، بل وفي كثير من الطالحين، بل جعلوهم أربابًا لهذا الكون متصرفين فيه كيف يشاءون واعتقدوا فيهم علم الغيب مطلقًا، فوصفوهم بصفات الله تعالى، تحت ستار الولاية والكرامة، هؤلاء الأربعة هم:
-الأول: الشيخ عبد القادر الجيلاني (561هـ) إمام القادرية.
- الثاني: أحمد الرفاعي (578هـ) إمام الرفاعية.
- الثالث: أحمد البدوي (675هـ) إمام البدوية.
- الرابع: الشاه نقشبند الحنفي إمام النقشبندية (791هـ)
ثم نقل الكاتب بعض الأمثلة، مما يقال في وصف هؤلاء، وفيه شرك صريح، فيقال عن الجيلاني أنه:
" الغوث الأعظم "" غوث الأقطاب " وأن الجيلاني قد غيَّر القدر لرجل في اللوح المحفوظ.....،
وقالوا في الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية: كان يفقر ويغني، ويُسعد ويُشقي، ويُميت ويُحيي، والسموات السبع في رجله كالخلخال......،
قال الكاتب: وللعلامة محمود شكري الآلوسي كلامٌ مهم في إبطال هذه الأسطورة الرفاعية، وتحقيق أنها أكذوبة قبورية وثنية.
قال الكاتب: أما بالنسبة للبدوي، وأود أن أكتفي ببعض ما سجله الشعراني ذلكم الملحد الزنديق الوثني حول البدوي وتصرفه في الكون؛ ونقل عجائب وفضائح لا يقبلها مجنون فضلاً عن عاقل عالم بالشرع.
قال الكاتب: أما بالنسبة الشاه نقشبند إمام النقشبندية: أقل ما قالوا فيه: إنه " الغوث الأعظم " و" غوث الخليقة " و"غوث الورى السبحاني "و"كان يحيي ويميت" إلى غير ذلك من الشرك.
ثالثاً: في بيان غلوهم في الأولياء عامة.
قال الكاتب: لقد غالت القبورية في الصالحين عامة فاعتقدوا فيهم الألوهية، وعبدوهم من دون الله، وجعلوا قبورهم أوثانًا تعبد، وقال القبورية: إن الأولياء يرون اللوح المحفوظ، وهم أحياء في قبورهم حياة أبدية وعلمهم وإدراكهم أقوى، وسمعهم وبصرهم أقوى مما كان في حياتهم في الدنيا.
ثم نقل الكاتب كثير من اعتقاد الطائفة الديوبندية وأقوال أئمتهم من القبورية في الأولياء، مما فيه شرك صريح.
القسم الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في الصالحين:
أولاً: جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في الصالحين إجمالًا:
فنقل الكاتب استدلال أئمة الأحناف منهم: الإمام أبو الليث السمرقندي والنسفي والألوسي بعدة آيات من آي الذكر الحكيم منها: قوله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ ، قالوا: إن الله تعالى بيَّن أن النصارى قد ضلوا بسبب أنهم قد غلوا في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام.
ثم نقل الكاتب استدلال علماء الحنفية بالسنة على إبطال الغلو في الصالحين منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله».
نقل الكاتب نصوص علماء الحنفية كالإمام محمود الآلوسي وابنه نعمان الآلوسي وحفيده شكري الآلوسي والشيخ غلام الله الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن، والعلامة الرباطي، والعلامة الرستمي،
حيث قالوا: أن الغلو من أعظم أسباب وقوع القبورية في أنواع من الشرك.
ثانياً: في جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في حياة الأموات وسماعهم نداء المستغيثين بهم عند الكربات:
قال الكاتب: وحاصلها: أن الحياة البرزخية ثابتة لجميع الموتى، ولكن تلك الحياة تختلف عن الحياة الدنيوية لا تقاس عليها، فإن الحياة البرزخية لا تُحَسّ ولا تدرك بمشاعر الأحياء، فلم يثبت أن الميت يتصرف في الأمور كما يتصرف الحي فيما تحت الأسباب، فأصحاب القبور الذين هم بين سعيد شَغَلَه نعيمه وتقلبه في الجنان عن الالتفات إلى ما في هذا العالم، وبين شَقيّ ألهاه عذابه وحبسه في النيران عن إجابة مناديه، وقد يتمثل الشيطان للمستغيث في صورة الذي استغاث به، فيظن: أن ذلك كرامة لمن استغاث به، هيهات ... هيهات..
ثم ذكر الكاتب نصين مهمين لعلماء الحنفية:
الأول: (إن من ظنَّ: أن الميت يتصرف في الأمور دون الله، واعتقاده ذلك كفر).
والثاني: (من قال: أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر).
ونقل أدلتهم منها قوله تعالى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ
قال الشيخ الجنجوهي والإمام ابن الهمام من فقهاء الحنفية: (استدل المنكرون [لسماع الموتى] ومنهم عائشة، وابن عباس، ومنهم الإمام [أبو حنيفة] بقوله تعالى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ، فإنه لما شبه الكفار بالأموات في عدم السماع علم: أن الأموات لا يسمعون، وإلا لم يصح التشبيه ...).
ونقل الكاتب قول غلام الله الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن في تفسير هذه الآية:
(إن هذا النبي عزيرًا عليه السلام قد أماته الله تعالى؛ ليشاهد كيفية إحياء الموتى، ثم مرّ عليه مئة عام وهو مُلقًى على ظهر الأرض غير مقبور، فلما أحياه الله وسأله: كم لبثت؟ - أجاب بالظن والتخمين- فقال: لبثتُ يومًا، أو بعض يوم، ولم يعلم أنه مرّ عليه مئة عام؛ فعلم من هذا: أن هذا النبي الجليل القدر عليه السلام لم يشعر باختلاف الليل والنهار، ...).
ونقل الكاتب استدلال علماء الحنفية بقصة أصحاب الكهف على إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى:
فقد قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا مع أن النائم إذا سمع الصوت ينتبه.
ثم ذكر الكاتب عدة شبهات للقبورية، استدلوا بها علي حياة النبي صلي الله عليه وسلم، وكذلك الأولياء وشبهات أنهم يسمعون في قبورهم ورد عليها، بالتفصيل من خلال أقوال علماء الأحناف.
من هذه الشبهات: استدلوا بقوله تعالى: وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ، فلا تجوز مناكحة أزواجه صلى الله عليه وسلم، لأن الحي لا يجوز نكاح زوجته.
ثم نقل الكاتب رد عليهم أئمة الأحناف بقولهم: فلا تجوز مناكحة أزواجه صلى الله عليه وسلم، لأجل أنه صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب لأمته، وأن أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، قال الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ، وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم)
ثم ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية بجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم نورًا لا بشرًا، فقال أئمة الأحناف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نور أيضًا بمعنى الهادي، ولا منافاة بين كونه صلى الله عليه وسلم نورًا بمعنى هاديًا، وبين كونه بشرًا؛ وقد قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لكن المشركين السابقين وهؤلاء القبورية يرون المنافاة بين البشرية والرسالة.
الباب السادس: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب والتصرف في الكون للصالحين:
أولاً: ذكر الكاتب استدلال علماء الحنفية ببعض الآيات الكريمة وبعض الأحاديث الصحيحة، على إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله، منها: قوله تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وقوله تعالى: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلهِ وقوله سبحانه آمرًا أفضل أنبيائه: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم ولعل بعضكم أبلغ من بعض، فأحسبه أنه صدق فأقضي له بذلك....»
وحديث: «أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي؛ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟» ولقد صرح علماء الحنفية بأن هذا الحديث متواتر، وأنه روي عن أكثرَ من ثلاثين صحابيًّا رضي الله عنهم.
ثم ذكر الكاتب نصوص علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله وتصريحهم بأن هذه العقيدة شرك وكفر، منهم: الإمام أبوحنيفة، الإمام محمد بن الحسن الشيباني، والإمام الطحاوي، والإمام البدر العينتابي، وابن الهمام، والعلامة الخجندي، والعلامة شكري الآلوسي، والإمام إسماعيل المجاهد الدهلوي، والشيخ أبو الحسن الندوي، وغلام الله الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن، وابن آصف الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن، والعلامة الرستمي الملقب عند الحنفية المعاصرة بشيخ القرآن وشيخ الحديث.
ثانياً: ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية لإبطال عقيدة القبورية في التصرف في الكون لغير الله سبحانه.
فذكر الكاتب بعض الآيات الكريمة والأحاديث، التي استدل بها علماء الحنفية على إبطال عقيدة القبورية هذه، منها: قوله سبحانه وتعالى: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلهِ وقوله سبحانه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وقوله صلى الله عليه وسلم «واعلم أن الأمة إذا اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفَّت الصحف» وقوله صلى الله عليه وسلم "ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، سليني ما شئت من مالي! لا أغني عنك من الله شيئًا "
ثم ذكر الكاتب نصوص وفتوى جماعة من فقهاء الحنفية وكبارهم في تصرف الأرواح وتشكلهم وإتيانهم وحضورهم: قالوا: (من قال أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر)
ثالثاً: جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية التي تثبتوا بها لدعم عقيدتهم في علم الغيب
والتصرف في الكون لغير الله تعالى.
قال الكاتب: للقبورية شبهات كثيرة، في زعمهم علم الغيب والتصرف في الكون لغير الله.
الشبهة الأولى: شبهة الاستقلال والعطاء، فزعمت القبورية: أن الشرك هو اعتقاد أن غير الله تعالى يعلم الغيب علما ذاتيًّا استقلاليًّا، وأما إذا اعتقد الإنسان أن الأنبياء، والأولياء يعلمون الغيب بإعطاء الله تعالى لا بالاستقلال فهذا لا يدخل في باب الشرك.
فنقل الكاتب نص علماء الحنفية في تفسير قوله تعالى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ حيث قالوا: فهذا دليل قاطع على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعطَ علم الغيب كله،
فلم يعلم الغيب كله إلا الله تعالى.
الشبهة الثانية: شبهة الكرامة: وقصدهم بذلك أن الأولياء لهم قدرة على التصرف في الكون، وأن ذلك منهم كرامة، الكرامة لا تنقطع بعد الموت.
قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن شبهة الكرامات، بعدة أجوبة منها:
أنه لا ملازمة بين الكرامات وبين الاستغاثة بأصحابها؛ لأن الكرامة لا تقتضي جواز الاستغاثة بصاحبها ولا تبيحها، بل هذا فعل أهل الأوثان؛ كما أخبر الرحمن عنهم بقوله: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ
وقوله: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى وقال تعالى فيمن عبدوا المسيح: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، بالرغم أن عيسى ابن مريم جاء بأعجب المعجزات والكرامات: يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.
وقال الكاتب: إن علماء الحنفية قد صرحوا بأن الكرامة بمعنى صدور أمر خارق للعادة تسلب بعد موت الولي؛ لأن الحكمة في الكرامة هو التثبت على الحق واليقين والاجتهاد في العبادة والاحتراز عن السيئات، وعين اليقين يحصل بعد الموت، وما بعد الموت ليس وقت التكليف.
ونقل الكاتب أقوال كثيرة لأئمة علماء الأحناف ملخصها: وكثير من هذه الخوارق يحصل لكثير من الشيوخ الذين لا يعلمون الكتاب والسنة ولا يعملون بهما، فإن الشيطان كثيرًا ما يلعب بالناس ويريهم الأشياء الباطلة في صورة الحق، قال تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ و سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ .
وذكر الكاتب غير ذلك من شبهات القبورية، ورد أئمة علماء الأحناف عليهم.
يتبع إن شاء الله.
]]>قراءة في كتاب التاريخ الإسلامي دروس وعبر (2 -3)
المؤلف : عبدالناصر الدياسطى ، باحث في التاريخ الإسلامي.
الدولة العباسية
أ. ذكر المؤلف أن الدولة العباسية حكمت قرابة خمسة قرون وربع القرن ، وذلك بداية من سنة ١٣٢هـ وحتى سنة ٦٥٦هـ ابتدأت بأبى العباس السفاح وانتهت بمقتل الخليفة المستعصم على أيدي التتار، حيث زالت دولتهم ؛ وذكر أن الشيعة لعبوا دورا بارزا في تشويه دولة بني العباس وهو نفس الدور الذي قاموا به في تغيير صفحات بني أمية بالإشتراك مع العباسيين ، ذلك أن آل البيت الذين كانت الدعوة باسمهم وعلى أساسها انفرط عقد بني أمية ، قد انفرد من بينهم بنو العباس الذين استأثروا وحدهم بالسلطة دون بني عمومتهم من أبناء أبي طالب ، فتباري الشيعة في ذكر مثالب بني العباس وتشويه صورتهم.
ب. مرت دولة الخلافة العباسية بعصرين اثنين:العصر الأول عصر القوة والإزدهار، والثاني عصر الضعف والإنهيار.
1. أما العصر العباسي الأول:
فقد ابتدأ من ١٣٢ هـ وانتهى ٢٤٧هـولمدة ١١٥ سنة ، وتناوب عليه عشرة من الخلفاء العظماء أولهم أبو العباس السفاح وآخرهم المتوكل.
كانت الخلافة في هذا العصر قوية ، والخلفاء هم القابضون على زمام الأمور، وكانت سلطة الخلافة تمتد على القسم الأكبر من الإمبراطورية عدا الأندلس ، فهي تحت سيطرة الأمويين ، وقسم من شمالي إفريقيا ، وكانت الأحوال الداخلية والخارجية منتظمة على وجه العموم إلا من بعض فتن قام بها العلويون وبعض الفرس ، من أجل المطالبة بالخلافة ، وامتاز الخلفاء بتوقير أهل العلم والأدباء ورجال الدين ، مما كان له أكبر الأثر على ازدهار الحياة العلمية والاجتماعية .
تزامن مع هذه الفترة تمكن عبدالرحمن الداخل من إقامة حكم أموي في الأندلس ، فبعدما فتحها طارق بن زياد ٩٢هـ ، وموسى بن نصير ٩٣هـ ، وانتهى عهد الفتح ، تحول الفاتحون إلى تنظيم البلاد ونشر الإسلام فيها ، واتخذت قرطبة كأول عاصمة للمسلمين في الأندلس ، ثم دخلها عبدالرحمن الداخل وحولها إلى إمارة سنة ١٣٨هـ ، ثم تحولت إلى خلافة في عهد الناصر وابنه المنتصر سنة ٣٥٠هـ ، ثم جاء عهد الطوائف ٣٩٩هـ ، ودخلت الأندلس في تشتت وتمزق.
2. أما العصر العباسي الثاني:
فهو عصر الضعف والإنهيار، وقد قسمه المؤرخون إلي ثلاثة عصور ، بحسب القوة المهيمنة على الحكم .
الأول: عصر سيطرة الترك ، ويمتد من ٢٤٧: ٣٣٤= ٨٧ سنة.
•تعاقب على هذه الفترة اثنا عشر خليفة ، من المنتصر إلي المستكفي سيطر القواد الترك على مقاليد الأمور ، وبلغ من نفوذهم أن الخلفاء الأربعة الذين جاءوا بعد المتوكل : المنتصر والمستعين ، والمعتز ، والمهتدى فقدوا حياتهم بسبب هذا النفوذ المتزايد ؛ ولا يعني ضعف الخلفاء في هذه الفترة أنهم كانوا سيئي السيرة والسمعة ، بل كان أكثرهم من الفضلاء ، وما كان من خلاف بينهم فمرده إلى نظرة كل واحد واجتهاده في أمر الإصلاح ، وكان كلٌ يظن أن ضبط الأحوال لن يكون إلا من جهته.
• ومن معالم هذه المرحلة: أن أسس التشيع وضعت في هذه الحقبة ، أي العصر الثاني للدولة العباسية.
• كان عهد الخلفاء الأربعة الأوائل: المنتصر، المستعين، المعتز، المهتدي ؛ عهد التفوق التركي على الخلفاء ، وكان عهد الثلاثة الذين جاءوا من بعدهم : المعتمد، المعتضد، المكتفي ، عهد انتعاش وقوة ، واستطاع الثلاثة أن يستردوا نفوذهم ، ثم كانت الإنتكاسة في عهد المقتدر والظاهر، الذين كثرت في عهدهم الفتن والثورات ، فظهر في عهد الراضي الذي تولي بعدهما ، منصب أمير الأمراء ، الذي نقل كل سلطات الخليفة إلي حوزته وتحت قبضته.
• وفي هذه الحقبة تولى هشام الثالث حكم الأندلس من سنة ٣٥٤ هـ وحتى ٤٠٣هـ
، وقد بلغت قرطبة في عهده قمة عظمتها ، وصارت منبرا للعلم والثقافة وتوجه إليها أبناء الملوك والأثرياء في أوروبا للدراسة في مدارسها وجامعاتها وعند عودتهم إلي بلادهم يفخرون بأنهم تعلموا على أيدي العلماء المسلمين ، ومما نفاخر به أن ملك إنجلترا جورج الثاني أرسل إلي هشام الثالث خليفة المسلمين رسالة ذكر فيها تعظيم هشام الثالث والإشادة بالرقي الذي تتمتع به معاهد العلم في الأندلس ، وذكر له أنه أرسل ابنة شقيقة الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف إنجلترا ليتعلموا في معاهدنا.
الثاني :عصر السيطرة البويهية الشيعية ، وتمتد من سنة ٣٣٤هـ وحتى ٤٤٧ هـ ولمدة ١١٣ سنة.
• تعاقب على هذه المدة أربعة خلفاء فقط :المطيع ، الطائع ، المقتدر ، القائم ، فقد طالت مدد خلافتهم ، حيث أن إمرة الأمراء التي كان يتولاها آل بويه ، كانت تتحمل كافة تبعات الحكم ، وبالتالي حددوا نفوذ الخليفة.
• يعود آل بويه في أصولهم إلي الفرس وسكنوا بلاد الديلم ، ومثلوا حركة فارسية شيعية زيدية ، وحاولوا في مدة حكمهم صبغ العراق بالصبغة الشيعية.
•قامت في عهدهم دول شيعية كثيرة ، فالعبيديون في مصر والمغرب وأجزاء من الشام ، والحمدانيون في الموصل والشام ، والقرامطة في البحرين وأجزاء من الجزيرة العربية ، واحتلوا دمشق.
•غلب على هذه المرحلة كثرة الفتن التي أثارها الشيعة ، وضاع أمر الإسلام في دولة بني بويه ، وتركوا الجهاد ، وهاجت نصارى الروم ، وأخذوا المدائن وقتلوا وسبوا .
•ظهر في هذه المرحلة تدوين المذهب الشيعي ونما وانتشر بفضل الدعم السياسي له ، فظهرت الطائفية المقيتة في العالم الإسلامي والتي تعاني منها الأمه إلي الآن.
الثالث :عصر السلاجقة : والذي امتد من ٤٤٧هـ وحتى ٦٥٦هـ ولمدة ٢٠٩ سنة.
•وكان خلفاء هذه المرحلة على درجة عالية من العدل والصلاح فأحبتهم الرعية كثيرا ، وقد بلغ عددهم أحد عشر خليفة.
• وذكر المؤلف أن السلاجقة ينسبون إلي سلجوق بن دقاق التركماني ، وموطنه الأصلي بلاد ما وراء النهر.
• حكم الدولة السلجوقية التي ظهرت في القرن الخامس عدد من السلاطين أبرزهم أرطغرل ت ٤٥٥هـ ، ألب أرسلان ت ٤٥٦هـ ملكشاه ت ٤٨٥هـ ، وقد بلغت الدولة في عهده قمة اتساعها.
• واستطاع هؤلاء السلاطين أن يوحدوا المشرق الإسلامي من جديد تحت رايتهم ، وتعاملوا مع الخلفاء بإجلال واحترام كبير ونجحوا في سحق الباطنية في دمشق وأصبهان وغيرهما.
• تميز الخلفاء في هذه المرحلة بالعقيدة والتوجه السني ، عدا الخليفة الناصر (٥٧٥_ ٦٢٢) هـ الخليفة الثامن من خلفاء هذه المرحلة الذي كان أظهر التشيع ، فكان يفضل عليَا على عثمان رضي الله عنهما
• وقع في هذه المرحلة الهجوم الصليبي على الأراضي الإسلامية ، لكنهم فشلوا وطردوا في نهاية المطاف ، فكانوا من أسباب تحريض المغول علي غزو بلاد المسلمين ، فتحركوا صوب بغداد وأسقطوها ، وقتلوا الخليفة المستعصم ، وخربوا البلاد وقتلوا قرابة المليون من المسلمين ، وذلك سنة ٦٥٦هـ .
• ثم ذكر المؤلف أسباب سقوط دولة الخلافة العباسية ، فمن ذلك ترك الجهاد في سبيل الله ، ضعف همم ملوك الإسلام ، وانحسار سلطان الخلافة ، وخيانات الشيعة الرافضة ، وضعف دور العلماء في تهيئة الأمة لرفع راية الجهاد ، ومقاومة الأعداء ، وضعف الخليفة المستعصم ، وتسليمه أمور الدولة للوزير الشيعي ابن العلقمي الخائن.
التتار
أ.ذكر المؤلف أنهم مجموعة من القبائل البدوية التي كانت تنتشر في شمال الصين ، وكانت ديانتهم خليط من أديان شتى ، جمعها جنكيز خان بعضها من الإسلام وبعضها من المسيحية والبوذية ، وبعضها من عند نفسه وضمنها كتابا سماه "الياسق" .
ب. تميزت حروبهم بسرعة الإنتشار ، والترتيب المحكم ، والأعداد الهائلة ، وجنود بلا قلب ، وحروب تخريبية وإبادة جماعية.
ج. اجتاح التتار إقليم خوارزم ، وبخارى وسمرقند ، وإقليم فارس ، ومرو ، ونيسابور ، وأفغانستان ، ثم حصار العراق ، وغزوها واستباحة دار الخلافة ، وتدمير مكتبة بغداد ، وقتل الخليفة ، ومعه قرابة المليون من أهل بغداد كما ذكر بعض المؤرخين.
دولة المماليك
أ. ذكر المؤلف أن مدة حكم المماليك مائتان وأربع وسبعون سنة ابتدأت من ٦٤٨هـ ل ٩٢٢هـ ؛ حكم منها المماليك البحرية ، ١٤٤ سنة ، من ٦٤٨ هـ وحتى ٧٩٢هـ وحكم المماليك الجراكسة ١٣٠ سنة ، من سنة ٧٩٢هـ وحتى ٩٢٢هـ .
ب. تعتبر فترة حكم المماليك البحرية من أزهى عصور مصر الإسلامية ، فقد حافظ أكثر السلاطين على تعاليم الدين وأداء فرائض ، وذكر المقريزى _الذي عاش حياته في العصر المملوكي_ أن الشريعة جرى تطبيقها على الرعايا المصريين في القاهرة وغيرها من المدن والقرى.
ج. ذكر المؤلف أن الوازع الديني كان كبيرا لدي هؤلاء المماليك ، وكانوا يهابون أهل العلم ، ويعرفون مدى تأثيرهم على الرعية ، فبالغوا في إكرامهم والتقرب إليهم ، حتى قال الظاهر بيبرس لو أن هذا الشيخ_ يعني العز بن عبدالسلام_ قال للناس: اخرجوا عليه ، لانتزع الملك مني ، وقال عندما سمع نبأ وفاته : الآن استقر ملكي.
د. انعكس هذا التكريم على حركة التأليف والتدوين ، فكانت هذه الفترة أغني أوقات التدوين ، فظهر من مشاهير الأمة : النووي ، والعز بن عبدالسلام ، ابن تيمية ، ابن القيم ، المزي ، ابن حجر ، الذهبي ، ابن جماقة ، ابن كثير ، المقريزي ، ابن تغري بردي ، القلقشندي .
هـ. وذكر المؤلف أن حركة الجهاد قد علا شأنها ، فدافعوا عن الدين والأرض ، فأحرزوا انتصارات مبهرة على الصليبيين والتتار في "عين جالوت"و " ومرج الصفر" و "المنصورة" و "فارسكور"
و. ثم تردت أحوال المماليك في زمان " المماليك الجراكسة" حتى سقطت الدولة في نهاية المطاف على أيدي سليم الأول العثماني بعد معركة الريدانية ٩٢٣ __١٥١٧.
ز.ثم ذكر المؤلف أن من أبرز أسباب سقوط المماليك ، صراع القوى المميت بين الأمراء أنفسهم ، والضربات الإقتصادية التي لحقت بهم ، بعد حركة الكشوف البرتغالية ، وتحول التجارة إلي رأس الرجاء الصالح ، والإنحراف التدريجي عن تطبيق الشريعة ، ثم الحرب مع العثمانيين.
والله ولي التوفيق
يتبع إن شاء الله
]]>قراءة في كتاب: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1-3)
قرأه/ محمود الشرقاوي.
المؤلف: أبو عبد الله شمس الدين بن محمد بن أشرف بن قيصر الأفغاني (المتوفى: 1420هـ)
أهمية الكتاب: أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراة من الجامعة الإسلامية، يرد فيها الكاتب على بدعة القبورية، وخاصة أن هذه البدعة انتشرت ليس فقط في فئة العوام، بل للأسف الشديد يتمسك بها، وينافح عنها ويدعو لها أئمة من أعلام المذاهب الإسلامية وخاصة الحنفية، فرد لهم من خلال أقوال أئمة أيضًا من المذهب الحنفيّ، وبسط الموضوع بسطًا شافيًا كافيًا.
نبذة عن البحث:
بدأ المؤلف كتابه بذكر آيات وأحاديث في العقيدة، ثم شرع في وصف كتابه بأنه يشمل:
مقدمة وعشرة أبواب وخاتمة.
مقدمة الكتاب: وفيها أمور ثلاثة عشر:
منها خطبة الحاجة، وأهمية توحيد العبادة،
وذكر الكاتب حالة الناس قبل نشأة القبورية، فقال: فمنذ آدم عليه السلام، والناس أمة واحدة على ملَّة واحدة ولم يكن فيهم مشرك بالله، ولا قبوريّ.
ثم ذكر الكاتب نشأة القبورية في الأمم الماضية، فقال: وكان إبليس عدوًّا لهم، يتحين لهم الفرص لإغوائهم، فلم يتمكن من ذلك؛ إلى أن تُوُفِّيَ بعضُ الصالحين، أمثال وُد، وسُواع، ويَغوث، ويَعوق، ونَسر، فحزنوا لفراقهم، فاحتال عليهم الشيطان، وسوَّل لهم أمورًا استدرجهم بها إلى أن عكفوا على قبورهم فعبدوهم. وبهذه الطريقة الشيطانية، ظهرت فِرقة قبورية في بني آدم قبل رسول الله نوح عليه الصلاة والسلام؛ فأرسل الله تعالى إليهم رسوله نوحًا عليه السلام، وكان يدعوهم إلى توحيد الله، فأهلك الله أهلَ الشرك، ونجَّى أهل التوحيد، ثم بعد فترة من الزمن انتشرت القبورية، في كثير من الأمم؛ أمثال عاد وثمود ومَدين وغيرهم، حتى دخلت القبورية بشكل واضح إلى الفلاسفة اليونانية، أمثال أرسطو وتلاميذه؛ مع عبادة الأصنام أيضًا، ثم آلت سموم القبورية إلى اليهود والنصارى، حتى وصل الأمر إلى مشركي العرب، وقد كانوا في الأصل على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولكن استدرجهم الشيطان، هكذا عمت القبورية البلاد والعباد وطمَّت؛ إلا مَن شاء الله من موحدي الفطرة.
ثم ذكر الكاتب نشأة القبورية في هذه الأمة، ومصادرها، وأسباب انتشارها:
قال الكاتب: هدى الله الناس بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وجمعهم على دين الإسلام؛ دين التوحيد، وأُزيل كل ما يُعبد من دون الله؛ من قبر وشجر وحجر ونَصب وصنم ووثن، وتوفَّى الله تعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم والإسلام في تقدم وشَوكة تامة، فواصل خلفاؤه الراشدون سيرهم إلى أن صارت الفرس والروم في ذِلَّة وهَوان، ولمَّا رأى أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين: من عَبَدة القبور والأوثان والأصنام أنه لا يمكن القضاء على هذا التيار، اندسَّ كثيرٌ من جواسيسهم في المسلمين، فتمكنوا من تمهيد الطريق لإعادة الجاهلية الأولى، عن طريق الغلو في الصالحين وتعظيم قبورهم، فابتليت هذه الأمة بملحد زنديق مشرك منافق يهودي يدعى عبد الله بن سبأ وابن السوداء؛ فادَّعى ألوهية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحياة الأموات الأولياء حياة دنيوية، إلى أن تطورت وعُرفت بالروافض، ثم الإسماعيلية القرمطية، والنصيرية، وغيرهم من الباطنية، فظهرت في هذه الأمة فرقة قبورية وثنية في صورة هؤلاء الروافض؛ فعمَّروا المشاهد وعطَّلوا المساجد.
قال الكاتب ومن ناحية أخرى: أنه عُرِّبت كتب الفلاسفة اليونانية القبورية الوثنية، وعكف عليها كثير مِمَّن تفلسفوا في الإسلام أمثال: الفارابي وابن سينا الحنفي القرمطي فتأثروا بآرائهم الفلسفية، ومنها العقائد القبورية.
وسايرهم كثير من المتكلمين من الماتريدية الحنفية، والأشعرية الكلابية بسبب العكوف على كتبهم الفلسفية.
ومن ناحية ثالثة: أنه قد ظهر ناس من المسلمين بمظهر التقشف ويتظاهرون بمظهر الدعوة إلى السنة، وقد عُرف هؤلاء الملاحدة الزنادقة بالصوفية الحلولية والاتحادية القبورية الخرافية؛ أمثال الحلَّاج وابن الفارض وابن عربي وابن سَبعين.
فمن طريق هؤلاء الروافض والمتفلسفة والمتكلمة والصوفية الخرافية تسرَّبت القبورية إلى كثير مِمَّن ينتمون إلى الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى.
بل أصيب بهذا الداء العضال داء القبورية كثير من أهل العلم والفضل والفقه واللغة والأدب من العلماء الأعلام فضلًا عن الجهلة العوام، وظهرت القبورية في كثير من الطوائف بشكل واضح.
ثم ذكر الكاتب أشهر فرق القبورية: المتمثلة في الروافض، بجميع فرقهم، والصوفية الحلولية والاتحادية والقادرية، والرفاعية، والشاذلية المغربية المصرية، والخلوتية، والبدوية السطوحية المصرية، والنقشبندية الفارسية، والتجانية الأفريقية المغربية، وأكثر المتفلسفة المعطلة المنطقية، وكثير من المتكلمة الجهمية: كبعض الماتريدية الحنفية، وبعض الأشعرية الكلابية، وغيرهم كثير.
ثم ذكر الكاتب جهاد أئمة الإسلام وعلماء الحنفية في الرد على القبورية: قال: أكرم الله تعالى هذه الأمة وتداركها بشيخ الإسلام، وتلاه ابن القيم، ثم مجدد الدعوة الإمام، وشاركهم كثير من الأعلام من أهل المذاهب الثلاثة، وعلى رأسهم علماء الحنفية؛ فقد قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى مقالة حنفية حنيفية قاطعة لدابر القبورية (لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به)، وهذه المقالة في باب توحيد العبادة؛ كالمقالة المالكية الملكية للإمام مالك:(الاستواء معلوم والكيف مجهول) في باب توحيد الصفات.
لذلك تتابعت جهود علماء الحنفية في الرد على القبورية، فمن أبرز هؤلاء: الإمام ابن أبي العز، والإمامين البركوي وأحمد الرومي، وصنع الله الحلبي، والإمام ولي الله الدهلوي، وغيرهم من علماء الحنفية.
ثم ذكر الكاتب أسباب اختيار الموضوع: قال: إن كثيرًا من القبورية يزعمون أن الردَّ على القبورية من خصائص طائفة ظنوها شاذة محصورة في أمثال: شيخ الإسلام، وابن القيم، ومجدد الدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، ونبذوهم، لذلك نرى أصنافًا من القبورية والصوفية الخرافية الذين يكرهون العقيدة السلفية من أعماق قلوبهم، لأجل ما عندهم من التوحيد المضاد للقبورية، فأراد إبطال هذا الزعم الباطل بجمع جهود علماء الحنفية المبعثرة في كتبهم في إبطال عقائد القبورية.
ثم ذكر الكاتب خطة البحث: قال: هذه الرسالة مشتملة على مقدمة وعشرة أبواب وخاتمة.
ثم ذكر منهجه في هذه الرسالة.
الباب الأول: وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: في أهمية شأن العقيدة عند علماء الحنفية: قال الكاتب: كان الرسل عليهم السلام يهتمون بإصلاح العقيدة قبل إصلاح الأعمال، وقد درج على ذلك علماء الحنفية أيضًا، ونقل بعض نصوص أئمة الحنفية وعلمائهم منها:
قول الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:(الفقه في الدين أفضل من الفقه في الأحكام، ولأَنْ يتفقه الرجل كيف يعبد ربه خير له من أن يجمع العلم الكثير)، ونقل شروح الأئمة الأحناف لقول أبي حنيفة، وأنه سماه (الفقه الأكبر)، وأنهم قالوا: (وهو أول واجب وآخر واجب)، فمنهم الإمام أبو الليث السمرقندي، وابن أبي العز رحمه الله تعالى، والعلامة القاري، والإمام البدر العيني، وغيرهم كثير.
الفصل الثاني: في تعريف التوحيد، وبيان أنواعه عند علماء الحنفية، وردهم على تعريف التوحيد عند القبورية:
قال الكاتب: لقد جهلت القبورية مفهوم التوحيد، وحرفوه وفسروه بتوحيد الربوبية، وبسبب هذا الجهل المركب المطبق، صاروا أعداء للتوحيد الصحيح وأهله، ولأجل هذه الطامة الكبرى حرَّفوا معنى (العبادة) تحريفًا واضحًا، كما غيَّروا معنى (الشرك) أيضًا تغييرًا فاضحًا.
وذكر الكاتب تعريف التوحيد لغةً واصطلاحًا، فقال: قال الإمام أبو جعفر الطحاوي إمام الحنفية في عصره مبينًا عقيدة الأئمة الثلاثة للحنفية على الإطلاق: أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، (نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ له، ولا شيءَ مثلُه، ولا شيءَ يعجزه، ولا إلهَ غيرُه) ونقل عدة أقوال بنفس المعنى، تدلُّ على أن تعريف التوحيد عند أئمة الأحناف يشمل ثلاثة أنواع.
أما تعريف القبورية وأهل الكلام للتوحيد: أنَّ الله واحدٌ في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا نظير له وواحد في أفعاله لا شريك له.
ثم قال الكاتب: فقد عرفوا التوحيد بتعريفات ناقصة غير جامعة لأنواعه.
ثم ذكر الكاتب أنواع التوحيد عند علماء الحنفية وردهم على القبورية، الذين لم يدخلوا توحيد الألوهية ضمن أنواع التوحيد، الذي هو أهم هذه الأنواع فهو في الحقيقة مفترق الطرق بين المسلمين وبين المشركين، ولأجل تحقيقه أُرسلت الرسل وأُنزلت الكتب، وهو المتضمن المستلزم لتوحيد الربوبية وتوحيد الصفات.
وعلى الرغم من ذلك قال القبورية الكلامية: إنَّ تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع: الربوبية، والأسماء والصفات، والألوهية، ليس من دين السلف؛ بل هو من دين النصارى وأقانيمهم الثلاثة.
قال الكاتب: بل عند علماء الحنفية التوحيد قسمان:
1- توحيد المُرسِل أي: توحيد الربوبية، والأسماء والصفات، والألوهية
2- توحيد المتابعة أي: عدم تقديم أقوال الأئمة على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله، وعدم معارضته بالقياس والعقول، فهو أيضًا في غاية الأهمية عند علماء الحنفية.
الفصل الثالث: في أهمية توحيد الألوهية وكونه هو الغاية عند علماء الحنفية: فبيَّن الكاتب ذلك بعدة وجوه، من خلال أقوال علماء الأحناف حول بعض الآيات والأحاديث.
الفصل الرابع: في أركان توحيد الألوهية وشروط صحته:
المبحث الأول: أركان توحيد العبادة:
قال الكاتب: إنَّ علماء الحنفية قد صرَّحوا أنَّ توحيد العبادة متركب من ركنين:
الركن الأول: النفي؛ أي نفي جميع ما يُعبد من دون الله،
الركن الثاني: الإثبات؛ أي إثبات أن الله تعالى هو وحده إله حق، مستحق للعبادة وحده.
فالأول: (لا إله) وهو النفي، والثاني: (إلا الله)، وهو الإثبات، ونقل أقوال عدة أئمة على ذلك منهم: الإمام ابن أبي العز والعلامة القاري والشيخ أحمد السر هندي الملقب عند الحنفية بالإمام الرباني، ومجدد الألف الثاني، والعلامة شكري الآلوسي، وغيرهم.
المبحث الثاني: في بيان شروط صحة توحيد العبادة:
قال الكاتب: إن علماء الحنفية صرحوا بأنه لا صحة للتوحيد إلا بعد توفر تلك الشروط.
الشرط الأول: فَهْم معنى توحيد العبادة، والعلم به المنافي للجهل.
الشرط الثاني: اليقين المنافي للظنّ والشك.
الشرط الثالث: التصديق المنافي للتكذيب.
الشرط الرابع: الإخلاص المنافي للشرك والنفاق والرياء والسمعة.
ونقل الكاتب أدلة على تلك الشروط، من القرآن والسنة وأقوال أئمة الحنفية، مثل الإمام البدر العينتابي والملا علي القاري والعلامة الخجندي وغيرهم.
الباب الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية من قولهم باتحاد توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإبطال جعلهم توحيد الربوبية هو الغاية، وبيان التعريف الصحيح للعبادة، وأركانها، وأنواعها، وشروط صحتها، وإبطال عقيدة القبورية في ذلك كله:
وذكر الكاتب فيه أربعة فصول:
الفصل الأول: في عرض عقيدة القبورية في القول باتحاد توحيد الربوبية والألوهية وجعلهم توحيد الربوبية الغاية:
قال الكاتب: وهذه الطامة الكبرى التي هي أم الطامات، ثم ذكر ثلاث عشرة طامة، منها توصلوا إلى أن توحيد الربوبية كافٍ لدخول المرء في الإسلام والنجاة، وتحريفهم لتلك الآيات الصريحة الناصَّة على أن المشركين كانوا يعترفون بتوحيد الربوبية، وغيروا مفهوم الشرك وزعموا أنه لا يتحقق الشرك إلا إذا اعتقد في غير الله أنه رب مستقل، وإنكارهم وجود الشرك في المنتسبين إلى الإسلام إنكارًا قاطعًا باتًّا؛ وأن الشرك لم يقع في المستغيثين بأهل القبور، وارتكب القبورية أنواعًا من الإشراك بالله، من دعاء الأموات والاستغاثة بهم عند الكربات وعبادتهم للقبور وأهلها، ويسمون أنفسهم موحدين مؤمنين، ويسمون أئمة التوحيد والسنة دعاة العقيدة السلفية خوارج كلاب النار؛ ويتهمونهم بأنهم يكفرون جميع الأمة الإسلامية، وتبرير إشراكهم بأنهم لا يعبدون الأصنام، كما أصيب بهذا الداء العضال خلطاؤهم المتكلمون من الماتريدية والأشعرية، ونقل بعض نصوص أئمة القبورية، مثل: السمنودي وابن جرجيس كقولهم ) الرب والإله معناهما ومفادهما واحد (وكقولهم:(فإن توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية، وأما جعلهم التوحيد نوعين: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية فباطل؛ وهو قول المُلحدة المكفرة للمسلمين) إلى غير ذلك من أقوال القبورية، التي نالوا بها من شيخ الإسلام ومجدد الدعوة الإمام محمد عبدالوهاب .
الفصل الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في القول باتحاد هذين التوحيدين (الربوبية والألوهية) وإبطال جعلهم توحيد الربوبية هو الغاية:
فذكر الكاتب ردود أئمة الأحناف عليهم من ثلاثين وجهًا منها:
معني كلمة الإله و الرب وأنهما متغايران اصطلاحًا كما أنهما متغايران لغةً، فالربوبية توحيد الله تعالى بأفعاله، والألوهية توحيد الله تعالى بأفعال العبد؛ وأنه لا يدخل في دين الإسلام إلا بكلمة:(لا إله إلا الله) بخلاف غيرها من الكلمات، مثل (لا رب إلا الله) أو (لا خالق إلا الله)، بدليل اعتراف المشركين بهذه الكلمات، ولم يعترفوا بالكلمة الأولى، وأن المشركين الأوائل إنما أشركوا بالله تعالى شرك الشفاعة والتوسل إلى الله تعالى بعباده الصالحين؛ أي إشراكهم كان في توحيد الألوهية؛ وأنَّ المشركين كانوا يستغيثون بالله وحده عند الكربات، وأنَّ المشركين كانوا على بقية من بقايا الملة الإبراهيمية، وكانوا يسمون أنفسهم الحنفاء؛ وأنَّ المشركين في الجاهلية لم يدعوا الاستقلال لآلهتهم كما في تلبيتهم (لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملِكه وما مَلَك)، وأنَّ توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، ولا عكس؛ وأنَّ توحيد الربوبية دليل على توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية مدلول لتوحيد الربوبية؛ والدليل غير المدلول، وإذا علمت هذا تبيَّن لك أنَّ المعركة بين أهل التوحيد والمشركين في الألوهية فقط.
الفصل الثالث: في جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية التي تشبثوا بها للقول باتحاد هذين التوحيدين، وزعمهم أن المشركين كانوا مشركين آلهتهم بالله في الخالقية والمالكية والربوبية ونحوها.
فذكر الكاتب عدة شبهات لهم باتحاد هذين التوحيدين ورد عليها منها: شبهة (برهان التمانع) أي امتناع وجود صانعين، وحملوا قوله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فالتمانع دليلًا على اتحاد الرب والإله؛ والفساد بمعنى التدمير والهدم الظاهري، وبالتالي ما يفعله القبورية ليس بشرك، ولم يتخذوا أهل القبور أندادًا، لأنَّ العالم لم ينهدم.
والشبهة الثانية: تشبثهم بقوله تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى قال القبورية: (لم يقل ألست بإلهكم، فاكتفى منهم بتوحيد الربوبية، ومن المعلوم أنَّ مَن أقر لله بالربوبية فقد أقر له بالألوهية إذ ليس الرب غير الإله، بل هو بعينه).
وغير ذلك من الآيات التي استدل بها القبورية بأن المشركين كانوا مشركين في الربوبية، ولا يوجد ما يسمي بتوحيد الألوهية.
ورد على شبههم من خلال أقوال أئمة الأحناف كالعلامة محمود شكري الآلوسي، والعلامة السهسواني، ثم عقب بكلام الإمام محمد بن عبد الوهاب.
- الفصل الرابع: في جهود علماء الحنفية في تعريف العبادة، وأركانها، وأنواعها، وشروط صحتها، وإبطال عقيدة القبورية في ذلك كله.
ذكر الكاتب في هذا الفصل عقيدة القبورية في العبادة، وتعريفهم لها، ثم ذكر تعريف العبادة عند علماء الحنفية، وردهم على تعريف القبورية للعبادة، ثم ذكر أركان العبادة، وأنواعها، وشروط صحتها عند علماء الحنفية، وردهم على القبورية في ذلك كله.
قال الكاتب: فكما أنَّ القبورية انحرفت في مفهوم (التوحيد)، ومفهوم (الشرك)، انحرفت أيضًا في مفهوم (العبادة)، فقالوا: في كل ما يسمى عبادة شرعًا: (إنه لا يكون عبادة إلا باعتقاد الربوبية في المعبود؛ لا يدخل فيه شيء من التوسل والاستغاثة وغيرهما)، وصرحوا بحصر العبادة في بعض أمور الإسلام، حسب ما جاء في حديث جبريل الذي فيه تعليم لأركان الإسلام والإيمان، وسموا دعاء الأموات نداءً، وبذلك قد برَّروا جميع أنواع إشراكهم بالله عز وجل، إنه ليس من الشرك، بل من باب التوحيد، وإنه من سنن الأنبياء والمرسلين، وطريقة العلماء العاملين، ومسلك الأولياء المقربين، وقالوا: (وقوله [أي شيخ الإسلام] العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة): هُراء ليس بتعريف للعبادة) .
وذكر الكاتب رد علماء أئمة الأحناف عليهم ومجمل قولهم:
*وهو أنَّ تعريف القبورية للعبادة تعريفٌ باطلٌ مزيّفٌ فاسدٌ غيرُ جامعٍ لأفراده.
* أنه يلزم من تعريفهم للعبادة: أنَّ المشركين غير عابدين لغير الله.
* أنَّ عبادة المشركين لآلهتهم إنما كانت على أساس الشفاعة؛ والدعاء والاستغاثة بهم، لا على أساس الاستقلال بالربوبية؛ لأنهم اعترفوا بتوحيد الربوبية والخالقية والمالكية لله.
ثم ذكر الكاتب تعريف العبادة لغة وأنها تشمل أحد عشر معنًى، وذكر تعريف العبادة اصطلاحًا وشرعًا عند علماء الحنفية وأنها تشمل اثني عشر تعريفًا، وذكر أركان العبادة وأنواعها وشروط صحتها عند علماء الحنفية وردهم على القبورية في ذلك كله، وتبين من أركان العبادة التي ذكرها عن الحنفية: أن العبادة غير محصورة في بعض الأمور، من الركوع والسجود والصلاة والزكاة ونحوها كما زعم القبورية، وقد صرح العلامة محمود شكري الآلوسي بأن حديث جبريل في بيان أركان الإسلام والإيمان لا يدل على حصر العبادة في بعض الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فلا مستند للقبورية في هذا الحديث على حصر العبادة، ونقل عن الشيخ الرستمي والشيخ الندوي من علماء الأحناف مبينًا بعض أنواع العبادة، محققًا أنَّ القبورية يعبدون الأموات بكثير من أنواع العبادة.
يبتع، إن شاء الله.
]]>قراءة في كتاب التاريخ الاسلامي دروس وعبر (1 - 3)
• المؤلف: عبد الناصر الدياسطي باحث في التاريخ الاسلامي.
• تقسيم الكتاب على ثلاث مجلدات:
1. المجلد الأول اشتمل على خلافة الراشدين والخلافة الأموية وجاء في 504 من الصفحات.
2. الثاني اشتمل على الخلافة العباسية والتتار والمماليك وجاء في 632 صفحة.
3. الثالث اشتمل على الدولة العثمانية ولمحة عن أهم الدول العربية المعاصرة وجاء في 720 صفحة.
• أهمية الكتاب: يأتي الكتاب ليعالج عدة أمور لدى قارئ التاريخ ودارسه
1) الاعتدال في النظر إلى أحداث التاريخ فلا نوارى الانحرافات ولا نغفل عن العثرات بل ننقد الروايات نقدا علميا وفق مبادئ الجرح والتعديل.
2) لفت النظر إلى أن الانحرافات التي حدثت لأمتنا ليست إلا خطا أسودا لكنه في صفحة بيضاء تغطى هذا السواد الضئيل.
3) عدم التركيز على ما يسمى بالتاريخ السياسي وحده والذي قد يصور حياة المسلمين الأوائل وحكامهم بأنها كانت قائمة على الصراعات والمنافسات وسفك الدماء فحاول المؤلف أن يعطيه حقه لا أكثر ولا أقل ويعطى التقدم العلمي حقه والتقدم الاقتصادي حقه والترابط الاجتماعي حقه وصور العدل والتسامح حقها وصور الرحمة والإنصاف وتطبيق الشريعة حقها وصور التفاعل بين الحاكم والمحكوم حقها؛ في سياق بديع متناسق يعطى كل ذي حق حقه.
4) التركيز على أهمية الإلمام بالسنن الكونية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحدا فالأمم تقوي وتضعف وفقا لسنن ثابتة وتزدهر الحضارات وتنهار وفقا لسنن ثابتة فمعرفة هذه السنن يفيد في تجنب عوامل الضعف والسقوط والأخذ بأسباب الارتقاء والنهوض.
5) استعرض المؤلف باختصار غير مخل أهم المحطات التاريخية التي مرت على أمتنا بداية من دولة الخلافة الراشدة مرورا بالأمويين والعباسيين والمماليك والتتار ثم الدولة العثمانية وختم ذلك بلمحة سريعة عن أهم الدول العربية المعاصرة وذلك لوصل هذه الأجيال بعصور تاريخها المشرق والمشرف لتقوى العزائم وتستنهض الهمم لإعادة مجد أمتنا من جديد.
عرض الكتاب:
(المقدمة)
جاء فيها وجوب إعادة النظر مرة ثانية في صياغة تاريخ أمتنا من جديد وذلك لعدة أمور:
لمواجهة الهجمة الشرسة التي بدأت قديما منذ عهد الدولة الأموية وازدادت شراستها بعد سقوط الدولة العثمانية. لأن كتب التاريخ مليئة بالروايات الضعيفة والموضوعة التي شوهت تاريخ أمتنا فكان لزاما علينا تنقية هذه المصادر وما علق بها من كل كذب وتلفيق.
لأن أعداء الأمة يحاولون دائما محو ذاكرة الأمة وقطع صلتها بتاريخها المجيد وإماتة روح الاعتزاز بماضيها فصياغة التاريخ وفق المنهج الإسلامي الصحيح يحول دون ذلك.
لإخراج جيل مسلم يعتز بتاريخه ويعرف حقيقة إسلامه ومن ثم يتمسك به ويطبقه في عباداته ومعاملاته وأخلاقه وسلوكياته فلابد من صياغة التاريخ صياغة تبرز فيها هذه الجوانب التي تساعد على إيجاد هذا الجيل على هذا النحو.
ثم ذكر المؤلف أن المقصود بإعادة صياغة التاريخ تنقيته من الأخطاء والروايات المكذوبة ومن ثم إعادة صياغته وفق المنظور الإسلامي الصحيح بغرض الكشف عن الحقائق التاريخية من جهة والاستفادة من دراسة التاريخ في مجال التربية من جهة اخرى.
ثم ذكر تنبيهات مهمة لمن يريد إعادة صياغة تاريخ الأمة منها كتابته بأمانة وتجرد وعدم التركيز على ما يسمى بالتاريخ السياسي وحده مع ضرورة الإلمام بالسنن الكونية وأن تكون الصياغة وفقا للمنهج الإسلامي الصحيح.
ثم ذكر أهمية التاريخ والتي منها أنه يدرس للعبرة والتربية ويوسع أفق المسلم ويطلعه على أحوال الأمم وأنه ذاكرة الأمة التي لا يجوز لها أن تفقدها وأنه يغير الشخصية المسلمة إلى الأرقى والأحسن والأفضل.
وذكر أنه اتبع طريقة التاريخ الموضوعي مبتدئا بدولة الراشدين إلى ثورة 25 يناير 2011 وختم ذلك من باب التفاؤل بذكر كيفية إعادة الأقصى بل الأمة كلها إلى مكان العز والريادة من جديد.
دولة الخلفاء الراشدين:
ذكر المؤلف خلافة الصديق رضى الله عنه والتى ابتدأت من ربيع الأول 11 هـ إلى جمادى الأخرة 13هـ ولمدة سنتين وثلاثة اشهر وعشرة أيام وذكر أمر البيعة وأنها حدثت في جو من الحب والألفة عكس ما يشيعه أعداء الأمة من الشيعة والمستشرقين من حدوث نزاع وتنازع وكذبوا في ذلك ثم ذكر إنفاذ جيش أسامة رضى الله عنه تنفيذا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم ثم التصدي للمرتدين وإخماد فتنتهم ثم إرسال أربعة جيوش إلى الشام وإثنين إلى العراق لتبدأ رحلة الأمة نحو العالمية والقضاء على قوى الكفر فارس والروم ولم يترك الصديق رضى الله عنه الأمة حتى صار لها شأن عظيم بين قوى العالم آنذاك.
ثم ذكر المؤلف خلافة علي رضى الله عنه والتي ابتدأت سنه 35هـ وانتهت بمقتله شهيدا سنه 40 هـ وقد خضعت له جميع الأمصار عدا الشام التي كان يسير أمورها معاوية رضي الله عنه.
وذكر مطالبة معاوية والزبير وطلحة وعائشة رضي الله عنهم بدم عثمان رضي الله عنه وكان رأى علي رضي الله عنه الانتظار حتي تهدأ الأمور وتجتمع الكلمة ثم يطلبوا جميعا الثأر من القتلة، فوقعت أحداث الجمل سنة 36 هـ، ثم أحداث صفين سنة 37 هـ ولم يكن سبب هاتين المعركتين منازعة علي رضى الله عنه في الخلافة، إنما في توقيت تسليم القتلة فعلي رضى الله عنه ومن معه يرون الانتظار حتى تهدأ الفتنة وتجتمع الكلمة ومعاوية وطلحة والزبيروعائشة ومن معهم رضى الله عنهم يرون تسليم القتلة أولا وذكر المؤلف قول النووي: (وكان علي رضى الله عنه هو المحق المصيب)، هذا مذهب أهل السنه وأن الاخرين اجتهدوا فلهم أجر واحد وأهل السنه يمسكون عما وقع بينهم ونترضى عليهم جميعا ونحبهم ونتولاهم.
ثم ذكر خلافة الحسن رضي الله عنه والتي لم تدم أكثر من ستة أشهر وتنازل لمعاوية رضي الله عنه ومدحه النبي صلي الله عليه وسلم بقوله (إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من أمتي) وسمي عام 40 أو 41 _على خلاف بين المؤرخين_ عام الجماعة.
الدولة الأموية:
ذكر المؤلف أن تاريخ بني أمية أصابه التشويه من جهة بنى العباس وهم خصماؤهم السياسيون ومن جهة الشيعة الروافض ثم بتأثير المستشرقين على الكتاب المسلمين الذين درسوا لهم في أوروبا وفى جامعاتنا العربية وذكر المؤلف أنه مما ساعد على ذلك أيضا النكبات التي حدثت في عهدهم كنكبة مقتل الحسين رضى الله عنه وابن الزبير رضى الله عنهما.
وقد بين المؤلف أن عهد بنى أمية لم يكن سليما مائة بالمائة كما كان عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد الراشدين ولم يكن في ذات الوقت عهد جاهلي ولكنه عهد حدثت فيه أخطاء نعم هذا لا ينكر ولكن الخلفاء كانوا على درجة عالية من الإيمان والخوف من الله تعالى وكان المجتمع يعيش حياة الشبه بحياة المجتمع أيام الراشدين حتى بلغ الحال في زمنهم ألا يجدوا محتاجا يأخذ الزكاة لغنى المسلمين وكفايتهم.
وأوضح المؤلف أن ما حدث من بعض الخلفاء من الميل عن الجادة فقد كان انحرافا شخصيا لم يتعد الخليفة وبعض أتباعه وأن بقية الأمة وسائر العلماء والأئمة فكانوا بحمد الله يسلكون السبيل القويم.
ومن مظاهر عظمة هذه الدولة الفتية أن اتسعت الفتوحات اتساعا لم تبلغه في عهد قبله ففي عهد الوليد بن عبدالملك مثلا وصلت الدولة الإسلامية إلى قمة المجد السياسي وتعددت ميادين الفتوحات حتى وصلت إلى ثلاث قارات إفريقيا وأوروبا وآسيا ففي جنوب أوروبا اكتسح طارق بن زياد وموسى بن نصير إسبانيا والبرتغال وتحول محمد بن القاسم إلى شبه جزيرة الهند وانتصر على ملك السند وفتح قتيبة بن مسلم بلاد الترك حتى وصل الى الصين ومسلمة بن عبدالملك اجتاح بلاد الروم حتى وصل الى القسطنطينية؛ ثم ذكر المؤلف قول بن تيمية أن الإسلام وشرائعه في بني أمية أظهر وأوسع مما كان بعدهم وفى الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم
(لا يزال الأمر عزيزا إلى اثنتي عشر خليفة كلهم من قريش) وهكذا كان؛ فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ثم تولى من اجتمع الناس عليه معاوية رضي الله عنه وابنه يزيد ثم عبدالملك وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبدالعزيز رحمه الله.
ثم ذكر المؤلف أن الدولة الاموية بدأت منذ تنازل الحسن لمعاوية رضي الله عنهما في 25 ربيع الأول سنة 41 هـ وانتهت بمعركة الزاب بينهم وبين العباسيين في 11 جمادي الاولي سنة 132 هـ.
وذكر أن الدولة توالى عليها أسرتان الأسرة السفيانية والأسرة المروانية وكان خلفاؤهم ثلاث عشرة خليفة.
تولت الأسرة السفيانية من 41: 64 = 24 سنة وتوالى عليها ثلاثة خلفاء معاوية رضي الله عنه ويزيد ابنه ومعاوية الثاني.
وتولت الأسرة المروانية من سنة 73: 132 = 59 سنة وتوالى عليها عشرة خلفاء أولهم عبدالملك بن مروان وآخرهم مروان بن محمد وتخلل ذلك مدة حكم بن الزبير رضي الله عنهما والتي بلغت 9 سنوات من سنة 64: 73.
ثم سقطت الدولة سنة 132 هـ، وذكر المؤلف أن من أسباب السقوط تراجع الدولة عن الغاية التي قامت من أجلها، وهي حراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين والصراع الداخلي بين أفراد البيت الأموي، والأثر السيئ للبدع خاصة بدعة الجهمية وكثرة الثورات الداخلية، حتي فاجأتهم الرايات السوداء من خراسان فانهزموا امامها وأعلن عن قيام دولة بني العباس وزوال الدولة الأموية التي تركت أثرا حميدا في تاريخ الأمة فرضي الله عنهم ورحمهم وغفر الله لنا ولهم.
هذا وبالله التوفيق ..يتبع إن شاء الله.
]]>قراءة في كتاب: حق الكد والسعاية.
قرأه/ محمود الشرقاوي.
المؤلف: د/عمر المزكلدي، باحث بصف الدكتوراه في القانون الخاص- كلية الحقوق طنجة.
أهمية الكتاب: يتعرض هذا البحث لقضية من القضايا الأسرية من الناحية المالية، وهي كيفية معرفة حق كل فرد في الأسرة إذا ما تم تكوين ثروة مالية من خلال كد وسعي أفراد الأسرة ككل، أو من خلال كد وسعي الزوجين، وما هو حق الزوجة في تلك الثروة، خاصة بعد اتجاه أنظار العالم للحديث عن المرأة وحقوقها، وإصدار قوانين بشأنها، وهذا بحث فقهي شرعي قانوني بقصد معالجة حق الزوجة المالي صاحبة الكد والسعي مع زوجها لتكوين ثروة، أو شراء مسكن لهما.
عرض الكتاب:
المقدمة:
بدأ الباحث بمقدمة ذكر فيها أن الأصل لكل فرد في الأسرة ذمة مستقلة، وأن الزوج عليه بعض الالتزامات المالية تجاه زوجته كالمهر والنفقة، وإذا قام أفراد الأسرة بتكوين ثروة مالية، فإن لكل فرد ساهم فيها له الحق في أن يأخذ نصيباً من تلك الثروة على قدر كده وسعيه في تكوينها.
*ثم ذكر الباحث معني كلمة كد وسعي لغة واصطلاحاً ويسمي عند الفقهاء "بحق الجراية" و"بحق الشقا" وذكر صعوبة هذا البحث وخاصة أن مادته العلمية مترامية في أطراف المصنفات والمؤلفات الفقهية.
والبحث مقسم إلى بابين:
الباب الأول: ارتباط مفهوم حق الكد والسعاية بالعرف المحلي:
إن العرف يشكل مصدرًا من مصادر التشريع الإسلامي إن تحققت شروطه، وكذلك يشكل مصدرًا من مصادر القانون.
الفصل الأول: ارتكاز مفهوم حق الكد والسعاية على مقتضيات العرف المحلي:
وهو مقسم لمبحثين:
إن تطبيق حق الكد والسعاية بصورة محلية محصورة في بعض المناطق جعل تحديد مفهومه أمر صعب للغاية.
الفرع الأول: قصور التحديد الفقهي في ضبط مفهوم حق الكد والسعاية:
ذكر فيه الباحث مبحثين:
المبحث الأول: تبني مفاهيم ضيقة لحق الكد والسعاية:
إن حق الكد والسعاية في الأصل يشمل كل أفراد الأسرة المشاركين في تنمية المال لا تمييز فيه بين ذكر وأنثي، ولهما الحق في هذا المال في أي وقت، واتفق الفقه والقضاء والقانون على ذلك، وإن كان بعض الفتاوي اختزلت مفهوم حق الكد والسعاية على المرأة المتزوجة فقط، وتبعهم بعض القضاة في ذلك، فتأخذ جزءًا من أموال الأسرة الذي شاركت في تنميته بعد وفاة الزوج أو طلاقها، وهذا لا يتماشى والمفهوم الأصيل لهذا الحق.
المبحث الثاني: اعتماد مقترح مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية كأساس لمفهوم لحق الكد والسعاية:
شكلت قضية المرأة وادماجها في التنمية المجتمعية في العقود الأخيرة اهتمام كبير، وقامت الدولة بوضع خطة لذلك في عدة محاور، منها التمكين الذاتي للنساء على المستوي القانوني وتحديداً مجال الأحوال الشخصية، ومنه حق الكد والسعاية، وتم سن مقترح في المادة 49من مدونة الأسرة كأساس، وينص على إلزام القاضي بتمكين الزوجة من نصف الثروة التي ساهمت مع الزوج في تكوينها.
وقام البعض بإنكار هذا المقترح ووصفه بأنه أكل أموال الناس بالباطل، غير أن هذا المقترح يؤدي إلى تحويل العلاقة الزوجية القائمة على المودة والمكارمة إلى مجال المشاحنة والشح، وهذا المقترح مصدره التشريعات الغربية.
وقال البعض بتأييد هذا القانون أن مصدره الأساسي هو التراث الإسلامي.
وبالقراءة المتأنية، وجد أن هذا المقترح مخالف لحق الكد والسعاية، حيث إنه مرتبط في هذا المقترح بالمرأة المتزوجة فقط، ولا يحق لها إلا بالطلاق أو موت الزوج، وكونه نصف الثروة المالية فهو مخالف لحق الكد والسعاية الذي يكون لكل أفراد الأسرة المشاركين في تنمية وتكوين هذه الثرة، ويكون على قدر كد وسعاية كل فرد، فقد يكون نصف الثروة أو أقل أو أكثر.
قال الباحث: إذن يبقى هذا القانون والمقترح محل نظر.
الفرع الثاني: ضرورة تحديد مفهوم حق الكد والسعاية كعرف محلي:
وذكر فيه مبحثين:
المبحث الأول: مناقشة تبني مادة 49:
إن الفقه المعاصر لم يكن موفقاً في صياغة مفهوم سليم لحق الكد السعاية وهذا يستدعي لمحاولة بلورة مفهوم لهذا الحق ويكون منسجمًا مع العرف المحلي من جهة، ومع باقي المؤسسات والمفاهيم التي قد تختلط به من جهة أخرى ولن تكون هذه البلورة مكتملة إلا بالوقوف على المادة 49 من مدونة الأسرة المغربية، ومدى قبولها كأساس لمفهوم حق الكد والسعاية.
وذكر نص هذا القانون بفقراته ومواده ومقترحاته وناقشه بالتفصيل، ومن خلال المناقشة اتضح أن هناك اختلافات جوهرية بين المادة 49 وحق الكد والسعاية تفضي إلى استبعاد إمكانية تبني هذه المادة كأساس لمفهوم حق الكد والسعاية.
المبحث الثاني: محاولة في تعريف حق الكد والسعاية:
وذكر فيه مطلبين:
المطلب الأول: تمييز حق الكد والسعاية عن بعض المؤسسات المشابهة:
يقتضي تعريف حق الكد والسعاية أن يتميز عن بعض المشابهات ففي القانون الفرنسي يمكن القادمين على الزواج اختيار أي نظام لضبط العلاقة المالية بينهم، وإن لم يتم اختيار أي نظام فسوف يخضعان للنظام المالي القانوني، الذي نظمه المشرع حيث تصبح كل الأموال المكتسبة منذ عقد الزواج إلى انحلاله مشتركة بين الزوجين، ويوجد فروق بين هذا القانون وبين حق الكد والسعاية، وذكر الباحث هذه الفروق.
المطلب الثاني: تعريف حق الكد والسعاية:
.هو حق شخصي يقوم على مساهمة السعاة في إطار شركة عرفية على تنمية الثروة الأسرية أو تكوينها، مقابل استحقاقهم جزءًا من المستفاد، يتناسب وقدر مساهمتهم حين إجراء القسمة، وكل ذلك يتم وفق مقتضيات العرف المحلي وقواعده.
وقام الباحث بتحليل العناصر المكونة للتعريف.
الفصل الثاني: تأرجح مشروعية حق الكد والسعاية بين الرفض والقبول: (ارتباط المشروعية بالعرف المحلي).
الفرع الأول: الاتجاه القاضي بعدم مشروعية حق الكد والسعاية:
وذكر فيه مبحثين:
المبحث الأول: مخالفته لأصول الشريعة:
تزامنًا مع ظهور ممارسة حق الكد والسعاية عرفياً، ظهر اتجاه يعتبره مخالفاً لأصول الشريعة، غير موافق للعرف الشرعي بل عرف فاسد، وأنه مخالف للمشهور من مذهب الإمام مالك من جهة، وما جرى به العمل من جهة أخرى.
وذكر الباحث مبررات هذا المسلك وناقش هذه المبررات.
وتطرق الباحث خلال ذلك الحديث إلى مفهوم وشروط العرف الصحيح كأصل من أصول التشريع، وتطرق كذلك لمفهوم المشهور وما جرى العمل به.
المبحث الثاني: تعارض حق الكد والسعاية مع مؤسسات قانونية وشرعية:
قال الباحث: إن من قال بأن حق الكد والسعاية غير مشروع يرى أنه يتعارض مع مؤسسات شرعية وقانونية، كالنفقة والمتعة ونظام الإرث.
المطلب الأول: حق الكد والسعاية ومقتضيات النفقة الزوجية:
إن النفقة على الزوجة من أهم المؤسسات الشرعية والقانونية، الثابتة بالقرآن والسنة، واختلف الفقهاء في السبب الموجب للنفقة، هل هو مقابل الاستمتاع؟ أم مقابل مجرد العقد؟ أم بسبب حبس الزوجة لفائدة الزوج؟ وعموماً فإن الإنفاق على الزوجة لا يتعارض مع حق الكد والسعاية بالنسبة للقول الأول والثاني، ويتعارض بالنسبة للقول الثالث، إلا باكتساب المرأة ولا يحدث ذلك إلا بخروجها للعمل، مما يتعارض مع حق الزوج وإيجاب النفقة عليها مقابل حبسها عليه.
لكن المشرع المغربي جعل حق النفقة مقابل عقد الزواج الصحيح وبالتالي لا تسقط نفقة الناشز، ولو اعتبرنا النفقة مقابل خدمة الزوج سوف يكون عقد باطل لعدم معرفة نوع العمل بالتحديد (خدمة الزوج)، وهل لو طلب منها أي عمل مقابل النفقة سواءً داخل البيت أو خارجه فليس لها أن تمتنع، فهذا القول لم يقل به أحد من الفقهاء.
خلاصة القول: إن الاعتراض على مشروعية حق الكد والسعاية من جهة تعارضه مع مؤسسة النفقة على الزوجة غير سليم.
المطلب الثاني: تعارض حق الكد والسعاية مع أحكام المتعة ونظام الإرث.
الفقرة الأولي:
المتعة هي: ما يعطيه الزوج لزوجته لطلاقه إياها.
واختلف الفقهاء في حكم المتعة للمطلقة، وأخذ بوجوبها القانون المغربي، ويوجد ارتباط بين حق الكد والسعاية وبين المتعة، حيث كلاهما يكون للمطلقة وكلاهما لجبر خاطرها وتعويضها عما بذلته للزوج، وإقرار أحدهما يلغي الآخر.
قال الباحث: إن القول بإقرار أحدهما يلغي الآخر، محل نظر، بل كلاً منهما حق مستقل.
الفقرة الثانية:
يذهب بعض المعترضين على حق الكد والسعاية إلى أنه يؤدي لتعطيل قواعد الإرث.
وهذا القول غير صحيح، فهو لم يجعل صاحب الفرض عصبة أو العكس، بل حق الكد والسعاية للمطلقة أو المتوفى عنها زوجها إن كانت مشاركة له في نماء ثروته، فهو كدين على المتوفى، كدين مؤخر صداقها أو نفقة الحامل، وغيرها من الديون.
الفرع الثاني: الاتجاه القاضي بمشروعية حق الكد والسعاية:
وذكر فيه الباحث مبحثين:
المبحث الأول: استناد حق الكد والسعاية إلى أدلة شرعية عامة:
استند الموجبون لحق الكد والسعاية لأدلة منها القرآن كقوله تعالى (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ) وقوله تعالى (وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) وغيرها من الآيات، مما دفعهم القول بأن هذا الحق ليس مستنده العرف فقط بل القرآن أيضاً، مما يجعله ليس خاصاً بمنطقة معينة بل عامًّا.
قال الباحث: بعد مناقشة هذا القول، إن القول بأن حق الكد والسعاية مستنده القرآن، وبالتالي تعميمه لا يمكن التسليم به على ما تقدم، نعم يمكن الاستئناس بهذه الآيات لإحقاق الحقوق، لكن لا يمكن الاستناد عليها في تأسيس حق الكد والسعاية.
وقال: استند الموجبون لحق الكد والسعاية على قضاء عمر رضي الله عنه بين عامر بن الحارث الذي كان يعمل قصاراً وزوجته أم حبيبة التي كانت ترقم (تنسج) الثياب حتى اكتسبا مالاً كثيراً ثم مات عامراً واختصمت مع الورثة إلى عمر رضي الله عنه " فقضى لها سعايتها بالنصف مع ميراثها الربع؛ لأن عامراً لم ينجب" مما دفع الموجبون لحق الكد والسعاية القول بأن هذا الحق ليس مستنده العرف فقط بل هذا الأثر أيضاً مما يجعله ليس خاصاً بمنطقة معينة بل عامًا.
أورد الباحث على هذا الأثر عدة احتمالات منها: هل قضاء عمر بالنصف في متاع البيت الذي هو حق أصلاً للزوجة؟ هل كان يوجد عقد شراكة بين الزوجين بناءً عليه حكم عمر لها بالنصف؟ إلى غير ذلك مما يجعل هذا الأثر ليس دليلاً في إثبات حق الكد والسعاية.
المبحث الثاني: ارتكاز حق الكد والسعاية على أسس قانونية:
المطلب الأول: استبعاد تعارض حق الكد والسعاية مع مقتضيات القانون المغربي:
إن الموجبين لحق الكد والسعاية بعد أن أثبتوه بنصوص شرعية يريدون أن يؤكدوا مشروعية العمل به من خلال عدم مخالفته للقوانين المغربية، لأن المانعين لحق الكد والسعاية قالوا: إن قانون سنة 1965م نص على إلغاء القوانين العرفية، وموجب العمل بهذا الحق هو العرف، ورد عليهم الموجبون لهذا الحق: بأن موجب العمل به الشرع، ودائرة الأعراف التي لا تنافي وروح الشريعة الإسلامية، وكذلك يوجد في مذهب مالك العمل به.
المطلب الثاني: تكريس القضاء المغربي لمقتضيات حق الكد والسعاية:
يعتبر العمل القضائي من أهم الأسس القانونية المعتمد عليها في الدفاع عن حق الكد والسعاية، فإن المحاكم سواءً الابتدائية أو الاستئنافية وكذلك المجلس الأعلى لم يتجاهل هذا الحق والعمل به، إلا أن المجلس الأعلى جعل تطبيق هذا الحق مرتبط بالعرف المحلي، وبعض المحاكم لم تراعِ مسألة العرف المحلي بل تقضي به في الحضر والبادية.
الباب الثاني: خضوع القواعد الضابطة لحق الكد والسعاية للعرف المحلي:
الفصل الأول: الطبيعة القانونية لحق الكد والسعاية وعلاقتها بالعرف:
الفرع الأول: استبعاد الطبيعة العينية لحق الكد والسعاية:
اختلف وجهات النظر في التكييف الفقهي لحق الكد والسعاية؟ هل هو حق عيني أم لا؟ ولكي يتم الإجابة على هذا السؤال، لابد من التطرق لبعض الحقوق التي يقاس عليها حق الكد والسعاية منها:
حق الجلسة: وهو عقد الإجارة مقابل مبلغ معلوم، كأن يهيئ المالك محل للمستأجر بالمعدات ويراعي في تحديد قيمة الإيجار قيمة المعدات.
وهذا يندرج ضمن الحقوق العرفية الإسلامية، وهو حق عيني.
حق الزينة: وهو تمكين المستأجر من مكان كقطعة أرض فضاء ويقوم ببنائها وتجهيزها لمشروع، ويسمي ما أنفقه حق الزينة، وعند تركه للمكان يراعي قيمة ما أنفقه.
وهذا يندرج ضمن الحقوق العرفية الإسلامية، وهو حق عيني.
فهل يمكن تأسيس حق الكد والسعاية على هذه الحقوق العرفية الإسلامية، حيث يوجد بعض التشابه بين هذه الحقوق وحق الكد والسعاية، وكذلك يوجد اختلافات جوهرية بينهما، وذكر الباحث أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما، إلا أن الصياغة القانونية التي استعملها المقنن المغربي لا تنهض مبرراً لإقحام حق الكد والسعاية ضمن الحقوق العرفية الإسلامية.
ولكن هل يمكن تأسيس هذا حق الكد والسعاية داخل نطاق حقوق عينية أخري؟ فهل يدخل تحت مفهوم وطبيعة الملكية الشائعة؟
تعريف الملكية الشائعة: هي" ملكية مشتركة بين شخصين أو أكثر، تقع على مال معين، يكون فيها كل شخص مالكاً لحصة معينة من هذا المال، من غير أن تكون هذه الحصة مفرزة عن باقي الحصص الأخرى".
وقد استندت بعض المحاكم في إثبات حق الكد والسعاية للزوجة بناءً على بعض نقاط التقارب والتشابه بين حق الكد والسعاية والملكية الشائعة، ثم ذكر أوجه التشابه بينهما، لكن مع تحليل العناصر الجوهرية لقواعد الملكية الشائعة مع مقارنته لحق الكد والسعاية، تجعل من إمكانية تبني تأسيس حق الكد والسعاية على قواعد الملكية الشائعة نظر.
الفرع الثاني: ارتباط حق الكد والسعاية بالحق الشخصي:
قال الباحث: رأينا بالفرع الأول أن تأسيس حق والكد على أساس الحق العيني لم يكن سليماً، لذلك اتجه النظر للبحث عن طبيعة هذا الحق ضمن مجال الحقوق الشخصية، كعقد الإجارة أو عقد الشركة.
المبحث الأول: تكييف حق الكد والسعاية على أساس عقد إجارة الخدمة:
إن ارتباط استحقاق حق الكد والسعاية في بعض تطبيقاته بصورة مساهمة السعاة في تنمية مال الأسرة، دون مشاركتهم بحصة معينة في رأس مالها، دعا بعض الفقهاء إلى اعتبار تلك المساهمة من قبيل إجارة الخدمة التي يستحق عليها الساعي أجرة المثل.
فالإجارة هي: تمليك منفعة (عمل إنسان) معلومة، زمناً معلوماً بعوض معلوم.
ثم ذكر الباحث: أركان الإجارة، وعناصرها الأساسية، ومبررات اعتماد عقد إجارة الخدمة كأساس لحق الكد والسعاية عند بعض الفقهاء، حيث ساهم السعاة بعملهم وكدهم في زيادة الثروة المالية، إلا أن ارتباط حق الكد والسعاية بالعرف المحلي من جهة، وتفرده ببعض الخصائص المميزة له عن عقد إجارة الخدمة من جهة أخرى، شكل إحدى الأسباب التي تقتضي بالضرورة إعادة النظر في صحة هذا التكييف وسلامة مسلكه، فهو لا ينسجم مع ما تتميز به العلاقة الأسرية وعلى الخصوص الزوجية التي لا يوجد لها مثيل في عقد إجارة الخدمة.
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لحق الكد والسعاية أساسها الشركة العرفية:
ذهب العديد من الفقهاء إلى أن حق الكد والسعاية يجد أساسه في عقد الشركة، لأنه ناتج عن مساهمة مجموعة من الأشخاص في تكوين وتنمية مال الأسرة وثروتها.
بناءً على ذلك عرف الباحث عدة أنواع من الشركات، منها شركة المفاوضة وشركة الأبدان، وشركات الاستغلال الزراعي (المزارعة والمغارسة والمساقاة)، والشركة المختلطة (القراض أو المضاربة) وذكر خصائص وأركان وشروط كل شركة منهم.
و يمكن القول بأنه على الرغم من وجود صور التشابه بين كل من حق الكد والسعاية ومختلف أنواع الشركات، إلا أن عقود الشركات تقوم على أساس مسبق بين طرفي العقد، يتم من خلاله بيان مضمون العقد وشروطه وحصة كل طرف من الإنتاج وغيرها من الشروط والتوافقات السابق ذكرها، وعلى خلاف ذلك فحق الكد والسعاية لا ينبني على أي اتفاق مسبق بين السعاة، وإنما مبناه على أساس عرف يقضي بإعماله حين تتحقق الشروط الموضوعية لذلك من غير الحاجة إلى توقيع اتفاق مسبق بشأنه.
ومن خلال ما مضى تم استبعاد حق الكد والسعاية في إطار الشركات في الفقه الإسلامي، لكن هل من الممكن أن يندرج هذا الحق تحت الشركات القانونية؟ كالشركة المدنية، وشركة المحاصة؟
فالشركة المدنية هي: عقد بمقتضاه يضع شخصان أموالهم أو عمالهم أو هما معا، لتكون مشتركة بينهم، بقصد تقسيم الربح الذي ينشأ عنها.
وشركة المحاصة هي: شركة مستترة، ليس لها شخصية معنوية، ولا تخضع لأي تقييد في السجل التجاري، وتكون بين شخصين أو أكثر على اقتسام الأرباح وتحمل الخسائر الناتجة عن الشركة.
ثم ذكر الباحث: صور التقارب بين الشركة المدنية وحق الكد والسعاية والفروق التي تجعل الشركة المدنية غير ملائمة لمقتضيات حق الكد والسعاية، وكذلك شركة المحاصة وإن كانت هي الأقرب لحق الكد والسعاية، إلا أنها قائمة على وجود تعاقد مقصود بين الشركاء بشكل مسبق، بخلاف حق الكد والسعاية القائم على العرف.
الفصل الثاني: تنظيم حق الكد والسعاية تكريس لخصوصيته العرفية:
الفرع الأول: ارتباط نطاق تطبيق حق الكد والسعاية بالعرف المحلي:
اختلف الفقه والقضاء في العمل موجب لحق الكد والسعاية، هل موجبه الخدمة الظاهرة أم الباطنة؟ وإن كانوا اختلفوا أيضاً في الأعمال التي تندرج تحت الخدمة الظاهرة، والأعمال التي تندرج تحت الخدمة الباطنة، وأقرب توضيحا هو من جعل الخدمة الباطنة، خدمة البيت، والخدمة الظاهرة خارج البيت.
واتفق الفقه والقضاء على حصر العمل الموجب لحق الكد والسعاية في الخدمة الظاهرة، لكن اختلفوا في المعيار المتخذ كأساس في تمييز هذا الحق، هل هو الأعمال الشاقة الخارجة عن الخدمة المعتادة؟ أم الأعمال المعتادة؟ ومنهم من فرق بين الأعمال البدائية كالعمل الفلاحي كتربية المواشي والحرث، وبين الأعمال العصرية ذات الطابع الحديث كالمهن، ومنهم من فرق بين العمل المنتج وغير المنتج.
وذكر الخلاف بين الفقهاء في إلزام المرأة خدمة زوجها وعدم الزامها بذلك، وأدلة كل فريق، وبناءً على القول الذي يقول بعدم إلزام الزوجة بأعمال البيت، فإن قامت بهذا العمل فهل لها حق الكد والسعاية؟
ومهما يكن من خلاف في هذه المسألة فمرجع هذا الحق يبقي من اختصاص العرف، الذي يرجع له أمر الحسم فيما إذا كان العمل يُرتب مقابلاً حق الكد والسعاية أم لا؟
وكذلك نطاق تطبيق هذا الحق، هل النطاق القروي لما فيه من كثرة عمل المرأة في المجال الفلاحي؟ أم النطاق الحضري الذي في الغالب تعمل المرأة كموظفة خارج البيت؟
أجاب على هذا العلامة محمد بن عبد الوهاب الزقاق: " العادة هي المحكمة في أفعال الزوجة، فما دلت العادة على أن الزوجة إنما تفعله على وجه طيب نفس لزوجها في المعيشة لا شركة لها في ذلك ولا أجر، وما كان على العكس فحكمها على ذلك".
وإن نطاق تطبيق حق الكد والسعاية يشمل العقارات والمنقول، ودخول المنقولات في ذلك أدى للخلاف حول متاع البيت، وقد نظم القانون المغربي أحكام النزاع حول المتاع، فمن أثبت حقه في شيء فهو له، وإن اختلفوا فما يصلح للرجل فهو له، وما يصلح للمرأة فهو لها، وإلا فيحلفان، ثم يتقاسمانه.
ثم ذكر الباحث الطرق العامة لإثبات حق الكد والسعاية، وعبء الإثبات يقع على المدعي، وإن كان الفقهاء اختلفوا في وصف المدعي والمدعى عليه، ثم ذكر الصورة القضائية التي ترتكز عليها الزوجة في مطالبة زوجها بحق الكد والسعاية، ووسائل الإثبات في تلك الدعوة من شهادة الشهود، أو يمين الإنكار بتوجيه اليمين على المدعى عليه، أو الإقرار، أو بقرائن قضائية أخرى.
ثم ذكر الباحث مسألة التحفيظ العقاري وهو" أن يكون محل المطالبة بحق الكد والسعاية منصباً على عقار محفظ أي باسم المدعى عليه".
فهل في هذه الحالة لا يبقي أمام السعاة سوى إقامة دعوى شخصية للتعويض عن حقهم في الكد والسعاية طبقاً للقواعد العامة؟ أم أن التحفيظ العقاري باسم المدعى عليه لا ينهض كدليل على أنه المالك الوحيد للعقار، وعبء الإثبات يقع على من يدعي الاختصاص بالعقار؟ وما الحل في حالة ما إذا كتب الزوج العقار باسم شخص أخر فهل للسعاة حق في إلغاء هذه الكتابة والمطالبة بحق الكد والسعاية؟ لكن عموماً مسألة التحفيظ العقاري عقبة قانونية لإثبات حق الكد والسعاية.
ثم ذكر الباحث في حالة ما إذا تم الحكم بحق الكد والسعاية يعمد القاضي أو من يتولى الفصل في هذا الحق في القسمة المعتمدة في تحديد حظوظ السعاة وتمييزها عن رأس المال إن وجد، ثم على القائم بأعمال القسمة تقدير أنصبة السعاة، فالبعض يجعل نصف الربح لأصل المال والنصف الأخر من الربح للسعاة، والبعض يعتمد على العرف كمعيار معتبر في ضبط أنصبتهم وتحديدها، مع معايير أخري مثل قدر خدمة المطالب بحق الكد والسعاية، ومدة المساهمة في هذا العمل، ومراعاة سن المشارك في هذا الحق مميز أو كبير بالغ، ومراعاة المؤهلات الحرفية والقوة البدنية.
والحمد لله رب العالمين.
]]>قراءة في كتاب: أثر مصلحة المحضون في أحكام الحضانة.
قرأه/ محمود الشرقاوي.
المؤلف: محمد بن سعيد بن مفلح آل حامد
أهمية الكتاب: هذا الكتاب هو رسالة ماجستير في أثر مصلحة المحضون في أحكام الحضانة، حيث إن العديد من المؤلفات تناولت مسألة الحضانة وأحكامها، دون التعرض لأثر مصلحة المحضون في أحكام الحضانة، ومن خلالها توصل لإيجاد قاعدة صالحة لإصدار الأحكام القضائية والفتاوي.
عرض الكتاب:
المقدمة: فيها أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة في ذلك، ومنهج البحث، وتقسيمه.
تمهيد: وفيه تعريف كلمات: أثر، والمصلحة، والحضانة.
الفصل الأول: أثر المصلحة في الشروط الواجب توافرها في أحكام الحاضن:
المبحث الأول: أثر المصلحة في اشتراط الإسلام لحضانة الولد المسلم.
ذكر الباحث اختلاف العلماء في اشتراط الإسلام لحضانة الولد المسلم، ونقل أدلة كل فريق.
وأن من لم يشترط الإسلام في الحاضن نظر إلى شفقة الأم، وهذا لا يختلف فيه المسلمة عن الكافرة، وهذه منفعة للمحضون.
وأن من اشترط الإسلام في الحاضن نظر إلى الضرر المتوقع لاستمالتها المحضون لدينها، وقد يخرج عن الإسلام بتعليمه الكفر.
ورجح الباحث اشتراط الإسلام في الحاضن؛ لأن الحكم يدور مع مصلحة المحضون، ودفع ضرر وقوع المحضون في الكفر مقدم علي جلب مصلحة الشفقة عليه، فالأصلح له منع الكافر من حضانته.
المبحث الثاني: أثر المصلحة في اشتراط العدالة.
العدالة: هي الاستقامة، والعدل: من اجتنب الكبائر ولم يصر على الصغائر.
اختلف العلماء في اشتراط العدالة في الحاضن على ثلاثة أقوال:
1-لاتصح حضانة الفاسق.
2-تصح حضانة الفاسق.
3-إن كان فسقه مؤثر في ضياع المحضون فيمنع، وإن كان غير مؤثر فلا يمنع.
ورجح الباحث أن الفسق الذي يترتب عليه ضياع الولد هو المانع من الحضانة، فهذا تسلم فيه مصلحة المحضون ومصلحة المجتمع.
المبحث الثالث: أثر المصلحة في اشتراط الحرية.
اختلف العلماء في اشتراط الحرية في الحاضن على قولين:
1- الحرية شرط.
2-الحرية ليست شرطًا في الأم الحاضنة إلا أن تباع أو ينتقل الأب إلى بلد غير بلد الأم.
ورجح الباحث أنه إذا عدم انشغال الأمة الأم عن المحضون فهي أولى بالحضانة لتحصيل منفعة شفقة الأم.
المبحث الرابع: أثر المصلحة في اشتراط العقل.
يشترط في الحاضن أن يكون عاقلاً، فلا تثبت الحضانة لمجنون سواء كان مطبقاً أو غير مطبق، واستثنى الشافعية الجنون النادر.
قال الباحث: إن منع المجنون من الحضانة عموماً من مصلحة المحضون، لمنع الإضرار به، سواء بإهماله أو تعدي المجنون عليه.
المبحث الخامس: أثر المصلحة في اشتراط السلامة من الأمراض المعدية.
اشترط ذلك المالكية والشافعية والحنابلة.
قال الباحث إن اشتراط السلامة من الأمراض المعدية في الحاضن من مصلحة المحضون، منعاً لتضرره بانتقال المرض إليه.
المبحث السادس: أثر المصلحة في خلو الحاضنة الأنثى عن زوج قد دخل بها:
قال: أجمع أهل العلم علي أن الأم أحق بالولد ما لم تتزوج لقوله صلي الله عليه وسلم للمرأة "أنت أحق به ما لم تنكحي".
واختلفوا في إسقاط حقها من الحضانة إذا تزوجت ودخل بها على أربعة أقوال:
1- يشترط عدم زواجها، وإن تزوجت يسقط حقها من الحضانة إذا كان الزوج أجنبيا، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة للحديث" أنت أحق به ما لم تنكحي"، ولأن النبي صلي الله عليه وسلم قضي بها للخالة وهي متزوجة من قريبها، وغيره من الأدلة.
2- أن خلو الحاضنة عن زوج ليس شرطا في استحقاق الحضانة، وهو قول الظاهرية لعموم الأدلة كقوله تعالي (وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ) وغيرها من الأدلة.
3- أن الطفل إن كان بنتاً لم تسقط حضانتها بنكاح أمها، بخلاف إن كان ذكراً سقطت، وهو رواية لأحمد، لأن النبي صلي الله عليه وسلم قضي بها للخالة وهي متزوجة.
4- أن الحضانة تسقط مطلقاً لعموم قوله صلي الله عليه وسلم للمرأة "أنت أحق به ما لم تنكحي".
ورجح الباحث: القول الأول نظراً إلى شفقة الأم، وهذا الزوج القريب للمحضون من أهل الحضانة، وشفقته تحمله على رعاية المحضون، وإذا اتحدت الرعايتان كان ذلك من مصلحة المحضون.
المبحث السابع: أثر المصلحة في اشتراط اجتماع الأبوين في وطن واحد:
إذا وفع الفراق بين الزوجين، وسافر أحدهما سفر حاجة فالمقيم أحق بالحضانة، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.
أما إذا كان السفر استيطان ففيه خلاف على قولين:
1- وهو مذهب الحنفية إن كان المنتقل الأب فالأم أحق به ما لم تتزوج، وإذا كان المنتقل هو الأم ففرعوا على ذلك ثلاث حالات.
2- وهو مذهب والمالكية والشافعية والحنابلة، إن كان البلد وطريقه مخوفين فالمقيم أحق، وإن كان البلد وطريقه آمن والسفر بعيد فالأب أحق، وإن كان السفر قريب ففيه قولان: الأم أو الأب.
قال الباحث إن الذين قالوا الأب أحق في حالة سفر الاستيطان أو السفر البعيد، نظروا إلى مصلحة الطفل في التأديب والتعليم وسهولة الإنفاق عليه وعدم ضياع نسبه.
المبحث الثامن: أثر المصلحة في اشتراط المكان الملائم للبنت التي يخشى عليها الفساد:
قال الباحث: إن من اشترط انتقال حضانة البنت بعد البلوغ للأب نظر لمصلحة حفظ البنت، لأنه أقدر على حفظها وصيانتها.
المبحث التاسع: أثر المصلحة في اشتراط كون الحاضن الذكر محرماً للمحضونة الأنثى إذا كانت ممن يوطأ مثلها:
اشترط هذا الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، تحرزاً من الفتنة والخلوة المحرمة، لأنه لا يؤمن غير المحرم عليها.
قال الباحث: إن من اشترط هذا الشرط لمنع وقوع الفتنة ومنع هذا الضرر لمصلحة الجميع الحاضن والمحضون وغيرهم.
المبحث العاشر: أثر المصلحة في اشتراط أن يكون للحاضن الذكر من يتولى الحضانة:
أي يكون مع الحاضن أمه أو زوجته لأن الذكر لا صبر له على الأطفال، واشترط ذلك المالكية وأشار لذلك ابن قدامة في المغني.
ورجح الباحث: التفصيل في ذلك، فإن كان الحاضن لا يستقر في البيت ولا يقوم بواجب الحضانة فحينئذ يشترط أن يكون مع الحاضن الذكر من يتولى الحضانة من الإناث، وإن كان الحاضن يقوم بواجب الحضانة بنفسه فحينئذ لا يشترط لعدم وجود ما يضر المحضون.
المبحث الحادي عاشر: أثر المصلحة في اشتراط عدم القسوة في الحاضن:
قال الباحث: ولم أجد من اشترط ذلك إلا الخرشي المالكي، فالراجح عدم اشتراط ذلك لأن الحزم مطلوب أحياناً، إلا إذا كانت القسوة دائمة وهذا ضد مصلحة المحضون.
الفصل الثاني: أثر المصلحة في تخيير المحضون: وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: أثر المصلحة في خلاف الفقهاء في مشروعية تخيير المحضون:
قال الباحث: اختلف الفقهاء في تخيير المحضون إذا بلغ سبع سنين وكان مميزاً على قولين:
1- لا يخير غلاماً أو جارية وهو مذهب الحنفية ومذهب المالكية، لقولهم بحضانة الغلام للبلوغ والجارية إلى النكاح ونقل أدلتهم.
2- أن المحضون المميز يخير، غلام وجارية وهو مذهب الشافعية، وأما مذهب الحنابلة فالتخيير للغلام دون الجارية فتكون عند أبيها إذا بلغت سبع سنين، ونقل أدلتهم.
قال الباحث: من منع التخيير نظر لأن الغلام قد يختار من يمكنه من اللعب، وهذا يؤدي لفساده، ومن قال بالتخيير نظر إلى أن الغلام سوف يختار المشفق عليه وهي مصلحة للغلام، وأما الجارية فالتخيير ليس من مصلحتها، وقد يضر بها.
ورجح الباحث: تخيير الغلام دون الجارية.
المبحث الثاني: أثر المصلحة في شروط تخيير المحضون: وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أثر المصلحة في اشتراط أن يكون الأبوان جميعاً من أهل الحضانة:
فيشترط للتخيير بين الأبويين أن يجتمع فيهما شروط الحضانة، وإن اختل في أحدهما بعض شروط الحضانة فلا تخيير والحضانة للآخر، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
قال الباحث: وهذا من مصلحة المحضون.
المطلب الثاني: أثر المصلحة في اشتراط أن يكون المحضون مميزاً ويعقل عقل مثله:
فلو أن الغلام بلغ معتوهاً فهو كالصغير فيظل مع أمه، وكذلك لو زال عقله في الكبر وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
قال الباحث: فالمحضون البالغ إن كان مخبولاً أو مجنوناً لم يميز بين النافع والضار فالمصلحة ألا يخير.
المبحث الثالث: أثر المصلحة في تحديد سن التخيير:
ذهب الشافعية إلى عدم تحديد سن التخيير، بل متي وجد التمييز شرع التخيير، وذهب الحنابلة إلى تحديد سن التخيير بسبع سنين.
ورجح أن المعتبر التمييز لا السن.
المبحث الرابع: أثر المصلحة في إجابة طلب المحضون عند تغيير اختياره:
إذا اختار المحضون أحد أبويه ثم غيَّر اختياره وطلب الآخر يجاب إلى ذلك، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
قال الباحث: أن هذا من الاحتياط لمصلحة المحضون، وهو دليل ظني لتقصير الحاضن في واجب الحضانة.
الفصل الثالث: أثر المصلحة في ترجيح بعض أهل الحضانة عند التساوي:
وذكر فيه عشرة مباحث:
المبحث الأول: أثر المصلحة في تقديم الأمهات على سائر أهل الحضانة:
إذا افترق الأبوان وبينهما ولد، فالأحق به الأم بالإجماع، ما لم تتزوج وكانوا صغارا، ثم بعد ذلك أمهاتها الأقرب فالأقرب، وهو مذهب الحنفية والمالكية الشافعية والحنابلة، وذكر أدلة ذلك.
قال الباحث: لأن الأم وأمهاتها أشفق وأجدر على رعاية المحضون، وهذا لمصلحة المحضون،
أما في حالة عدم وجود الأم وأمهاتها اختلفوا فيمن يقدم الأب أم أمهات الأب، على قولين:
1- الأب وهو مذهب الحنفية والمالكية.
2- أم الأب وأمهاتها وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
قال الباحث: يقدم أم الأب وأمهاتها، لأنهن في معنى الأم في الحنو والإشفاق، والنساء أخص بالتربية.
المبحث الثاني: أثر المصلحة في ترجيح الإناث على الذكور:
إذا استوى اثنان في الحضانة في القرب وكان أحدهما ذكر والآخر أنثى كالأخ والأخت أيهما يقدم، على قولين:
1- الأنثي مقدمة على الذكر، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة.
2- الذكر مقدم على الأنثى وهو مذهب الشافعية.
قال الباحث: تقدم الأنثى على الذكر، لأن ذلك من مصلحة المحضون، فالأنثى أكثر شفقة وصبراً ومعرفة بالتربية والحضانة.
المبحث الثالث: أثر المصلحة في ترجيح القربات من جهة الأم على القربات من جهة من الأب:
مثال: أخت لأب وأخت الأم، من يقدم، على قولان: الجمهور يقدم الأخت لأم، والبعض قدم وأخت لأب.
قال الباحث: سبب الاختلاف هو الأصلح للمحضون، فمن قدم قرابة الأم رأى أن قرابة الأم أشفق، ومن رأى التساوي في الشفقة لجأ إلى مرجح آخر، وهو قوة الإرث.
المبحث الرابع: أثر المصلحة في ترجيح من كانت امرأته من أهل الحضانة على من ليست امرأته من أهل الحضانة:
إذا تساوى اثنان من الذكور في الحضانة، كعمين وأحدهما متزوج بامرأة من أهل الحضانة، فهذا يقدم على الآخر وهو قول الحنابلة، فالنبي صلى الله عليه قضي بحضانة بنت حمزة لجعفر ابن أبي طالب لأنه متزوج خالتها.
قال الباحث: فالحنابلة نظروا لتلك القرابة والشفقة التي هي من مصلحة المحضون، واختار الباحث: أن هذا المرجح غير صحيح.
المبحث الخامس: أثر المصلحة في ترجيح الأكثر كفاية:
إذا اجتمعت بنت أخ وبنت أخت وكانتا من أهل الحضانة، فمن يقدم؟ اختلفوا على أربع أقوال:
1- المقدم بنت الأخت .
2- المقدم بنت الأخ.
3- التساوي بينهم والترجيح بالقرعة.
4- التساوي بينهم والترجيح بالأكثر كفاءة.
قال الباحث: من قدم الأكثر كفاية، نظر أن ذلك يعود بالنفع على المحضون.
المبحث السادس: أثر المصلحة في ترجيح الأفضل صلاحاً وورعاً:
ذهب إلى الترجيح بالصلاح والورع الحنفية وبعض المالكية.
قال الباحث: إن ذلك يعود بالنفع على المحضون، وهذا من مصلحته.
المبحث السابع: أثر المصلحة في ترجيح ذي القرابتين على ذي القرابة الواحدة:
إذا اجتمعت أخت شقيقة وأخت لأب وكانتا من أهل، الحضانة فمن يقدم؟
يقدم ذو القرابتين وهو مذهب الحنفية والمالكية الشافعية والحنابلة.
قال الباحث: تقديم ذي القرابتين لاتصافه بزيادة الشفقة وقوة القرابة، وهذا من مصلحة المحضون.
المبحث الثامن: أثر المصلحة في ترجيح الأكثر شفقة على من هو أقل منه:
إذا تساوى اثنان في الحضانة، وأحدهما أكثر شفقة فمن يقدم؟ قولان:
1- يقدم الأكثر شفقة وهو مذهب الحنفية والمالكية.
2- يرجح بينهما بتخيير المحضون إذا بلغ سن التمييز وقبلها بالقرعة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
ورجح الباحث: القول الأول بأن يقدم الأكثر شفقة، وهذا من مصلحة المحضون.
المبحث التاسع: أثر المصلحة في ترجيح الأسن على غيره:
إذا تساوى اثنان في الحضانة، وأحدهما أكبر سناً من الآخر، فمن يقدم؟ على قولين:
1- يقدم الأكبر سناً وهو مذهب الحنفية والمالكية.
2- يرجح بينهما بتخيير المحضون إذا بلغ سن التمييز وقبلها بالقرعة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
ورجح الباحث: القول الأول بأن يقدم الأكبر سناً، بسبب قربه من الصبر والرفق، وهذا من مصلحة المحضون.
المبحث العاشر: أثر المصلحة في ترجيح من فَضل على الآخر بزيادة صفة تعود بالنفع على المحضون:
إذا تساوى اثنان في الحضانة، واختص أحدهما بزيادة في الدين، أو المال والمحبة، من الآخر، فمن يقدم؟ على قولين:
1- يقدم من اختص بتلك الزيادة وهذا يخرج على مذهب الحنفية والمالكية.
2- يخير المحضون.
ورجح الباحث: القول الأول بأن يقدم من اختص بتلك الزيادة وهذا من مصلحة المحضون.
الفصل الرابع: أثر المصلحة في أمور تتعلق بالمحضون عند حاضنه:
وفيه ثلاث مباحث:
المبحث الأول: قبل البلوغ، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: إذا كان المحضون ذكراً.
وفيه ثلاث فروع:
الفرع الأول: أثر المصلحة فيما إذا مرض المحضون بعد التخيير وقد اختار أباه، قال الشافعية والحنابلة: إن الأم أحق بتمريضه.
قال الباحث: وهذا الراجح لأن هذا من مصلحة المحضون، لأن الأم أكثر صبرا ورعاية.
الفرع الثاني: أثر المصلحة في عدم منع المحضون زيارة أمه بعد التخيير وقد اختار أباه، قال الشافعية والحنابلة: لا يمنع من زيارة أمه.
قال الباحث: وهذا الراجح لأن هذا من مصلحة المحضون، لأن منعه يؤدي إلى ترسيخ صفة ذميمة في المحضون وهي قطيعة الرحم.
الفرع الثالث: أثر المصلحة في عدم منع الأب من تعليم ابنه بعد التخيير وقد اختار أمه، قال الشافعية والحنابلة: لا يمنع من تأديب ابنه وتعليمه.
قال الباحث: يلاحظ أن تمكين الأب من تعليم ابنه من مصلحة المحضون.
المطلب الثاني: إذا كان المحضون أنثي:
وفيه ثلاث فروع:
الفرع الأول: أثر المصلحة فيما إذا مرضت المحضونة بعد التخيير وقد اختارت أباها، قال الشافعية والحنابلة: إن الأم أحق بتمريضها.
قال الباحث: وهذا الراجح لأن هذا من مصلحة المحضون، لأن الأم أكثر صبرا ورعاية.
الفرع الثاني: أثر المصلحة في عدم منع الأب زيارة ابنته بعد التخيير وقد اختارت أمها، قال الشافعية والحنابلة: لا يمنع من زيارة ابنته.
قال الباحث: وهذا الراجح لأن هذا من مصلحة المحضون، لأن منعه يؤدي إلى ترسيخ صفة ذميمة في المحضون وهي قطيعة الرحم.
الفرع الثالث: أثر المصلحة في منع البنت من الخروج:
إذا خيرت البنت بين أبويها واختارت أحدهما فإنها تكون عنده ليلاً ونهاراً، قال الشافعية والحنابلة: فإنها تمنع من الخروج.
قال الباحث: وهذا الراجح لأن هذا من مصلحتها، لأن منعها يجعلها تألف الصيانة وعدم البروز والتبرج.
المبحث الثاني: بعد البلوغ:
المطلب الأول: أثر المصلحة في رفع الحضانة عن الغلام بعد البلوغ ورشده:
قال الحنفية والمالكية الشافعية والحنابلة: إذا بلغ الغلام رشيداً رفعت الحضانة عنه، لأنه صار أعلم بمصلحة نفسه وما ينفعها.
المطلب الثاني: أثر المصلحة في بقاء الجارية مع أبيها بعد البلوغ:
اختلف الفقهاء في حكم بقاء الجارية عند أبيها بعد البلوغ على ثلاث أقوال:
1- البكر تكون عند أبيها، والثيب تسكن حيث شاءت، وهو مذهب الحنفية.
2- تبقى عند أبيها حتى يدخل بها زوجها، وهو مذهب الحنابلة.
3- البكر تختار من تشاء بعد البلوغ والثيب تسكن حيث شاءت، إلا إن كانت موضع تهمة فإنها تمنع الانفراد بنفسها، وهو مذهب الشافعية.
قال الباحث: يلاحظ أن البكر لا تنفرد بنفسها، ومن قال تضم للأب لمصلحة حفظها، ومن قال تضم للأم حتى تتزوج لمصلحة تعليمها الطبخ وغيره.
المبحث الثالث: أثر المصلحة في حكم دفع النفقة للحاضنة إذا طلبت ذلك:
إذا طلبت الحاضنة دفع نفقة المحضون لزم الأب أو من يقوم مقامه أن يدفعها لها، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة.
قال الباحث: هذا فيه دفع الضرر عن المحضون.
الفصل الخامس: التطبيقات القضائية لأثر مصلحة المحضون في أحكام القضاء:
ذكر فيه الباحث عدة قضايا مرفوعة بالمحكمة إما من الزوج ضد الزوجة أو العكس في شأن الحضانة، ونقل حكم القضاء في ذلك.
ثم ذكر خاتمة البحث.
والحمد لله رب العلمين.
]]>قراءة في كتاب: الأزهر الشريف ومواقفه تجاه قضايا المرأة الفقهية في عام 2017م "دراسة فقهية"
قرأه/ محمود الشرقاوي.
المؤلف: د/ ربيع صابر علي عثمان. مدرس الفقه العام كلية البنات الأزهرية بالمنيا جامعة الأزهر الشريف.
أهمية الكتاب: طُرحت عدة قضايا تخص المرأة في عام 2017م عام تكريم المرأة، وهي مسألة الطلاق الشفهي، والحضانة، وزواج القاصرات، وتحديد سن الزواج وإجبارها عليه الزواج، وكان للأزهر الشريف رأي تجاه هذه القضايا وحكمها الشرعي الذي يدين به الأزهر الشريف.
عرض الكتاب:
المقدمة: ذكر أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قام بالمشاركة في هذه المؤتمرات وظهر في عدة قنوات فضائية وقام بإلقاء الكلمات التي أيدت دور المرأة في المجتمع واحترام حقها الذي كفله الإسلام لها وشارك بكتاباته المقالية في صحيفة "صوت الأزهر" مؤيداً نفس المنهج، وأنه من الخطأ النظر إلى أن بعض ما تعانيه المرأة الشرقية من تهميش هو بسبب تعاليم الإسلام، فهذا زعم باطل، والصحيح أن هذه المعانة بسبب بعدها عن تعاليم الإسلام.
المطلب الأول: ذكر تمهيدا لهذا البحث موضحاً فيه قيمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وجهوده المباركة، في مصر وأفريقيا وزيارته لعدة دول أوربية وأسيوية، وأهمية الأزهر الشريف، وخاصة في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية.
المطلب الثاني: قضايا المرأة: ذكر دور الأزهر الشريف إجمالاً حول هذه القضايا وهي الطلاق الشفوي، وحضانة الأم لأبنائها ومدتها، الأزهر الشريف وحماية حقوق الأسرة، رفض الإجبار على الزواج، وزواج القاصرات.
المبحث الأول: موقف الأزهر الشريف من قضية الطلاق الشفهي:
فقد دعا البعض إلى عدم إيقاعه، وقيدوا إيقاع الطلاق بتوثيقه لدي محكمة مختصة، حيث قام بتحريك قضية خالد الجندي وسعد الدين الهلالي حملت رقم 12265 لسنة 2017م اختصم فيها كلاً من رئيس الوزراء ووزير العدل وشيخ الأزهر.
وذكر أن اللجان المختصة بالأزهر الشريف قضت عدة أشهر من البحث والدراسة العميقة لأبعاد تلك القضية التي ملأت وسائل الإعلام، وأن شيخ الأزهر جهر بالحق أمام هؤلاء وأن الطلاق الشفوي شرعي واقع وأن الطلاق الرسمي طلاق قانوني، وأن العبرة بالشرع لا بالقانون.
ثم ذكر تفصيل ذلك في عدة مطالب.
المطلب الأول: فيه عدة تعريفات منها تعريف الطلاق لغة وشرعاً ومعني الطلاق الشفوي، والصحيح يسمي طلاق شفهي وذكر معني كلمة توثيق ومعني توثيق الطلاق في القانون. ومعني الطلاق الصريح.
المطلب الثاني: موقف الأزهر الشريف من قضية الطلاق الشفهي:
ذكر الكاتب أنه منذ سنة م 1931ظهر نوعان من الزواج، الزواج الرسمي والزواج العرفي، وأيضاً ظهر نوعان من الطلاق، الطلاق الرسمي والطلاق الشفهي، ووقع الخلاف في الطلاق الشفهي هل يقع طلاقاً على المتزوجة زواجا رسمياً أم لا يقع إلا إذا كان بصفة رسمية أمام المأذون؟
وظهر ثلاثة أقوال:
الأول: وقوعه: ففي سنة 2017م عقدت هيئة كبار العلماء اجتماعاً، انتهت فيه بإجماع العلماء على وقوع الطلاق الشفهي، وعلى المطلق أن يبادر بتوثيق هذا الطلاق، حفاظاً على حقوق المطلقة وأبناءها.
وأدلة هذا القول: أن تعليق صحة هذا الطلاق على التوثيق المدني، فيه إهدار لعبارة الزوج التي اعتبرها الشرع طلاقا في كل آيات الطلاق في القرآن مثل قوله تعالي (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ)، وكذلك كل ما ورد عن الصحابة الذين طلقوا في حياة النبي صلي الله عليه وسلم، وحكم بصحة هذا الطلاق، دون تعليقه على الإشهاد أو التوثيق، كما في قصة ابن عمر، وزوجة رفاعة وغيرهم.
ثم ذكر شبهات من قال بعدم وقوع الطلاق الشفهي، والرد عليها، مثل:
إن عدم وقوعه يحد من الطلاق.
فقال: بل بالعكس يزداد الطلاق ويستهين به الناس، وبالتالي يعيشون في حرام مع أزواجهم، وهل الطلاق عند المأذون يعد طلاقاً رجعياً أم بائنا؟ وإذا طلقها عند المأذون أين تجلس عدتها؟ ولو وثقه عند المأذون ثم راجعها فيما بينهما دون الرجوع للمأذون ثم حملت كيف يوثق هذا المولود؟ ولو مات أحدهما بعد هذه الرجعة كيف يتم ميراث بين زوجين صدرت وثيقة طلاق بينهما؟
القول الثاني: يري تعليق صحة وقوع الطلاق الشفهي مطلقاً على حضور شاهدين عدلين ساعة صدوره.
وهو قول الشافعي في القديم والظاهرية، وروي عن علي بن أبي طالب وعطاء وابن سيرين، واختيار الشيخ أحمد شاكر.
ودليلهم قول الله تعالي (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ)
القول الثالث: يري عدم احتساب الطلاق الشفهي للمتزوجة رسمياً مطلقاً وهو اتجاه مشرع لقانون الأحوال الشخصية رقم100 لسنة1985 م، ونادي بذلك بعض المشايخ المعاصرين.
ودليلهم عدم وقوع الطلاق بمجرد التلفظ به في بعض الأحوال، كالطلاق في الحيض والغضب، وغير ذلك من الأدلة، وأول من أثارها الشيخ جاد الحق ، وقدم اقتراح بذلك، ورفض هذا الاقتراح علماء مجمع البحوث الإسلامية، وناقشوا أدلة هذا القول، وأن ما ذكروه لا يندرج تحت أصله مسألة الطلاق الشفهي، وأن القول بعدم وقوعه عار عن الأدلة، وأن الحكم بوقوع الطلاق الصريح هو حكم الله ورسوله وعليه إجماع علماء الأمة، واشتراط توثيقه تعدي، وداخل تحت قوله صلي الله عليه وسلم «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ »،
ورجح الكاتب: ما ذهبت إليه هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية، والذي أخذت به محكمة النقض المصرية سنة 1982م، والمحكمة الدستورية العليا سنة 2006م، إلى وقوع الطلاق الشفوي المستوفي الأركان والشروط، وهو ما استقر عليه عمل المسلمون منذ عهد النبي صلي الله عليه وسلم إلى الآن، وذكر أسباب ترجيح هذا القول.
المبحث الثاني: موقف الزهر الشريف تجاه قضية صاحب الحق في الحضانة ومدتها.
ذكر فيه أربعة مطالب وتمهيدًا.
التمهيد: وذكر فيه قول شيخ الأزهر الدكتور/ أحمد الطيب: إن أحكام الإسلام في الحضانة أحكام دقيقة لو طبقت فسوف تلتقي مع مصالح الأب والأم والطفل.
المطلب الأول: ذكر فيه تعريف الحضانة لغة وشرعاً عند المذاهب الأربعة وفي القانون.
المطلب الثاني: حكمها الفقهي.
الحضانة واجبة على الأبوين، وذكر الكاتب أدلة مشروعيتها.
قوله تعالي (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
وفي السنة كقوله صلى الله عليه وسلم للمرأة: "أنت أحق به ما لم تنكحي".
ونقل من الإجماع ما يدل على ذلك.
المطلب الثالث: موقف الأزهر الشريف تجاه قضية صاحب الحق في الحضانة.
نقل قول شيخ الأزهر بأن الحضانة للأبوين إذا كان النكاح قائماً بينهما، فإن افترقا بموت الأب أو الطلاق انتقلت للأم، ثم ذكر تعقيب بين فيه اختلاف الفقهاء في وقت انتهاء الحضانة، وأنه لا يوجد دليل في هذه المسألة.
والقاعدة "أن الحضانة تدور وجوداً وعدماً مع مصلحة الطفل"، وعلق على قوله صلي الله عليه وسلم للمرأة: "أنت أحق به ما لم تنكحي" أن تفسيره هي أحق به ما لم تتزوج؛ فإن تزوجت ينظر في إمكانيتها لحضانة الطفل ورغبتها في الحضانة، والقانون أخذ بقول الفقهاء بإسقاط حضانة الأم بزواجها.
المطلب الرابع: موقف الأزهر من (مدة الحضانة- وتحديد سنها).
انحاز شيخ الأزهر إلى القول بمد فترة الحضانة لخمسة عشر عاما، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه أخذ مجمع البحوث الإسلامية.
ونقل التوصيف القانوني للمسألة، وأقوال الفقهاء الأربعة في مدة الحضانة وأدلتهم، ثم أيد القول بمد فترة الحضانة لخمسة عشر عاما، وهو ما أخذ به القانون المصري.
المبحث الثالث: موقف الأزهر الشريف من زواج القاصرات.
وفيه أربعة مطالب.
المطلب الأول: تعريف القاصر لغة وشرعاً.
ويشمل معني الصبي واليتيم والصغير، فعرف هذه الكلمات.
أما تعريف القاصر في القانون، هو من تزوج دون السن المحدد قانوناً وهو سن ثمانية عشرة سنة، ويسمي زواج الصغار في الإسلام.
المطلب الثاني: مفهوم زواج الصغار في الإسلام.
وجوز عقد الزواج وهي صغيرة والدخول بها يكون بعد البلوغ.
المطلب الثالث: موقف الأزهر الشريف من زواج القاصرات.
نقل رأي شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب: أن هذا الزواج جائز ويجب أن يكون منصبا في مصلحة الصغير والصغيرة لا مصلحة الأولياء، وقال أن هذا الزواج كان موجدا حتي جيله، وكانت الأسر تفتخر به، بأن البنت إذا بلغت يزوجها وليها من كفء، ولكن الآن في الغالب يمتنع أهل البنت من زواجها حتي تنتهي من دراستها الجامعية.
وذكر أدلة مشروعية هذا الزواج، من القرآن قوله تعال: (وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ) وقوله: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ)، وأن النبي صلي الله عليه وسلم "عقد علي عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع" أي بعد بلوغها.
الأقوال الأخرى: وذكر أنه يوجد قولان آخران للعلماء مردود عليهما:
الأول: عدم تزويج الصغيرة حتى تبلغ، وهو قول ابن شبرمة وعثمان بن البتي.
الثاني: جواز زواج الصغيرة قبل البلوغ، أما الصغير لا يجوز تزويجه قبل البلوغ، وهو قول ابن حزم.
وناقش هذه الأقوال وقال الراجح ما ذهب إليه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وهو الجواز بضوابط وشروط وضعها أهل العلم من الحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنابلة.
المطلب الرابع: موقف الزهر الشريف من تحديد سن معين للزواج.
وفيه تمهيد بين فيه المعارك الفكرية التي يثيرها البعض حول هذا الأمر، وكذب من قال إن الشريعة الإسلامية هي السبب في تفشي ظاهرة زواج القاصرات.
ونقل قول شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، أن زواج القاصرات يسمى في الفقه بزواج الصغيرات، وأننا لا بد أن نفرق بين القاصرات بمعنيين:
أولهما: القاصرات بمعنى أن الفتاة لم تبلغ سن الحلم، وأن هذا النوع لا أظن أنه كان موجوداً.
وثانيهما: أن الفتاة بلغت سن الحلم للتو، ولم تكتمل الفترة التي تكون فيها مستعدة نفسياً وعقلياً للزواج، وهذا هو الذي يحدث، وأوضح فضيلته أنه لا يوجد نص لا في القرآن ولا السنة بالجواز أو المنع، لكن هذا الأمر عولج في التشريع وهو الترغيب في الزواج، لأن الإسلام يقرر أن الزنا حرام، وأن اتصال الرجل بالمرأة خارج إطار الزواج الشرعي محرم، فإذاً لا مفر من تيسير الزواج وتبسيطه والدعوة إليه قدر الإمكان.
خلاف الفقهاء: ثم ذكر أن مسألة تحديد سن معين للزواج فيها قولان:
الأول: أن للحاكم أن يسن قانونا يحدد فيه سن الزواج للقاصرات، وأن ذلك لا يخالف الشريعة، وهو قول بعض الفقهاء المعاصرين منهم د محمد الأحمدي أبو النور، ود محمد النجيمي عضو المجتمع الفقهي بالسعودية، وذكر أدلة هذا القول والردود عليه.
القول الثاني: عدم تحديد سن معينة للزواج، وهو ما ذهب إليه ثلة من العلماء المعاصرين منهم: مصطفي السباعي، وابن باز، وابن عثيمين، وعمر الأشقر، وذكر أدلة هذا القول والردود عليه.
وبعد عرض أدلة الفريقين، رجح القول الثاني وهو عدم تحديد سن معينة للزواج.
* سن الزواج في قوانين الدول الغربية:
- في فرنسا: لا يجوز زواج الرجل قبل الثامنة عشر، ولا المرأة قبل الخمسة عشرة سنة.
- في المانيا: لا يجوز زواج الرجل قبل بلوغه، ولا المرأة قبل السادسة عشرة سنة.
- في يوغوسلافيا: لا يجوز زواج الرجل قبل الخامسة عشر، ولا المرأة قبل الثالثة عشرة سنة.
- في رومانيا، بلجيكا، اليابان: سن المرأة الخمسة عشرة سنة.
- في إيطاليا وولاية ألاباما وجورجيا ونيويورك وكولمبيا: سن المرأة الرابعة عشرة سنة.
- وفي بريطانيا والأرجنتين وأمريكا وكثير من الدول: لا يجوز زواج الرجل قبل الرابعة عشر، ولا المرأة قبل الثانية عشرة سنة.
وبناءً عليه: كيف يرفع سن الزواج في بلاد المسلمين لثمانية عشرة سنة.
المبحث الرابع: موقف الزهر الشريف من حكم إجبار البالغة على النكاح ممن لا تريده.
- اتفق الفقهاء على أن انكاح الأب ابنته الثيب بغير رضاها لا يجوز.
- واختلف الفقهاء في إجبار البالغة على النكاح عي قولين:
الأول: لا يجوز إجبار البالغة على النكاح فإن أبت لم يجز العقد، وهو قول الحنفية والظاهرية والإمام مالك والإمام أحمد في رواية، ووافق هذا قول الأزهر الشريف، ونقل قول شيخ الأزهر في ذلك، ونصيحته للفتيات إن أجبرت على الزواج ممن لا تريده أن تعالج الأمر بحكمة، محذراً الفتيات من التفكير في الهروب من الأسرة.
القول الثاني: وهو مذهب جمهور من الشافعية والمالكية والإمام أحمد في رواية، إلى أن للأب إجبار البالغة البكر على النكاح.
وذكر أدلة الفريقين وسبب الخلاف، ورجح: القول الأول..
ثم ذكر خاتمة البحث.
والحمد لله رب العالمين.
]]>قراءة في كتاب: حكم شهادة النساء في العقوبات في الشريعة الإسلامية.
كتبه/ محمود الشرقاوي.
المؤلف: أ. د/ محمد حسن أبو يحيى، الأستاذ في قسم الفقه وأصوله كلية الشريعة - الجامعة الأردنية.
تمهيد الكتاب: الأصل التساوي بين المرأة المسلمة الحرة البالغة العدل والرجل المسلم العدل البالغ الحر في الحقوق والواجبات، لكن مسألة الإشهاد على العقوبات والتعزير، سوف نجد من خلال المناقشة والترجيح أن الشريعة الإسلامية لم تساو بينهما، مما يجعل القول بالتسوية بين الرجال والنساء مطلقًا سفهًا، لا يقبله نقل صحيح ولا عقل صريح.
عرض الكتاب:
المقدمة: نظمت الشريعة الإسلامية حقوق كثيرة للفرد والمجتمع لاستدامة حياة الإنسان على الأرض، وهذه الحقوق منها عقوبات لحماية الفرد والمجتمع، وجعل الشرع بينات لإثبات هذه الحقوق منها الشهادة، وعند جمهور العلماء لا تقبل شهادة النساء في ذلك لأسباب، منها:
1- لا يليق في حد مثل حد الزنى أن تحكى المرأة ما رأته أمام الرجال في القضاء أو في حد القذف كيف تحكي ما سمعته.
2-منع اختلاط الرجال بالنساء في المحاكم.
3-بعض هذه الجرائم والحدود لا يحضرها النساء ويطلع عليها الرجال غالبًا.
شبهة وجوابها: عدم شهادة النساء في العقوبات والحدود ليس فيه إهانة للمرأة، لأن المرأة تقبل شهادتها فيما تطلع عليه دون الرجال كالولادة والبكارة وعيوب النساء، ويوجد بعض الأمور ساوت فيها الرجل، ومنع الشرع هذه المساواة في بعض الأمور، وليس هذا إهانة لها بل هذا يسمي مانع شرعي، ويوجد ما يسمي بالمانع الطبيعي، كالعمل من أجل الإنفاق فعلى الرجل وليس على المرأة.
* للمؤلف له بحث آخر مستقل في حكم شهادة النساء فيما يطلعن عليه ولا يطلع عليه الرجال كالولادة والرضاع.
*ذكر معنى الشهادة لغة وشرعا، وكذلك معنى العقوبات لغة وشرعا.
*وذكر أن العقوبات في الشريعة الإسلامية تشمل الحدود والجنايات والتعزيرات.
*وذكر معنى الحد: وهو عقوبة مقدرة شرعا وجبت حقا لله تعالى.
والقصاص: عقوبة مقدرة شرعا وجبت للفرد.
والتعزير: تأديب على ذنوب لم يشرع فيها حد ولا كفارة غالبًا، وهي حق لله تعالى أو للأدمي.
أولاً: حكم شهادة النساء فيما يوجب حدًا أو قصاصًا:
-لا خلاف بين فقهاء المسلمين على أن شهادة الكافر أو الكافرة لا تجوز على المسلم أو المسلمة فيما يوجب حداً أو قصاصاً وكذا بقية الحدود الأخرى، وذكر أدلة ذلك منها قوله تعالى ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، وقوله تعالى ﴿مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾، والكافر ليس بعدل ولا مُرضٍ.
-لا خلاف بين فقهاء المسلمين على أن شهادة المسلم على الكافر أو الكافرة جائزة فيما يوجب حداً أو قصاصاً أو غيرها من الحقوق الاخرى.
*أما حكم شهادة النساء المسلمات فيما يوجب حداً أو قصاصاً فعلى قولين:
القول الأول: شهادة النساء منفردات أو مع الرجال لا تقبل فيما يوجب حداً أو قصاصاً على النفس أو فيما دون النفس، وهو قول جمهور فقهاء الحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنابلة.
وأدلة الجمهور ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ﴾ وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوَهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ فقد اشترطت الآيات أربعة رجال مسلمين لإثبات الزنا، وتقاس الحدود والقصاص على الطلاق والرجعة مما لا يطلع عليه إلا الرجال غالبا مما لا مدخل لشهادة النساء فيه.
واستدل بحديث سعد بن عبادة بقوله للرسول صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وجت مع امرأتي رجلاً، أمهله حتى أتى بأربعة شهداء رجال؟ فقال: نعم ".
ففيه اشتراط أربعة شهداء رجال لإثبات جريمة الزنا، وهذا يدل على عدم قبول قول النساء في ذلك.
ثم استدل المؤلف بعدة أحاديث تدل بمنطوقها على ذلك، وذكر أدلة عقلية تؤيد ما ذكر، وأنه لا مدخل لشهادة النساء في الحدود والقصاص.
القول الثاني: تقبل شهادة النساء فيما يوجب حداً أو قصاصاً سواءً أكن منفردات أو معهن رجال، وهو قول عطاء وحماد وابن حزم، وقول سفيان في القصاص دون الحدود، وأحد الأقوال عند مالك، فيما يوجب قصاصاً في جرح النفس عمداً.
وبناء على ما ذكر عند هذا الفريق، فإن العدد المطلوب من النساء في الشهادة يختلف باختلاف ما تشهد عليه منفردات أو مع رجال، ففي حد الزنا تقبل شهادة أربع رجال عدول أو ما يقوم مقامهم من النساء، أي ثمان نسوة مسلمات عدول، أو شهادة رجلين وأربعة نسوة مسلمات، وفى القصاص شهادة رجلين أو أربعة نسوة أو رجل وامرأتين.
ودليل هذا الفريق: القياس على شهادة النساء في الأموال كقوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من حضرموت " ألك بينة " والشهود من البينة، ولقول عمر "شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل" وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة رجل ويمين المدعى، وعند ابن حزم تقبل شهادة امرأتين ويمين المدعى في القصاص والطلاق.
*وناقش المؤلف القولين ورجح بينهما فقال:
إن أدلة الجمهور آيات من القرآن، ودليلان من السنة، وخمس آثار، وأدلة عقلية، فأدلة السنة صحيحة والآثار وإن كان بعضها ضعيفاً فإن بعضها يقوى بعضاً.
أما أدلة القول الآخر فلا تصلح أن تكون دليلاً على قبول شهادة النساء في الحدود والقصاص لأن الآية في حد الزنى اشترطت أربعة رجال ولم تنص على ما يقوم مقامهما من النساء، كذلك ما ذكر في الإشهاد على الطلاق والرجعة فالآيات اشترطت الذكورية فقط، والقول بشهادة النساء فيه مناف لذلك.
وأما ما استدلوا به بأن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فهذا في المعاملات المالية ولا نزاع في هذا، وقياس الحدود والقصاص على الأموال قياس مع الفارق، والحدود والقصاص قد ضيق الشارع في طرق إثباتها لأنها تدرأ بالشبهات، وإن كان شهادة النساء لا تقبل مع الرجال في الحدود فمن باب أولى لا تقبل منفردات ولا مع يمين المدعى. وبين أن القول بالجواز لم يقدر طبيعة المرأة من نقص العقل وغلبة العاطفة وأنه يؤدي الى امتهان المرأة في الشهادة على الزنى وذكر ألفاظ القذف في مجلس القضاء.
* وأدلة المالكية في قبول شهادة النساء فيما يوجب القصاص في الجرح عمداً تفتقر إلى دليل وما يفتقر إلى دليل لا يجوز العمل بمقتضاه، ولأن العمل به يؤدي الى ترك العمل بقول عليه أدلة.
ثانيا: حكم شهادة النساء في التعزير:
هناك فرق بين التعزير البدني كالضرب والحبس، والتعزير المالي كالغرامة.
أما حكم شهادة النساء في جرائم التعزير البدني كالضرب والحبس على ثلاث أقوال:
القول الأول: لا تقبل شهادة النساء منفردات ولا يقبل أقل من قول رجل مسلم عدل وامرأتين مسلمتين عدلين، وهو قول الحنفية في أظهر الاقوال.
القول الثاني: تقبل شهادة النساء المنفردات في ذلك أو مع يمين المدعى، وهو قول ابن حزم وقول المالكية استحساناً.
القول الثالث: لا تقبل شهادة النساء منفردات ولا مع رجل في جرائم التعزير البدني، ولا يقبل في ذلك أقل من شهادة رجلين عدول من المسلمين، كما هو الحال في القصاص وهذا قول الشافعية والحنابلة ورواية عن أبي حنيفة، ووجه هذا القول أن العقوبة البدنية خطيرة فيحطاط لها بقدر الإمكان، ورجح المؤلف القول الثالث.
ثالثا: حكم شهادة النساء مع الرجال في جرائم التعزير المالي.
*اختلف الفقهاء في جرائم التعزير المالي مثل جرائم الجنايات الموجبة للمال كقتل الخطأ وشبه العمد والعمد فيما لا يكافئه، كذلك الجائفة والمأمومة وما دون الموضحة، على قولين:
القول الأول: تقبل شهادة رجل وامرأتين مسلمين عدول في ذلك، وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية وأكثر الحنابلة، لأن الأموال تثبت بشهادة رجلين ورجلين وامرأتين.
القول الثاني: لا يقبل شهادة النساء في ذلك، والجرائم التي وجب فيها المال لا يقبل فيها إلا شهادة رجلين مسلمين عدلين وهو قول أبي بكر من الحنابلة.
ورجح المؤلف القول الأول.
رابعا: حكم شهادة النساء منفردات في جرائم التعزير المالي:
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: لا يقبل شهادة النساء منفردات، وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة، لأن الشهادة في الأموال لا يقبل إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين مسلمين عدول.
القول الثاني: تقبل شهادة النساء منفردات أو شهادة امرأتين ويمين المدعى وهو قول المالكية والظاهرية، ودليلهم أن هذه شهادة على مال يصح فيها شهادة رجل ويمين المدعى، وتحل امرأتان محل رجل في الشهادة على المال. ورجح المؤلف القول الثاني.
ثم ذكر المؤلف خاتمة هذا البحث.
والحمد لله رب العالمين.
]]>قراءة في كتاب: حكم شهادة النساء فيما سوى العقوبات مما يطلع عليه الرجال.
كتبه/ محمود الشرقاوي.
المؤلف: أ.د/ محمد حسن أبو يحيى، الأستاذ في قسم الفقه وأصوله كلية الشريعة - الجامعة الأردنية.
موضوع الكتاب: بيان حكم شهادة النساء فيما سوى العقوبات مما يطلع عليه الرجال، فيشمل:
1- الشهادة على الأموال.
2- الشهادة فيما سوى الأموال والعقوبات مثل (النكاح، والطلاق، والرجعة، والظهار، والإيلاء، والوصية، والموت، والجرح، والتعديل).
وللكاتب مؤلفان آخران، أحدهما شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال، والآخر حكم شهادة النساء في العقوبات، وهما غير هذا البحث.
* وقد ذكر الكاتب في كتابنا هذا خلاف أهل العلم في ذلك، ورجح عدم قبول شهادة النساء فيها، وقد جعل القول بالتسوية بين الرجال والنساء سفهاً، لا يقبله نقل صحيح ولا عقل صريح.
عرض الكتاب:
المقدمة: ذكر فيها أن الشريعة الإسلامية نظمت حقوق كثيرة متنوعة من الحقوق المالية، ورسمت الشريعة الطرق التي يثبت بها الحقوق من ضمنها الشهادة.
وقرر أن الأصل أن يتساوى الرجل المسلم العاقل الحر العدل بالمرأة المسلمة العاقلة الحرة في الشهادة، لكن الشرع لم يسوِّ بينهما في نصاب الشهادة، وبعض هذه الحقوق مختلف في شهادة النساء فيها، ورجح عدم قبول شهادة النساء فيها.
التمهيد: ذكر فيه معنى الشهادة لغة وشرعاً.
الفصل الأول: حكم شهادة النساء في الأموال في الشريعة:
اولاً: ذكر تعريف الأموال لغة وشرعًا.
ثانياً: حكم شهادة النساء مع الرجال في الأموال:
وذكر فيه اتفاق الفقهاء على:
(1) قبول شهادة امرأتين مسلمتين عدل حرتين في الأموال، إذا كان معهم رجل مسلم عدل، وذكر أدلة ذلك من القرآن (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) ومن السنه قَولَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى قَالَ: «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا».
(2) واتفاق فقهاء المسلمين على عدم جواز شهادة الكافر والكافرة على المسلم أو المسلمة في الأموال، ماعدا الوصية في السفر التي وقع فيها الخلاف بينهم.
(3) واتفاق فقهاء المسلمين على جواز شهادة المسلم والمسلمة على الكافر والكافرة في الأموال.
الحكمة من إقامة شهادة امرأتين مسلمتين عدل مقام شهادة رجل مسلم عدل حر في الأموال منها:
1- الغفلة والنسيان: وهما من طبع المرأة أكثر من الرجل لقوله تعالى (أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى).
2- العاطفة: من قول النبي صلى الله وسلم «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا». فنقص عقلها لأن المرأة تغلب عاطفتها على عقلها، بخلاف الرجل يغلب عقله على عاطفته.
-قال وليس هذا إهانة للمرأة، لأن المرأة تقبل شهادتها فيما تطلع عليه غير الرجال، كالولادة والبكارة وعيوب النساء، ويوجد بعض الأمور ساوت فيها الرجل، ومنع الشرع في بعض الأمور المساواة فيها بالرجل، وليس هذا إهانة لها، بل هذا يسمى مانع شرعي، ويوجد ما يسمى بالمانع الطبيعي، كالعمل من أجل الإنفاق فهو على الرجل وليس على المرأة.
*مسألة: هل يشترط لقبول شهادة امرأتين مسلمتين عدل حرتين ورجل مسلم عدل حر في الأموال= عدم وجود رجلين أم لا يشترط؟
-ذكر اختلاف الفقهاء المسلمين في ذلك:
القول الأول: ذهب جمهور المسلمين إلى جواز شهادة امرأتين مسلمتين عدل حرتين ورجل مسلم عد الحر سواءً وجد رجل آخر أم لا، ورجح المؤلف هذا القول.
القول الثاني: اشتراط عدم وجود رجل آخر، وجعله قولًا مرجوحًا، أما قوله تعالى: (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) فعلى سبيل التخيير وليس الاشتراط.
ثالثا: حكم شهادة النساء منفردات على الأموال:
1- لا تجوز شهادة المرأة المسلمة الواحدة العدل الحرة على المال وما يقصد منه المال، عند الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وأهل الظاهر، لأن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، ولا يثبت بشهادة نصف الرجل شيء من الحقوق، وقال: إن ما خالف ذلك فهو قول شاذ، ورد على قول ابن حزم، الذي أجاز شهادتها منفردة.
2- لا خلاف بين فقهاء المسلمين على أن شهادة امرأتين مسلمتين عدل حرتين بدون يمين، أو رجل مسلم عدل لا تجوز على الأموال، وكذلك لا تقبل شهادة ثلاث نسوة فأكثر منفردات، عند جمهور فقهاء المسلمين، لأن شهادتهن لا تقبل بدون رجل مسلم عدل.
3- أما شهادة امرأتين مسلمتين عدل حرتين مع يمين المدعي على الأموال، ففيها خلاف على قولين:
الأول: لا تجوز، وهو قول الحنفية، وقول الشافعي، وجمهور الشافعية، وأحد الوجهين في مذهب الحنابلة، لأن البينة إذا خلت من رجل لم تقبل، وشهاده المرأتين ضعيفة تقوت بالرجل، واليمين ضعيفة فلا يضم ضعف إلى ضعف.
الثاني: تقبل إذا كان معهما يمين، وهو قول المالكية، وابن حزم، وهو الوجه الآخر عند الحنابلة؛ لأن المرأتين تحل محل رجل، واليمين يحل محل رجل، ولا يوجد مانع من ذلك.
وبعد مناقشة القولين رجح القول الثاني؛ لأنه لا مانع من قبول شهادة المرأتين، ويمين المدعي، والآية لم تتعرض لليمين، وجاءت اليمين في السنة، فهي زيادة، والزيادة إضافة وتقرير، لا رافع لها فيعمل بها.
الفصل الثاني: حكم شهادة النساء فيما سوى الأموال والعقوبات (كالأحوال الشخصية).
*المراد بهذه المسألة: حكم شهادة النساء في النكاح، والإيلاء، والظهار، والرجعة، والخلع، والطلاق، والنسب، والوكالة في غير المال مما يطلع عليه الرجال في الغالب.
* لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز شهادة الكافر والكافرة على المسلم والمسلمة في ذلك، ولا خلاف بينهم على جواز شهادة المسلم والمسلمة على الكافر والكافرة في ذلك.
* قسَّم المؤلف حكم شهادة النساء فيما سوى الأموال والعقوبات لحالتين:
الأولى: حكم شهادة النساء المسلمات العدل الحرات مع الرجال المسلمين العدل الأحرار في العقوبات والأموال، وفيها خلاف على قولين:
القول الأول: لا تقبل: وهو قول المالكية، والشافعية، والزهري، والنخعي، وأهل المدينة، وابن المسيب، والحسن البصري، وربيعة في الطلاق، وقول الحنابلة إلا النكاح والرجعة والعتق ففيها رويتان للإمام أحمد.
*ومن الأدلة التي استدلوا بها ومنها:
- قال الله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ والمقصود اختصاص الشهادة على الرجعة بالذكور دون الإناث.
- وقَول رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) وهذا نص في اشتراط الذكورة في الشهادة على النكاح، وقيس على النكاح ما في معناه مما ليس بمال.
-عَنِ الزُّهْرِيِّ رحمه الله، قَالَ: "مَضَتِ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخَلِيفَتَيْنِ بَعْدَهُ: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ" وهذا نص في اشتراط الذكورة في ذلك.
- وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه "لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا الدماء".
وذكر من الأدلة العقلية: عدم وجود دلالة توجب قبول شهادتهن في شيء من ذلك، ولأن كل ما لم يكن المقصود منه المال إذا لم يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد، فلا تقبل فيه مع الرجال.
القول الثاني: تجوز شهادة المرأة مع الرجال في ذلك، وهو قول أهل الظاهر، والحنفية إلا الردة، ورواية عند الحنابلة في النكاح، والرجعة، والعتق؛ لأنها لا تسقط بالشبهة فأشبهت المال؛ ولأن العبد المعتق مال.
ومن أدلة الحنفية:
- عموم قوله تعالي (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) وتشمل الشهادة على الأجل، وأن الأجل قد يوجد في أمور أخرى غير المال كالكفالة.
ورد الجمهور: أن الشهادة على المال أصل والأجل تابع، وهذه يحضرها النساء، بخلاف الأمور الأخرى غير المال كالكفالة، فقياسها على النكاح مما لا يحضره النساء أولى.
-ومن أدلة الحنفية: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه "أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ".
ورد الجمهور: أنه هذا الأثر منقطع وفي سنده راوٍ متروك.
-وذكر الحنفية آثارًا عن التابعين كعطاء بقبول شهادة النساء.
ورد الجمهور: أن هذه الآثار العمل بها يؤدي إلى ترك الحكم الثابت بالنص، وهذا لا يجوز.
- وذكر الحنفية آثار ًاعن الشعبي وشريح بقبول شهادة النساء في العتق.
- وذكروا أدلة عقلية بجواز شهادة النساء، باستثناء الشهادة على الردة.
ورد الجمهور: أن العتق يتعلق بالمال، والذي يجعله يستثن الردة، فيستثني كذلك الشهادة على غير المال، مما لا يحضره النساء كالنكاح والرجعة والعتق.
*وذكر المؤلف أدلة ابن حزم على جواز شهادة المرأة مع الرجال في ذلك:
-منها أدلة عامة كقوله صلى الله عليه وسلم للأشعث "شهودك" وقوله صلى الله عليه وسلم لرجل من حضرموت "ألك بينة".
- وذهب ابن حزم لقبول شهادة النساء، منفردات ومجتمعات مع الرجال في كل شيء، وأن شهادة النساء على النصف من شهادة الرجل.
وأجاب عن ذلك بما يلي:
أن قوله تعالي: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ هم الرجال المسلمون العدل، ومعلوم أن الخطاب للرجال لا يعم النساء دائمًا إذا وجدت قرينة على التخصيص.
-والآثار التي ذكرها ابن حزم في الأموال عامة، ولو كان الأمر كما قالوا لجاز إثبات الزنا بثماني نسوة، ولم يقل بذلك إلا أهل الظاهر، وهو مخالف لنص القرآن ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ﴾.
*ورجح الكاتب: قول الذين يقولون بعدم قبول شهادة النساء مع الرجال فيما سوى العقوبات والأموال مما لا يحضرها النساء، ومن باب أولي عدم قبول شهادة النساء منفردات في ذلك.
]]>قراءة في كتاب: أصول البحث العلمي وتحقيق المخطوطات (1-2).
كتبه/ مصطفى عمرو.
اسم الكتاب: أصول البحث العلمي وتحقيق المخطوطات.
اسم المؤلف: د. يوسف المرعشلي.
موضوع الكتاب: البحث العلمي وتحقيق المخطوطات.
تقسيم الكتاب: تمهيد وبابان.
عرض الكتاب:
التمهيد:
تكلم عن تعريف البحث وأهميته النابعة من أهدافه والتي تتمثل في إبراز حقيقة ما، أو وضع حلاَ لمشكلة ما أو تصحيح خطأ شائع أو الرد على أفكار معينة مما يقدم للناس فائدة عظيمة ويساهم في نشر الوعي بينهم.
ثم تكلم عن أنواع البحوث من حيث الكم والكيف، فمن من حيث الكم تنقسم إلى صغيرة وكبيرة، ومن حيث الكيف تنقسم إلى دراسة جديدة يعدها الباحث أو تحقيق مخطوط من كتب التراث الإسلامي.
ثم أسهب في الحديث عن مواضيع البحوث التي يمكن للباحث أن يتناولها في بحثه، فقسمها إلى قسمين كبيرين؛ علوم نقلية ويقصد بها علوم الدين التي جاء بها الوحي، وعلوم عقلية كالطب، والهندسة، والفيزياء، والكيمياء.
وركز الكلام على مواضيع علوم الدين وبين كثرتها وتشعبها فذكر منها:
علوم القرآن.
- علوم الحديث.
– أصول الدين من التوحيد، والعقائد، والفرق، والمذاهب.
– الفقه بمذاهبه وأصوله.
– السيرة النبوية.
– التصوف والزهد والأخلاق.
– التربية الإسلامية.
– تراجم الرجال.
– التاريخ والجغرافيا.
– اللغة والأدب.
- بحوث الحضارة والفكر الإسلامي.
وقد تكلم المؤلف على كل علم من هذه العلوم على حدة وذكر فيه موضوعات كثيرة يمكن للباحث أن يتناولها بالبحث.
ثم ختم التمهيد بالكلام عن الشروط الواجب توافرها في كل من البحث والباحث ليخرج بحثاَ ناجحاَ مكتمل الأركان، فذكر من شروط البحث:
1- أن يقدم شيئاَ جديداَ، فلا يكتب موضوعاَ سبقه إليه غيره فأشبعه بحثاَ وتحليلاَ وبياناَ، إلا إذا كان غير قد تناول جانباَ من جوانبه فلا بأس أن يختار جانباَ آخر.
2- الحيوية والواقعية، بأن يكون للبحث صلة قوية بالواقع وحاجة المجتمع، فكلما اتسعت دائرة الانتفاع به ازدادت أهميته.
3- خصوبته وغزارة مصادره وتوافرها.
4- وضوح المنهج، فينظم الباحث خطة البحث بشكل منطقي ويوزع أفكاره الرئيسية ضمن أبواب وفصول منسجمة، ثم يبدأ الكتابة بحيث يسلسل أفكاره وينتقل مع القارئ من نقطة إلى أخرى بترابط.
5- تحديد عنوان الموضوع بدقة فيعبر عن مضمون البحث.
6- سلامة الأسلوب من الأخطاء النحوية واللغوية ووضوح العبارات وعدم غموضها.
7- دقة المعلومات بذكر مصادرها مما يعطي البحث أهمية وقيمة أكبر.
ثم تكلم عن شروط الباحث فذكر منها:
1- سعة الاطلاع والعلم والمعرفة.
2- الموهبة والذكاء والقدرة على التأمل والتفكير والاستنباط، كي يستطيع الوقوف على دقائق الأمور ويحسن الربط بينها ويُوفًّق في عرضها وبيانها.
3- التمحيص والتحقيق والتدقيق.
4- الموضوعية والتجرد والبعد عن الهوى والتعصب.
5- التواضع واحترام آراء الآخرين.
6- الأمانة العلمية، وهي التزام نقل النصوص كما هي من مصادرها، بدون زيادة، أو نقص، أو تحريف، أو تبديل.
7- العزيمة، والهمة العالية، والتضحية، والصبر.
8- أن يكتب في مجال تخصصه حتى يكون ملمًّا بجميع جوانب بحثه فتقل نسبة الخطأ عنده.
9- أن يكون البحث موافقا لميوله ورغباته.
الباب الأول بعنوان: كتابة البحث العلمي.
قسمه المؤلف إلى ثلاثة فصول هي مراحل إعداد البحث:
1- مرحلة الإعداد النظري.
2- مرحلة التنفيذ العملي.
3- المرحلة النهائية.
الفصل الأول: مرحلة الإعداد النظري:
وفيها يحدد الباحث أولا موضوع البحث الذي سيخوض فيه، ويراعي فيه أن يكون متخصصا في العلم الذي سيكتب فيه، وأن يختار الموضوع الذي يميل إليه ويحبه وينسجم مع تفكيره وشخصيته.
وقد أرشد المؤلف الباحث المبتدئ إلى بعض الأمور التي يتجنبها عند اختيار الموضوع فذكر منها:
الموضوعات المعالجة من قبل.
والموضوعات التي يشتد الخلاف حولها لأنها بحاجة إلى فحص وتمحيص.
والموضوعات العلمية المعقدة التي ستكون صعبة على المبتدئ.
والموضوعات الخاملة التي لا تبدو ممتعة.
والموضوعات التي يصعب العثور على مادتها العلمية، أو الموضوعات الواسعة جدا والضيقة جدا أو الغامضة حيث يصيب الباحث الكثير من العنت في معالجتها.
ثم عليه أن يختار عنوانًا لبحثه يراعي فيه: الجِدة والابتكار، وإيجاز العبارة، ومطابقة العنوان للموضوع، مع الوضوح والموضوعية؛ بحيث يحمل العنوان الطابع العلمي الهادئ الرصين بعيدا عن العبارات الدعائية المثيرة التي هي أنسب للإعلانات التجارية منها إلى الأعمال العلمية.
وبعد أن يحدد الباحث موضوع البحث ويختار عنوانه عليه أن يضع خطة أولية للبحث، بمعنى تقسيم أفكار البحث إلى أفكار رئيسية وجزئية.
وتضم الخطة المثالية: مقدمة، وتمهيد، وبضعة أبواب، في كل باب عدة فصول، وفي كل فصل عدة مباحث، وخاتمة، وفهارس.
ثم وضح المؤلف باختصار ما يجب أن يشتمل عليه كل جزء من هذه الأجزاء. وأشار إلى أهمية وضع خطة للبحث وأن بدونها ربما يضطر الباحث إلى إعادة الكتابة بعد استنزاف الكثير من الوقت والجهد حيث يتبين عدم الترابط والتنسيق بين المباحث فيما بينها، وهي خطة لا يفترض أن تكون نهائية، فكثيرًا ما يطرأ عليها التغيير والتعديل بعد العمل بالموضوع.
ثم انتقل المؤلف إلى الجزء الأخير من مرحلة الإعداد النظري وهو تحديد المصادر الأولية للبحث، وذكر أهم المصادر التي يمكن للباحث الاستعانة بها وهي:
1- فهارس المكتبات العامة والخاصة.
2- الموسوعات العلمية المتخصصة، مثل الموسوعة الفقهية، وموسوعة أطراف الحديث الشريف.
3- المصادر البيلوغرافية، وهي الكتب المهتمة بالعلوم وجمع ما يصدر فيها من كتب، مع ذكر بيانات كل كتاب من: اسم المؤلف، والمحقق، والبلد الناشرة، ودار النشر، ورقم الطبعة، وتاريخها، وعدد المجلدات والأجزاء والصفحات.
4- فهارس المصادر والمراجع المثبتة في أواخر الكتب التي لها صلة وثيقة بالموضوع المختار.
5- الدوريات والنشرات العلمية المتخصصة بالكتاب مثل مجلة الأزهر المصرية.
وأشار إلى أهمية تسجيل معلومات المصادر فيجعل لكل مصدر بطاقة يدون فيها: اسم المؤلف – اسم الكتاب – موضوعه – اسم المحقق – بلد النشر – اسم الدار الناشرة – رقم الطبعة – تاريخ الطبع – عدد المجلدات والأجزاء والصفحات – مكان وجود المصدر.
وأشار إلى أهمية أن يفرق الباحث بين المصادر الأصلية والفرعية (المراجع):
فالأصلية هي المكتوبة بأيدي المؤلفين أنفسهم أو المعاصرين لحدث معين عاشوا الأحداث والوقائع ودوًّنوها، فكانوا مصادر لمن بعدهم مثل تفسير الطبري وتاريخه، وصحيح البخاري، والأم للشافعي، ومعجم العين للخليل بن أحمد.
وأما المراجع فهي التي تعتمد في مادتها العلمية أساسا على المصادر الأصلية الأولى، فتنقل منها وتتعرض لها بالشرح والتحليل أو النقد والتعليق والتلخيص.
وينبغي للباحث أن يرجع دائما إلى المصادر الأصلية القديمة، ومن الخطأ الكبير أخذ المعلومات من المراجع المتأخرة مع توفر مصادرها، ولم يجوز العلماء ذلك إلا في حالة فقد المصادر.
الفصل الثاني: مرحلة التنفيذ العملي:
1- المطالعة الهادفة الفاحصة لكل المصادر والمراجع التي جمعها، وليركز على ما يهمه فقط وما له صلة ببحثه، وليكتب ما يراه مناسبا لبحثه أو يصوره.
2- تنظيم المعلومات التي جمعها وتدوينها ليحسن الاستفادة منها.
3- ثم تبدأ مرحلة كتابة البحث، ويبدأ فيها أولا بكتابة المتن، وهنا سيجد الباحث أمامه ملفات كثيرة ممتلئة بالشواهد والأفكار العديدة، فعليه أن ينتخب ويختار الأفضل منها.
وهنا يجب مراعاة أركان البحث العلمي الثلاثة وهي:
1- الأسلوب.
2- المنهج.
3- المادة.
يراعى في الأسلوب طبيعة البحث، فالحقائق العلمية تستوجب أسلوبًا علميًّا له خصائصه في التعبير والتفكير والمناقشة، يتميز بالهدوء والوضوح والقوة، ومما يعين على الكتابة العلمية الجيدة:
القراءة الواسعة – دراسة قواعد اللغة بنحوها وصرفها وبلاغتها – الدُّربة الطويلة – ممارسة الكتابة في شتى الأغراض – القراءة لكاتب من مشاهير الكُتًّاب سبق له الكتابة في الموضوع نفسه.
ويراعى في المنهج تنظيم العرض وتقديم الأدلة، فيهتم بالمقدمات التي توضح الفكرة وتبين المراد، ثم يستعين في كتابة الموضوع بالتحليل العلمي الصادق بصورة منطقية، يسلك أسلوبا سويا ليس بالطويل الذي يبعث على الملل ولا الموجز القصير الذي لا يشبع نهم القارئ. وليستعين بالمقارنات التي تبرز المعاني وتوضح الأفكار، وليهتم بتضمين بحثه عناوين رئيسة وأخرى جانبية، بدون إفراط مما يجعل من البحث صورة حية ناطقة.
ويراعي في المادة أن تكون غزيرة غنية صحيحة موثقة.
وبعد الانتهاء من كتابة المتن يأتي ثانيا كتابة الهوامش وهو ما يكتبه الباحث من أفكار ثانوية في كتابه أو كتاب غيره؛ ليشرح غامضا، أو يوضح فكرة، أو يوسع في شرحها، أو يوثق معلومة بذكر مصادرها، أو يخرج حديثا، أو يعرف بعلم من الأعلام، أو مكان أو يناقش رأيا أو يعلق على رأي.
وقد اتفق المحققون على أمور لابد منها في الهوامش وهي:
1- تخريج الآيات القرآنية وتفسير غريبها ومعانيها.
2- تخريج الأحاديث النبوية الشريفة والآثار، وشرح غريبها وبيان درجتها من الصحة أو عدمها.
3- شرح الغريب من الألفاظ اللغوية والمصطلحات.
4- التعريف بالأعلام المغمورين.
5- التعريف بالأماكن والأزمنة والوقائع الغامضة.
6- تخريج الأمثال والأشعار.
7- توثيق النقول بعزوها إلى مصادرها.
8- مناقشة الآراء وبيان أوجه الموافقة أو المخالفة.
9- ذكر دليل المسائل التي في المتن أو أمثلة لتوضيحها.
10- التعليق على النص بما يشرح غامضا أو يوضح رأيا.
وقد أسهب المؤلف في بيان هذه الأمور واحدا واحدا وبيان كيفية كتابتها الكتابة المثالية.
ثم تأتي الخطوة الرابعة من خطوات كتابة البحث وهي وضع المقدمة والخاتمة، ويمكن أن تحتوي المقدمة على الأفكار التالية:
الإشارة إلى قيمة وأهمية البحث
– شرح الأسباب التي أدت إلى الاهتمام بهذا الموضوع.
– بيان خطة البحث وتقسيمه إلى أبواب وفصول ومباحث – تحديد المنهج الذي سلكه الباحث في معالجة موضوعات البحث.
– تحديد معاني المصطلحات التي جرى استعمالها في البحث.
– الدراسات والأعمال السابقة في موضوع البحث وبيان الإضافة الجديدة التي أضافها البحث.
أما الخاتمة فيتعرض فيها الباحث لموضوعات البحث بصورة مختصرة وكأنها مقدمات يقصد منها أن تقود إلى النتيجة أو النتائج بشكل طبيعي، وفي سبيل ذلك يتطلب الأمر الكثير من التحليل والتركيز على أهمية بعض النقاط الرئيسة بحيث تلامس تفكير واهتمامات القراء.
الفصل الثالث: المرحلة النهائية للبحث:
وهي طبع البحث وتصحيحه ووضع فهارسه ثم تجليده وأخيرا مناقشته، والفهارس الأساسية لكل بحث خمسة:
فهرس الآيات القرآنية – الأحاديث النبوية – الأعلام – ثبت المصادر والمراجع – محتويات البحث.
وقد تكلم المؤلف عن هذه الفهارس واحدا واحدا وكيفية إعداده.
وبذلك يكون المؤلف قد انتهى من عرض أصول وقواعد كتابة الأبحاث، وانتقل بعدها إلى بيان قواعد تحقيق المخطوطات في الباب الثاني.
]]>قراءة في كتاب/ تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية.
قرأه: محمود الشرقاوي.
المؤلف: أ.د/ عبد الناصر توفيق العطار، أستاذ القانون المدني، وعميد كلية الحقوق بأسيوط.
أهمية الكتاب: فقد طرأت عدت عوامل دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية جعلت من تعدد الزوجات قضية عامة احتدم حولها الجدل، ولكل قضية أنصار وخصوم، وهذه القضية التي نتناولها تتعلق بحقوق المرأة.
عرض الكتاب:
مقدمة:
* فشل الاقتصار على الزواج الفردي: إن من حق كل فتاة أن يكون لها زوج، ومن تأمل المجتمعات التي تأخذ بنظام الزواج الفردي وعدم التعدد تحرم كثير من النساء من الزواج، وبالتالي تكون فريسة للشيطان والذئاب البشرية، والدستور في كل بلد يجب أن يكفل حق كل امرأة في الزواج، وإن كان تعدد الزوجات حق للرجال فهو كذلك حق لمجموع النساء يجب أن يناضلن من أجله حتى يكون لكل امرأة زوج.
* ينظر خصوم تعدد الزوجات على أنه نظام بدائي وانحطاط لرقي المرأة، والحقيقة لا يوجد ارتباط بين تعدد الزوجات ورقي المجتمع أو تحضره.
*وينظر الخصوم للتعدد على أنه مناف لحرية المرأة في حين يرى أنصار تعدد الزوجات أنه أحد وسائل تحرير المرأة من الكآبة والمهانة والابتذال.
*والتعدد قد يكون فيه آلام للزوجة الأولى وآمال للزوجة الثانية؛ لذلك ينبغي لواضعي القانون ألا ينظرون بناحية العاطفة، بل ينظروا لمجمل المجتمع ككل واحتياج الرجل كذلك، فهذه القضية قضية دينية اجتماعية.
* إن كانت المرأة المتزوجة مهددة من المرأة الأخرى بالتعدد؛ فهي مهددة بأمر أبشع وهو الطلاق من أجل زوجها تزوج عليها كما عند النصارى، والمحاكم المصرية تطفح بقضايا الطلاق عند النصارى بسبب عدم التعدد.
* ينظر الخصوم لمنع تعدد الزوجات على أنه مساواة بين الرجل والمرأة، فكما لا يحق لها تعدد الأزواج كذلك هو لا يعدد الزوجات.
ويرى أنصار تعدد الزوجات أن المساواة يتعين الأخذ بها فيما يصلح له كل من المرأة والرجل، أما إذا كان هناك اختلاف بين المرأة والرجل في صلاحيات كل منهما فمن الظلم المساواة بين الرجل والمرأة في هذا النطاق، فالمرأة لها رحم معد للإنجاب يبقى فيه ماء الرجل، بخلاف الرجل، فلو حدث تعدد الأزواج للمرأة لأخطلت الأنساب، فالرجل الذي يعدد عنده عدت زوجات فالأولاد من هذه الزوجات من نطفته ودمه، فيُسأل عن رعايتهم اجتماعياً وقانونياً ودينياً.
*الدستور والقانون الذي يمنع تعدد الزوجات من باب الحرص على مصلحة الأسرة الواحدة سوف يؤدي إلى وجود مشكلات أكبر لا يستطيع الدستور حلها؛ ككثرة الزني والزواج العرفي، وكثرة الطلاق، وفساد المجتمع، ويرى أنصار التعدد أن التعدد مساواة بين النساء في حق الزواج.
الفصل الأول: أسباب تعدد الزوجات:
*لا يرى خصوم التعدد مبررًا يدعو الرجل للتعدد، بل هو عندهم دلالة على فساد أخلاق الرجل واختلال حواسه وشره في طلب اللذائذ.
*ويرى أنصار تعدد الزوجات أن المرأة هي وراء الدافع للتعدد، سواءً الزوجة الجديدة وهي الطالبة من الرجل أن يتزوجها كزوجة ثانية.
أو الزوجة السابقة قد تكون مريضة، أو لا تنجب، أو لا تستطيع أن تكفي الرجل في الفراش، أو لنشوزها، أو قد يكون حدث طلاق ثم تزوج الرجل بامرأة أخري ثم بعد فترة أراد أن يرجع للأولى، فهل يطلق الثانية؟ أم يترك الأولى تعيش بلا زوج مدى الحياة؟ أم يجمع بين الأولى والثانية ويحافظ عليهما؟
وقد تكون قريبة له أرملة أو عانسًا أراد أن يكفلها فالمثل العليا تفرض على زوج هذه المرأة ألا يتخلى عنها ويزيد آلامها بطلاق، بل يتزوج عليها مع المحافظة عليها وهذه مصلحة كبري للزوجة الأولى والثانية، وللزوج.
وذكر المؤلف إحصائية في كثرة عدد الأرامل والعوانس.
*أيهما أفضل: التعدد أم تعيش المرأة كراهبة بلا زواج؟ أم ينتشر ما يسمى بشيوعية الجنس والعشيقات والخليلات في الحرام، وكثرة الأطفال غير الشرعيين؟ وللأسف يريد القانون تحريم تعدد الزوجات ولا يعاقب على الفجور والدعارة.
* ونقل المؤلف عدة أقوال عن أهمية التعدد منها.
الفصل الثاني: مشكلات حول تعدد الزوجات:
*منها النزاع بين الضرائر والغيرة بين الضرائر،
وأجاب عن ذلك أن مثل ذلك يحدث بين المرأة وأم زوجها، فهذه المشاكل تعالج وليست سببً لرد تعدد الزوجات.
*ومنها النزاع بين أولاد الضرائر.
والإجابة: أن هذا أيضا يحدث بين الأخوة الاشقاء.
*ومنها المشكلة الاقتصادية في الإنفاق على الزوجة الجديدة.
وأجاب بأن نفس المشكلة للمرأة العانس، فمن ينفق عليها وأين تعيش؟
أما مسألة الإنفاق عموما فهو سوف يقلل من بعض الرفاهيات للزوجة الأولى لتعيش امرأة آخرى.
*ومنها مشكله كثرة تعدد السكان بسبب التعدد.
فرد على ذلك بذكر إحصائية في قرية فيها تعدد يقل فيها عدد السكان؛ لأنه في الغالب الزوجة الثانية تكون سنها أكبر من سن الإنجاب، أما إذا تزوجت صغيرة فيزداد الإنجاب أكثر.
الفصل الثالث: القرآن الكريم وتعدد الزوجات:
* الزواج الفردي جائز فآدم تزوج بحواء فقط، وقال خصوم التعدد أن الرجل لوكان في حاجة إلى أكثر من امرأة لخلق الله لآدم أكثر من حواء.
فرد على ذلك بأنه لم يكن يوجد في الأصل إلا حواء فقط مع آدم، ووجد عدد من الزوجات لبعض الأنبياء كإبراهيم، ويعقوب، وداود، وسليمان، ومحمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
*والقرآن الكريم لم يأمر بالتعدد ولكن القرآن ذكر أنه مباح، ولكن القرآن قيده بأربعة، ونقل المؤلف تفسير قوله تعالي (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) وقوله تعالي (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ) وقوله تعالى (مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) وما يؤيد ذلك من السُنة.
*وذكر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأسباب زواجه من كل امرأة، وأنه صلى الله عليه وسلم ضرب أروع الأمثلة في تعاليم الإسلام لمقاصد ونظم الزواج.
*وذكر مشكلة حول تطبيق التعدد بين الزوجات وهي عدم العدل بين الزوجات، فذكر علاج ذلك من خلال سورة النساء، ففيها الحث على العدل بين الزوجات، وإن حدث تجاوز من الرجل أو المرأة في صورة نشوز أحدهما كيف يكون الحل من خلال آيات سورة النساء، وذكر معيار العدل المطلوب في الآية (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ).
*وذكر قوله تعالى (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) ووضح معنى ملك اليمين، وأنه كان موجودًا قبل الإسلام.
* وذكر قوله تعالي (ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا) ورجح اشتراط القدرة على الانفاق، وقد اشترط بعض الفقهاء وجود المال معه، فإن من لم يستطع وتزوج فالزواج صحيح مع الإثم.
ونقض ذلك بقوله: إن هذا القول يجعل التعدد أو الزواج الأول خاصًّا بالأغنياء دون الفقراء، وهذا لا يشترط لا ديناً ولا قانوناً، ووضح أن القدرة على الباءة هي القدرة على أعباء الزواج والبحث عن الرزق.
الفصل الرابع: القيود الشرعية لتعدد الزوجات:
* ذكر منها الحد الاقصى لتعدد الزوجات، وهو ألا يزيد عن أربعة، وذكر حكم من خالف وزاد عن الأربع سواءً كان يعلم حرمة الزيادة على أربع أو لا يعلم.
*ومن القيود تحريم الجمع بين المحارم بين الاختين، وبين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، والعلة في ذلك المنع من قطيعة الرحم، وذكر حكم من خالف وجمع بين المحارم في ذلك.
*ومن القيود العدل بين الزوجات، وقضية المساواة في النفقة، وأن لكل واحدة سكنًا مستقلًّا، والمساواة في المبيت، وذكر حكم من أرادت إسقاط حقها في المبيت، وهذا القَسم في المبيت يسقط بالسفر أو نشوز المرأة، وفصَّل في هذ المسائل تفصيلًا مهما.
*وذكر عدم جواز دفع الزوجة مالًا للزوج ليزيد عدد أيام المبيت لها، لأنه يأخذ حكم الرشوة في أخذ حق الغير، أما لو دفعت لضرتها المال لتترك لها أيام نوبتها في المبيت ففيه خلاف، فمن منع من الفقهاء جعله بيعًا ولا يصح بيع النوبة، ومن أجازه وصفه أنه صلح يجوز فيه دفع مال.
*وذكر جزاء إخلال الزوج بالعدل بين الزوجات، وإن وقع على إحداهن ضرر فلها طلب الطلاق للضرر.
*وذكر حكم الزوجة إن اشترطت عدم الزواج عليها، فرجح أنه بالإجماع لا يمنعه هذا الشرط من التعدد، ولكن يستحب للزوج الوفاء بالشرط.
واختلف الفقهاء إن تزوج عليها لها حق الفسخ أم لا، ورجح أنه ليس لها حق الفسخ، أما اشتراطها طلاق الأولى لا يجوز.
الفصل الخامس: القيود الوضعية لتعدد الزوجات:
* ذكر أن أصحاب القوانين الوضعية الذين يحرمون تعدد زوجات اعتمدوا على كلام الشيخ محمد عبده في تقييد تعدد الزوجات في العصر الحديث، فنقل قول الشيخ محمد عبده ووجه قوله بأن الشيخ محمد عبده في الأصل لم يحرم تعدد الزوجات، وكلامه لا يدل على بطلان تعدد الزوجات.
*وذكر قانون منع القضاء من سماع الدعوة من الزوجة ضد الزوج إذا تم الزواج الجديد بغير إذن القاضي، ومضمونها حمل الناس على استئذان القضاء عند التعدد.
وقال أخرون القاضي هو الذي يحدد السماح أو المنع من التعدد، وأصدروا بيان بذلك، فذكر أن جبهة الأزهر الشريف ردت على هذا البيان بقانون 78 سنه 1930 بأن مخترع هذا القانون تَقوَل في دين الله بغير علم.
وناقش هذا القانون ورد على حجج هذا القانون بالتفصيل بأنه يؤدي لتحريم ما أحل الله ويؤدي لزيادة الطلاق، والزواج العرفي، أو فضح الزوجة الأولى بما فيها ليسمح له القاضي بالتعدد، أو تكليف الزوجة الجديدة بتقديم مبرر أنها تريد أن تكون زوجة ثانية، وهذا امتهان لها.
*ورد على من قال التعدد مشروط عند القاضي بالقدرة على الإنفاق والعدل بين الزوجات، فقال: هذا الشرط في الشريعة بين العبد وربه تديناً، ولا يستوجب أن يكون شرط قضائياً، فكم من فقير أغتنى والعكس، وكم من غليظ الطبع أصبح ليناً بعد التعدد والعكس، وهذه الأمور منوطة بالإصلاح الديني والخلقي لا القضائي، وتكليف القضاء بالإشراف على هذه الشروط يخالف طبيعة عمل القضاء، فهل يستطيع القاضي معرفة ما في المستقبل؟ فإنها معايير تضطرب
*ونقل من كتاب المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية (ص404) أن مجمع البحوث الإسلامية في مصر يرفض تقيد تعدد الزوجات بإذن القاضي.
*وذكر أنه في سبيل تحريم تعدد زوجات لجأت بعض السلطات إلى حرمان من عدد زوجاته من بعض الحقوق والمزايا؛ كمنعه من الإقامة في المدن، وفرض ضريبة إضافية عليه، أو إلزام الزوج ببيان أسماء زوجاته ومحل إقامتهن عند زواجه عليهن، وعلى المأذون بإخطارهن بزواجه الجديد لتتمكن من طلب الطلاق.
* وخصوم التعدد يعتبرون زواج الرجل على زوجته دون علمها غش وخداع وخيانة، وهذا التوصيف غير صحيح شرعاً.
*قال وابتدع واضع القانون المصري نوعاً جديداً من التطليق للضرر، وهو التطليق لمجرد تعدد الزوجات، وناقش هذا القانون بأنه مخالف للشريعة الإسلامية بخلاف لو عدد الزوج ثم ظلم إحداهن؛ فلها أن ترفع دعوة للقضاء، والقاضي عليه أن يتدخل بالإصلاح أولاً ويأمر الزوج بالعدل، فإن لم يعدل فللقاضي حق الطلاق للضرر.
*والدوران حول ألام الزوجة بالتعدد لمنعه تحايل لإيقاف العمل بالشريعة، وذكر عدة أحاديث تدلل على أن الزواج سنة وكذلك التعدد.
*ورد على شبهات حديث منع النبي صلي الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من زواج بنت أبي جهل، فذكر روايات الحديث وفي إحدى الروايات قوله صلى الله عليه وسلم "إني لا أحل حراماً ولا أحرم حلالاً، ولكن لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله" دلالة على أن النبي صلى الله وسلم لم يحرم التعدد.
*والبخاري استنبط من الحديث أن لفاطمة حق الخلع، وهو المراد من قوله صلى الله وسلم "إلا أن يطلق ابن أبي طالب ابنتي" فامتنع على رضي الله عنه طلاق فاطمة.
*ورد على من قال إن الصحابة عددوا الزوجات بحكم البيئة والعصر الذي كانوا يعيشون فيهما، بل إن الظروف الاجتماعية الحالية أولى بالتعدد بسبب زيادة عدد الأرامل والعوانس والمطلقات، حتى لا يعشن حياة الرهبنة، أو تصاب بألآم نفسية، أو فتح مجال للخليلات، أو اللجوء للزواج العرفي الذي يضيع حقها كزوجة،
* أما مشاكل التعدد يمكن علاجها بالتربية الدينية والأخلاقية.
*وحذر من القانون الذي يحرم التعدد، أو بطلاق الزوجة الأولى في حال التعدد عليها؛ كأنه يجعل الطلاق بيد الزوجة، وحذر من تصوير التعدد على غير حقيقته، فيكون من صور الافتراء على الله بغير العلم.
ثم ختم الكتاب بأن التعدد إعجاز تشريعي.
]]>قراءة في كتاب: الورقات فيما يختلف فيه الرجال والنساء في أبواب من المعاملات.
قرأه/ أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم.
المؤلف: د/ أحمد بن عبد الله بن محمد العمري.
أهمية الكتاب: هو من جملة الأبحاث التي تتصدي لدعاوى تحرير المرأة والمساواة بينها وبين الرجل في أبواب من المعاملات.
عرض الكتاب:
المقدمة فيها فضل الفقه في دين الله إذا خلصت النية لله رب العالمين، وأن دعاة تحرير المرأة يسعون إلى بث دعاواهم بأساليب براقة يتظاهرون من خلالها بالمطالبة بحقوق المرأة وتحريرها من ظلم الرجل- زعموا- إلى غير ذلك من الدعاوى التي لا يُراد بها إلا تحرير المرأة من قيم الدين والكرامة والطهر والعفاف، وقد أُشْرِبَ ذلك كثير من الناس الذين تحقق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم.." لذلك فإن التصدي لهذه الدعاوى بالردود العقدية والفكرية والفقهية يكون من فروض الكفايات.
الفصل الأول: الحجر: وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: علامات البلوغ التي يختلف فيها الذكور والإناث.
وفيه علامات البلوغ التي تتفق في الذكر والأنثى، وعلامات البلوغ التي تختص بها المرأة وتختلف بها عن الرجل فهي:
1- الحيض. 2- الحمل.
المبحث الثاني: حكم دفع المال للشاب والجارية بعد البلوغ والرشد:
فقبل البلوغ يحجر على مال الصبي والجارية.
فإن كان المحجور عليه ذكراً فقد اتفق العلماء على أنه إذا بلغ رشيداً دُفع إليه المال وهذا مما لا خلاف فيه وعليه المذاهب الأربعة.
وأما إن كان المحجور عليه لصغره أنثى فقد اختلف أهل العلم في وقت رفع الحجر عنها على أقوال ثلاثة:
1- جمهور العلماء قالوا يرتفع الحجر عنها ببلوغها رشيدة كالذكر تماماً.
2- قال الإمام مالك أنه لا يرفع الحجر عن الجارية حتى تبلغ رشيدة ويدخل بها زوجها ويشهد العدول على صلاحها.
3- رواية لأحمد قال لا يُرفع الحجر عنها إلا ببلوغها رشيدة وبشرط أن تتزوج وتلد أو تقيم في بيت زوجها سنة.
ورجح الكاتب القول الأول.
المبحث الثالث: حكم تصرف كل من الزوجين في ماله دون إذن الآخر:
فأما بالنسبة للرجل فلم يقل أحداً من العلماء بأن الزوجة لها الحق في منع زوجها من التصرف في ماله الخاص وليس لها إلا النفقة الواجبة عليه لقوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ
وأما المرأة فإن العلماء اختلفوا في حكم تصرفها في مالها دون إذن زوجها على قولين:
الأول: يجوز للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله بالتبرع والمعاوضة دون إذن الزوج.
وهذا قول جماهير العلماء وذكر أدلة ذلك منها "أن أسماء باعت جارية لها قالت: فدخل عليَّ الزبير وثمنها في حجري فقال: هبيها لي قالت: إني قد تصدقت بها" رواه مسلم
الثاني: ليس للمرأة الرشيدة التصرف المطلق في مالها.
ثم اختلف أصحاب هذا القول فقال مالك وأحمد في رواية ليس لها التصرف فيما زاد على الثلث من مالها بدون عوض كالهبة والعتق إلا بإذن زوجها، وقال طاووس ليس لها التصرف في شيء من مالها مطلقاً، وعن الليث لا يجوز إلا في الشيء التافه. وذكر أدلة ذلك منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها"
ورجح الكاتب القول الأول لأمور، منها:
1- قوة ما استدلوا به من الآيات والأحاديث 2- أن الأصل جواز تصرف الإنسان في ماله ما لم يمنع من ذلك دليل.
3- أنه لم يختلف العلماء في جواز تصرف المرأة في مالها إذا لم تكن ذات زوج، ولم تكن سفيهة وكذلك إن كانت ذات زوج
4- أن أدلة المانعين للمرأة من التصرف في مالها فيها نظر، فلعل ضعفها أصح، أو لعلها منسوخة كما قال ابن حزم إذ أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة كان في آخر حياته، أو لعلها تُحمل على أنها لا تتصدق من ماله إلا بإذنه أو لعل الأمر بالاستئذان فيها مبني على حسن العشرة كما ذكر الخطابي والله أعلم.
المبحث الرابع: حكم تصدق الرجل من مال زوجته وتصدقها من ماله:
أما حكم تصدق الرجل من مال زوجته: قال فإني لم أجد أحداً من أهل العلم نص على حكمه صراحة، إلا ابن حزم حيث قال: لا يجوز له أن يتصدق من مالها بشيء أصلاً إلا بإذنها، وعلة عدم النص على حكمه أنه من المسلمات التي لم يُختلف في حكمها
أما حكم تصدق المرأة من مال زوجها ففيه خلاف على قولين:
الأول: يجوز لها أن تتصدق من مال زوجها باليسير وذكر أدلة ذلك منها عن عائشة رضي الله قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، لها أجرها وله مثله، له بما اكتسب، ولها بما أنفقت" متفق عليه
الثاني: لا يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بشيء إلا بإذنه، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم قال النووي لكنه قال: والإذن ضربان: أحدهما، الإذن الصريح في النفقة والصدقة، والثاني الإذن المفهوم من اطراد العرف
وذكر أدلة ذلك منها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها" قيل: يا رسول الله ولا الطعام قال: "ذلك أفضل أموالنا" حسنه ابن حجر والألباني.
محل النزاع: فإن أذن لها الزوج فلا خلاف هنا في الجواز. وإن نهاها فلا خلاف أيضاً في التحريم.
وأما إن لم يأذن لها صراحة ولم ينهها ولم تعرف من طبعه موافقته لها على الصدقة أو مخالفته فهنا محل النزاع وعلى هذا تُنَزَّل الأدلة.
ورجح الكاتب أنه يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها بالشيء اليسير غير مفسدة.
المبحث الخامس: حكم ولاية الأب والأم على مال الصبي.
فأما الأب فإن أهل العلم لم يختلفوا في أنه أولى الأولياء بالنظر في مال ابنه المحجور عليه "لأن ذلك مبني على الشفقة وشفقة الأب فوق شفقة الكل".
وأما الأم ففي حكم ولايتها على مال الصبي خلاف بين أهل العلم على قولين:
الأول: لجماهير العلماء يرون أن الأم ليس لها ولاية على مال الصبي إلا بالإيصاء عند بعضهم
الثاني: يقول أصحابه إن للأم ولاية على مال الصبي، وهو قول الاصطخري من الشافعية وبعض الحنابلة.
ورجح الكاتب أنه لا ولاية للأم على مال ابنها الصغير إلا أن يوصي إليها ولي الصغير بذلك كما فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه "أوصى بالنظر في الوقف الذي أوقفه بخيبر إلى ابنته حفصة ثم إلى الأكابر من آل عمر" أو يحكم بولايتها حاكم وبهذا يتضح الفرق بين الأب والأم في الولاية على مال الصبي فالولاية ثابتة للأب بلا خلاف دون الأم.
الفصل الثاني: الغصب والهبة والوصية
المبحث الأول: حكم قبول الوالد والوالدة الهبة للصبي:
الهبة من العقود التي تحتاج إلى إيجاب وقبول.
لم يختلف أهل العلم في جواز قبول الأب إن كان حياً أميناً الهبة للولد ولا حق للأم في قبول الهبة للولد مع وجود أبيه وعليه المذاهب الأربعة، أما مع عدم وجود الأب والجد ففيه قولان:
الأول: أنه لا بأس أن تقبل الأم الهبة لطفلها عند الجمهور
الثاني: لا يصح وهو الأصح عند الشافعية للحديث "السلطان ولي من لا ولي له".
ورجح الكاتب أنه في حال عدم وجود الولي والسلطان أهمل اليتيم ولم يجعله في ولاية رجل من المسلمين وبقي الطفل مع أمه وهو محتاج للمال فإنه لا مانع من أن تقبل له الأم الهبة لعدم من يقوم بذلك.
المبحث الثاني: حكم رجوع الوالد في هبته لولده ورجوع الوالدة.
المطلب الأول: حكم رجوع الوالد في هبته لولده على قولين:
الأول: يجوز للأب أن يرجع فيما وهب لولده وعليه الجمهور.
الثاني: لا يجوز للأب أن يرجع فيما وهب لولده قول الأحناف
ورجح الكاتب قول الجمهور بجواز رجوع الوالد في هبته لولده أصح.
المطلب الثاني: حكم رجوع الوالدة في هبتها لولدها على أقوال ثلاثة:
الأول: يجوز للأم أن ترجع في هبتها لولدها.
الثاني: ليس للأم أن ترجع في هبتها لولدها.
الثالث: يجوز للأم أن ترجع في هبتها لولدها بشرط أن يكون الولد كبيراً خرج عن حد اليتم
ورجح الكاتب أنه يجوز أن ترجع الأم في هبتها لولدها مطلقاً، وعلى هذا يتضح أنه لا فرق بين الوالد والوالدة في جواز الرجوع في الهبة للولد، والله أعلم.
المبحث الثالث: كيفية التسوية في العطايا والهبات بين البنين والبنات.
التسوية في العطية بين الأولاد مستحبة عند جمهور وواجبة عند أحمد، لكن إن قيل بالوجوب أو الاستحباب فكيفية التسوية بين البنين والبنات على قولين:
الأول: بأن لا يُفَضَّل ذكرٌ على أنثى، بل تُعطى الأُنثى مثل ما يعطي الذكر.
الثاني: التسوية بينهما على حسب قسمة الله تعالى الميراث فَيُجْعل للذكر مثل حظ الأُنثيين.
ورجح الكاتب قول الجمهور، فتكون التسوية بين الأولاد ذكوراً وإناثاً متعينة بأن لا يُفضّل ذكر على أنثي
المبحث الرابع: حكم رجوع الزوج في هبته لزوجته ورجوعها في هبتها له:
إذا وهب الرجل زوجته هبة فإنه لا يجوز له أن يرجع في هبته لها هذا ما اتفق عليه أهل العلم، وعليه المذاهب الأربعة.
أما حكم رجوع الزوجة في الهبة إذا وهبت زوجها ففيه خلافٌ لأهل العلم على أقوال ثلاثة:
الأول: لا رجوع للزوجة إذا وهبت زوجها كما إذا وهبها.
الثاني: يجوز للزوجة إذا وهبت زوجها شيئاً أن ترجع فيه مطلقاً.
الثالث: إذا لم تطب نفسها بالهبة فلها الرجوع إذا خدعها.
ورجح الكاتب القول الثالث، ووضح أنه لا يجوز للزوج أن يرجع في هبته لزوجته بخلاف الزوجة ففي رجوعها تفصيل
المبحث الخامس: حكم الوصية إلى الرجل والمرأة.
فرق بعض أهل العلم بين حكم الوصية إلى الرجل والمرأة .
فأما للرجل فأجمعوا على صحتها وأما الوصية إلى المرأة: فذهب جماهير أهل العلم إلى صحتها وعليه الأئمة الأربعة وذهب عطاء إلى عدم صحة الوصية إليها.
ورجح الكاتب قول الجمهور، فلا فرق بين الرجل والمرأة في جواز الوصية إلى كل منهما إذا تحققت باقي الشروط اللازمة للموصي إليه، والله أعلم.
والحمد لله أولا وآخرا.
]]>قراءة في كتاب: ضمانات حقوق المرأة الزوجية.
أعده/ أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم.
المؤلف: د/ محمد يعقوب الدهلوي.
أهمية الكتاب:
فيه توضيح وإثبات لما شرعه الله للمؤمنات من ضمانات لحقوقهن، ويفحم المتحامل من أعداء الإسلام على التشريع الإلهي في صيانة حقوق المرأة، مدعين أن الإسلام هضم المرأة حقوقها المختلفة إلى غير ذلك من الافتراءات، وهذا البحث مدعوم بأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلم.
عرض الكتاب:
بدأ بالإشارة إلى الحملة المشبوهة على الأخلاق الإسلامية، والأحكام الشرعية، تجاه المرأة المسلمة وأن الإسلام منع حقوق المرأة وهم يمنعون المرأة المحتشمة من دخول المراكز العلمية، لمجرد أنها محجبة محتشمة في سبيل أن تصبح كاسية عارية، وغضوا الطرف عن المترجلة العارية بحجة عدم المساس بالحريات الشخصية، ومن المؤسف أنه نهجَ نهجَهم بعضُ أبناء الإسلام الذين تأثروا بالثقافات الغربية وغضوا أبصارهم عما آل إليه أمر المرأة المسكينة في المجتمعات الأجنبية، من انحطاط في السلوك والمكانة.
هذا مع أن الشريعة الإسلامية قد ضمنت للمرأة حقوقها الزوجية كغيرها من الحقوق وضمان اشتمل على ما يحقق لها خير الدنيا والآخرة.
*ثم ذكر مدخل في تعريف الضمان: ويأتي بمعان منها: الالتزام، والاحتواء، والكفالة، وأيضاً بمعني: الحفظ والرعاية والصون وهو الأعم في الدلالة.
والمراد من ضمانات الحقوق في هذا الكتاب: الأحكام الشرعية التي شرعت لحفظ وصيانة حقوق المرأة الزوجية، وإيصالها إليها. وينتفي بها وقوع الظلم عليها.
وقسم البحث إلى فصلين:
الفصل الأول: الضمانات العامة لحقوق المرأة الزوجية:
هي ضمانات لحقوق المرأة الزوجية ولدفع الظلم عنها إذا وقع، سواء كان ذلك من أجنبي، أو من قِبل الزوج، أو من ولي أمرها، أو من قِبلها هي.
قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: 229].
الضمان الأول: أنها تتصف بالصفة الشرعية، وتلك ميزة هامة لضمان الحقوق الزوجية للمرأة، لا يضاهيه أي ضمان في الأنظمة والقوانين الوضعية، ونصوص القرآن والسنة متنوعة بين
نصوص توجب ثواب أداء الحقوق وعقاب منعها أو التحذير من الخيانة فيها أو ما يتعلق بالوعيد بالعقاب على ظلم المرأة، كقول الحق تبارك وتعالى: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُن [النساء: 19]، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ. فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ. وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ" [صحيح مسلم].
الضمان الثاني: أن من الحقوق الزوجية، ما لا يمكن التنازل عنه شرعا.
مثل المهر، حيث لا يجوز إسقاطه أو نفيه ابتداء، لكونه متسما بصفة شرعية، لا يجوز التغاضي عنه، من قبل ولي أمرها، ووجوبه وثبوته في ذمة الزوج، فللمرأة أن تتنازل عنه إن شاءت، من باب التفضل والإحسان.
وأيضًا حق الزوجة في انتساب الولد إلى أبيه، وحفاظاً على نسب الولد، وحفاظاً عليها حتى لا تهتم وترمى بكون الولد من غير أبيه؛ وما يتبع ذلك من مكثها في بيت الزوجية ونقتها ونفقة الولد عليه.
الضمان الثالث: أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية إذا كان مشتملا على الإكراه أو الغرر.
فهناك حقوق زوجية للمرأة يمكن أن تتنازل عنها، إن شاءت ذلك، كحقها في النفقة، إذا خلا من الإكراه والغرر فإن الإكراه في التنازل: يبطل التصرف القولي والفعلي الذي يقع عليه الإكراه؛ لقَول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"
وأما حكم التغرير وأثره في التنازل: فالتنازل لا يخلو من كونه عقداً بالتبرع، فمن غُرر به حتى تنازل عن حقه، لم يكن لتنازله أثر.
الضمان الرابع: أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية مسبقا قبل وجوبها، أو حتى قبل وجود سببها.
فقد لا يكون مبنيا على تأن وترو وبصيرة، فيؤدي إلى لحوق الضرر بمصالحها مستقبلا، ولذا أبطلت الشريعة ذلك التصرف ضماناً لحقوقها.
كأن تتنازل عن نفقتها أو حقها في المبيت قبل عقد النكاح، ولها أن ترجع عن تنازلها متى شاءت، كما لو أبرأت الزوجة زوجها -بعد العقد- من نفقة المستقبل وهو قول الجمهور فلو أرادت بعدُ، أن ترجع في المطالبة به كان لها ذلك، وليس للزوج أن يمتنع.
الضمان الخامس: أن الشريعة حرمت الأنكحة التي فيها ضرر مادي أو معنوي للمرأة.
شرع الله النكاح لتحقيق المصلحة المرجوة منه، لذلك حرمت الشريعة بعض صور النكاح التي كانت معروفة في الجاهلية، والتي كانت مشتملة على أمور تضر بالحياة الزوجية، كنكاح المتعة، ونكاح الشغار، ونكاح التحليل، ونكاح الاستبضاع، ونحو ذلك من الأنكحة التي لا تفي بالغرض الصحيح المقصود من النكاح ( ) .
الضمان السادس: أن الشريعة ألغت تصرفات الزوج الضارة بالمرأة مما كان سائداً في الجاهلية، وعاقبت عليها، كالظهار، والإيلاء.
فقد كان الرجل في الجاهلية إذا غضب على زوجته ظاهر منها، أو حلف على ترك وطئها، فتبقى محرومة من حق من حقوقها الزوجية، وكانوا يعتبرون ذلك طلاقا، فتحرم عليه تحريما مؤبدا، ومع ذلك لا يحق لها أن تتزوج بغيره فعالجت الشريعة ذلك التصرف السيئ من الزوج بإلغائه، وفرض العقوبة المناسبة على المظاهر والمولي، مع الإبقاء على النكاح، فكان في ذلك ضمان لحقوق المرأة.
الظهار: إذا قال لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي، والظهار محرم؛ لأنه منكر من القول وزور لقول الله تعالى: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً [المجادلة: 2] ( ) .
الإيلاء: هو الحلف على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر.
ويقصد به إيقاع الضرر بزوجته وإيذائها عند المساءة إظهارا لغضبه، فكان الرجل إذا غضب على زوجته حلف أن لا يطأها السنة والسنتين، أو أن لا يطأها أبدا، فتبقى معلقة، لا هي مستمتعة بحقوقها الزوجية، ولا هي مطلقة، فتتزوج بغيره، فرفع الإسلام الظلم الواقع عليها بفرض أحكام الإيلاء
والأصل في الإيلاء هو قول الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 226] ( ) .
الفصل الثاني: الضمانات الخاصة لحقوق زوجية معينة:
الفرق بين الفصلين: الضمانات المذكورة في الفصل السابق هي ضمانات عامة تتعلق بمجمل الحقوق الزوجية، وأما المذكورة في هذا الفصل، فهي ضمانات خاصة بحقوق معينة.
الضمان السابع: أن الشريعة منعت الولي من عضل موليته إن أرادت أن تنكح.
فالشريعة جعلت للمرأة ولي يقوم بتزويجها صيانة لها، لكن إن خشي منه أن يعتدي على حقها في ذلك بمنعها من الزواج، لأسباب شخصية، كطمعه في ميراثها، أو قصده تزويجها ممن ينال منه مصلحة شخصية، أو عنادا وضرارا، فضمنت الشريعة الإسلامية هذا الحق الأساسي للمرأة بمنع الولي من عضلها.
ومعنى العضل: منع المرأةِ من الزواج بكفئها إذا طلبت ذلك.
والعضل حرام، وظلم للمرأة، لما يشتمل عليه العضل من إضرار بها، بمنعها من حقها في الزواج بمن ترضاه من الرجال الأكفاء؛ وقد ثبت تحريم العضل بقوله تبارك وتعالى فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 232].
الضمان الثامن: انتقال الولاية:
هناك سببان لانتقال الولاية:
الأول: انتقال ولاية التزويج بسبب العضل.
الثاني: انتقال ولاية التزويج بسبب الغيبة. أي سافر الولي وحضر رجل كفء للمرأة فما الحل؟
والولاية تتحول من الولي الأقرب إلى الولي الأبعد في حالة عضله أو غيابه.
وهناك خلاف بين أهل العلم في هل تنتقل ولاية التزويج إلى الولي الأبعد أو إلى السلطان؟ ورجح انتقالها للولي الأبعد.
الضمان التاسع: أن الشريعة جعلت لها الحق في أن تشترط من الحقوق المادية والمعنوية ما فيه مصلحته.
فيصبح ما اشترطته حقا واجباً لها بالاشتراط في نظر الشرع، وعلى الزوج أن يلتزم بها، إذا قبلها، ما دامت لا تخالف الشرع في أحكامه.
فللمرأة أن تشترط مثلاً، ألا يخرجها من بلدها، أو يبقيها مع أهلها، أو أن تسكن في دار معينة، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ، مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ".
الضمان العاشر: أن المرأة لو زوِّجت من غير رضاها كان لها حق الفسخ.
فرضا المرأة بمن تتزوجه شرط في النكاح، وقد ثبت بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل للمرأة خيار فسخ النكاح إذا أكرهت على الزواج بمن لا ترضاه.
الضمان الحادي عشر: أن الشريعة الإسلامية ضمنت للمرأة مهرها، بأوجه عدة: وهي:
الأول: أن الشريعة منعت نفي المهر في النكاح.
الثاني: أن للمرأة الامتناع من تسليم نفسها لزوجها، حتى تقبض مهرها المعجل.
الثالث: أن المهر لو هلك في يد الزوج، أو استهلكه، أو تبين أنه لغيره، كان ضمانه عليه.
الرابع: أن لها المهر المسمى كاملا أو مهر المثل في حالة عدم التسمية.
الضمان الثاني عشر: أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيد الرجل.
قال: أن الأصل لتحقيق مصالح المرأة وكذلك الزوج أن تستمر العلاقة الزوجية بينهما، فإن مما يضمن استمرارها، أن جعل الله سبحانه وتعالى أمر إنهائها في يد الرجل لحِكَم علمها العليم الحكيم، ولم تخف على العاقل البصير.
وحكمة كون الطلاق في يد الرجل، وأنه ضمان للمرأة لأن طبيعة المرأة العاطفية، وقصر نظرها في إدراك الأمور، وأحاسيسها المرهفة والتي لا تكون في الغالب طويلة الأمد قد تعرض حياتها الزوجية للخطر والانتهاء فكان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل أمر الطلاق بيد الرجل الذي يتثبت من كل الأمور والعواقب، ويحسب كل حساباته، قبل الإقدام على الطلاق.
الضمان الثالث عشر: أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيدها بالاشتراط.
إذا كان الأصل: أن ضمان حقوق المرأة في كون أمر الطلاق بيد الزوج، حفاظا على الحياة الزوجية، إلا أن المرأة قد تحذر أن يظلمها الرجل أو يتقاعس عن أداء حقوقها الزوجية، فالشريعة لذلك أباحت لها أن تشترط في عقد النكاح، أن يكون أمرها بيدها لو فعل كذا وكذا، أو لم يفعل كذا.
مثاله: لو اشترطت المرأة قبل العقد، أو في صلبه، على ألا يتزوج عليها، فإن تزوج عليها كان أمرها بيدها، ونحو ذلك، وقبل الزوج هذا الشرط، كان اشتراطها جعلَ أمر الطلاق بيدها معتبرا، ويسمى هذا التصرف بتفويض الطلاق بالاشتراط أو تمليك الطلاق.
الضمان الرابع عشر: أن الشريعة جعلت لها الخيار، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي من قبل الزوج.
فالشريعة حرمت الإضرار بالمرأة، سواء كان الإضرار بها ماديا، أو معنويا يقول الحق تبارك وتعالى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة: 231].
فقد ضمنت الشريعة الإسلامية حق المرأة في عدم الإضرار بها، بأن جعل لها الخيار في إمضاء عقد النكاح، أو فسخه، إذا لحقها الضرر من قِبل الزوج من عدة وجوه ( ) .
الضمان الخامس عشر: أن الشريعة أباحت للمرأة طلب الخلع إن لم تطق العيش مع زوجها:
إذا كان الرجل كارهًا للمرأة فله أن يطلقها أما إن كانت المرأة كارهة لزوجها راغبة عنه، رغم أدائه حقوقها، وتخشى حينئذ ألا تقوم بأداء حقوقه الزوجية، فتقع في المحظور، فلا ترغب في البقاء معه.
ففي هذه الحالة ضمنت لها الشريعة الإسلامية أن تفتدي نفسها من زوجها ببذلها له ما أخذته منه، لكيلا تضطر إلى البقاء معه رغم كراهيتها له، وذلك ما يسمى في المصطلح الفقهي بالخلع.
وإذا كان الخلع بنشوز من الزوج، وحصول الإضرار من قبله فإن أخذ شيئا كان آثما عاصيا، ولا يخفى ما في ذلك من ضمان لحقها، ويجب رفع الضرر عنها من غير عوض، وأما إن كان ذلك من قِبلها، فلا يضار الزوج بما لم يرتكبه، فلها أن تختلع وترد له المهر.
وهل للزوج أن يأخذ أكثر مما أعطاه للمرأة؟ نقل الخلاف في ذلك ورجح كراهية أخذ الزيادة.
الضمان السادس عشر: أن الشريعة أمرت ببعث الحكمين للإصلاح بين الزوجين:
إن الأصل في العلاقات الزوجية أن يتم حل الخلافات الناشئة بين الزوجين فيما بينهما، وأن
يحصر نزاعهما داخل بيت الزوجية، لئلا تفاقم الأزمة بينهما، إلا أن المشكلة بين الزوجين قد تتعاظم، حتى يخشى منها حصول الشقاق بينهما، ولم يمكن إصلاحها فيما بينهما، فحينئذ يأمر الله سبحانه وتعالى ببعث حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة للإصلاح بينهما.
ولا يخفى ما في هذا الحكم من ضمان لحقوق المرأة المتعلقة بحياتها الزوجية، لئلا تُظلم المرأةُ حينئذ أو تَظلم( ) .
الضمان السابع عشر: أن الشريعة فرضت لها الميراث ولو طلقت طلاقا بائنا، إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث:
فالأصل أن المرأة ترث زوجها إذا مات عنها، لكن الرجل قد تسوِّل له نفسه، فيقصد حرمان زوجته من ميراثه، فيطلقها طلاقا بائنا وهو في مرض موته، ليظلمها، ويمنعها من حقها في ميراثه، فحينذاك تضمن الشريعة للزوجة حقها بإيجاب الميراث لها ولو طلقها زوجها طلاقاً بائنا ما دام أنه متهم بقصد حرمانها من التركة بالطلاق، صيانة لحقها في الميراث، ومعاملة لنقيض قصد الزوج السيئ بالاعتداء على حق الزوجة.
واختلف العلماء في المدة التي ترث فيها، ورجح الكاتب أن المطلقة إذا طلقها زوجها البتة بقصد حرمانها من الميراث، ترث زوجها إذا مات عنها، سواء مات وهي في عدتها، أو مات وقد خرجت من عدتها، عملا بقضاء عثمان رضي الله عنه ما لم تتزوج بآخر.
والحمد لله أولا وآخرا.
]]>قراءة في كتاب: أثر عمل المرأة في النفقة الزوجية.
قرأه/ محمود الشرقاوي.
أصل هذا الكتاب: بحث محكم في فقه القضايا المعاصرة بعنوان (نفقة الزوجة في ضوء متغيرات العصر).
المؤلف: هو أ. د. عبد السلام بن محمد الشويعر حاصل على الدكتوراه في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة ١٤٢١ هـ، بمرتبة الشرف الأولى.
أستاذ مشارك بقسم العلوم الشرعية والقانونية في كلية الملك فهد الأمنية وهو من طلاب الشيخ ابن باز - رحمه الله -، ووالده هو محمد بن سعد الشويعر، جامع فتاوى ابن باز -رحمه الله- ومدير مكتبه.
أهمية البحث: هذه المسألة من المسائل الفقهية التي لم يتطرق لها جل فقهائنا المتقدمين بسبب اختلاف طبيعة العمل في الأزمنة المتقدمة، مقارنة بالأزمنة المتأخرة وأصبح حاليا عمل المرأة حقا تكفله الأنظمة الحقوقية في العالم، في حين كان العرف عند الأوائل أن عمل المرأة من باب التكليف والمشقة عليها وهل عمل المرأة يؤثر في مقدار النفقة عليها؟ هذا ما يقرره في هذا البحث.
نبذة عن البحث:
المبحث الأول علة إسقاط النفقة عند الفقهاء:
قال يوجد حقوق للزوجة علي الزوج أحدها النفقة، والأصل عند الفقهاء أن علة وجوب النفقة هو المقابلة بين ما تبذله المرأة مما وجب عليها من آثار عقد النكاح، لكن اختلف العلماء في موجب هذه النفقة على قولين:
1- من يرى أن النفقة واجبة بالعقد فقط.
2- من يرى أن النفقة واجبة للمرأة في مقابل أمر زائد على العقد - وهذا هو رأي جمهور الفقهاء.
واختلف في تحديد هذا الأمر: فقيل: إن النفقة في مقابل الاحتباس فقط، وقيل: إنها في مقابل التمكين، وقيل: الأمرين وهذا، القول هو الأقرب، وبناء على ذلك فإن الإخلال بهذا الموجب يسمى "نشوزا"، ويعد مسقطا للنفقة.
* علاقة عمل المرأة بمسألة النشوز:
النشوز له صور متعددة منها: انتقال المرأة من منزل الزوج، أو سفرها بدون إذنه أو بدون حاجة، وعند البحث في نفقة المرأة العاملة نجد أن المناط الفقهي لهذه المسألة إنما هو في خروجها من بيت الزوجية بدون إذن.
لذلك فإنه لا بد من التعرض لمسألتين فقهيتين مهمتين تبنى عليهما هذه المسألة وهما:
الأولى: نفقة الناشز. الثانية: تبعيض النشوز.
1. نفقة المرأة الناشز اختلف الفقهاء فيها على قولين:
الأول: النشوز يسقط النفقة. الثاني: أن النشوز لا يسقط النفقة وهو قول الجمهور.
ويتفرع على ذلك حكم تشطير النفقة بتبعيض النشوز: وتبعيض النشوز أي عدم التمكين التام في كل الأوقات، بل يحصل التمكين بعض اليوم، وتفوته في باقيه. فإذا كانت المرأة تخرج نهارا بدون إذن زوجها للعمل، وتأوي إلى بيت الزوجية ليلا. فيظهر لنا هنا أنه قد تبعض النشوز ويكون تشطير النفقة باستحقاق المرأة لبعض نفقتها دون باقيه، وذلك بناء على التقدير العرفي للنفقة، ثم يشطر بعد ذلك.
وقد اختلف الفقهاء في تشطير نفقة المرأة عند تبعض نشوزها على رأيين:
الأول: أن نفقتها تسقط بالكلية. الثاني: أن نفقتها لا تسقط، وإنما تشطر النفقة وهو أقرب دليلا، وتعليلا لأن المرأة لم تمتنع بالكلية من زوجها وإن فوتت عليه بعض حقه بالخروج نهارا
المبحث الثاني: آراء الفقهاء في إسقاط النفقة الزوجية بعمل المرأة بدون إذن زوجها.
ثلاثة آراء فقهية:
القول الأول: أن نفقتها تسقط حال عملها بدون إذن زوجها بشروط، بخلاف أيام الإجازات لا تسقط فيها النفقة ولكل يوم حكم يخصه وهذا الرأي مبني على أن الناشز تسقط نفقتها.
القول الثاني: أن النفقة الزوجية لا تسقط مطلقا بعمل المرأة واحترافها، ولو بدون إذن الزوج. وهذا الرأي مخرج على قول من يرى أن النشوز لا يسقط النفقة الزوجية، وخصوصا أن القوانين المعاصرة كفلت للمرأة حق العمل، فأصبح حقا مستحقا لها.
والحقيقة أن في ذلك نظرا؛ لأن الناظر للمقاصد الشرعية العامة في النكاح يجد أن من أظهرها السكن، ولزوم المرأة لبيتها وعدم خروجها، ففي القول بأن العمل حق مشروع للمرأة على إطلاق دون أي تقييد بإذن أو حاجة مخالفة بينة لمقاصد الزواج.
القول الثالث: أن المرأة العاملة خارج المنزل بدون إذن زوجها لا تسقط نفقتها بالكلية، وإنما تتشطر وينقص تقديرها.
وهذا القول يمكن تخريجه في مسألة تشطير النفقة.
ومال المؤلف إلى القول الثالث وهو رأي وسط بين الرأيين وذكر أدلته.
المبحث الثالث: نطاق الفقهاء في هذه المسألة:
أي متى يحكم بتشطير النفقة ومتى يحكم بلزوم النفقة كاملة لزوجته العاملة. ومتى تسقط نفقة المرأة العاملة بالكلية؟
1-الشروط التي يلزم توافرها للحكم بتشطير نفقة المرأة العاملة: ألا يكون عمل المرأة محرما شرعا.
وألا يكون مستغرقا اليوم كله.
وأن يكون عمل المرأة خارج المنزل.
وألا يكون العمل واجبا عينيا عليها شرعا.
وأن يكون الزوج باذلا لنفقة زوجته الكافية لها.
وعدم إذن الزوج بعمل المرأة.
2- مسقطات النفقة على المرأة العاملة بالكلية: وهذه نوعان:
أحدهما: أن يكون عمل المرأة محرما شرعا. ويلحق بذلك أن تتبرج بإظهار الزينة، والاختلاط المحرم بالرجال ونحو ذلك.
الثاني: أن يكون عمل المرأة مستغرقا اليوم كله.
3- الأسباب التي توجب النفقة كاملة للمرأة العاملة وهي أربعة أمور:
أحدها: ألا يكون عمل المرأة خارج المنزل.
فإذا كان عمل المرأة داخل بيت الزوجية كالنسج، أو العجن، أو العمل عن طريق وسائل الاتصال الحديثة كالنت، فإن ذلك لا يسقط النفقة، ولو كانت المهنة تضعفها. لأنها سلمت نفسها تسليما كاملا، والعلة في ذلك أن موجب النفقة إنما هو الاحتباس أو التمكين، وكلاهما موجودان في هذه الصور.
الثاني: أن يكون العمل واجبا عينيا عليها شرعا.
وقد مثل بعض الفقهاء لبعض المهن والأعمال التي يكون خروج المرأة إليها واجبا مثل القابلة، أو مغسلة الموتى، وقرروا أنه يجوز لها أن تخرج بغير إذن الزوج، وعللوه بأن فوات عمل القابلة يترتب عليه هلاك الجنين أو أمه، وتغسيل الميت من فروض الكفايات التي يأثم الناس بتركها.
وبعض فقهاء الحنفية يجيزون للزوج أن يمنع زوجته من الوظائف السابقة (القابلة، والمغسلة) بناء على أنها من الواجب الكفائي لا العيني. وهذا في الحقيقة راجع لاختلاف الحال، لا الحكم.
وقد توسع بعض المعاصرين في هذا المناط فأدخل في الواجبات الكفائية: تدريس المرأة للبنات، وعمل المرأة طبيبة، أو ممرضة، ونحو ذلك، وفي هذا التوسع في مناط المسألة نظر، ولا أعلم أن أحدا من الفقهاء أجاز للمرأة الخروج للفرض الكفائي على إطلاق، وإنما هو في حال تعين هذا العمل عليها.
الثالث: أن يكون الزوج غير باذل لنفقة زوجته الكافية لها. فلو امتنع الزوج من نفقة زوجته لإعساره، أو شح بالنفقة ولم يبذلها ومطلها إياه، جاز للمرأة النشوز.
الرابع: إذا رضي الزوج بعمل زوجته خارج بيتها وأذن لها فيه، فعند جمهور الفقهاء لا تسقط النفقة.
* صور إذن الزوج بعمل زوجته: أربع صور هي:
1-الإذن الصريح عند إبرام عقد الزوجية أو بعد الزواج.
2-الإذن الضمني. وصورته أن يعلم الزوج بخروج امرأته للعمل، ولا يمنعها أو أن يقوم بإعانتها على العمل بتوصيلها لمقر العمل.
3-الاشتراط النصي في العقد. وذلك بأن تشترط المرأة أو وليها على الزوج عند عقد النكاح أن تعمل المرأة، أو ألا يمنعها من العمل. وقد اختلف في هذا الشرط هل يكون ملزما للزوج أم لا على رأيين:
أحدهما: أن هذا الشرط غير ملزم، ولا يجب الوفاء به. لأنه يخالف حقا ثابتا بالعقد للزوج وله أن يتراجع عن هذا الشرط.
الثاني: أن هذا الشرط يلزم الوفاء به، ولا تسقط به النفقة. لعموم الأدلة على جواز الاشتراط في النكاح ولزوم الوفاء بها.
ولعل هذا الرأي أقرب لتحقيق المناط في مسألة شروط النكاح.
4-الاشتراط العرفي في العقد. وذلك أن يتزوج الرجل بامرأة يعلم أنها موظفة، وقد اختلف في هذه المسألة على رأيين:
الأول: ذهب بعض المعاصرين إلى أن الزواج من المرأة الموظفة كالأمر المشروط في العقد.
الثاني: ذهب بعض المعاصرين إلى أن هذا العلم السابق ليس شرطا في العقد، وإنما هو بمثابة الإذن الضمني فحسب فيجوز للزوج الرجوع عنه. ولعل هذا الرأي أقرب، وبالتالي يحق له أن يمنعها من الخروج لوظيفتها، فإن عصت فإنها تعد ناشزا.
* مسألة: المعاوضة على الإذن بالعمل: المراد بهذه المسألة أن يأذن الزوج بعمل زوجته على أن يأخذ عوضا منها في مقابل هذا الإذن ويمكن تقسيم المعاوضة على الإذن بالعمل إلى صورتين:
الأولى: أن يكون الإذن في مقابل إسقاط النفقة الزوجية أو بعضها.
فالظاهر أن هذا الاتفاق صحيح وتستفيد المرأة من الإذن رفع الإثم عنها، إضافة لبقاء الألفة بين الزوجين وإزالة مسببات التشاحن.
الثانية: أن يكون الإذن في مقابل عوض مالي غير إسقاط النفقة، كأن يشترط الزوج جزء من راتب زوجته أو أن تتولى الزوجة مؤنة النفقة على أبنائهما، فإن له حالتين:
1- فإن كان هذا العوض في مقابل عمل من الزوج، كأن يقوم بتوصيل الزوجة لعملها، أو بمرافقتها فيه، ونحو ذلك فإنه يستحق عليها الأجرة بالمعروف.
2- وأما إذا كان هذا العوض في مقابل الإذن بالعمل فقط. فإن حكم هذه المسألة متفرع عن كون هذا الإذن هل يصح المعاوضة عليه، أم لا، ففيه رأيان لأهل العلم:
الأول: أن هذا الحق لا يصح المعاوضة عليه وهو قول الحنفية، وأحد القولين عند المالكية، ومشهور مذهب الحنابلة.
الثاني: أنه يصح المعاوضة على الإذن وسائر الحقوق الزوجية. وهو قول عند المالكية.
وعلى القول بجوازه فلا بد من تقييده بعدم المضارة، بل بطيب النفس من الزوجة لكيلا يكون ذريعة للتعسف في استعمال الزوج لحقه بالإذن من أجل مساومة المرأة على بذل المال.
رجوع الزوج عن إذنه لزوجه بالعمل خارج البيت له حالتان -باعتبار نوع الإذن-:
الحالة الأولى: إذا رجع الزوج عن الإذن وكان مشروطا عليه في العقد: وقد اختلف الفقهاء في صحة هذا الشرط، وسبق أن الراجح هو القول بصحة هذا الشرط في عقد النكاح ولزومه وللزوجة حق الفسخ للعقد دون مقابل منها.
الحالة الثانية: إذا رجع الزوج عن الإذن ولم يكن مشروطا عليه في العقد: الأصل أن الإذن هو الإباحة للفعل بعد الحظر، والأصل فيه جواز الرجوع في الإباحة من قبل المبيح، وقد رأى بعض المعاصرين- تأثرا ببعض قوانين الأحوال الشخصية العربية- أنه لا يجوز للرجل الرجوع عن إذنه للزوجة بالعمل، وهذا الرأي تبناه عدد من الذين كتبوا في هذا الموضوع من المعاصرين وهذا الرأي فيه نظر.
والصحيح: أن للزوج الرجوع عن إذنه لامرأته بالعمل.
التعسف في استعمال الحق في الرجوع عن الإذن بالعمل:
التعسف في منع المرأة من العمل يتصور وقوعه إذا أذن الزوج ابتداء بالعمل ثم تراجع عن إذنه. وأما عدم الإذن ابتداء فيه فإن هذا استمساك بالأصل فلا يتصور فيه التعسف في استعمال الحق.
وصورة التعسف هنا بأن يكون مقصده من التراجع عن الإذن بعملها ليس مصلحة الأسرة، أو مصلحة الزوج نفسه بتحصيل التمكين، وإنما أراد معنى آخر غير معتبر شرعا وليس حقا له، مثل قصده الإضرار والنكاية بالمرأة، أو بقصد التضييق عليها، كتفويت مكافأة نهاية الخدمة عليها، أو الراتب التقاعدي، أو لأجل أن يساومها على المعاوضة على الإذن.
وهذا التعسف في استعمال الحق محرم شرعا يدل عليه قول الله تعالى: (وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ ) [النساء: 19]، وقوله تعالى: (وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيۡهِنَّۚ) [الطلاق: 6].
وهل التعسف سبب لإلغاء الرجوع عن الإذن ووجوب النفقة على الزوج؟
فإن تقرير ذلك مردود للقاضي إذا ثبت عنده التعسف صح منه الحكم بلزوم النفقة مع عمل المرأة، وإلغاء تراجع الزوج عن إذنه لها بالعمل، فيكون حكمه بذلك من باب معاملة الزوج بنقيض قصده.
]]>قرأة في كتاب: خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم
بين الغلو والجفاء
كتبه / محمود الشرقاوي
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم أما بعد .
أصل الكتاب:
أصل هذا الكتاب رسالة علمية تقدم بها الباحث/ الصادق بن محمد بن إبراهيم إلى قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية لنيل درجة الماجستير، ونوقشت الرسالة في عام (1415هـ).
مقدمة:
المسلمون وسطٌ بينَ الغالينَ والجافينَ، لم يغلُوا كما غلتِ النصارى الذين جعلوا المسيحَ ابنَ اللهِ، ولم يقَصروا كما قصّرتِ اليهودُ الذين قتلوا الأنبياءَ والرسلَ، بل قدّروا رسولَهم حقَّ قدرِه ثم بعد أن فتح الله تعالى البلاد وانتشر فيها الإسلام ودخل فيه من أهلها من كان متأثراً بمعتقدات تلك البلاد أو دخل بنية التضليل والإفساد فسَرَتْ نتيجة لذلك عدوى الأمم السابقةِ إلى هذه الأمة من الغلو في أنبيائها والتقصير في حقوقهم.
وصف إجمالي للكتاب:
*ذكر خصائص النبي صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء عليهم السلام في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة.
* خصائص النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته وقد يشاركه فيها أنبياء آخرون.
* خصائص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة قبل وجوده بأنه أول النبيين في الخلق وأنه مخلوق من نور الله تعالى وأنه صلى الله عليه وسلم يمحو الذنوب ويعلم ما في اللوح المحفوظ والقلوب وخروج يده الشريفة من القبر لمصافحة أحمد الرفاعي ورؤيته صلى الله عليه وسلم بعد موته يقظة لا مناماً وتلقين مشايخ الصوفية الأوراد.
* خصائص النبي صلى الله عليه وسلم عند الجفاة من الفلاسفة وعند القاديانية وأن الأولياء تشارك الأنبياء في خصائصهم.
*ثم ذكر خاتمة البحث
نبذة عن الكتاب:
*بدأ التعريف بالخصائص النبوية: وهي الفضائل والأمور التي انفرد بها النبي صلى الله عليه وسلم وامتاز بها إما عن إخوانه من الأنبياء وإمّا عن سائر البشر.
* للخصائص النبوية قسمان رئيسان: 1- خصائص تشريعية 2-خصائص تفضيلية.
* مظان الخصائص: أي الكتب المشتملة على خصائصه صلى الله عليه وسلم وهي: كتب السنة النبوية، وكتب السيرة النبوية، وكتب دلائل النبوة وأعلامها، وكتب الشمائل والفضائل، وكتب الفقه.
* كتب أفردت للخصائص النبوية منها: بداية السول في تفضيل الرسول للعز بن عبد السلام، وغاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لابن الملقن، والخصائص الكبرى أو كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب للسيوطي لكن هذه الكتب فيها بعض الأمور المنكرة ووضح ذلك في هذا البحث.
* الباب الأول: الخصائص النبوية الصحيحة وفيه فصلان:
الأول: خصائص النبي صلى الله عليه وسلم دون جميع الأنبياء عليهم السلام.
1- خصائصه في الحياة الدنيا منها:
اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالقرآن كلام الله تعالى وهو أخصُّ معجزات النبي صلى الله عليه وسلم لأنّ معجزة القرآن أبقى على مر العصور ولأن الله تكفل بحفظه ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))، (الحجر:9) وأنه خاتم النبيين، وبالنصر بالرعب مسيرة شهر، وجعلت له الأرض مسجداً وطهوراً.
واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بيوم الجمعة،و بنداء الله تعالى له (يأيها النبي) و(يأيها الرسول) ونهى الناس أن ينادوه باسمه، وبأن الله تعالى أقسم بحياته، وبأن الله تعالى قدّمه على جميع أنبيائه في الذكر في أغلب آيات القرآن، وبانشقاق القمر آية له، وبأن من معجزاته ما هو أظهر في الإعجاز من معجزات غيره من الأنبياء، وبأنه بعث رحمة للعالمين وبأن الله تعالى جمع له من مراتب الوحي مراتب عديدة وهي:
أ- الرؤيا الصالحة ب- ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه
ج-كان يتمثل له الملك رجلاً فيخاطبه د-أنه كان يرى الملك في صورته التي خُلق عليها
هـ -ما أوحاه الله إليه وهو فوق السماوات ليلة المعراج و-كلام الله منه إليه بلا واسطة ملك
وباختصاصه صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى جمع له بين القبلتين، وبأنَّ الدجال لا يدخل بلدتيه وبأن الصلاة في مسجده أفضل من ألف صلاة وبأن ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة، وأنَّ منبره على حوضه وذكر أدلة هذه الخصائص مع توضيحها.
2- خصائصه في الحياة الاخرة.
اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأنه أول من تنشق عنه الأرض وبإعطائه لواء الحمد، وأنه أول من يدخل الجنة يوم القيامة وبأن الله تعالى يبعثه يوم القيامة مقاماً محموداً، وبأنه سيد ولد آدم يوم القيامة ويفتح الله عليه من المحامد ما لا يفتحه على غيره، وبأن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبأنه أول شفيع في الجنة وأول من يقرع بابها.
واختصاصه صلى الله عليه وسلم بمنزلة الوسيلة وبإعطائه الكوثر وذكر أدلة هذه الخصائص مع توضيحها
الثاني: خصائص النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، وقد يشاركه فيها أنبياء آخرون.
اختصاصه صلى الله عليه وسلم دون أمته بوجوب محبته وبأن الله تعالى عصمه من الناس
وبإسلام قرينه وبأن من رآه في المنام فقد رآه حقاً ولا يتمثل الشيطان به وبأن من كذب عليه متعمداً مختلف في كفره، وبأنه تنام عينه ولا ينام قلبه، وبأنه يَرى من وراء ظهره كما يَرى أمامه، وبأنه يسمع ما لا يسمعه الناس، وبتفضيل نسائه على سائر النساء وبأن أزواجه اللاتي توفي عنهنّ محرمات على غيره أبداً، وبأنه يوعك في مرضه كما يوعك الرجلان من أمته، وبتخييره قبل قبضه بين الدنيا والآخرة، وبأن الأرض لا تأكل جسده وعَرض صلاة أمته عليه في قبره.
* الباب الثاني
خصائص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة.
الفصل الأول: خصائص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة قبل وجوده.
*يعتقد أئمة الغلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم خُلق قبل الأنبياء، وأنَّه نُبي منذ ذلك الوقت، وأنه مرسل إلى جميع الأنبياء وأممهم، فممن قال بذلك منهم: ابن عربي، وأبو الحسن السُبكي، والسيوطي، ومحمد بن عبد الباري الأهدل استدلوا بحديث: (كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث)، وبالنظر إلى سند هذا الحديث فهو مُعلاً بعلل وذكر باقي أدلتهم ثم رد عليها.
وذكر أن السبكي رتب أحكاماً على: كيف يكون مرسلاً إليهم مع تأخر وجوده صلى الله عليه وسلم عنهم؟ والسبكي مقلد في هذا الفهم لشيخه الأكبر ابن عربي حيث ربط بين الأرواح وحركة الفلك، وجعل روح محمد صلى الله عليه وسلم الروح المدبّرة وهذه الروح تُسمى عند الفلاسفة القدماء بالعقل الأول الذي صدر عن الله تعالى بزعمهم عن طريق نظرية فيض الموجودات عن الواحد، ثم صدرت عن هذا العقل بقية الموجودات قال فيه ابن تيمية الدليل الذي بنوا عليه قولهم مما لا أصل له من نقل ولا عقل.
* يعتقد الغلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وأن هذا النور مخلوق من نور الله جلَّ وعلا. فممن قال بذلك منهم: ابن عربي وعبد الكريم الجيلي وأبو الحسن بن عبد الله البكري ، ومحمد عثمان عبده البرهاني وغيرهم واستدل الغلاة بالحديث المنسوب إلى جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قَسّم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء:.... ثم نظر إليه فترشح النور عرقاً، فتقطرت منه مائة ألف قطرة وعشرين ألفاً وأربعة آلاف قطرة، فخلق الله من كل قطرة روح نبي رسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة...... هكذا بدأ خلق نبيك يا جابر .
الرد: الحديث ظاهر الوضع، واضح النكارة، وفيه نَفَسٌ صوفي.
* المفاسد العقدية المترتبة على هذا الحديث:
وهي اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم خُلق من نور الله نفياً لبشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ذكر أقوالهم ومعتقداتهم بأن الكون خلق من نور النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم خُلق من نور الله ويترتب على علي ذلك القول بوحدة الوجود والاتحاد بالله تعالى والفناء فيه، فلما فنوا في ذات الله تعالى بزعمهم صدرت عنهم نتيجة لذلك الشطحات من دعوى الإلهية والربوبية في كل البشر، ونقل نماذج لأقوال أئمتهم توضح ذلك منها قول أبو يزيد البسطامي: (: (سُبحاني سُبحاني أنا ربي الأعلى). ونقل أقوال أئمة الصوفية والشيعة الإمامية على نفس النهج ومرجعهم في ذلك الطريقة الفلسفية اليونانية الأروسطية الأفلاطونية.
الرد: فرد على هذه الخرافات الكفرية ونقل أقوال أئمة أهل السنة أن أول مخلوق هو القلم أو العرش على خلاف بينهم.
* اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بتوسل الأنبياء به قبل وجوده: يعتقد كثير من الغلاة أن الأنبياء عليهم السلام توسلوا بحق وجاه وذات المصطفى صلى الله عليه وسلم الشريفة قبل أن يُخْلق. ويوردون في ذلك أحاديث إمَّا موضوعة، وإمَّا ضعيفة لا يحتج بها، منها ما أورده السبكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمَّا اقترف آدم الخطيئة قال: يا ربِّ أسألك بحق محمدٍ لمَّا غفرت لي، فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ ...
أولاً: حكم الذهبي علي هذا الحديث بـ(الوضع)، و(البطلان)..
ثانياً: مخالفة ألفاظ الحديث للعديد من نصوص الشرع: منها: لولا محمد ما خلقتك مخالفة لصريح القرآن:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
* المفاسد العقدية المترتبة على حديث: لمّا اقترف آدم الخطيئة .
المفسدة الأولى: ظهور البدع وتفشيها في أوساط المسلمين، وعبادة الله بغير ما شرع، فالتوسل بالحق والجاه والذات
المفسدة الثانية: الحديث ذريعة للشرك الأكبر. مثل قو القائل يا رسول الله إن لم تغثني …فإلى من ترى يكون التجائي
ولم هذا النوع من التوسل خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم بل وسع الأمر ليشمل غيره صلى الله عليه وسلم.
*ثم ذكر أنواع التوسل المشروع.
الفصل الثاني: خصائص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة في حياته البرزخية.
وفيه ثمانية مباحث:
المبحث الأول: اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأن من زار قبره وجبت له شفاعته.
فممن شهَّر القول بذلك منهم: السبكي وابن حجر الهيتمي واستدلوا على ذلك بحديث: من زار قبري وجبت له شفاعتي رواه الدارقطني، والبيهقي. وقال منكر وذكر إنكار ابن خزيمة وابن حجر لهذا الحديث وعندما أنكر ابن تيمية هذه الأحاديث ظنوا أن ابن تيمية يمنع زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وشنع عليه السبكي غاية التشنيع.
المبحث الثاني: اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأن من حج حجة الإسلام وزار قبره وغزا غزوة وصَلّى عليه في بيت المقدس لم يسأله الله تعالى فيما افترض عليه: فقد أورد السبكي حديث: من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى عليَّ في بيت المقدس لم يسأله الله عز وجل فيما افترض عليه مستدلاً بذلك على فضل زيارة القبر النبوي الشريف وتعظيمه.
*الرد: وهذا الحديث موضوع باطل لا شك في بطلانه قال الذهبي إنه: (خبر باطل).
* المفاسد العظيمة المترتبة على الحديث: هذه خطوة أخرى من عدو الله إبليس للقوم يدعوهم فيها للتنصل والانسلاخ من دين الله وشرائعه وفرائضه فهل أن من أتى بتلك الأعمال لا يسأله الله عما افترض عليه من التوحيد وحلَّ له شرب الخمر وجاز له ترك الصلاة والزكاة؟!محتجاً بهذا الحديث.
* أصناف حُجاج القبور وأن السفر إلى قبره صلى الله عليه وسلم يقوم مقام السفر إليه لو كان حياً.
المبحث الثالث: اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بمحو الذنوب وعلم ما في اللوح المحفوظ والقلوب:
خصَّ الغلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بخصائص هي من جنس خصائص ربِّ العزة والجلال من غير علم ولا هدى ولا كتاب منير ويقول البُوصِيري: فإن من جودك الدنيا وضرتها …… ومن علومك علم اللوح والقلم.
*الرد: قال وقبل أن يناقش القوم فيما ذهبوا إليه من القول بتلك الوسائط الشركية، ذكر شيئاً عن الوسائط المشروعة:
1- الرسل واسطة تبليغ
2- ومن ذلك ما يحدث بين الخلق من الشفاعات المحمودة، وثبت في الصحيح: اشفعوا تؤجروا وذكر الفرق بين الخلق بعضهم وبعض وبين المخلوق وربه ومن سوي بين ذلك وقع في الكفر
* أن اعتقاد هذه الخصية في النبي صلى الله عليه وسلم غلو وناقض من نواقض الإسلام
المبحث الرابع: اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأنه إليه الملاذ والمهرب في الشدائد والكرب فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى: وذكر أقوالهم في ذلك
*الرد: نقل بطلان ذلك بنصوص من القرآن
المبحث الخامس: اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأنه يُجيب الدعاء وترفع إليه أكف الضراعة:
*الرد: نقل بطلان ذلك بنصوص من القرآن وهذا أيضاً من خصائص الله تعالى التي لا يجوز صرف شيء منها لغيره تعالى.
وهؤلاء قاموا بتأليف أوراد مبتدعة لمريديهم وأتباعهم صرفوهم بها عن القرآن والسنة، وأخذوا عليهم العهود والمواثيق في الاشتغال بها صباح مساء وأن من نسيها فعليه القضاء وأن من تركها بالكلية فسيقع عليه الهلاك والدمار.
المبحث السادس: اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بخروج يده الشريفة من القبر لمصافحة أحمد الرفاعي:
ونقل قصص لهم في ذلك.
*الرد: أن هذا القصص مكذوب
المبحث السابع: اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة برؤيته بعد موته في الحياة الدنيا يقظة لا مناماً:
فممن قال بذلك منهم: ابن حجر الهيتمي والسيوطي وأبو المواهب الشاذلي والشعراني وأحمد التجاني وخلفاؤه وأكثر ما يستدل به هؤلاء: الحكايات، والادعاءات المنقولة عن أرباب الأحوال الصوفية، ومنهم من استدل بحديث أبي هريرة الذي رواه البخاري ولفظه: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي وذكر حكايات مكذوبة وأعجب تلك الحكاية زيارة النبي صلى الله عليه وسلم للسيوطي في بيته يقظة لا مناماً وقراءة السيوطي للأحاديث بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع وقال الشعراني أيضاً: (وكان رضي الله عنه -يعني السيوطي- يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فقال لي: يا شيخ الحديث. فقلت: يا رسول الله أمن أهل الجنة أنا؟ فقال: نعم. فقلت: من غير عذاب يسبق؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لك ذلك).
*الرد: فلو كان مثل هذا السؤال ممكناً لما أفنى علماء الحديث أعمارهم في التمييز بين الصحيح والضعيف ولا كان تأليف الدواوين الضخمة وأن هذا القصص المكذوب نوعاً من العبث بالشريعة، ولو صح لاستغنوا عن ذلك بسؤاله صلى الله عليه وسلم مباشرة عن صحة الأحاديث وضعفها كما فعل السيوطي شيخ السنة!!
* رواية (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) جاءت مخالفة لجميع ألفاظ من روى هذا الحديث بلفظ: من رآني في المنام فقد رأى الحق ونقل أجوبة العلماء عن ذلك اللفظ المشكل.
*ثم ذكر بعض شطحات الصوفية في كيفية الرؤية المزعومة وبعض الأوراد والصلوات التي أمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم على زعمهم منها صلاة الفاتح.
*الرد: ما قالوه يُلزمهم إما خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم للأمانة وعدم تبليغه للرسالة لإخفائه هذه الأذكار أو كذَّبتم الله تعالى الذي أخبر عن إكمال شرائع دينه وإتمام النعمة علينا، وتكذيب الله كفر به،
* الطريقة التيجانية وأقوالهم الشنيعة منها:
1- إن كل من رأى أحمد التجاني فهو من الآمنين إن مات على الإيمان، وكل من أحسن إليه بخدمة أو أطعمه طعاماً يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب وإن اتباع التجاني كلهم معه في عليين مع الضمان وأن من سبّ أحمد التجاني لا يموت إلا كافراً
2- إن من قرأ بعض أوراد التيجانية له ثواب سبعين نبياً كلهم بلغ الرسالة وأفضل من القرآن آلاف المرات.
الباب الثالث: خصائص النبي صلى الله عليه وسلم عند الجفاة: وذكر فيه فصلان:
الفصل الأول: رد خصيصة ختم النبوة بالنبي صلى الله عليه وسلم: وذكر فيه مبحثان:
المبحث الأول: رد خصيصة ختم النبوة بالنبي صلى الله عليه وسلم عند الفلاسفة المنتسبين للإسلام:
*تأثر بعض المسلمين ممن ولد أو عاش في بيئات أعجمية بأفكار تلك البيئات وما يوجد فيها من فلسفات تخالف تعاليم الإسلام، ومن هؤلاء أبو نصر الفارابي. وقد كتب الفارابي كتاباً سماه: (آراء أهل المدينة الفاضلة) جارى فيه أفلاطون في كتابه: (الجمهورية) إلى حد كبير، ويحوي كثيراً من الآراء الأفلاطونية التي ضمنها نظريته فمنها نلاحظ الآتي:
1- يذهب الفارابي إلى أن الوحي إنما يكون لمن حل العقل الفعال في قوتيه الناطقة والمتخيلة. ويجعل هذه القوى من خصائص النبوة التي تؤثر على العالم الخارجي فتكون بذلك المعجزات.
2- يسوي في الرتبة بين الفلاسفة والأنبياء من حيث الأخذ عن العقل الفعال. ثم يقدم الفلاسفة على الأنبياء.
الرد: فظهر بهذا سوء اعتقاد الفارابي في النبوة، وأنه إذا وجد شخص لديه قوة تخيل سيكون نبياً، ويلزم من هذا استمرار وجود أنبياء إلى قيام الساعة، وهذا رد واضح لعقيدة ختم النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بجانب اعتقاده عدم اصطفاء الله تعالى لأنبيائه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم.
وممن تأثر بفلسفات تخالف تعاليم الإسلام ابن سينا حيث جعل معجزات الأنبياء من قبيل ما يأتي به السحرة، كما أنه سوَّى بين المعجزات والكرامات وجعلهما في مصاف واحد. ولذلك ادعاء كثير من مشايخ الصوفية والإمامية الاثني عشرية كرامات هي من قبيل المعجزات أو أعظم، إنما يرجع إلى نظريات فلسفية ورياضات هندية وأحوال شيطانية، وطلاسم سحرية.
*ثم ذكر جملة من أقوالهم الشنيعة وما يلزم منها من لوازم باطلة.
المبحث الثاني: رد خصيصة ختم النبوة بالنبي صلى الله عليه وسلم عند القاديانية:
*ثم ذكر تاريخ ظهور القاديانية في أوساط المسلمين: واعتقادهم نبوة أحمد القادياني.
ويُسمي القاديانيون أنفسهم بالأحمدية تدليساً على المسلمين حتى يفهموا أنهم ينتسبون إلى نبي الإسلام أحمد صلى الله عليه وسلم فيحصل لهم الغرر بذلك وإنما هم في الحقيقة يعنون بذلك الانتساب إلى متنبئهم أحمد القادياني.
*ثم ذكر متنبئ القاديانية غلام أحمد: مولده وأسرته وتعليم وأنه كان مبتلي بمرض الهيستريا وضعف الذاكرة.
* سبب ظهوره: لما فشلت ثورة الهند الكبرى (1857م) ضد الاحتلال البريطاني، فاستغلت بريطانيا هذه الأوضاع لمصلحتها وذلك بإيجاد مثل هذا المنقذ والمصلح الذي تتعلق به آمال المسلمين والذي يخدم سياسة بريطانيا من خلال ذلك. فاختاروا عملاء وتخيروهم بُلهاء فكان غلام أحمد أحد هؤلاء وذلك لإبطال عقيدة الجهاد ضد أعداء الله، حتى لا يفكر المسلمون في الجهاد ضدهم حيث يقول القادياني: (إنه بعثني لكي أرشد العالم نحو الإله الحق بكل سلم وحلم)..
* نماذج من وحي القادياني المزعوم وتصدير دعوته من الهند وباكستان إلى جميع أرجاء العالم الإسلامي وادعائه أنه خاتم الأنبياء وإهانته لأنبياء الله تعالى ورسله وموالاة القادياني لأعداء الإسلام وتكفير القاديانية للمسلمين.
الرد: فيما أورده عن القاديانية من نصوص يدّعون فيها نبوة غلام أحمد، وأنهم لا يؤمنون بشيء مما يؤمن به المسلمون كفاية لإثبات كفرهم بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وخروجهم عن ملة الإسلام.
الفصل الثاني: تقديم الجفاة أولياءهم على النبي صلى الله عليه وسلم في الخصائص: وذكر فيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: مشاركة أولياء الجفاة للأنبياء عليهم السلام في خصائصهم.
* صور من زعم الجفاة مشاركة الأنبياء عليهم السلام في خصائصهم:
1-دعوى أوليائهم بغفران ذنوبهم وهم أحياء وزعمهم نزول موائد من السماء على أولياءهم
2-وأن أولياءهم يعلمون منطق الطير وسائر لغات الوحوش ويحيون الموتى
المبحث الثاني: خصائص لأولياء الجفاة فاقت خصائص سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم:
1-فمن ذلك: صلاة (الفاتح) لما أغلق تفْضُل القرآن الكريم آلاف المرات عند التيجانية وأن الكعبة تطوف بهم.
2-دعوى ضمان الجنة وغفران الذنوب وحصول الرحمة لأتباعهم ويعلمون ما بالقلوب
3- منازعة أولياءهم لملك الموت وقهره ورد أرواح مريديهم منه بعد قبضها.
4- زعموا أن أولياءهم يقولون للشيء (كن) فيكون وأن أولياءهم يتطورون بأشكال مختلفة.
*وذكر من هذه الافتراءات عدة قصص منقولة من كتبهم وكتب أتباعهم وكل هذه القصص مملوءة بالكذب.
المبحث الثالث: خصائص وأحوال لأولياء الجفاة فارقت هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
1-خصائصهم في الصيام: قال الشعراني في ترجمة أحمد البدوي: (وكان يمكث الأربعين يوماً وأكثر لا يأكل ولا يشرب ولا ينام).
2- خصائصهم في القيام: قال المناوي في ترجمة شاه بن شجاع الكرماني: (أقام شهراً لا ينام)
3- انقطاعهم عن الخلوات والفلوات: وقال النبهاني في ترجمة محمد شمس الدين الحنفي: (ثم حُبب إليه الخلوة فاختلى سبع سنين لم يخرج من خلوة تحت الأرض)
الرد: أين هؤلاء من صلاة الجماعة والجمعة والجهاد والي غير ذلك من العبادات
4- مفاسدهم الأخلاقية: ولهم في الخروج عن شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم مخالفات يندى لها الجبين، ويقترفون الفواحش.
مجمل الفروق بين آيات الأنبياء وكرامات الصالحين وخوارق الشياطين:
الأول: إن ما تخبر به الأنبياء لا يكون إلا صدقاً، وأما ما يخبر به من خالفهم من السحرة والكهان فإنه لا بد فيه من الكذب.
الثاني: إن الأنبياء لا يأمرون إلا بالعدل ولا يفعلون إلا العدل وهؤلاء المخالفون لهم لا بد لهم من الظلم.
الخاتمة:
وبعد فهذا نزر يسير مما تحتاج إليه الأمة الإسلامية من الحقائق والبراهين من الكتاب الكريم وهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فيما يجب عليها أن تعتقده في نبيها صلوات ربي وسلامه عليه، وفيما يجب عليها من حماية جنابه العظيم بذبَّ الكذب عنه مما ألصقه به الغلاة أو انتقصه الجفاة بسبب شبهة قامت على دليل ضعيف، أو عاطفة مجردة عن العلم، أو بسبب عدم التفريق بين ما هو معجزة وخصوصية له صلى الله عليه وسلم وبين ما هو حق خاص لله تبارك وتعالى، أو بين ما هو كرامة للأولياء وخوارق للشياطين؛ فحدث نتيجة لهذا الخلط مفاسد عقدية عظيمة.
]]>تقريب كتاب (الاعتصام) للشاطبي رحمه الله.
كتبه/ محمود الشرقاوي.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...
الشاطبي (720: 790هـ):
هو: إبراهيم بن موسى بن محمد، كنيته: أبو إسحاق، نسبته: الغرناطي، والشاطبي.
من أعظم ما ألف هذا الإمام كتابيه (الموافقات) في أصول الشريعة، و(الاعتصام) في لزوم السنة والتحذير من البدع، وقد كان طرحه في الكتابين طرحاً لم يسبق إليه، فقد قيل: إنه أول من تكلم في مقاصد الشريعة كعلم مستقل، وذلك في كتاب الموافقات، وأول من قعّد علم أصول معرفة البدع في كتاب الاعتصام.
الشاطبي من علماء الأمة الكبار، لكنه -رحمه الله- كغيره بشر يصيب ويخطئ، فقد ظهرت منه بعض الأخطاء العقدية التي خالف فيها أهل السنة والجماعة، فهو يميل إلى قول الأشاعرة في بعض المسائل، لكنه تقرير من غير تعصب؛ فهو يرى أن مسألة التأويل مسألة اجتهادية، حيث يرى أن المرء إذا وجد خبراً يقتضي في الظاهر خرق العادة، كظهور تشبيه أو غيره من العين، واليد، والرجل، والوجه، والمحسوسات، والجهة فهو مخير بين أمرين، وله في أحدهما سعة، إما التفويض المطلق، وإما التأويل.
سبب تأليف الكتاب:
تكلم الشاطبي عن طلبه العلم واتباعه للسنة وما ألصقه به قومه من التهم والتبديع ومن ذلك أنه لا يرى الدعاء بهيئة الاجتماع ولا الدعاء للخلفاء الراشدين على المنابر فاتُهم بالرفض والخروج ومخالفة السنة والجماعة، فكان ذلك من أسباب تأليفه الكتاب.
كتاب الاعتصام:
(1) فصل في مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم -: ((بُدِئ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما...)) فذكر معني الغربة كيف كانت في أول الإسلام وكيف تكون في آخره.
(2) فصل ملخصه أن الإسلام في عهده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفي قرن الصحابة رضي الله عنهم متمسكين بالوحي، إلى أن نبغ في عصرهم نوابغ الخروج عن السنة، وأصغوا إلى البدع المضلة كبدعة القدر وبدعة الخوارج، ثم لم تزل الفرق تكثر حسبما وعد به الصادق صلى الله عليه وسلم: في قوله: «وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة». فصارت السنة بدعة والبدعة سنة، فيقام على أهل السنة بالتثريب والتعنيف، كما كان أولا يقام على أهل البدعة واستشهد ببعض الآثار على ظهور البدع منها عن أنس قال: لو أن رجلا أدرك السلف الأول، ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا، قال: ووضع يده على خده، ثم قال: إلا هذه الصلاة.
(3) فصل في التحذير من البدع وبيان أنها ضلالة وخروج عن الجادة والترغيب في إحياء السنن واستشهد بقول ابن عباس قال: ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدعة، وتموت السنن.
(4) الباب الأول في تعريف البدع وبيان معناها وما اشتق منه لفظا فقال أصل المادة " بدع " للاختراع على غير مثال سابق، ومنه: قول الله تعالى: (بديع السماوات والأرض) أي: مخترعها من غير مثال سابق متقدم.
أما اصطلاحاً: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه.
ثم شرح التعريف وَبيَّن أن العلوم الحديثة وإحداث الصنائع والبلدان لا تسمى بدعة شرعاً وكذلك تقسيم العلوم الشرعية ليسهل دراستها وذكر فصل البدعة التركية ملخصه إن ترك شيئا مباحاً تدينا، فهو الابتداع في الدين ما لم يكن الترك خوف الضرر.
(5) الباب الثاني في ذم البدع وسوء منقلب أصحابها ملخصه أن المصالح إما دنيوية أو دينية فالدينية لا تدرك بالعقل فلا يغتر الناس بأحوال الفلاسفة المدعين لإدراك الأحوال الدينية بمجرد العقل قبل النظر في الشرع.
* وأن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان، لأن اللّه تعالى قال فيها: (الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فالمبتدع لسان حاله أو مقاله: إن الشريعة لم تتم، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها وأن المبتدع معاند للشرع، ومتبع للهوى لأن الشارع قد عين طرق العبادات وأخبر أن الخير فيها، وأن الشر في تعديها إلى غير ذلك فالعبد متبع الشرع أو الهوى إلا إذا كان هواه موافق للشرع.
(6) جملة من الأدلة على ذم البدع من القرآن والسنة كقول النبي صلى الله عليه وسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» وقوله صلى الله عليه وسلم «وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة» ونقل جملة مما جاء عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم في ذم البدع وأهلها منها قول ابن مسعود " القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة ". ومن أقوال التابعين قول أبي إدريس الخولاني أنه قال: " لأن أرى في المسجد نارا لا أستطيع إطفاءها، أحب إليّ من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها ".
*ثم عقد فصل فيما جاء عن الصوفية في ذم البدع وأهلها وذكر أن الأوائل منهم سموا أنفسهم بالصوفية لأنهم إنما اختصوا باسم التصوف ليتميزوا عن أهل البدع وإنما دخلت المفاسد وتطرق إليهم البدع من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح ويرون اختراع العبادات طريقا صحيحا للتعبد، ومن أقوال الصوفية في ذم البدع وأهلها قول ذي النون المصري: (من علامة حب الله متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأمره وسنته). وقول شاه الكرماني: (من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشبهات، وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة، وعود نفسه أكل الحلال، لم تخطئ له فراسة).
* ثم عقد فصل ما جاء في ذم الرأي المذموم وهو المبني على غير أصل من كتاب ولا سنة أو رأي مخالف لهما كقول الشعبي:( إنما هلكتم حين تركتم الآثار وأخذتم بالمقاييس) أما ما كان راجع إلى أصل شرعي فلا يكون بدعة أبدا.
(7) فصل في الأوصاف المحذورة والمعاني المذمومة في البدع وخطر البدعة ألا يقبل معها عبادة قال أيوب السختياني: (ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا) وفصَّل ذلك بأن تكون بدعة كفرية كبدعة القدرية، حيث قال فيها عبد الله بن عمر:(إذا لقيت أولئك، فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم براء مني، فو الذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه، ما تقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر)، وإما أن يراد أنه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة دون ما لم يبتدع فيه.
* صاحب البدعة تنزع منه العصمة ويوكل إلى نفسه والماشي إلى المبتدع والموقر له معين على هدم الإسلام وأن صاحبها ملعون على لسان الشريعة: لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). وأن البدع مظنة إلقاء العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام وأنها مانعة من شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وأن على مبتدعها إثم من عمل بها إلى يوم القيامة لما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: (من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها) وأن صاحبها ليس له من توبة لما جاء من قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله حجر التوبة على كل صاحب بدعة)، وأن صاحبها يبعد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الحديث: (أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا تأهبت لأتناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب! أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوه بعدك).
* الخوف على المبتدع من سوء الخاتمة واسوداد وجه المبتدع في الآخرة ويُخشى عليه الفتنة لقول تعالي: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [النور:63].
(8) فصل الفرق بين البدعة والمعصية، فصاحب البدعة لما غلب عليه الهوى مع الجهل بطريق السنة، توهم أن ما ظهر له بعقله هو الطريق القويم دون غيره، لذلك لا تجد مبتدعا ممن يُنسب إلى الملة إلا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي، وهذا بخلاف من اجتهد فأخطأ فله أجر، وبخلاف صاحب المعصية كالقتل فسُمي القتل سنة بالنسبة لمن يقتدي به فيها، لكنه لا يسمى بدعة، لأنه لم يفعله ليكون تشريعا بخلاف المبتدع يريد أن يُشَرِّع كالنصارى في عقيدة التثليث وتحليل الخنزير ومشركي العرب (قالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) علي سبيل التشريع.
(9) الباب الثالث: في ذم البدع والمحدثات والرد على شبه المبتدعة وإن عامة المبتدعة قائلين بالتحسين والتقبيح العقلي، فهو عمدتهم الأولى لكن ليس كل ما يقضي به العقل يكون حقا، ولذلك تراهم يرتضون اليوم مذهبا، ويرجعون عنه غدًا، ثم يصيرون بعد غد إلى رأي ثالث، لذلك كل راسخ في العلم لا يبتدع أبدًا، وإنما يقع الابتداع ممن لم يتمكن من العلم.
(10) فصل أقسام المنسوبين إلى البدعة إما أن يكون: مجتهدًا، أو مقلدًا. فالمجتهد لا يقع منه ابتداع إلا فلتة، وتسمى غلطة أو زلة، وذكر أمثلة لذلك وأما العوام فمنهم من يحسن الظن بصاحب البدعة فيتبعه، ولم يكن له دليل على التفصيل يتعلق به، إلا تحسين الظن بالمبتدع خاصة، وهذا القسم في العوام كثير.
*ومن المبتدعين أهل الفترات العاملين التابعين لآبائهم على قسمين: قسم غابت عنه الشريعة فهؤلاء هم الداخلون حقيقة تحت عموم الآية الكريمة: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء: 15] وقسم استندوا إلى آبائهم وعظمائهم فيها، وردوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وغطى على قلوبهم رَيْنُ الهوى، صارت شريعته صلى الله عليه وسلم حجة عليهم على الإطلاق والعموم.
(11) فصل إثم المبتدعين ليس على رتبة واحدة واختلافها يقع من جهات بحسب النظر الفقهي، فيختلف من جهة كون صاحبها مدعيًا للاجتهاد أو مقلدًا، ومن جهة وقوعها في الضروريات أو غيرها، ومن جهة كون صاحبها مستترا بها أو معلنًا، ومن جهة كونه مع الدعاء إليها خارجًا على غيره أو غير خارج، ومن جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية، ومن جهة كونها بينة أو مشكلة، ومن جهة كونها كفرًا أو غير كفر، ومن جهة الإصرار عليها أو عدمه إلى غير ذلك من الوجوه التي يقطع معها بالتفاوت في عظم الإثم وعدمه أو يغلب على الظن.
(12) فصل أنواع الأحكام التي يقام على أهل البدع بها فقال: إن القيام عليهم: بالتثريب، أو التنكيل، أو الطرد، أو الإبعاد، أو الإنكار: هو بحسب حال البدعة في نفسها، من كونها: عظيمة المفسدة في الدين، أو لا، وكون صاحبها مشتهرا بها أو لا، وداعيا إليها أو لا، ومستظهرا بالأتباع أو لا، وخارجا عن الناس أو لا، وكونه عاملا بها على جهة الجهل أو لا.
(13) فصل شُبه المبتدعة والرد عليهم ومنها شبهة (أن من سن سنة خير فهو خير) ورد على ذلك بأن المقصود من أحيا سنة من سنته صلى الله عليه وسلم أو من عمل بها، لا من اخترع سنة، وشبهة أن الأمة لا تجتمع على ضلالة فرد بأن كل ما كان من المحدثات له وجه صحيح فليس بمذموم، بل هو محمود كجمع القرآن وكتبه في المصاحف فجاء من بعدهم فجمعوا العلم ودونوه وكتبوه وهذا من قبيل المصالح المرسلة، لا من قبيل البدعة المحدثة.
(14) فصل الرد على زعمهم أن البدعة تنقسم خمسة أقسام فجعلوا منها ما هو واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحرم. وأجاب رحمه الله بأن: هذا التقسيم أمر مخترع، لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو نفسه متدافع لأن من حقيقة البدعة ألا يدل عليها دليل شرعي، لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة، لما كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلا في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها، فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعًا، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين. أما المكروه منها والمحرم، فمسلم من جهة كونها بدعًا لا من جهة أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته، لم يثبت بذلك كونه بدعة، لإمكان أن يكون معصية،
(15) مسألة التراويح وتركه صلى الله عليه وسلم لها خشية أن تفرض عليهم، وعلة لماذا لم يحيها أبو بكر رضي الله عنه فرد بأن أبا بكر رأى أن قيام الناس آخر الليل أفضل أو لضيق زمانه رضي الله عنه عن النظر في هذه الفروع، مع شغله بأهل الردة وغير ذلك مما هو آكد من صلاة التراويح. ووضح لماذا سماها عمر رضي الله عنه بدعة.
(16) أن من أقام بالرُّبْطِ وما بني من الحصون والقصور قصدا للرباط فيها، وما بني من المدارس للتعليم ليس بدعة، أما من ترك الاكتساب وانقطع إلى الزوايا تشبهًا بحال أهل الصفة فإنه بدعة لأن القعود في الصفة لم يكن مقصودا لنفسه، وفصَّل في مسألة التصوف فمنها ما هو بدعة ومنها ما ليس ببدعة
(17) الباب الرابع في مأخذ أهل البدع بالاستدلال إما لعدم الرسوخ في معرفة كلام العرب والعلم بمقاصدها، وإما لعدم الرسوخ في العلم بقواعد الأصول التي من جهتها تستنبط الأحكام الشرعية، وإما لعدم الأمرين جميعا وفصَّل في ذلك وذكر أسباب مخالفتهم طريق الحق وهي:
*اعتمادهم على الأحاديث الواهية والمكذوبة وذكر متي يُعمل بأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال وذكر ردهم للأحاديث المخالفة لأغراضهم ومذاهبهم كالمنكرين لعذاب القبر، واتباعهم المتشابهات لكنه للأسف جعل إثبات الصفات من المتشابه.
*ومنها: تحريف الأدلة عن مواضعها بمعني إذا ندب الشرع مثلا إلى ذكر الله، فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد وبصوت، أو في وقت معلوم مخصوص عن سائر الأوقات فقد خالف إطلاق الدليل.
*ومنها بناء طائفة منهم الظواهر الشرعية على تأويلات لا تعقل كالباطنية فمما زعموا في الشرعيات: أن الجنابة هي إفشاء سر الطائفة. والصيام هو الإمساك عن كشف السر وذكر كثير من بدعهم.
* ومنها المغالاة في تعظيم الشيوخ وأضعف هؤلاء احتجاجًا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات، وأقبلوا وأعرضوا بسببها فيقولون: رأينا فلانًا الرجل الصالح، فقال لنا: اتركوا كذا، واعملوا كذا.
(18) فصل الاجتماع في بعض الليالي والأخذ بالذكر الجهري على صوت واحد وما فيه من البدع والشطح والرقص والصياح وضرب الأقدام والزمر وأن يغشى على أحدهم بخلاف مجالس الذكر التي يُذكر فيها الأحاديث؛ أنها هي التي يتلى فيها القرآن، والتي يتعلم فيها العلم وأحكام الدين.
(19) الباب الخامس في أحكام البدع الحقيقية والإضافية والفرق بينهما فقال رحمه الله:
* البدعة الحقيقية: هي التي لم يدل عليها دليل شرعي؛ لا من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا استدلال معتبر عند أهل العلم؛ لا في الجملة ولا في التفصيل، ولذلك سميت بدعة لأنها شيء مخترع على غير مثال سابق.
*وأما البدعة الإضافية؛ فهي التي لها شائبتان:
إحداهما: لها من الأدلة متعلق، فلا تكون من تلك الجهة بدعة، أي سنة؛ لأنها مستندة إلى دليل في أصلها.
والأخرى: ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية؛ أي أنها بدعة من التطبيق وذكر أن البدع الإضافية على ضربين أحدهما: يقرب من الحقيقية، حتى تكاد البدعة الإضافية تعد بدعة حقيقية.
والآخر: يبعد منها حتى (يكاد) يعد سنة محضة؛ بمعني أن البدعة الإضافية تبعد البدعة الحقيقية حتى تكاد تعد سنة فعقد في كل واحد منهما فصولا.
*وذكر مستند تقسيم البدعة إلى الحقيقية والإضافية قوله تعالي (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون) [الحديد: 27].
* فهل الرهبانية مما شرعت لهم ـ لكن بشرط قصد الرضوان أي الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خالفوا الشرط أصبحت بدعة إضافية وقاس على ذلك ترك الشروط في العبادات.
*أم الرهبانية ما شرعت لهم فهي بدعة الحقيقية، وعموما الرهبانية لم تشرع في الإسلام.
*وتطرق لمسألة: التزام عمل ليس بمكتوب بل هو مندوب ثم تركه هل يقع تحت قوله تعالي (فما رعوها حق رعايتها) [الحديد: 27]. والجمع بين الآية وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذوا من العمل ما تطيقون)
* وعقد فصل الأخذ في التسهيل والتيسير مع الالتزام على جهة ما لا يشق الدوام وفصل الدخول في عمل على نية الالتزام له ملخصه أنه يداوم عليه ما لم يورث مللًا، أو خوف التقصير أو العجز عن القيام بما هو أولى وآكد في الشرع أو خوف كراهية النفس لذلك العمل المُلتَزَم يفضي به إلى ضعف بدنه، أو نهك قواه، حتى لا يقدر على الاكتساب لأهله، وأورد جملة من آثار السلف في كثرة العبادة ولم يَعدُهم أحد بذلك مخالفين للسنة، بل عدوهم من السابقين، لأنه لم يشق عليهم وأن المشقة تختلف بحسب اختلاف الناس في قوة أجسامهم، أو في قوة عزائمهم، ووقت نشاطهم
(20) فصل تحريم ما أحل الله من الطيبات تدينًا أو شبه التدين وجعله اعتداء قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) [المائدة: 87] ونقل سبب نزول الآية وأقوال الصحابة في ذلك وأن الإمام مالك جعل ترك الحلال بنية التعبد معصية.
*و تطرق لقوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) وذكر من حرم عليه الحلال عليه كفارة يمين وأما قوله تعالى: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة) [آل عمران:93] أن ذلك في شرع من قبلنا وأنه منسوخ بشرعنا وأن العمل بغير شريعة أو العمل بشرع منسوخ فعمله غير صحيح أما العزلة في شرع من قبلنا مندوب إليها في ديننا عند فساد الزمان على شرط أن لا يحرموا ما أحل الله من الأمور التي حرَّمها الرهبان وإن كانت العزلة مؤدية إلى ترك الجُمعات، والجماعات، والتعاون على الطاعات... وأشباه ذلك؛ فإنها موقعة في المحرم من جهة، وأيضا سلامة من جهة أخرى عند الفتن، ويقع التوازن بين المأمورات والمنهيات.
(21) فصل الخروج عن السنة إلى البدعة الحقيقية أو الإضافية وذكر أمثلة للبدع الإضافية.
* وفصَّل في مسألة سكوت الشارع عن الحكم في مسألة ما هل فعلها جائز أم بدعة وضرب أمثلة للجائز والبدعة.
*وعقد فصل في كل عمل اشتبه أمره فلم يتبين أهو بدعة أم غير بدعة فحكم فيه أنه من البدع الإضافية وقاسها على قاعدة إذا اختلطت الميتة بالذكية وتكلم عن بدعة التبرك بآثار الصالحين وكذلك من البدع الإضافية إخراج العبادة عن حدها الشرعي وذكر جملة من البدع تحت هذا العنوان.
* فصل: البدع الإضافية: هل يُعتد بها عبادات يتقرب بها إلى الله، فقسمها أربعة أقسام وفصل فيها.
(22) الباب السادس في أحكام البدع وأنها ليست على رتبة واحدة، فمنها بدعة محرمة، ومنها بدعة مكروهة.
*وجه ثان في التقسيم ما هو كفر صريح، ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر أو مختلف فيها هل هي كفر أم لا؟ ومنها، ما هو مكروه.
*ووجه ثالث: أن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر واقعة في الضروريات أو الحاجيات أو التكميليات ومنها بدع المقصد، وبدع الوسيلة وقسم بدع الضروريات إلى بدع في الدين أو النفس أو النسل أو العقل أو المال.
*وذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) فوصف البدعة بالضلالة يتنافى مع أن بعض البدع مكروهة وفاعلها لا أثم عليه فذكر الجمع بين ذلك وأيضاً أن البدع منها الصغيرة فكيف ذلك (كل بدعة ضلالة) وذكر فصل شروط كون البدعة صغيرة: ألا يداوم عليها، ألا يدعو إليها، ألا تفعل في المواضع التي هي مجتمعات الناس والبدعة إذا أظهرها العالم المقتدى به فلا يتحاشى أحد عن اتباعه، وأنه لا يستصغر البدعة ولا يستحقرها.
(23) الباب السابع في الابتداع هل يدخل في الأمور العادية أم يختص بالعبادات؟ فنقل قول من قال بأن الابتداع وقع في العادات من المآكل والمشارب والملابس وأدلتهم ونقل قول من قال بأن الابتداع مختص بالعبادات وفصَّل بأن ما جاء في الشرع غير معقول المعني فهو تعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي فهذا يدخل فيه الابتداع كالنكاح والطلاق والجنايات وأما العاديات من حيث هي عادية لا بدعة فيها.
* فصل في فشو المعاصي والمنكرات والمكروهات والعمل بها هل يعد بدعة؟ فأجاب أنها مخالفة لا بدعة من جهة وبدعة من جهة أخري وذكر أمثلة على ذلك.
(24) الباب الثامن في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان فقال إن كثيرا من الناس عدوا أكثر المصالح المرسلة بدعًا وذكر أقسام المصالح فمنها ما شهد الشرع بقبوله ومنها ما شهد الشرع برده، ومنها ما سكت عنه الشرع، فهذا الأخير على وجهين:
وجه منه يلائم تصرفات الشرع، وهذا يسمى بالمصالح المرسلة وذكر له عشرة أمثلة منها جمع القرآن، وحد شارب الخمر ثمانين، وتضمين الصناع، وقتل الجماعة بالواحد.
* فصل الاستحسان لا يكون إلا بمستحسن وهو إما العقل أو الشرع، فإن كان بالشرع أو بالعقل وشهد له الشرع كالعادات، فهو المسألة الماضية وما قبلها، أما ما لا دليل عليه أولم يشهد له الشرع فهو الذي يسمى بالبدعة، وذكر أن الاستحسان يراه معتبرا في الأحكام مالك وأبو حنيفة وأورد أمثلة لذلك ومالك وأبي حنيفة لم يخرجا عن الأدلة البتة، بخلاف الشافعي فإنه منكر له جدًا حتى قال: من استحسن فقد شرع.
* فصل في رد حجج المبتدعة بقوله عليه الصلاة والسلام: (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن) وشبهة استفتاء القلب في الاستحسان الذي لم يشهد له الشرع.
(25) الباب التاسع في السبب الذي لأجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين وهو: إما تقدير الله وإما كسبي ففي الحديث: (وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) وقال الله تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) [هود:118] وذكر توجيه قوله تعالي (ولذلك خلقهم) وأما كسبي كقوله: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) [آل عمران:105] وذكر عدد من الاختلافات التي وقعت في أصل الدين وفي القبلة وتعظيم الأيام وطريقة الصلاة إلى غير ذلك.
*وأيضاً من أسباب الخلاف اتباع الهوى واتباع ما كان عليه الآباء والأشياخ، وأشباه ذلك، وهو التقليد المذموم، ومن الأسباب أيضاً الجهل بمقاصد الشريعة والتكلم على معانيها بالظن من غير تثبت وهو السبب الرئيسي فيما مضي وذكر لكل سبب أدلة وأمثلة ثم تكلم علي مسائل في حديث (افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة) من هذه المسائل ليس كل اختلاف واقع تحت الحديث ومنها أن أسباب الاختلاف بين الناس قد يكون بسبب الدنيا والمعاصي وبعض هذه الفرق لم يبلغ به مبلغ الخروج إلى الكفر المحض وليس كل الاختلافات في العقيدة بل في قاعدة كلية أو كثير من الجزئيات.
*ثم عقد فصل في تعيين هذه الفرق وأسمائهم ونقل العلماء في ذلك ثم رجح أن الأفضل عدم الخوض في هذه المسألة ولكن ذكر صفات لهم وعلامات إجمالية، وعلامات تفصيلية.
منها أنهم يتبعون متشابهات القرآن، ويتبعون الهوى ثم ذكر حكم هذه الفرق هل نكفرها أو نفسقها ونفوذ الوعيد فيها لخبره عليه الصلاة والسلام أنها (كلها في النار) أو نجعلها في المشيئة؟ وأما قوله عليه الصلاة والسلام ( إلا واحدة ) أعطى بنصه أن الحق واحد لا يختلف وذكر علة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين مِنْ الفرق إلا فرقة واحدة وهي الناجية، وذكر اختلاف العلماء في معنى الجماعة الوارد في بعض طرق الحديث وحاصل ذلك هم الاعتبار بالسواد الأعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم المتمسكون بأثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه، ثم عرَّج علي إحدى طرق الحديث ( وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه) فكما أن داء الكلب ينتشر في الجسم بالكامل ويصعب علاجه كذلك أهل الأهواء والبدع يصعب رجوعهم للسنة إلا القليل وأن داء الكلب فيه ما يشبه العدوى وكذلك البدع.
(26) الباب العاشر في بيان معنى الصراط المستقيم الذي انحرفت عنه سبل أهل الابتداع فقال إن كل فرقة وكل طائفة تدعي أنها على الصراط المستقيم ولكي يوضح معنى الصراط المستقيم ذكر أن البدع تقع بسبب أربعة أمور: وهي الجهل بأدوات الفهم، والجهل بالمقاصد، وتحسين الظن بالعقل، واتباع الهوى.
*فالجهل بأدوات الفهم سببه أن الله عزوجل أنزل القرآن في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب، قال الله تعالى: (إنا جعلناه قرآنًا عربيًا) [الزخرف:3] وأكثر المبتدعة لم يكن عندهم علم باللغة العربية ومعانيها وأساليبها، فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أن يكون عربيا أو كالعربي في كونه عارفًا بلسان العرب فإذا أشكل عليه في الكتاب أو في السنة لفظًا أو معنًا فلا يقدم على القول فيه دون أن يستظهر بغيره ممن له علم بالعربية وضرب لذلك أمثلة لكن للأسف وقع في تأويل بعض الصفات بسبب مذهبه الأشعري رحمه الله.
(27) وأما الجهل بالمقاصد فذكر أن لله أنزل الله الشريعة فيها تبيان كل شيء وهذه الشريعة بها قواعد كلية وعامة تشمل العديد من الجزئيات وتنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكولاً إلى نظر المجتهد فلا يقال: قد وجدنا من النوازل والوقائع المتجددة ما لم يكن في الكتاب ولا في السنة نص عليه فيرد الجزئيات بذلك وأيضًا أمر آخر وهو أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن مبرًأ عن الاختلاف والتضاد فلا يضرب كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بعضها ببعض وذكر من ذلك عشرة أمثلة.
(28) وأما تحسين الظن بالعقل فذكر أن الله جعل للعقول في إدراكها حدًا تنتهي إليه لا تتعداه فالأخبار قد تأتي بما يدركه الإنسان بعقله وبما لا تدركه مثل ما جاءت النبوات بخوارق العادات كقلب العصا ثعبانا، وفلق البحر، وإحياء الموتى وبأوصاف أهل الجنة وأهل النار خارجة عن المعتاد الذي عندنا وقال ما ملخصه أن العقل ناقص والشرع كامل ولا يصح أن يكون الناقص حاكما على الكامل ونقل جملة من الآثار في التحذير من أهل الكلام ومن ردوا الغيبيات برأيهم وقياسهم الفاسد والنهي عن إعمال النظر العقلي مع طرح السنن
(29) ثم ختم كتابه بالكلام عن اتباع الهوى بأن الشريعة موضوعة لإخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله وأن الله تعالى وضع هذه الشريعة حجة على الخلق في جميع أحوالهم وتقلباتهم وأكمل من سار على هذه الشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ولذلك صار عبدًا لله حقًا. وهو أشرف اسم تسمى به العباد وورثته في ذلك العلماء، لذلك فإن الله سبحانه شرف أهل العلم ورفع أقدارهم، وعظم مقدارهم، ودل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وذكر أقسام المكلف بأحكام الشريعة إما أن يكون مجتهدا فيها أو غير بالغ مبلغ المجتهدين ويصلح فهمه للترجيح بالمرجحات المعتبرة في تحقيق المناط ونحوه أو أن يكون مقلدًا صرفًا خليًا من العلم ثم ذكر ما يجب على كل واحد منهم وذكر عشرة أمثلة لمن تركوا الدليل واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل.
قراءة في كتاب: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان.
كتبه / محمود الشرقاوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد...
المؤلف: بكر بن عبد الله أبو زيد (1946 - 5 فبراير 2008) نشأ نشأة كريمة في بيت صلاح وثراء وعراقة نسب وكان داعيًا، وخطيبًا وقاضيًا وباحثًا ومؤلفاً يمتاز بالدقة في البحث والجزالة في الأسلوب، مدرس بالمسجد النبوي الشريف وأحد كبار علماء الدين المعاصرين في المملكة العربية السعودية. تولى عضوية المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وعضوية مجلس القضاء السعودي، وعضوية هيئة كبار العلماء السعودية واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
مقدمة:
* بدأ المؤلف الطبعة الثانية لكتابه بهذه المقدمة قائلاً: فإن نازلة الدعوة إلى الخلط بين دين الإسلام وبين غيره من الأديان الباطلة كاليهودية، والنصرانية، التي تعقد لها أمم الكفر المؤتمرات المتتابعة باسم "التقريب بين الأديان" و"وحدة الأديان" و"التآخي بين الأديان "و"حوار الحضارات" هي أبشع دعائم "الكهفين المظلمين" و"النظام العالمي الجديد" و"العولمة"، الذين يهدفان إلى بث الكفر والإلحاد، ونشر الإباحية وطمس معالم الإسلام وتغيير الفطرة.
ولهذا أفردت هذا الكتاب لكشف مخاطر هذه النازلة بالمسلمين وبيان بطلانها، وتحذير المسلمين منها.
وقد نهينا عن هذه النظرية الإلحادية: "وحدة الأديان" في سورة فرضها الله على المسلمين" في جميع صلواتهم في قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ).
*وذكر في مقدمة الطبعة الأولي التعوذ من طرق اليهود وعُبَّاد الصليب النصارى وعباد الأوثان والصابئة، وملاحدة الفلاسفة وذكر طرقهم إجمالاً.
*ذكر أن عند مواجهة علماء المسلمين موجات الإلحاد والزندقة والعلمنة والحداثة بدت محنة أخرى في ظاهرة هي أبشع الظواهر المعادية للإسلام والمسلمين لإفساد نزعة التدين بالإسلام وذلك فيما جَهَرَتْ به اليهود والنصارى، من الدعوة الجادة إلى:
" نظرية الخلط بين الإسلام وبين ما هم عليه من دين محرَّف منسوخ "
عرض الكتاب:
* من هنا اشتد السؤال، ووقع كثيرا من أهل الإسلام عن هذه: "النظرية" التي حلَّت بهم، ونزلت بساحتهم: ما الباعث لها؟ وما الغاية التي ترمي إليها؟ وما مدى مصداقية شعاراتها؟ وعن حكم الإسلام فيها، وحكم الاستجابة لها من المسلمين، وحكم من أجاب فيها، وحكم من دعا إليها، ومهد السبيل لتسليكها بين المسلمين، ونشرها في ديارهم، ونثر من أجلها وسائل التغريب، وأسباب التهويد، والتنصير، في صفوف المسلمين. حتى بلغت الحال ببعضهم إلى فكرة: "طبع القرآن الكريم، والتوراة والإنجيل" في غلاف واحد؟
وحتى بلغ الخلط والدمج مبلغه ببناء "مسجد، وكنيسة، ومعبد" في محل واحد، في: "رحاب الجامعات" و"المطارات" و"الساحات العامة"؟
فما جوابكم يا علماء الإسلام؟؟
* * *بين يدي الجواب: جعل الجواب عن هذا السؤال، مرتبا له في مقامات ثلاثة:
* المقام الأول: المسرد التاريخي لهذه النظرية، وتشخيص وقائعها، وخطواتها في الحاضر والعابر.
* المقام الثاني: في الجواب على سبيل الإجمال.
* المقام الثالث: في الجواب على طريقة النشر والتفصيل، بتشخيص الأصول العقدية الإسلامية التي ترفض هذه النظرية وتنابذها.
المقام الأول
المسرد التاريخي لهذه النظرية وتشخيص وقائعها.
وبتتبع مراحلها التاريخية، وجدتها قد مرت في حقب زمانية أربع هي:
1 - مرحلتها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا) وفي تفسير ابن جرير عند هذه الآية " عن مجاهد - رحمه الله تعالى - أنه قال: وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ اليهودية والنصرانية بالإسلام ".
2 - مرحلة الدعوة إليها بعد انقراض القرون المفضلة: قالوا: أن الملل اليهودية، والنصرانية، والإسلام.
هي بمنزلة المذاهب الفقهية الأربعة عند المسلمين كل طريق منها يوصل إلى الله تعالى.
3 - مرحلة الدعوة إليها في النصف الأول من القرن الرابع عشر: تبنتها حركة " صن مون التوحيدية " وقبلها " الماسونية " وهي: منظمة يهودية للسيطرة على العالم، ونشر الإلحاد والإباحية، تحت غطاء الدعوة إلى وحدة الأديان الثلاثة، ونبذ التعصب بجامع الإيمان بالله، فكلهم مؤمنون.
وقد وقع في حبال دعوتهم: جمال الدين بن صَفدَر الأفغاني، ت سنة 1314 هـ بتركيا وتلميذه الشيخ محمد عبده بن حسن التركماني. ت سنة 1323 هـ بالإسكندرية، وأسسوا جمعيات لذلك
4- مرحلة الدعوة إليها في العصر الحاضر: وحتى عامنا هذا 1416هـ وفي ظل " النظام العالمي الجديد ": جهرت اليهود، والنصارى، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم، وبين المسلمين، وبعبارة: " التوحيد بين الموسوية، والعيساوية، والمحمدية " باسم:
" الدعوة إلى التقريب بين الأديان " و" الملة الإبراهيمية " فكرة طبع: " القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل " في غلاف واحد.
ثم دخلت هذه الدعوة في: " الحياة التعبدية العملية " إذ دعا " البابا " إلى إقامة صلاة مشتركة من ممثلي الأديان الثلاثة: الإسلاميين والكتابيين، وذلك بقرية: " أسِيس " في: " إيطاليا ". فأقيمت فيها بتاريخ: 27 / 10 / 1986 م.
آثار هذه النظرية على الإسلام والمسلمين: وذكر عدة آثار منها:
*كسر حاجز الهيبة من المسلمين من وجه، وكسر حاجز النفرة من الكافرين من وجه آخر.
* ومن آثارها: أن قدم: " البابا " نفسه إلى العالم، بأنه القائد الروحي للأديان جميعا.
وأنه حامل رسالة " السلام العالمي " للبشرية.
المقام الثاني في الجواب على سبيل الإجمال:
الجمع بين الإسلام مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما بين النسخ والتحريف، فهي في حكم الإسلام: دعوة بدعية، ضالة كفرية، ودعوة إلى ردة شاملة عن الإسلام؛ لأنها تصطدم مع بديهيات الاعتقاد، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات، وتبطل صدق القرآن، وتبطل ختم النبوة والرسالة بمحمد عليه الصلاة والسلام فهي نظرية مرفوضة شرعا، محرمة قطعا.
ثم ذكر عدة أهداف لهذه الدعوة الباطلة
المقام الثالث: في الجواب مفصلا:
ذكر الجواب من خلال عدة الأصول، والمسلمات العقدية منها:
*الأصل العام: دين الأنبياء واحد، وشرائعهم متعددة، والكل من عند الله تعالى فنعتقد أن أصل الدين واحد وهذا الدين " دين الإسلام " أي باعتبار وحدته العامة، وإنما تنوعت الشرائع.
وتنوع الشرائع في الناسخ والمنسوخ من المشروع، فكما أن دين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو دين واحد، مع أنه قد كان في وقت يجب استقبال بيِت المقدس في الصلاة، وبعد ذلك يجب استقبال الكعبة، وحالياً لا يصح استقبال بيِت المقدس في الصلاة فكذلك من لم يدخل في شريعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد النسخ لم يكن مسلمًا لأنها ناسخة لجميع الشرائع قبله.
وإن قال اليهود والنصارى أنهم على ملة إبراهيم فالله كذبهم (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).
ونكر نواقض الإيمان عند اليهود والنصارى في ذلك:
*الإيمان بالله تعالى: الأصل في بني آدم هو: " التوحيد " فذكر الأنبياء ودعوتهم للتوحيد بعد وقوع الشرك من أقوامهم ثم ختمهم ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما كانت أمم الأرض عجت بالشرك، والوثنية وإلحادا اليهود وتحرف النصارى ونكر نواقض الإيمان عند اليهود والنصارى في ذلك.
* الإيمان بالكتب المنزلة: من أركان الإيمان، وأصول الاعتقاد وأن كتاب الله: " القرآن الكريم " هو آخر كتب الله نزولا، ومن يكفر به فقد قال الله تعالى في حقه: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) وأن ما في أيدي اليهود، والنصارى اليوم من التوراة والأناجيل المتعددة، ليست هي عين التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، ولا عين الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام؛ لانقطاع أسانيدها، واحتوائها على كثير من التحريف، والتبديل، والأغاليط، والاختلاف فيها، وأن ما كان منها صحيحا فهو منسوخ بالإسلام، وما عداه فهو محرف مبدل، فهي دائرة بين النسخ والتحريف ولهذا فليست بكليتها وحيا، وإنما هي كتب مؤلفة من مستأخريهم بمثابة التواريخ.
نواقض الإيمان بهذا الأصل لدى اليهود والنصارى: فقد كفروا بالقرآن، إذ لا يؤمنون به ولا بنسخه لما قبله، ولم يقروا بتحريف كتبهم ولم يسلم الإيمان بهذا الأصل العقدي، والركن الإيماني إلا لأهل الإسلام.
*الإيمان بالرسل: وهومن أركان الإيمان، وأصول الاعتقاد، إيمانا جامعا، عاما، مُؤتَلِفا، لا تفريق فيه ولا تبعيض، ولا اختلاف، وهو يتضمن تصديقهم، وإجلالهم، وتعظيمهم كما شرع الله في حقهم.
وذكر عددهم وبعض صفاتهم وأسماء أقوام بعض الرسل وأن أفضل الرسل هو خاتمهم نبينا ورسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه لا نبي بعده، وأن كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعث محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الثقلين عامة.
نواقض الإيمان بهذا الأصل لدى اليهود والنصارى: فاليهود لا يؤمنون بعيسى، ولا يؤمنون بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ غضب بكفرهم بعيسى ابن مريم، وغضب بكفرهم بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنصارى: لا يؤمنون بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأتوا من كفرهم به ولهذا: فهم بكفرهم هذا كفار مخلدون في النار، فكيف ينادون بوحدتهم مع دين الإسلام؟
ومن نواقض هذا الأصل: نفي بشرية أحد من الأنبياء، أو تأليه أحد منهم.
النتيجة:
* يجب على المسلمين: الكفر بهذه النظرية: " وحدة كل دين محرف منسوخ مع دين الإسلام الحق المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل الناسخ لما قبله "، وهذا من بديهيات الاعتقاد والمسلمات في الإسلام.
*وأن الدعوة إلى هذه النظرية: كفر، ونفاق، ومشاقة، وشقاق، وعمل على إخراج المسلمين من الإسلام.
*وأن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع، ناسخة لكل شريعة قبلها، فلا يجوز لبشر أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة الإسلام.
* يجب على أمة الإسلام: " أمة الاستجابة "، اعتقاد أنهم على الحق وحدهم في: " الإسلام الحق " وأنه آخر الأديان، وكتابه القرآن آخر الكتب، ومهيمن عليها، ورسوله آخر الرسل وخاتمهم.
* ويجب على" أمة الاستجابة " لهذا الدين إبلاغه إلى " أمة الدعوة " من كل كافر من يهود ونصارى، وغيرهم، وأن يدعوهم إليه، حتى يسلموا، ومن لم يسلم فالجزية أو القتال.
* ويجب على كل مسلم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيا رسولا: أن يدين لله تعالى بِبُغضِ الكفار، من اليهود والنصارى.
* وأنه لا تجوز الاستجابة لدعوتهم ببناء " مسجد، وكنيسة، ومعبد " في مجمع واحد.
* ويجب على المسلمين الحذر والتيقظ من مكايد أعدائهم.
]]>قراءة في كتاب (دراسة نقدية لمنظومة جوهرة التوحيد).
كتبه/ محمود الشرقاوي
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
عقيدة الأشاعرة: دراسة نقدية لمنظومة جوهرة التوحيد لبرهان الدين اللقاني على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة.
ومؤلف الكتاب هو: حسان بن إبراهيم بن عبد الرحمن الرديعان.
مقدمة:
هذه الدراسة هي دراسة نقدية لأهم المتون الأشعرية المتداولة وهو متن جوهرة التوحيد مع شرحه لبرهان الدين اللقاني، وهذه المنظومة تعد العمدة عند المتأخرين من الأشاعرة، وهي معتمدة للتدريس في العديد من المناهج العلمية في البلاد الإسلامية، ومن ثم فإن الحاجة ماسة إلى دراسة نقدية لهذا الكتاب، وذلك لمعرفة الفرق بين مذهب الأشاعرة ومذهب السلف.
عرض إجمالي للكتاب:
بدأ المؤلف بمقدمات تعريفية بالمتن، والشرح، ومؤلفيهما، وبأهل السنة وبالأشاعرة ومنهجهم في الاستدلال، ثم قام بدراسة الشرح ونقده على الترتيب الذي وضع عليه، حيث بدأ بالمقدمة، ثم الإلهيات، ثم المسائل المتعلقة بالأنبياء والملائكة والصحابة ومن تبعهم، ثم بالمسائل المتعلقة بالسمعيات، ثم ختم الكتاب بعرض ملخص الدراسة وأهم النتائج.
فهو شامل لمعظم أبواب العقيدة، وذلك بسبب تناوله النظم كاملاً، كما أنه يتناول مواضع الخطأ ومواضع الصواب، وحيث كان معتقدهم موافقًا لمعتقد أهل السنة يصرح بذلك.
نبذة عن الكتاب:
التمهيد: قسم المؤلف التمهيد إلى أربعة مباحث
*المبحث الأول ترجمة مختصرة للقاني المصري المالكي (ت: 1041هـ) وبين أن عقيدته هي عقيدة الأشاعرة المتأخرين من أبي المعالي الجويني والغزالي ومن جاء بعدهم.
*والمبحث الثاني عرف بكتاب الجوهرة التي اشتهرت على أنها عقيدة أهل السنة.
*وفي المبحث الثالث عرف بأهل السنة وذكر أن من أهم خصائصهم في الاستدلال اعتماد الكتاب والسنة مصدر التلقي، والتسليم لنصوصهما، والاتفاق على مسائل الاعتقاد فتجد كتب الحديث كلها متفقة على اعتقاد واحد، والأدلة التي اتفقوا عليها كالإجماع والقياس مرجع حجيتها هي الكتاب والسنة.
*وفي المبحث الرابع عرف بالأشاعرة وبين أنهم ينقسمون إلى متقدمين ومتأخرين وذكر أن أبا الحسن الأشعري مرَّ في عقيدته بأكثر من طور، ثم ذكر أن منهجهم في الاستدلال يعتمد على العقل. فيقدمون العقل علي النقل ويعتمدون على الدلائل العقلية في إثبات العقائد وتأويل النصوص التي تخالف العقل
الفصل الأول:
*ذكر المؤلف في هذا الفصل: حكم التقليد في التوحيد وبيّن صحة إيمان المقلد خلافًا للأشاعرة، وبعضهم يصحح إيمانه مع الإثم وذكر تناقضهم في ذلك وأنهم لم يفرقوا بين التقليد والإتباع.
*وذكر مسألة أول واجب على المكلف عند الأشاعرة وهو المعرفة أو النظر أو القصد إلى النظر وأخذوا ذلك من المعتزلة وهذا القول مرتبط بما قبلها لأن المقلد ليس عنده قدرة للمعرفة أو النظر.
ورد على ذلك أن أول واجب النطق بالشهادتين فالنبي صلي الله عليه وسلم لم يدع أحداً إلى النظر أولاً، وبالإجماع أن من نطق بالشهادتين فهو مسلم.
*وذكر مسألة الأدلة على وجود الله عند الأشاعرة بأن العالم حادث وله أعراض أي صفات وأسسوا على ذلك بعض معتقداتهم فقالوا إن الله ليس له أعراض فنفوا الاسماء والصفات للرب على اختلاف بينهم في درجة النفي من الجهمية والمعتزلة الأشاعرة، وبيّن بدعية الدليل الذي استدلوا به.
*وذكر مسألة حقيقة الإيمان عند الأشاعرة وهو التصديق وأن النطق بالشهادتين فيه خلاف عندهم هل هو على سبيل الشرط او الشطر والفرق بينهما، وأن من لم ينطق بالشهادتين فهو كافر في الدنيا مؤمن في الأخرة إلا المعاند، ورد الرديعان على ذلك وبيّن أن الإيمان قول وعمل.
*وذكر مسألة زيادة الإيمان ونقصه وبيّن أن مذهب الأشاعرة موافق لأهل السنة من كونه يزيد وينقص.
الفصل الثاني: وهو أطول فصول الكتاب:
*وذكر تقسيم الأشاعرة للصفات. حيث قسموها إلى صفات نفسية وصفات سلبية، وبيّن الرديعان بطلان منهج تقريره لها وتعريف اللقاني للصفات السلبية أدى به لإنكار صفات الذات وصفات الافعال لله، وعند الأشاعرة أن النفي مُفصَّل والاثبات مُجمل عكس قول أهل السنة والجماعة ثم تناول حديثه عن صفات المعاني ونقده إجمالًا ثم تناول كلامه على كل صفة بمفردها.
*وذكر حديثه عن صفات المعاني والتي يسميها الصفات الثبوتية وهي الإرادة والعلم والحياة والكلام والسمع والبصر وأن صفة الكلام عند الا شاعرة هي صفة أذليه قائمة بذاته تعالي ليست بحرف ولا صوت وذكر تقسيم الأشاعرة لهذه الصفات من حيث الدليل إلي عقلي أو نقلي ومن حيث تعلقها بالواجبات والجائزات والمستحيلات والتي يستحيل العقل إثباتها تسمى مستحيلات وبالتالي نفوا كثير من أسماء الله وصفاته وقد بيّن مذهب اللقاني وأطال الرديعان في الرد وبيّن مذهب أهل السنة إجمالاً وتفصيلًا في بعض الصفات.
*وذكر كلامه عن الصفات المعنوية، والصفات المعنوية يقول بها من يقول بالأحوال من الأشاعرة، واللقاني لا يقول بالأحوال كما صرح به ولذلك لم يطل نقد هذه المسألة نظرًا لأن اللقاني لا يقول بها.
*وذكر عدة مسائل تتعلق بالأسماء والصفات:
1- هل هي عين الذات أم لا؟ وبيّن أن الصفة للموصوف.
2- ومسألة تعلق صفات المعاني بالممكنات والواجبات والمستحيلات وقال ان هذه الطريقة مبتدعة في أسماء الله تعالى وصفاته وليست في كلام الله ولا كلام رسول الله صلى الله وسلم ولا كلام السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
3- ومسألة هل أسماء الله وصفاته قديمة توقيفية وبيّن مذهب أهل السنة من كونها قديمة توقيفية يدعي بها سبحانه وتقتضي مدحاً وثناءً بها عليه عزوجل.
4- ومسألة أسماء الله مشتقة أم لا؟ وعند الأشاعرة أنها غير مشتقة بمعني أنها ليس لها معنى ولا تدل على معنى ورد الرديعان على ذلك.
*وذكر مسألة التأويل والتفويض وهي من أكبر وأشهر مسائل النزاع بين الأشاعرة والسلف، والأصل عندهم هو التأويل قال اللقاني:
(وَكُلُّ نَصٍ أَوْهَمَ التَّشْبِيهَـا أَوِّلْـهُ أَوْ فَـوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيهَـا)
قال اللقاني في شرحه أن الأدلة النقلية الظنية القابلة للتأويل لا تعارض القواطع العقلية التي لا تقبل التأويل فترد النقلية إلى ما يوافق العقلية لأن الأدلة العقلية أصل للأدلة النقلية.
وأصبح هذا البيت من القصيدة ركيزة الأشاعرة في تأويل أسماء الله وصفاته.
وذكر المقدمات التي بني عليها اللقاني مذهبه في التأويل والتفويض ووضح مراده بهما وأن اللقاني رجح التأويل على التفويض وذكر تأويله لنصوص الكتاب والسنة وهي تشمل مسائل صفات الأفعال وصفة الاستواء والصفات الذاتية الخبرية.
ومذهب الأشاعرة في القرآن فرعًا على القول بالكلام النفسي، وقد بيّن مذهب اللقاني وأطال في الرد، وبيّن مذهب أهل السنة إجمالاً وتفصيلًا، وهو أطول مباحث الكتاب.
*وذكر في المبحث الثاني مسألة المستحيلات على الله قال وهي ضد الواجب ومثَّل لذلك بكونه في جهة من الجهات وبالتالي نفى صفة العلو لله واستوائه على العرش وقد فصَّل الرد على ذلك في الباب السابق وذكر طريقة اللقاني في الكلام على المستحيلات وأنها طريقة أهل الكلام في الإثبات المجمل والنفي المفصل وبيّن بطلان هذا الطريق لأن النفي المفصل أدى لنفي ما أثبته الله لنفسه ورد على ما ذكره اللقاني.
*وذكر في المبحث الثالث الجائزات في حق الله تعالى فتناول المسائل التالية:
1- مسألة الإيجاد والعدم، وهما من صفات الربوبية، ومسألة خلق أفعال العباد فأثبت اللقاني خلق الله لأفعال العباد رداً على المعتزلة ولكن الأشاعرة اضطربوا في إثبات قدرة العبد وتأثيرها في الفعل ويكادون يتفقون على أن العبد له قدرة غير مؤثرة لإنكارهم السببية في وجود الفعل وقد بيّن أنها في المرتبة الرابعة من مراتب القدر.
2- ومسألة التوفيق والخذلان وقد بيّن مذهب أهل السنة من كون التوفيق من مراتب الهداية وبيّن معنى القدرة عند أهل السنة.
3- ومسألة الوعد والوعيد وقد وافق اللقاني مذهب أهل السنة في أن ثواب الله تعالى لا يتخلف لعبده المؤمن.
4- مسألة السعادة والشقاوة قال اللقاني ان السعيد لا يتصور منه أن يشقى والشقي لا يتصور منه أن يسعد، فرد الرديعان على ذلك بقوله: إن الله سبحانه قدر السعادة والشقاوة لكن ربطهم بالأسباب فلم يجعلهم متكلين على القدر السابق فأعمال العباد موجبة للسعادة أو الشقاوة فمن كتب الله له السعادة بحسن الخاتمة وكان قبل ذلك يعمل العمل السيء وعمل أهل الشقاوة فلا شك أنه ما كان سعيداً إلا لما أتي بموجب السعادة وهو العمل الصالح، أما قبل موجب السعادة فقد كان شقياً بموجب عمل أهل الشقاوة وكذلك الحال بالنسبة للشقي؛ لهذا كان من أقوال الأشاعرة الشنيعة أن سحرة فرعون كانوا مؤمنين حال حلفهم بعزة فرعون.
5- مسألة الكسب فاللقاني رد في هذه المسالة على المعتزلة الذين يقولون بأن العبد يخلق فعله وهو بذلك يوافق أهل السنة ورد على الجبرية الذين ينفون مشيئة العبد وقدرته لكن خالف اللقاني والأشاعرة أهل السنة في مسألة الكسب وهي عندهم عدم تأثير قدرة العبد على فعله من عدمه فقدرة العبد عندهم مقارنة للفعل وليست سبب في وجوده فرد علي ذلك وبيّن بطلان مذهب الأشاعرة في هذه المسألة وأن الأشاعرة بذلك قاربوا قول الجبرية ثم ناقش اللقاني في ثلاثة مسائل مبنية على مسألة الكسب وهي: مسألة التولد، وهل الاستطاعة مقارنة للفعل أم تسبقه ومسألة السببية وهي أن تحدث المسببات عند أسبابها لا بها فالاحتراق يحدث عند النار وليس بسبب النار و إثبات السببية عندهم يستلزم إثبات شريك مع الله فرد علي ذلك بالتفصيل.
و إثبات السببية عندهم يستلزم إثبات شريك مع الله فرد علي ذلك بالتفصيل.
6- ومسألة الحكمة والتعليل في أفعال الله قال اللقاني: (مذهب الأشاعرة ان افعال الباري تعالي ليست معلله بالأغراض والمصالح والغرض ما لأجله يصدر الفعل عن الفاعل) وذكر أسباب القول بنفي العلة عند اللقاني والأشاعرة وبيّن ذلك ونقد مذهب الأشاعرة في نفي العلة ورد عليهم أن مذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يفعل شيئًا إلا لحكمة.
7- مسألة الوجوب على الله قال اللقاني إن الله لا يجب عليه شيء وهو قول الأشاعرة فأرادوا الإنكار على المعتزلة الذين قالوا بوجوب الصلاح والأصلح علي الله وقد بيّن الرديعان بأن مذهب أهل السنة أن الله لا يجب عليه شيء إلا ما أوجبه هو سبحانه على نفسه، وبيّن ذلك بأن الإرادة تنقسم إلى إرادة شرعية وهي ما يلزم منها المحبة وإرادة كونية وهي ما يلزم منها الوقوع، وبيّن الخلل في مذهب الأشاعرة والمعتزلة في ذلك وفي مسألة التحسين والتقبيح العقلي.
8- مسألة القضاء والقدر فاللقاني اثبت مراتب القضاء والقدر وهي العلم والكتابة والمشيئة والخلق والتكوين إلا أنه في المرتبة الرابعة عنده وعند الأشاعرة تدخل تحت مسألة الكسب وهي أن مشيئة العبد وإرادته عندهم غير مؤثرة في الفعل، فرد الرديعان على ذلك وعلى بعض النقاط في هذا الباب
9- ثم مسألة رؤية الله تعالى وقد بيّن ما أجمع عليه أهل السنة من كون المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم من غير إحاطة ورد على قول الأشاعرة من كونهم يثبتون الرؤية لا على جهة وهذا على مذهبهم بنفي صفة العلو والاستواء ودليل الأشاعرة في إثبات الرؤية هو جوازها عقلاً فرد على ذلك كله.
الفصل الثالث:
هذا الفصل بعنوان: المسائل المتعلقة بالأنبياء والملائكة والصحابة ومن تبعهم.
وقد ذكر فيه المسائل الآتية:
1- مسألة وجوب الإيمان بالرسل، وما يجب في حقهم وما يستحيل عليهم، وقد بيّن موافقة اللقاني في هذه المسائل عدا قوله: إنهم يتألمون في الظاهر دون الباطن فبيّن أن هذا القول مخالف للإجماع.
2- ومسألة معنى الشهادتين، حيث عرَّف الأشاعرة لها بأنه القادر على الاختراع وهو تعريف لها بتوحيد الربوبية فقط وقد بيّن الرديعان مذهب أهل السنة في كون الشهادتين يستلزمان الإقرار بالعبودية وهو توحيد الألوهية.
3- مسألة الرد على الفلاسفة في كون النبوة مكتسبة وإبطال قول الصوفية بأن الولاية تبلغ درجة النبوة، وبيّن موافقته لمذهب السلف.
4- مسألة التفضيل بين الأنبياء والملائكة وبين الملائكة وصالح البشر، وقد تناول فيها عدة مسائل بعضها موافق لأهل السنة وبعضها مخالف مثل: أن النبوة لا تثبت إلا بالمعجزة وأنها أمر خارق للعادة، وأن عصمة الملائكة غير المرسلين فيها خلاف.
5- مسألة خصائص النبي ﷺ ومعجزاته وحكم منكر المعجزات، ومسألة فضل الصحابة وترتيبهم في الفضل، ومسألة فضل التابعين والأئمة، ومجمل ما ذكره هنا موافق لمذهب أهل السنة.
7- مسألة التقليد في المذاهب، فذكر اللقاني أن التقليد في الفروع واجب لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق، وقد ذكر الرديعان أن الواجب هو الاتباع وذكر شروط التقليد.
8- مسألة كرامات الأولياء وعرف الكرامة بأنها أمر خارج للعادة غير مقرون بدعوي النبوة، كما عرف الولي، وذكر أدلة وقوع الكرامة، وذكر مسألة أن الدعاء ينفع الأحياء والأموات، ومسألة كتابة الملائكة للحسنات والسيئات، ومجمل ما ذكره موافق لأهل السنة ونبه الرديعان أن علي المسلم أن يطلب الاستقامة لا الكرامة وذكر أنواع الكرامة.
الفصل الرابع:
هذا الفصل متعلق بمسائل السمعيات، وأغلب ما فيها موافق لمذهب السلف، وقد تناول في هذا الفصل ثلاثًا وثلاثين مسألة، نجملها كالاتي:
1- مسألة حقيقة الموت، وقد بين اللقاني أن سبب الموت انتهاء الأجل فالقتل ليس سبب الموت لأنه ينفي الأسباب فهو موافق للحق من جهة ومخالف من جهة
2- مسألة حقيقة الروح وهل هي النفس أم غيرها ومسألة فناء الأرواح، وأن عجب الذنب لا يفنى، والإمساك عن الخوض في حقيقة الروح وما هو العقل، ومجمل ما ذكره اللقاني موافق للسلف وأن الأرواح وعجب الذنب لا يفنيان قد خصصتهما الأدلة.
3- مسألة سؤال منكر ونكير في القبر وما يتعلق بذلك وسؤال المؤمن والكافر والإنس والجن في القبر وأن الروح ترد له في القبر وذكر أوصاف منكر ونكير، وقد بيّن أن ما ذكره اللقاني موافق لعقيدة السلف.
4- مسألة عذاب القبر ونعيمه يجب الإيمان به، ومسألة الإيمان بالبعث والرد على منكريه، وبيّن أن ما ذكره اللقاني موافق لعقيدة السلف.
5- مسألة بعث الأجساد يوم القيامة وكيفية الفناء الذي قد حصل لها، وقد بيّن أن هذه المسألة مما حار فيه أهل الكلام وأن الفناء والهلاك معروف لا يحتاج لهذه اللوازم التي ذكرها.
6- مسألة إعادة الزمن.
7- مسألة الحساب في الآخرة، وقد بيّن اللقاني أن الإيمان بالحساب يوم القيامة واجب وذكر أقوالًا في كيفية الحساب وأنواعه ولم يخالف مذهب السلف إلا في جزئية متعلقة بصفة الكلام لله يوم القيامة بأن الله يخلق في أذانهم الكلام فيسمعوا أصواتاً تدل على كلام الله القديم وهذا باطل فالله يكلم كل أحد يوم القيامة بصوت.
8- مسألة مكفرات الذنوب وعدم تكفير أهل الكبائر ومسألة أهوال اليوم الآخر وأسماء هذا اليوم وبيّن الرديعان أن ما قرره اللقاني موافق لمذهب السلف.
9- مسألة صحف الأعمال وقد بيّن صواب ما قاله اللقاني عدا أن بعض المكلفين لا يأخذون صحائف أعمالهم كأبي بكر الصديق فبيّن أن هذا لا دليل عليه.
10- مسألة الميزان وأنه يجب الإيمان به وذكر ما يوزن يوم القيامة، وبيّن صواب قول اللقاني فيما عدا كون الميزان واحد فبيّن الرديعان أن ظاهر القرآن أن الموازين متعددة.
11- مسألة الصراط وأنه يجب الإيمان به وذكر صفة الصراط وما يتعلق به من مسائل وعلق الرديعان على إنكار اللقاني أن الصراط أحد من الشعرة
12- مسألة إثبات العرش وقد بيّن أن اللقاني قد خالف في هذه المسألة قول متأخري الأشاعرة وقال بقول السلف من إثبات العرش وعدم تأويله لكن قوله إن العرش مخلوق نوراني لا دليل عليه وذكر الرديعان صفات العرش من خلال ما ورد في القرآن والسنة.
13- مسألة الكرسي وأنه غير العرش وهو أكبر المخلوقات بعد العرش وقد بيّن الرديعان أن قول اللقاني بأنه مخلوق نوراني لا دليل عليه.
14- مسألة القلم وأنه من الإيمان بالقدر لأن الله كتب مقادير كل شيء وقد بيّن أن قوله هو قول السلف.
15- مسألة اللوح المحفوظ وقد بيّن أنه ما ذكره هو مذهب السلف سوى وصفه بأنه مخلوق نوراني.
16- مسألة الجنة والنار والرد على من أنكر وجودهما وذكر عدة مسائل منها عدم فناءهما
17- مسألة الحوض وهل هو قبل الصراط أم بعده وعلق الرديعان على قول اللقاني أن الكوثر لم يرد فيه إجماع لأن المعتزلة ينكرونه، وقال الرديعان بل ورد فيه إجماع وخلاف المعتزلة لا يعتد بهم وذكر عدة مسائل في الحوض.
18- مسألة الشفاعة وأن الأحاديث فيها بلغت حد التواتر وذكر أنواع الشفاعة وما يتعلق بهما وعلق على تفاصيل ما ذكره اللقاني وأنه لم يذكر شروط الشفاعة وذكرها الرديعان.
19- مسألة حكم مرتكب الكبيرة والتحذير من التكفير وهي تعليل لمسألة الشفاعة وكلام اللقاني ورده على الخوارج والمعتزلة موافق لكلام أهل السنة ثم ذكر الرديعان أنواع التكفير وشروطه وحكم المبتدع
20- مسألة حياة الشهيد وأنه حي، وما ذكره موافق لاعتقاد السلف وذكر مسألة التوكل في الرزق وتعريف الرزق، وقد خالف فيها اعتقاد السلف وقد بيّن الرديعان ذلك وذكر أن التوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب.
21- مسألة الجوهر الفرد وقد علق عليها الرديعان وبيّن معناها وأنها من مصطلحات أهل الكلام، وبيَّن ما فيها من مخالفة لمذهب السلف.
22- مسألة تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر وشروط التوبة منها، ومسألة الكليات الست وهي حفظ الدين والنفس والمال والنسب والعقل والعرض، ومسألة حكم إنكار ما عُلم من الدين بالضرورة وكذلك حكم نفي المجمع عليه وهو موافق لأهل السنة
23- مسألة حكم تنصيب الإمام والخليفة وأنه واجب على الأمة وأنه من فروض الكفايات رداً على بعض الخوارج الذين نفوا وجوب تنصيب إمام وذكر شروط الإمام، وما ذكره اللقاني موافق لقول أهل السنة
24- ومسألة حكم الخروج على الحاكم وعزله قال إن طاعة الأمير واجبة ورد على الخوارج الذين قالوا بوجوب منازعة الإمام الجائر، وكلام اللقاني موافق لقول أهل السنة إلا إنه جعل هذه المسألة ليست من مسائل العقيدة وذكر الرديعان متي تلحق العقيدة ومتي لا يطاع الأمير ومتى يخرج عليه.
25- مسألة حكم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه فرض كفاية وذكر شروطه، وهو موافق فيها لمذهب السلف.
26- مسألة الأمر باتباع السلف الصالح، وقد ذكر فيها تقسيم العز بن عبد السلام للبدعة إلى الأحكام الخمسة وخالفه فيه.
ثم ذكر الخاتمة ونتائج هذا البحث .
]]>قراءة في كتاب (عيوب النفس لأبي عبد الرحمن السلمي)
كتبه/ أم حبيبة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله غليه وسلم.. أما بعد
اسم المؤلف: محمد بن النيسابوري، أبو عبد الرحمن السلمي (ت: 412هـ).
وصف الكتاب: 60 صفحة تقريبا من القطع الصغير.
عرض مضمون الكتاب:
يتحدث هذا الكتاب عن أهم عيوب النفس الإنسانية وكيفية علاجها ومداوتها -على صغر حجمه، وتناول ذلك كالتالي:
من عيوب النفس توهم النجاة:
أنه يتوهم أنه على باب نجاته يقرع الباب بفنون الأذكار والطاعات والباب مفتوح.
فكيف ينجو العبد من عيوب نفسه وهو الذي أطلق لها الشهوات أم كيف ينجو من اتباع الهوى وهو لا ينزجر عن المخالفات.
ومن عيوبها إذا بكت تفرجت واستروحت ومداواتها ملازمة الكمد مع البكاء حتى لا يفزع إلى الاسترواح فهو أن يبكي في الحزن ذلًّا ولا يبكي من الحزن يستروح من بكائه.
من عيوب النفس استكشاف الضر ممن لا يملكه:
ومداواته الرجوع إلى صحة الإيمان بما أخبر الله في كتابه (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6] فإذا نظر إلى ضعف الخلق وعجزهم فيعلم أن من يكون عاجزا لا يمكنه ان يصلح أسباب غيره..
من عيوب النفس الفتور في الطاعة:
والخلاص من ذلك داوم الالتجاء إلى الله تعالى وملازمة ذكره وقراءة كتابه والبحث عن مطمعه، وتعظيم حرمة المسلمين، وسؤال أولياء الله الدعاء له.
من عيوب النفس فقدان لذة الطاعة وذلك من سقم القلب وخيانة السر:
ومداواتها مطالبة النفس بالإخلاص وملازمة السنة في الأفعال وتصحيح مبادئ أموره يصح له منتهاها.
ومن ومداواتها أكل الحلال ومداومة الذكر وخدمة الصالحين والدنو منهم والتضرع إلى الله تعالى في ذلك ليمن على قلبه بالصحة بزوال ظلمات الأسقام.
ومن عيوبها أن يرجو لنفسه الخير في حصول مشاهد الخير.
ومداواتها أن يعلم أن الله وإن غفر له ذنوبه فقد رآه مرتكبا على الخطايا والمخالفات يستحيى من ذلك ويسيء بنفسه الظن.
ومن عيوبها أنك لا تحييها حتى تميتها أي لا تحييها للآخرة حتى تميتها عن الدنيا.
ومداواتها السهر والجوع والظمأ وركوب مخالفة الطبع والنفس ومنعها عن الشهوات.
ومن عيوبها أنها لا تألف الحق أبدا والطاعة خلاف سجيتها وطبعها ويتولد أكثر ذلك من متابعة الهوى واتباع الشهوات.
ومداواتها الخروج منها بالكلية إلى ربها.
النفس تألف الخواطر الرديئة:
ومداواتها رد تلك الخواطر في الابتداء لئلا تستحكم وذلك بالذكر الدائم وملازمة الخوف أن الله يعلم ما في سرك.
من عيوب النفس الغفلة والتواني:
ومداواتها بجواب الجنيد لما سئل كيف السبيل إلى الانقطاع إلى الله فقال: بتوبة تحل الإصرار وخوف يزيل التسويف ورجاء يبعث على قصد مسالك العمل وذكر الله على اختلاف الأوقات وإهانة النفس بقربها من الأجل وبعدها عن الأمل.
قيل فبم يصل العبد إلى هذا؟ فقال: بقلب مفرد فيه توحيد مجرد.
ومن عيوبها رؤيتها الشفقة عليها:
ومداواتها رؤية فضل الله عليه في جميع الأحوال يسقط عنه رؤية النفس.
من عيوب النفس الاشتغال بعيوب الناس:
ومداواتها في محبة الصالحين والائتمار بأوامرهم وأقل ما فيه إذا لم يعمل في مداواة عيوب نفسه أن يسكت عن عيوب الناس.
الاشتغال بتزيين الظاهر:
ومداواتها الاشتغال بحفظ الأسرار ليزين أنوار باطنه أفعال ظاهره.
ومن عيوبها طلب العوض على أعمالها.
ومداواتها رؤية تقصيره في عمله وقلة إخلاصه.
من عيوب النفس الكسل:
وهو ميراث الشبع فإن النفس إذا شبعت قويت فإذا قويت أخذت بحظها وغلبت القلب بوصلها إلى حظها.
ومداواتها التجويع فإنها إذا جاعت عدمت حظها وضعفت فغلب عليها القلب فإذا غلب عليها حملها على الطاعة وأسقط عنها الكسل.
طلب الرئاسة بالعلم والتكبر:
ومداواتها رؤية منة الله عليه في أن جعله وعاء لأحكامه ورؤية تقصير شكره من نعمة الله عليه بالعلم والحكمة والتزام التواضع.
ومن عيوبها أنها رضيت مدحت الراضي وإذا غضبت ذمته. وسرورها ومدحها وطلبها الراحة وتلك من نتائج الغفلة
ومداواتها: رياضة النفس على الصدق والحق، والتيقظ لما بين يديها وعلمها بتقصيرها.
ومن عيوبها أنها تستخير الله تعالى في أفعالها ثم تسخط فيما يختار لها.
ومداواتها أن يعلم أنه يعلم من الأشياء ظواهرها والله يعلم سواء علنها وحقائقها.
كثرة التمني: هو الاعتراض على الله تعالى في قضائه وقدره.
ومداواتها أن يعلم أنه لا يدري ما يعقب التمني أيجره إلى خير أم شر.
الخوض في أسباب الدنيا:
ومداواتها الاشتغال بالفكر الدائم في كل أوقاته.
ومن عيوبها إظهار طاعاتها ومحبة أن يعلم الناس منه ذلك.
ومداواتها أن يعلم أنه ليس إلى الخلق نفعه ولا ضره ويجتهد في مطالبة نفسه بالإخلاص.
من عيوب النفس الطمع:
ومداواتها أن طمعه يدخله في الرياء وينسيه حلاوة العبادة.
ومن عيوبها حرصها على عمارة الدنيا والتكثر منها.
ومداواتها أن يعلم أن الدنيا ليست بدار قرار وأن الآخرة دار مقر.
ومن عيوبها استحسان ما ترتكبه من الأمور واستقباح أفعال من يرتكبها أو يخالفه.
ومداواتها اتهام النفس لأنها أمارة بالسوء وحسن الظن بالخلق.
ومن عيوبها الشفقة على النفس والقيام بتعهدها.
ومداواتها الإعراض عنها وقلة الاشتغال بها.
من عيوب النفس الانتقام لها:
ومداواتها عداوتها وبغضها ومحبة الدين والغضب لارتكاب المناهي.
ومن عيوبها اشتغالها بالإصلاح الظاهر لزينة الناس وغفلته عن إصلاح الباطن الذي هو موضع نظر الله عز وجل.
ومداواتها أن يتيقن أن الخلق لا يكرمونه إلا بمقدار ما جعل الله له في قلوبهم ويعلم أن باطنه موضع نظر الله.
الاهتمام بالرزق:
ومداواتها أن يعلم أن الله الذي خلقه ضمن له كفاية رزقه.
ومن عيوبها حبها للكلام على الناس والخوض في ففايق العلوم.
ومداواتها العمل بما يعلم وأن يعظ الناس بفعله لا بقوله.
من عيوب النفس كثرة الذنوب:
ومداواتها كثرة الاستغفار والتوبة في كل نفس ومداومة الصيام والتهجد بالليل وخدمة أهل الخير ومجالسة الصالحين وحضور مجالس الذكر.
ومن عيوبها اتباعها هواها وموافقة رضاها وارتكاب مراداتها.
ومداواتها ما أمر الله به من قوله تعالى (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) [النازعات: 40].
ومن عيوبها ميلها إلى معاشرة الأقران وصحبة الإخوان.
ومداواتها أن يعلم ان الصاحب له مفارق والمعاشرة منقطعة.
من عيوب النفس الأنس بالطاعة:
ومداواتها أن تعلم أفعالها وإن أخلصتها فهي معلومة بأن أفعالها لا تخلو من العلل.
ومن عيوبها إماتتها النفس باتباع الهوى والشهوات.
ومداواتها منعها من مراداتها وحملها على المكاره ومخالفاتها فيما تطلب
الأمن من مكر الشيطان.
ومداواتها تصحيح العبودية بشرائطه والتضرع إلى الله في أن يمن عليه بذلك.
ومن عيوبها الترسم برسم الصلاح من غير مطالبة القلب بالإخلاص.
ومداواتها ترك الخشوع الظاهر إلا بقدر ما يرى من خشوع الباطن في قلبه وسره.
من عيوب النفس قلة الاعتبار:
ومن عيوبها الاغترار بما يراه من إمهال الله إياه في ذنوبه.
ومداواتها دوام الخشية وأن يعلم أن ذلك الإمهال ليس بإهمال.
ومن عيوبها محبتها لإفشاء عيوب إخوانه وأصحابه.
ومداواتها أن يرجع في ذلك إلى نفسه فيحب للناس ما يحب لنفسه.
ومن عيوبها ترك الاستزاده في نفسه في أفعاله وأقواله عن الاقتداء بالسلف.
ومن عيوبها تحقير المسلمين والترفع والتكبر عليهم.
ومداواتها الرجوع إلى التواضع واعتماد حرمة المسلمين.
ومن عيوبها الكسل والقعود عن الأمر.
ومداواتها أنه يعلم أنه مأمور من جهة الحق ليحمله فرح ذلك على النشاط.
تضييع الأوقات فيما لا يعنيه:
ومن عيوبها تضييع أوقاته بالاشتغال بما لا يعنيه من أمور الدنيا.
ومداواتها أن يعلم أن وقته أعز الأشياء عليه فيشغله بأعز الأشياء وهو ذكر الله والمداومة على طاعته.
من عيوب النفس الغضب والكذب:
ومن عيوبها الغضب
ومداواتها حمل النفس على الرضا بالقضاء.
ومن عيوبها الكذب
ومداواتها ترك الاشتغال برضا الخلق وسخطهم.
من عيوب النفس الشح والبخل وهما نتائج حب الدنيا.
ومداواتها أن يعلم أن الدنيا قليلة وإنها فانية.
ومن عيوبها بُعد أملها.
ومداواتها تقريب الأجل.
ومن عيوبها الاغترار بالمدائح الباطلة.
ومداواتها ألا يغره كلام الناس مع ما يعرفه بنفسه.
ومن عيوبها الحرص.
ومداواتها أن يعلم أنه لا يستجلب بحرصه زيادة ما قدر الله من رزقه.
ومن عيوبها الحسد:
ومداواتها أن يعلم الحسد عدو نعمة الله.
ومن عيوبها الإصرار على الذنب مع تمني الرحمة ورجاء المغفرة.
ومداواتها أن يعلم أن الله أوجب مغفرته لمن لا يصر على الذنب.
ومن عيوبها لا تجيب إلى طاعة الله طوعا.
ومداواتها بالجوع والعطش والتقطع في الأسفار والحمل على المكاره.
ومن عيوبها حرصها على الجمع والمنع.
ومداواتها أن يعلم انبهام عمره وقرب أجله فيجمع على قدر نفسه ويمنع بقدر حياته.
ومن عيوبها صحبتها مع المخالفين والمعارضين عن الحق.
ومداواتها الرجوع إلى صحبة الموافقين والمقبولين عند الله تعالى.
ومن عيوبها الغفلة
ومداواتها أن يعلم أنه ليس بمغفول عنه.
ومن عيوبها ترك الكسب والقعود عنه.
ومداواتها أن يلزم الكسب.
ومن عيوبها استعظام ما تعطي وما تبذل.
ومداواتها أن يعلم أنه يوصل إليهم أرزاقهم وأن الرازق هو الله.
ومن عيوبها إظهار الفقر مع الكفاية ومداواتها إظهار الكفاية مع القلة.
ومن عيوبها رؤية فضله على إخوانه وأقرانه.
ومداواتها العلم بنفسه.
ومن عيوبها حمل النفس ما يستجلب لها الفرح.
ومداواتها أن الله يبغض الفرحين.
ومن عيوبها أن يكون في محل الشكر وهو يظن أنه في مقام الصبر.
ومداواتها رؤية نعم الله في جميع الأحوال.
ومن عيوبها تناول الرخيص بالشبهات.
ومداواتها اجتناب الشبهات.
ومن عيوبها الإفضاء على نفسه في عثرة تقع به.
وترك مداواتها في الوقت بدواية حتى تعتاد النفس ذلك فتسقط من درجة الإزادة.
ومن عيوبها الاغترار بالكرامات.
ومداواتها أن يعلم أن أكثرها اغترارات واستدراج.
ومن عيوبها محبة مجالسة الأغنياء.
ومداواتها مجالسة الفقراء والعلم بأنه لا يصل إليه مما في أيديهم إلا مقدار ما قدره الله له.
]]>قراءة في كتاب: الوابل الصيب من الكلم الطيب.
كتبه/ محمود الشرقاوي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد فإنّ هذا الكتاب من أنفع الكتب في تهذيب النفوس، واستثارتها لدوام ذكر الله تعالي
(الوابل الصيب من الكلم الطيب) والوابل هو المطر الشديد كثير القطر، وكذا الصيّب معناه المطر أو السحاب المنصب، والكلم الطيب هو معناه الكلام الحسن الجيد الذي لا كراهة فيه وأعلاه ذكر الله، كأنه أراد أن يقول إنني سأذكر لك كلاماً حسناً طيباً لا كراهة فيه، لأنه من كلام الله وكلام سيد المرسلين، وهذا الكلام كالغيث والمطر النافع النازل من السماء فينتفع به الناس شاربين وزارعين وساقين أنعامهم. وكما أن المطر الصيب به حياة الارض والنبات والحيوان والإنسان
كذلك الذكر والقراّن بهما حياة القلوب والأرواح فأدرك أيها المؤمن ذلك فاعمل ما يحصل به الحياة الحقيقة لقلبك وروحك.
المؤلف: الإمام محمد بن أبي بكر بن أيوب، ابن قيِّم الجوزية (691 - 751هـ) رحمه الله.
قال عنه الحافظ بن رجب رحمه الله: وكان رحمه الله ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشغف بالمحبة، والإِنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله، والانكسار له، والاطِّراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علمًا، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أرَ في معناه مثله.
أهمية الكتاب:
الكتاب رسالة بعث بها ابن القيم إلى بعض إخوانه، ويدور موضوعه على بيان فضل ذكر الله - عز وجل - وعظيم أثره وفائدته، وجليل مكانته ومنزلته، ورفيع مقامه ودرجته، وجزيل الثواب المعد لأهله، المتصفين به، في الاخرة والأولى. وما أحوج الأمة الآن لمثل هذا الكتاب الذي يحي القلوب والنفوس بذكر الله ويحببها فيه وخاصة هذه الأيام وقد امتلأت القلوب بالهموم والغموم والأحزان والضيق وانتشرت الفتن والمعاصي وهمزات وخطوات الشياطين مع ضعف الإيمان وزعزعة النفوس وفما أحوجنا لحصن نتحصن به من عدونا ونجدد به الإيمان في قلوبنا ويقربنا من ربنا
نبذة عن الكتاب:
• بدأ ابن القيم في كتابه بقوله: السعادة بثلاث: شكر النعمة، والصبر على البلاء، والتوبة من الذنب.
*فذكر أركان الشكر والصبر وأن العبد عليه عبودية الشكر في السراء والصبر في الضراء وفصَّل ذلك.
* وذكر أن العبد قد ابتلي بالغفلة والشهوة والغضب لذلك يعصي لكن إذا أراد الله بعبده خيراً فتح له أبواب التوبة فيتوب الله عليه، وتحدث عن التوبة
*ثم تحدث عن استقامة القلب بشيئين:
أ-تقديم محبة الله تعالى على كل شيء ب- تعظيم الأمر والنهي؛ الذي هو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي.
*وتكلم عن الأمر بتعظيم أركانه وواجباته وكماله، وتكلم عن النهي ومحبطات الأعمال ومفسداتها ودلائل تعظيم الأمر والنهي وضرب مثل بالصلاة.
• ثم ذكر الحديث الذي بَني عليه كتابه وهو حديث الحارث الاشعري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال «إن الله سبحانه وتعالى أمر يحي بن زكريا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعلموا بها، وأنه كاد أن يبطئ بها، فقال له عيسى عليه السلام: إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحي: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي وأعذب.
فجمع يحي الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وقعد على الشرف، فقال: إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن وآمركم أن تعملوا بهن: أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وإن من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق فقال: هذه داري وهذا عملي، فاعمل وأد إلي. فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده. فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يكن يلتفت. وأمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك كلهم يعجب أو يعجبه ريحه، وأن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك.
وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وأمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى. قال النبي صلي الله عليه وسلم وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة. فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع.
ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ قال وإن صلى وصام فادعوا بدعوا الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، فقد ذكر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث العظيم الشأن ـ الذي ينبغي لكل مسلم حفظه وتعقله ـ ما ينجي من الشيطان وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه
* وذكر أن دواوين الظلم عند الله ثلاثة ديوان: ديوان لا يغفر الله منه شيئاً؛ وهو الشرك. وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وهو ظلم العباد بعضهم بعضاً، فإن الله تعالى يستوفيه كله. وديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه عز وجل وتحدث عن الشرك والظلم
*ثم ذكر أن الناس في الصلاة على مراتب خمسة
• ثم ذكر قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث «وأمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا» فذكر أنواع الالتفات في الصلاة وبيَّن أن الناس في الصلاة على مراتب خمسة وفصَّل ذلك
ثم ذكر أن القلوب ثلاثة:
أ- قلب خال من الإيمان وجميع الخير.
ب-قلب قد استنار بنور الإيمان لكن عليه ظلمة الشهوات
ج- قلب محشو بالإيمان، قد استنار بنور الإيمان
• ثم عاد إلى شرح حديث الحارث الذي فيه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وأمركم بالصيام» فتكلم عن فضائل الصيام ودرجاته
• ثم عاد إلى شرح حديث الحارث الذي فيه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وأمركم بالصدقة» فتكلم عن فضائل الصدقة والفرق بين الشح والبخل وحد السخاء وأنواعه
• ثم عاد إلى شرح حديث الحارث الذي فيه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وأمركم أن تذكروا الله تعالى» وهذا الجزء من الحديث الذي قام عليه أصل الكتاب ولبه فذكر جملة أحاديث في فضل الذكر وبيَّن أن الغفلة سبب الصدأ المتراكب على القلب
• ثم قال ابن القيم أن في الذكر أكثر من مائة فائدة:
1- أنه يطرد الشيطان ويقمعه.
2- أنه يرضي الرحمن عز وجل.
3- أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
4- أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط.
5- أنه يقوى القلب والبدن.
6- أنه ينور الوجه والقلب.
7- أنه يجلب الرزق.
8- أنه يكسو الذاكر المهابة والنضرة.
9- أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام.
10- أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الاحسان، فيعبد الله كأنه يراه.
11- أنه يورثه الإنابة وهي الرجوع إلى الله.
12- أنه يورثه القرب منه، فعلى قدر ذكره لله يكون قربه منه.
13- أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة.
14- أنه يورثه الهيبة لربه - عز وجل - وإجلاله، بخلاف الغافل فإن حجاب الهيبة رقيق في قلبه.
15- أنه يورثه ذكر الله تعالى له، قال الله: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً.
16- أنه يورثه حياة القلب.
17- أنه قوت القلب والروح.
18- أنه يورث جلاء القلب من صدئه.
19- أنه يحط الخطايا ويذهبها.
20- أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه.
21- أن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن.
22- أن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشده.
23- أنه ينجي من عذاب الله تعالى.
24- أنه سبب تنزيل السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة.
25- أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل.
26- أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو مجالس الشياطين.
27- أنه يسعد الذاكر بذكره ويسعد به جليسه، وهذا هو المبارك أينما كان.
28- أنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة.
29- أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه.
30- أن الاشتعال به سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين.
31- أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها.
32- أنه غراس الجنة.
33- أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال.
34- أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده.
35- أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط.
36- لما كان الذكر متيسراً للعبد في جميع الأوقات والأحوال فإن الذاكر وهو مستلق على فراشه يسبق القائم الغافل.
37- الذكر يفتح باب الدخول إلى الله عز وجل، فإذا فتح الباب ووجد الذاكر ربه فقد وجد كل شيء.
38- في القلب خلة وفاقة لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله.
39- أن الذكر يجمع المتفرق ويفرق المجتمع، ويقرب البعيد ويبعد القريب، فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته وهمومه وعزومه، ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم والأحزان والحسرات، ويفرق أيضاً ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره حتى تتساقط عنه وتتلاشى وتضمحل، ويفرق أيضاً ما اجتمع على حربه من جند الشيطان.
40- أن الذكر ينبه القلب من نومه، ويوقظه من سنته.
41- أن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال.
42- أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية الخاصة بالقرب والولاية والمحبة النصرة والتوفيق.
43- أن الذكر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل، والضرب بالسيف في سبيل - لله عز وجل.
44- أن الذكر رأس الشكر.
45- أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكر الله. 46- أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى.
47- أن الذكر شفاء القلب ودواؤه.
48- الذكر موالاة الله، والغفلة معاداته، العبد لا يزال يذكر ربه حتى فيواليه، ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه فيعاديه.
49- أنه ما استجلبت نعم الله- عز وجل - واستدفعت نقمة بمثل ذكر الله تعالى.
50- أن الذكر يوجب صلاة الله وملائكته على الذاكر، ومن صلى الله عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح وفاز كل الفوز.
51- أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليجلس في مجالس الذكر.
52- أن مجالس الذكر مجالس الملائكة.
53- أن الله - عز وجل - يباهي بالذاكرين ملائكته.
54- من داوم على الذكر دخل الجنة مستبشراً فرحاً بما أنعم الله عليه.
55- الذاكر يحقق الغاية التي من أجلها شرعت الأعمال كالصلاة ونحوها، قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾.
56- إكثار الذكر في الأعمال يجعل الذاكر أفضل أهل ذلك العمل، فأفضل الصُّوَّام أكثرهم ذكراً لله... وهكذا.
57- الذكر تنوب عن التطوع ممن لا يقدر عليها سواء بدني كالجهاد، أو مالي كالصدقة، أو بدني مالي كحج التطوع.
58- ذكر الله من أكبر العون على طاعته – عز وجل - فإنه يحببها للعبد، ويسهلها عليه، ويجعل قرة عينه فيها.
59- أن ذكر الله - عز وجل - يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق. فما ذكر الله عز وجل على صعب إلا هان، ولا على عسير إلا تيسر، ولا مشقة إلا خفت، ولا شدة إلا زالت، ولا كربة إلا انفرجت.
60- أن ذكر الله - عز وجل - يذهب عن القلب مخاوفه كلها، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله.
61- الذكر يعطي الذاكر قوة عظيمة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه.
62- الذاكرون هم السابقون يوم القيامة.
63- الذكر سبب لتصديق الرب عبده، ومن صدقه الله لم يحشر مع الكاذبين، ورجي له أن يحشر مع الصادقين.
64- الملائكة تبني للذاكر دوراً في الجنة ما دام يذكر، فإذا أمسك عن الذكر، أمسكت الملائكة عن البناء.
65- الذكر سد بين العبد وبين جهنم فإذا كان ذكراً دائماً محكماً، كان سداً محكماً لا منفذ فيه، وإلا فبحسبه.
66- الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب.
67- بالذاكرين تتباهى الجبال والقفار وتستبشر بمن عليها من الذاكرين.
68- كثرة الذكر أمان من النفاق، فإن المنافقين قليلو الذكر لله قال الله تعالي: ﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾.
69- يحصِّل الذاكر من اللذة ما لا يحصُل لغيره، ولذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة.
70- يكسو الذكر صاحبه نضرة في الدنيا ونوراً في الآخرة.
71- في تكثير الذكر تكثير لشهود العبد يوم القيامة.
72- في الذكر اشتغال عن الكلام الباطل من الغيبة والنميمة واللغو ونحو ذلك من حيث إن اللسان لا يسكت البتة، وهو إما لسان ذاكر، وإما لسان لاغٍ، ولابد من أحدهما، والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
73- لا سبيل إلى تفريق جمع الشياطين التي تحوط بالإنسان إلا بذكر الله عز وجل. 74- الذكر يجعل الدعاء مستجاباً.
• ثم قال لنذكر فصولاً نافعة تتعلق بالذكر تكميلاً للفائدة:
• الذكر نوعان:
أحدهما: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته والثناء عليه.
الثاني: من الذكر ذكر أمره ونهيه وأحكامه، ثم ذكر أن كل نوع ينقسم عدة أقسام تكلم عنها بالتفصيل وبيَّن أفضلها
• ثم ذكر الفصل الثاني أن الذكر أفضل من الدعاء وبيَّن ذلك
• ثم ذكر الفصل الثالث أن قراءة القرآن أفضل من الذكر، وأيهما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار؟ وبيَّن ذلك
• ثم شرع في ذكر الأذكار الموظفة والمقيدة التي يجب على المسلم المحافظة عليها فحري بالمسلم أن يحفظها ويحافظ عليها ومنها:
1- ذكر طرفي النهار.
2- أذكار النوم.
3- أذكار الانتباه من النوم.
4- أذكار الفزع في النوم والفكر.
5- أذكار من رأى رؤيا يكرهها أو يحبها.
6- أذكار الخروج من المنزل.
7- أذكار دخول المنزل.
8- أذكار دخول المسجد والخروج منه.
9- أذكار الأذان.
10- أذكار الاستفتاح.
11- ذكر الركوع والسجود.
12- أدعية الصلاة بعد التشهد.
13- الأذكار المشروعة بعد السلام وهو أدبار السجود.
14- ذكر التشهد.
15- ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
16- الاستخارة.
17- أذكار الكرب والغم والحزن والهم.
18- الأذكار الجالبة للرزق الدافع للضيق والأذى.
19- الذكر عند لقاء العدو ومن يخاف سلطانا وغيره.
20- الأذكار التي تطرد الشيطان.
21- الذكر الذي تحفظ به النعم وما يقال عند تجردها.
22- الذكر عند المصيبة.
23- الذكر الذي يدفع به الدين ويرجى قضاؤه.
24- الذكر الذي يرقى به من اللسعة واللدغة وغيرهما.
25- ذكر دخول المقابر.
26- ذكر الاستسقاء.
27- أذكار الرياح إذا هاجت.
28- الذكر عند الرعد.
29- الذكر عند نزول الغيث.
30- الذكر والدعاء عند زيادة المطر وكثرة المياه والخوف منها.
31- الذكر عند رؤية الهلال.
32- الذكر للصائم وعند فطره.
33- أذكار السفر.
34- ركوب الدابة والذكر عنده.
35- ذكر الرجوع من السفر.
36- الذكر على الدابة إذا استصعبت.
37- الدابة إذا انفلتت وما يذكر عند ذلك.
38- الذكر عند القرية أو البلدة إذا أراد دخولها.
39- ذكر المنزل يريد نزوله.
40- ذكر الطعام والشراب.
41- ذكر الضيف إذا نزل بقوم.
42- السلام.
43-الذكر عند العطاس.
44- ذكر النكاح والتهنئة به والدخول بالزوجة.
45- الذكر عند الولادة والذكر المتعلق بالولد.
46- صياح الديكة والنهيق والنباح.
47- الذكر يطفأ به الحريق.
48- كفارة المجلس.
49- فيما يقال ويفعل عند الغضب.
50- فيما يقال عند رؤية أهل البلاء.
51-ذكر دخول السوق.
52- الرجل إذا خدرت رجله.
53- الدابة إذا عثرت.
54- من أهدى هدية أو تصدق بصدقة فدعا له، ماذا يقول؟
55- من أميط عنه أذى.
56- رؤية باكورة الثمرة.
57- الشيء يراه ويعجبه ويخاف عليه العين.
58- الفأل والطيرة.
59- الحمام.
60-الذكر عند دخول الخلاء والخروج منه.
61-الذكر عند الوضوء.
62-الذكر بعد الفراغ من الوضوء.
63- ذكر صلاة الجنازة.
64- الذاكر إذا قال هجرا أو جرى على لسانه ما يسخط ربه عز وجل.
65- ما يقول من اغتاب أخاه المسلم.
66- ما يقال ويفعل عند كسوف الشمس وخسوف القمر.
67- ما يقول من ضاع له شيء ويدعو به.
68- عقد التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة.
69- أحب الكلام إلى الله عز وجل بعد القرآن.
70- في الذكر المضاعف.
71- ما يقال لمن حصل له وحشة.
72- الذكر الذي يقوله أو يقال له إذا لبس ثوبا جديدا.
73- ما يقال عند رؤية الفجر.
73- في التسليم للقضاء والقدر، بعد بذل الجهد في تعاطي ما أمر به من الأسباب.
• ثم ختم كتابه بجوامع أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذاته التي لا غنى للمرء عنها.
اللهم أجعل ألسنتنا رطبة بذكرك.. وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك إنَّك ولي ذلك والقادر عليه وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
]]>قراءة في كتاب: الصكوك .. أحكامها وإشكالاتها
كتبه: وحيد قطب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ♀:
عنوان الكتاب: الصكوك – أحكامها وإشكالاتها – دراسة شرعية نقدية.
مؤلف الكتاب: د/ فهد بن بادي المرشدي.
موضوع الكتاب: صورة من صور إدارة السيولة (النقد) في المصارف الإسلامية، وهي الصكوك، وقد اشتملت هذه الدراسة على بيان ماهية الصكوك، وعملية التصكيك، والضوابط والمعايير الشرعية لإصدار وتداول الصكوك، والإشكالات الشرعية الموجودة في الصكوك...
أهمية الكتاب: يتناول الكتاب صورة من صور التعاملات البنكية، وهي صورة الصكوك كبديل للسندات، مع بيان حكمها وإشكالاتها، مع الإشارة إلى الصور المشابهة، وقد اعتمد الباحث طريقة الجمع والاستقراء مما كتب في الموضوع من أبحاث مع ترتيبها وتهذيبها، وخصوصًا قرارات المجامع الفقهية، والمجالس والهيئات الشرعية، والندوات الفقهية؛ كصورة من صور الاجتهاد الجماعي.
محتوى الكتاب:
المقدمة: وتشتمل على أهمية الصكوك.
وقد قسَّم هذا البحث إلى تمهيد ومباحث:
التمهيد: ويشتمل على مقدمة عامة عن الصكوك، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الصكوك والمصطلحات ذات الصلة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الصكوك.
وقد بين أن الصك: ورقة مكتوبة تثبت لحاملها حقًا في مال.
أو وثائق متساوية القيمة تمثل حصصًا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات، أو ..
فالصكوك أوراق مالية، محددة المدة، تمثل حصصًا شائعة في ملكية أعيان، أو منافع أو خدمات، ويشترك حملتها في الأرباح والخسائر، تصدر وفق شروط محددة، ووفق نشرة إصدار.
المطلب الثاني: المصطلحات ذات الصلة.
وذلك لبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بين مصطلح الصكوك والمصطلحات المشابهة له؛ لتحقيق التصور التام لمصطلح الصكوك.
أولًا: تمييز التصكيك عن الإصدار المباشر للأوراق المالية.
ثانيًا: مصطلح التوريق (تصكيك الديون)، وهو تحويل القروض (الديون) –الموثقة بضمانات أو رهونات- إلى أوراق مالية قابلة للتداول في سوق الأوراق المالية.
ثالثًا: السندات:
(1) السندات وحكمها.
والسند وثيقة إقراض بفائدة، ولذلك يعمل مالكها كمقرض، وهذا ما يدخلها في الربا الحرام، وهي قابلة للتسييل والاسترداد قبل استحقاقها، وبناء عليه فإن مخاطرها محدودة.
(2) الفرق بين صك الاستثمار الإسلامي والسند.
وخرج بنتيجة: أن الصكوك أوراق مالية جائزة شرعًا؛ بينما السندات أوراق مالية محرمة شرعًا.
رابعًا: الأسهم:
(1) تعريف السهم: ويعرف في القانون التجاري بأنه: صك يمثل حصة في رأس مال شركة المساهمة.
(2) الفرق بين الصكوك والأسهم؛
فقد رأى المصنف أن الصكوك تشترك مع الأسهم في:
(أ) كلاهما يمثل حصة شائعة في صافي موجودات الشركة أو المشروع....
(ب) يستحق مالك السهم والصك حصة في صافي ربح الشركة...
(ج) يقوم كل من الصك والسهم مقام الحصة الشائعة في صافي أصول الشركة في التسليم والقبض والحيازة.
(د) الصك والسهم ورقة مالية قيمتها الإسمية غير مضمونة على المصدر.
وتختلف الصكوك مع الأسهم في:
(أ) أن الصكوك في أغلب هياكلها أداة تمويل خارج الميزانية؛ بينما الأسهم حصة مشاعة في رأس مال الشركة....
(ب) الأسهم مشاركة دائمة في الشركة...، أما الصكوك فليست دائمة دوام الشركة المصدرة لها كالأسهم، بل إن لها أجل يجري تصفيتها فيه بالطرق المنصوص عليها في نشرة الإصدار...
(ج) الأسهم تقتصر على كونها حقوقًا للملكية على المشاع في موجودات شركة قانونية بعينها؛ أما الصكوك فهي وإن كانت حقوقًا على المشاع في موجودات، إلا أنها ليست مقصورة على موجودات شركة بعينها.
(د) أن هيكل إصدار الصكوك يجعل العائد عليها وثمنها في السوق أقل تقلبًا؛ فالصكوك ورقة مالية قليلة المخاطر، بينما الأسهم ورقة مالية عالية المخاطر.
(هـ) لحامل السهم نصيبه من أصول الشركة عند تصفيتها، وتسديد ما عليها من ديون، أما الصكوك فإنها مصممة بحيث تمكن حملتها من استرداد رأس مالهم، أو قريبًا منه عند انتهاء مدتها... ، فالصكوك ورقة مالية مؤقتة، لها تاريخ استحقاق (إطفاء)، بينما الأسهم ورقة مالية غير مؤقتة.
ثم تساءل المصنف: هل تستطيع الشركات الاقتصار على الأسهم مصدرًا للتمويل؟ وأجاب بالنفي شارحًا السبب.
المبحث الثاني: فوائد التصكيك.
رأى المصنف أن الدافع الأساسي للتصكيك هو: توفير السيولة لمالكي الأصول التي لا توجد لها سوق نشطة، وإيجاد وسيلة جذابة للمدخرين لاستثمار أموالهم.
المبحث الثالث: مراحل وأطراف التصكيك، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مراحل التصكيك، وهي:
أولًا: مرحلة إصدار التصكيك.
ثانيًا: مرحلة إدارة محفظة الصكوك.
ثالثًا: مرحلة إطفاء الصكوك.
المطلب الثاني: أطراف عملية التصكيك:
أولًا: أطراف أصلية: وهم: مُصْدِر الصك، وحملة الصكوك، ومدير الصكوك، وأمين الاستثمار.
ثانيًا: أطراف أخرى: (وهم الذين يتفق معهم لتأدية خدمات خاصة)، وهم مستشار الطرح، والمتعهد بتغطية الاكتتاب، ووكالات التصنيف العالمية.
وخلص أن الصكوك تتضمن مخاطر تقلبات الأسعار (أي: المخاطر السوقية)، وهذا عنصر اختلاف عن السندات.
الفصل الأول: الأحكام والضوابط الشرعية للصكوك.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الخصائص العامة للصكوك الإسلامية:
(1) لابد أن تمثل الصكوك حصص ملكية شائعة في الموجودات التي تصدر بها الصكوك.
(2) أن يعطى الصك حامله حصة من الربح معلومة وقت التعاقد.
(3) أن يتحمل حامل الصك مخاطر الاستثمار كاملة.
(4) أن تستثمر حصيلة الاكتتاب في أنشطة مباحة.
(5) الصكوك تصدر بفئات متساوية.
(6) استناد الصك على عقد شرعي.
(7) انتفاء ضمان المدير (المضارب أو الوكيل أو الشريك).
المبحث الثاني: أحكام تداول الصكوك، وفيه ثلاثة مطالب:
وفيه تناول المصنف:
أولًا: تداول الصكوك التي أصدرت مقابل موجودات معينة (أعيان- منافع- خدمات وحقوق) ليس فيها نقود أو ديون (كصكوك الإجارة).
ثانيًا: تداول الصكوك التي تشتمل موجوداتها على نقود أو ديون.
المطلب الأول: تداول الصكوك المشتملة على نقود محضة، ورأى أنه لا يجوز تداول الصكوك التي تشتمل موجوداتها على نقود محضة إلا بضوابط الصرف.
المطلب الثاني: تداول الصكوك المشتملة على ديون محضة، ورأى أنه لا يجوز تداول الصكوك التي تشتمل موجوداتها على نقود محضة إلا بضوابط تداول الديون.
المطلب الثالث: تداول الصكوك المشتملة على موجودات مختلفة، وفصل المصنف اختلاف الفقهاء في حكمها.
الفصل الثاني: الإشكالات الشرعية في الصكوك:
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الإشكالات الشرعية العامة في الصكوك، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: ملكية حملة الصكوك لموجوداتها.
المطلب الثاني: التوزيع الدوري على حملة الصكوك.
المطلب الثالث: ضمان استرداد رأس المال.
المطلب الرابع: اجتماع القرض مع المعاوضة.
المبحث الثاني: الإشكالات الشرعية في صكوك الإجارة، وفيه تمهيد وثلاثة مطالب:
التمهيد: صكوك الإجارة وأنواعها، وفيه ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى: صكوك ملكية الأعيان المؤجرة.
المسألة الثانية: صكوك ملكية المنافع.
المسألة الثالثة: صكوك ملكية الخدمات.
المطلب الأول: إصدار صكوك بملكية الأعيان المعينة المؤجرة إجارة منتهية بالتمليك على من اشتريت منه تلك الأعيان.
المطلب الثاني: استرداد صكوك الإجارة.
المطلب الثالث: ضمان المصدر لشركة التأمين.
المطلب الرابع: استبدال أصول صكوك الإجارة محل التصكيك.
الفصل الثالث: المعايير الشرعية للصكوك
وفيه مبحثان.
المبحث الأول: المعايير الشرعية العامة للصكوك.
المبحث الثاني: المعايير الشرعية لصكوك الإجارة، وفيه مطلبان.
المطلب الأول: المعايير العامة لصكوك الإجارة.
المطلب الثاني: المعايير الخاصة لصكوك الإجارة.
الفصل الرابع: دراسة تقويمية لبعض الصكوك المصدرة.
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: صكوك البحرين.
وتعتبر هذه الصكوك صيغة عملية لإصدار صكوك بملكية الأعيان المعينة المؤجرة إجارة منتهية بالتمليك على من اشتريت منه تلك الأعيان.
ونقل اختلاف أهل العلم في حكمها بين الجواز والمنع.
المبحث الثاني: صكوك الكهرباء.
وتقوم هذه الصكوك على تصكيك الحقوق المالية، والتي تعرف بأنها أوراق مالية تمثل حصصًا شائعة في ملكية حقوق تخول مالكها منافع، يصدرها المالك أو من ينيبه، بغرض بيعها واستيفاء ثمنها من حصيلة الاكتتاب، وبذلك تكون الحقوق والمنافع مملوكة لحملة الصكوك.
وقد اتخذت شركة الكهرباء خطوات تنفيذية لتصكيك هذه الحقوق.
المبحث الثالث: صكوك دار الأركان.
وتقوم دار الأركان ببيع أصول عقارية مملوكة لها إلى حملة الصكوك (ثمن البيع مبلغ الاكتتاب) تقوم باستئجارها منهم لمدة (5 سموات) بعقد إجارة يتضمن الوعد من المستأجر (دار الأركان) للمؤجر (حملة الصكوك) بأن تشتري منهم تلك الأصول عند نهاية عقد الإجارة بالقيمة الإسمية.
المبحث الرابع: صكوك آجل للخدمات المالية.
الخاتمة.
وتضمنت بعض هياكل الصكوك الشرعية المقترحة، وهي:
الهيكل الأول: إصدار صكوك بملكية أصول مؤجرة إجارة موصوفة في الذمة منتهية بالتمليك.
الهيكل الثاني: إصدار صكوك بملكية أعيان معينة مؤجرة إجارة تشغيلية على من اشتريت منه تلك الأعيان.
الهيكل الثالث: إصدار صكوك بملكية أصول معينة مؤجرة إجارة منتهية بالتمليك.
الهيكل الرابع: إصدار صكوك وكالة بالاستثمار.
نسأل الله العصمة من الزلل، والسداد في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين.
]]>قراءة في كتاب: الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإثنى عشرية، لمحب الدين الخطيب.
كتبه/ أم حبيبة
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أما بعد..
يتحدث هذا الكتاب عن أهم الأسس التي تميزت بها عقيدة الشيعة الإثنى عشرية وهو كتاب من القطع الصغير وعدد صفحاته ثمانون صفحة وملحق به تلخيص لما ورد في الكتاب على شكل مقارنة بين أهل السنة والشيعة.
وقد تحدث الشيخ في الكتاب عن موضوع التقريب بين السنة والشيعة وقدم بمقدمة عن التقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية.
فالتقريب بين المسلمين في تفكيرهم واقتناعاتهم وأهدافهم من أعظم مقاصد الشريعة ومن أهم وسائل القوة والنهوض والإصلاح.
ولتحقيق التقريب لابد أن يكون هناك تجاوب بين الطرفين المراد التقريب بينهما ولا يقتصر تحقيقه على جهة واحدة دون الأخرى.
وعرض الموضوع على هيئة نقاط متتابعة، من أهمها ما يأتي:
الفقه الإسلامي:
التشريع الفقهي عند أهل السنة قائم على غير الأسس التي يقوم عليها التشريع الفقهي عند الشيعة.
مسألة التقية:
عقيدة دينية، تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون وهي من أول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا، وبينهم.
الطعن في القرآن الكريم:
أما القرآن الذي كان ينبغي أن يكون المرجع الجامع لنا ولهم على التقارب نحو الوحدة، فإن أصول الدين عندهم قائمة من جذورها على تأويل آياته، وصرف معانيها إلى غير ما فهمه منها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كذبهم حتى على عليّ رضي الله عنه:
أنه لم يعلن في مدة خلافته على المسلمين هذا الثلث الساقط من القرآن في هذا الموضع منه، ولم يأمر المسلمين بإثباته والاهتداء بهديه والعمل به.
فرحة المبشِّرِين [المنصرين]:
وعند ظهور كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) وهو مشحون بالعشرات والمئات من أمثال هذه الأكاذيب على الله وصفوة خلقه- استبشر به المبشرون من أعداء الإسلام، وترجموه بلغاتهم.
وكل شيعي يقرأ كتاب الكافي، الذي هو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عندنا، يؤمن بهذا النص (عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله، كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده).
أما نحن أهل السنة فنقول: (إن الشيعة كذبوا ذلك على الباقر رحمه الله، بدليل أن علياً رضي الله عنه لم يكن يعمل في مدة خلافته وهو بالكوفة إلا بالمصحف الذي أنعم الله على أخيه عثمان رضي الله عنه بجمعه، وإذاعته في الأمصار إلى الآن، وإلى يوم القيامة، ولو كان عند علي مصحف غيره -وهو خليفة حاكم لا ينازعه أحد في نطاق حكمه- لعمل به، ولأمر المسلمين بتعميمه.
وكما كذبوا على الباقر كذبوا أيضا على ابنه جعفر الصادق ففي الكافي أيضا أنه قال: (إن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام... قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد).
وعندما كان الإمام أبو محمد ابن حزم يتناظر مع قس في نصوص كتبهم، ويقيم لهم الحجج على تحريفها، فكان أولئك القسس يحتجون عليه بأن الشيعة قرروا: أن القرآن أيضاً محرف؛ فأجابهم ابن حزم بأن دعوى الشيعة ليست حجة على القرآن، ولا على المسلمين لأن الشيعة غير مسلمين.
رأيهم في الحكام:
أصل مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية التي تسمى أيضا (الجعفرية) قائم على اعتبار جميع الحكومات الإسلامية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الساعة -عدا سنوات حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه- حكومات غير شرعية، ولا يجوز لشيعي أن يدين لهؤلاء بالولاء والإخلاص والحكام الشرعيون في دين الشيعة هم الأئمة الاثني عشر وحدهم.
الحقد على أبي بكر وعمر:
يلعن الشيعة أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وكل من تولى الحكم في الإسلام غير علي رضي الله عنه. وقد كذبوا على الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بأنه أقر شيعته على تسمية أبي بكر وعمر "الجبت" و"الطاغوت".
تعظيم قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
وسمَّوا قاتله أبا لؤلؤة المجوسي بـ"أبي شجاع الدين".
عقدة الحكم:
العقيدة التي يعتقدها الشيعة والتي يلقون الله عليها أن الحكام من أبى بكر وعمر وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم هم حكام متغلبون ظالمون من أهل النار لأنهم غير شرعيين ولا يستحقون من الشيعة الولاء والطاعة الصادقة والتعاون على الخير إلا بقدر ما تنتجه لهم عقيدة التقية.
من التشيع إلى الشيوعية:
والشيعة من أيام الدولة الصفوية إلى الآن متمسكون بهذه العقائد، وهم الآن إما مؤمنون بكل ذلك، أو متعلمون تعليمًا عصريا، انحرفوا به عن هذه الخرافات إلى الشيوعية.
عقيدة الرجعة:
هي احدى عقائد الشيعة الأساسية هي محاكمة حكام المسلمين على يد إمامهم الثاني عشر الذي يسمونه قائم آل محمد وفيها ان أبا بكر وعمر يصلبان يومئذ على شجرة وتكون تلك الشجرة رطبة قبل الصلب فتصير يابسة بعده.
تفكيرهم لم يتغير:
إن أعلام الشيعة وأحبارهم في جميع العصور واقفون هذا الموقف المخزي من صاحبي رسول الله ووزيريه أبي بكر وعمر.
الغيب للأئمة!!
وبينما يدّعون لأئمتهم الاثني عشر ما لا يدعيه هؤلاء الأئمة لأنفسهم من علم الغيب، وأنهم فوق البشرية فإنهم -أي الشيعة- ينكرون على النبي صلى الله عليه وسلم ما أوحى الله به إليه من أمر الغيب، كخلق السماوات والأرض وصفة الجنة والنار.
يريدون أن يحصروا مهمة الرسالة المحمدية في مسائل من الفروع الفقهية بينما هم يرفعون مرتبة أئمتهم في الأمور الغيبية فوق مرتبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
التملق والنفاق:
ومما لوحظ في جميع أدوار التاريخ أن أي حكومة إسلامية إذا كانت قوية وراسخة يتملقونها بألسنتهم عملاً بعقيدة "التقية" ليمتصوا خيراتها ويتبوؤا مراكزها فإذا ضعفت أو هوجمت من عدو انحازوا إلى صفوفه وانقلبوا عليها.
وأكبر مثال على ذلك خيانة النصير الطوسي، والعلقمي، وابن أبي الحديد.
الشيعة تخالف المسلمين في الأصول وليس فقط في الفروع:
إنه يمكن التفاهم والتقارب بين الفرق المتقاربة في الأصول، ويستحيل هذا التفاهم مع الشيعة الإمامية لأنها تخالف جميع المسلمين في أصولهم.
انشقاق النصيرية وحكاية السرداب:
اخترع أحد شياطين الشيعة وهو محمد بن نصير فكرة أن للحسن ولدا مخبوءا في سراديب بيت أبيه ليتمكن هو وزملائه من الاحتيال على عوام الشيعة وأغنيائهم وجمع الزكاة منهم باسم امام موجود ولما وقع خلاف بينه وبين أصحابه انفصل عنهم وأسس مذهب النصيرية المنسوب إليه.
ولاء المسلمين:
المسلمون يوالون كل مسلم صحيح الإيمان، ويدخل في ذلك صالحو آل البيت بغير حصر في عدد معين، وفي مقدمة صفوة المؤمنين العشرة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
ولو لم يكن للشيعة من أسباب التكفير إلا مخالفتهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء العشرة من أهل الجنة لكفى.
ويوالي المسلمون سائر الصحابة الذين قام الإسلام، والعالم الإسلامي على أكتافهم.
الحب والمودة بين الخلفاء الراشدين:
إن من محبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لإخوانه الثلاثة الخلفاء قبله، أن سمّى أبناءه بأسمائهم، فمن أولاده (أبو بكر) و(عمر) و(عثمان)، وزوّج ابنته أم كلثوم الكبرى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
لماذا نتبرأ منهم؟
إن الثمن الذي يطالبنا به الشيعة للتقريب منهم ثمن باهظ نخسر معه كل شيء ولا نأخذ به شيئًا.
إن الولاية، والبراءة التي قام على أساسها الدين الشيعي على ما قرره النصير الطوسي، وأيده نعمة الله الموسوي والخونساري لا معنى لها إلا تغيير دين الإسلام، والعداوة لمن قام على أكتافهم بنيان الإسلام.
انشقاق الإسماعيلية عنهم:
إن الإسماعيلية مثلهم، ويخالفون المسلمين في مثل ما تخالفهم فيه الشيعة الإمامية إلا في تعيين بعض أسماء أهل البيت الذين يوالونهم.
إن استحالة التقريب بين طوائف المسلمين وبين فرق الشيعة هي بسبب مخالفتهم لسائر المسلمين في الأصول كما اعترف به علمائهم.
فتنة البابية:
لما قامت فتنة "الباب" وادعى علي محمد الشيرازي أنه باب المهدي المنتظر، ثم ترقى به الأمر، وادعى أنه هو المهدي المنتظر، وصار له أتباع من الشيعة الإيرانيين اختارت الحكومة الإيرانية يومئذ أن تنفيه إلى أذربيجان لكونهم سنيين فيهم مناعة من الانحدار بهذه السخافات، ولم تقم بنفيه إلى بلد شيعي لأن من طبيعة المذهب الشيعي قبول أهله لهذه الأوهام.
]]>
كتبه/ محمود الشرقاوي.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإنّ هذا الكتاب الذي اشتهر بعنوان "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"، وطبع مرّات باسم "الداء والدواء"، من أنفع الكتب في تهذيب النفوس، واستثارتها للكفّ عن المعاصي والتوبة النصوح.
ترجمة المؤلف: بن قيِّم الجوزية (691 - 751هـ)
هو الإمام محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حرَيْزٍ الزُّرَعي، ثم الدمشقي الفقيه الأصولي، المفسر النحوي، العارف، شمس الدين أبو عبد الله بن قيِّم الجوزية، ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة.
تفقه في المذهب الحنبلي، وبرع وأفتى، ولازم شيخ الإسلام ابن تيمية وأخذ عنه، وتفنن في علوم الإِسلام، وكان عارفًا بالتفسير لا يجارى فيه، وبأصول الدين، وإليه فيهما المنتهى، والحديث ومعانيه وفقهه، ودقائق الاستنباط منه، وبالفقه وأصوله وبالعربية، وله فيها اليد الطولي، وتعلم الكلام والنحو وغير ذلك، وكان عالمًا بعلم السلوك،، له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولي.
قال عنه الحافظ بن رجب رحمه الله: وكان رحمه الله ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشغف بالمحبة، والإِنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله، والانكسار له، والاطِّراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علمًا، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أرَ في معناه مثله.
أهمية الكتاب:
إذا كان المجتمع الذي عاش فيه المؤلف رحمه الله بحاجة إلى هذا الكتاب - على ما فيه من تمسّك بالدين ومحافظة على الأخلاق والآداب- فإن مجتمعاتنا الآن إليه لأحوج، إذ صارت تمور بأسباب الفساد، بعد ما نجح الغواة في كثير من البلدان الإِسلامية في استدراج المرأة المسلمة تحت شعارات خادعة إلى نزع الحجاب والاختلاط بالرجال فصار المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا. ثم تفنّن إخوان الشياطين في إيجاد وسائل جديدة لإثارة الغرائز وإشاعة الفاحشة في الذين اَمنوا، فقد علموا أنّ الانحلال الخلقي هو أقرب طريق إلى تدمير الأمّة، فانتشرت المواقع الإباحية وصور العُري حتى أغروا الشباب والرجال والنساء من كافة الأعمار حتى وصل الأمر عند البعض للإدمان ونري بعض المؤسسات في دول الغرب ترفع وتدعم شعار اللواط والمثليين وتغزوا به بلاد الإسلام بلا استحياء والله المستعان على ما يدبرون، وهذا الكتاب في هذه الآونة فيه علاج لهذه الفتن.
نبذة عن الكتاب:
1- كان أصل هذا الكتاب استفتاء ورد على المؤلف، ابن القيم رحمه الله فسُئل عن رجل ابتُلي ببلية إن استمرّت به أفسدت دنياه واَخرته، وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق، فما تزداد إلاّ توقدًا وشدّةً.
وكان مرض هذا السائل هو مرض العشق.
2- قام ابن القيم رحمه الله بالتفصيل في الإجابة فلم يكتفِ بعلاج داء العشق فقط ولكنه تكلم عن خطورة المعاصي عموما.
3- فبدأ جوابه بأن الله تعالى أخبر عن القرآن أنه شفاء، ثم نبّه على أنّ الأذكار والآيات والأدعية التي يُستشفى بها هي في نفسها نافعة وشافية ولكن تستدعي قبول المحلّ وقوة همة الفاعل وتأثيره. ثم ذكر أسبابًا أخرى لتخلّف الشفاء، وذكر شروط قبول الدعاء، والآفات التي تحول دون قبول الدعاء.
4- ثم ذكر فصل في حسن الظنّ بالله تعالى مع الحذر من الاغترار به والفرق بين حسن الظن بالله والأماني.
5- ثم ذكر فصل في أضرار المعاصي واَثارها في حياة الأفراد والأمم وعقوباتها في الدنيا والآخرة، وأشار إلى أن المعصية هي التي أخرجت الأبوين من الجنة، كما أخرجت إبليس من ملكوت السماء.
6- ثم ذكر جملة من أضرار المعاصي على الفرد منها:
-أن المعاصي تزرع أمثالها.
- المعصية تضعف إرادة الخير.
-هوان العاصي على ربه.
- أنّ غيره من الناس والدوابّ يعود عليه شؤم ذنوبه.
- المعصية تورث الذل.
-المعاصي تفسد العقل.
-الذنوب تطبع على القلوب.
-الذنوب تُدخل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-الذنوب تطفئ الغيرة.
- المعاصي تذهب الحياء.
-المعاصي تضعف في القلب تعظيم الرب.
-المعاصي تُنسي الله.
-المعاصي تضعف القلب.
-المعاصي تزيل النعم.
-المعاصي تلقي الرعب والخوف في قلب العاصي.
-المعاصي تمرض القلوب.
-المعاصي تعمي البصيرة.
-المعاصي تصغر النفس.
-المعاصي تسقط الكرام.
-المعصية مجلبة للذم.
-المعصية تؤثر في العقل.
-المعاصي تمحق البركة.
-المعاصي تعمي القلب.
- أنّ العاصي دائمًا في أسْر شيطانه، وسجن شهواته.
- المعاصي تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة.
7- وذكر الثغور التي يدخل منها الشيطان للقلب فذكر ثغر العين والأذن، وذكر إذا غفل القلب عن الله تعالى وزيُّنت له الشهوات وسيطر عليه الغضب، تمكن منه الشيطان.
8- ثم عاد ابن القيم للكلام عن أضرار المعاصي على الفرد أنها تنسي العبد نفسه وأنها تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة وأن المعاصي مجلبة للهلاك.
9- ثم ذكر فصل في العقوبات الشرعية والحدود والتعزيرات على المعاصي، لتكون هذه رادعةً لمن لم يتعظ بتلك.
وقسم العقوبات الشرعية إلى ثلاثة أنواع: القتل، والقطع، والجلد؛ والعقوبات القدرية إلى نوعين: نوع على القلب، ونوع على البدن، وأورد طرفًا منها مرةً أخرى، ليستحضرها العبد، ويكفّ عن الذنوب.
10- ثم ذكر فصل أصل الذنوب، وأصلها نوعان: ترك مأمور، وفعل محظور، وهما الذنبان اللذان ابتلى الله سبحانه بهما أبوي الجن والإنس.
ثم قسمها إلى أربعة أقسام: الملكية والشيطانية والسبعية والبهيمية، ثم قسمها إلى كبائر وصغائر، وأن الذنوب الصغائر كلها تصير كبائر بالنظر إلى الجرأة على الله. وفصَّل ذلك.
وذكر بعض أنواع الشرك في الأفعال والأقوال والإرادات والنيات وفصّل القول في هذه المسألة ببيان أنواع الشرك وحقيقته وخصائص الإلهية، وكون الشرك أكبر الكبائر عند الله.
11- ثم ذكر بعض أنواع الظلم والعدوان وأشدها القتل وبَيَّن ما يتعلق به من حقوق وأن الزنى من أعظم المفاسد وهو مناف لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب وبَيَّن أن من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه وهي: اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخطوات. ثم شرح مفسدة الزنى وما اختصّ حدّه به من بين الحدود، ثم بيّن عظم مفسدة اللواط وشدة فحشها، وردّ على من جعل عقوبته دون عقوبة الزنى، وانجرّ الكلام إلى وطء الميتة والبهيمة والسحاق، ثم حكم التلوّط مع المملوك
12- ثم تكلم عن دواء الزني واللواط وهذا القسم هو أصل الجواب ومقصود السائل لأن داء العشق هو المؤدي لذلك.
وقد بين المؤلف في علاج العشق الاهتمام بأمرين:
أحدهما: حسم مادته قبل حصولها والثاني: قلعها بعد نزوله.
13- ثم ذكر الأمر الأول وهو حسم مادته قبل حصول هذا الداء، فأمران: الأول: غض البصر، وتكلم على منافع غض البصر
والثاني: منع تعلق القلب عن الوقوع في شَرَك العشق. وهو إما خوف مقلق أو حبّ مزعج. ثم تكلّم على الحبّ، وقال: لا يمكن أن يجتمع في القلب حب المحبوب الأعلى وعشق الصور، بل هما ضدّان لا يتلاقيان. والمحبة الصادقة تقتضي توحيد المحبوب، وأوضح أن أصل الشرك بالله هو الإشراك به في المحبة، وذكر مراتب المحبة، وأن العاقل يؤثر أعلى المحبة على أدناها، وأن أصل السعادة محبة الله وحده ومحبة ما يحبّه الله.
14- أما الطريق الثاني وهو قلع مادة العشق بعد نزولها، فبدأ الكلام عليه بأن هذا المرض إنما حكاه الله سبحانه عن طائفتين من الناس، وهما اللوطية والنساء.
15- فذكر الطائفة الأولى وهي النساء، ومثال ذلك حب امرأة العزيز ليوسف عليه السلام، وفصّل في توافر الدواعي القوية إلى الفاحشة في قصة يوسف، وكيف آثر يوسف عليه السلام مرضاة الله وخوفه، وحمله حبُّه لله على أن اختار السجن على ما دعته إليه امرأة العزيز.
16- ثم ذكر الطائفة الثانية، الذين حكى الله عنهم العشق: هم اللوطية قال وهذا داء أعيا الأطباء دواؤه، وعز عليهم شفاؤه، وهو والله الداء العضال، والسم القتال، الذي ما علق بقلب إلا وعز على الورى خلاصه من إساره، ولا اشتعلت ناره في مهجة إلا وصعب على الخلق تخليصها من ناره.
ثم ذكر أن عشق الصور أقسام، وأنه تارةً يكون كفرًا، كمن اتخذ معشوقه ندًّا يحبّه كما يحبّ الله، بل يُقدّم بعضهم رضا معشوقه على رضا ربّه، قال: "فهذا العشق الكفري الشركي لا يغفر لصاحبه. وهكذا حال أكثر عشّاق الصور إذا تأمّلته".
17- ثم بيّن علاج هذا الدّاء القتّال، وهو أن يعرف الإنسان أنّ ما ابتلي به هو مضادّ للتوحيد، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه، ويكثر اللجأ والتضرّع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه.
18- ثم بين مفاسد العشق الدينية والدنيوية، وأشار إلى ثلاثة مقامات للعاشق وما يجب عليه فيها. ثم كشف عما في العشق من صور الظلم والعدوان، وانتهى إلى أنه قد تضمن أنواع الظلم كلها.
19- ثم ذكر من يُلزمه بذكر فوائد العشق ومنافعه، وطائفة من قصص العشاق، وإعانة الصالحين إيَّاهم على بلوغ مآربهم. ثم ردّ عليه بأنّ العشق من حيث هو لا يحمد ولا يذمّ، وإنما يتبين حكمه بذكر ما يتعلّق به. فمنه النافع والضارّ والجائز والحرام. ثم ذكر أنّ أنفع المحبة على الإطلاق وأوجبها وأعلاها حبّ الله سبحانه، وأنّ أعظم لذّات الدنيا هي الموصلة إلى أعظم لذة في الآخرة.
20- ثم عقد فصلاً على أنّ محبّة الزوجات لا لوم فيها على المحبّ، بل هي من كماله. فنكاح المعشوقة هو دواء العشق الذي جعله الله دواءه شرعًا وقدرًا. ثم ذكر أنّ العشق ثلاثة أقسام:
أحدها: قربة وطاعة، وهو عشق الرجل امرأته.
والثاني: مقت من الله، وهو عشق المردان، وسمّاه "الداء الدويّ"، وذكر علاجه.
والثالث: عشق مباح لا يُملَك، كمن وُصفت له امرأة جميلة أو رآها فجأة من غير قصد، فأورثه ذلك عشقًا لها، ولم يُحدِث له ذلك العشق معصيةً. وذكر أن الأنفع له مدافعته والاشتغال بما هو أنفع له، ويجب عليه أن يكتم ويعف، ويصبر على بلواه. فيثيبه الله على ذلك، ويعوّضه على صبره لله، وعفّته، وتركه طاعة هواه، وايثار مرضاة الله وما عنده.
21- ثم ذكر حديث " من عشق فعف " ونقل أقوال أئمة الحديث بأنه حديث باطل لا ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه.
]]>كتبه/ أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،، وبعد.
عنوان الكتاب: التَّأويل خُطُورَتُهُ وَآثَارُهُ
المؤلف: الدكتور: عمر سليمان الأشقر (ت 1433هـ ).
الكتاب يقع في حوالي 75 صفحة من القطع الصغير، من مطبوعات دار النفائس.
أهمية الكتاب: ترجع أهمية الكتاب إلى موضوعه؛ وهو التأويل في الصفات ومدي خطورته وآثاره المدمرة، وإلى اختصاره وتبسيطه لهذه القضية من بين المطولات فيها، والكتاب مقتصر على هذا النوع من التأويل.
وقد تناول الكتاب هذا الموضوع في نقاط متتالية:
أولا: كلمة الافتتاح،وبين فيها المصنف خطورة التأويل، ومنها:
1- التأويل باب شرّ كبير، ولج منه الذين يردون هدم الإسلام، فما تركوا شيئاً إلا أولوه، ولولا حماية الله لهذا الدين لدرست معالمه وضاعت حدوده.
2- لقد أول الضالون الواجبات فصرفوها عن وجهها، وهونوها على أتباعهم رميها. وأولوا المحرمات تأويلاً جر إلى ارتكابها والولوغ فيها.
3- وأولوا نصوص عذاب القبر ونعيمه، والساعة وأهولها، والمعاد والحشر والميزان والجنة والنار بحيث فقدت النصوص تأثيرها في نفوس العباد.
4- وأولوا نصوص الصفات تأويلاً أضعف صلة العباد بربهم، وأفقد النصوص هيبتها.
واقتصرت الرسالة على التأويل في باب الأسماء والصفات؛ لأن هذا النوع من التأويل وهذه الفرية قد وجدت آذاناً صاغية عند جمع من أصحاب العقول من هذه الأمة، وجازت على أقوام أوتوا ذكاء ونباهة ورأيا.
ثانيا: دعوى باطلة.
وبين فيها أن الذين خالفوا منهج الكتاب والسنة أجهدوا أنفسهم في ليّ أعناق النصوص، ليصرفوها عن ظاهرها بشتى أنواع التمحلات، وسموا عملهم هذا تأويلاً، وهذا الذي جاءوا به باطل لا شك في بطلانه.
ثالثا: هذا ليس بتأويل، بل تحريف
وبين أن الذي يعرف التأويل عند العرب في كلامها، ويفقه معنى التأويل الذي جاءت به النصوص، والتأويل الذي عناه الأصوليون والفقهاء يعلم قطعاً أنما جاءوا به ليس تأويلاً، بل هو من تحريف الكلم عن مواضعه الذي ذمه القرآن وذم أهله.
رابعا: ذكر التأويل في لغة العرب وفي اصطلاح الشارع.
خامسا: اعتراض وجوابه
ذكر فيه اعتراضًا وهو: إن بعض معاجم اللغة العربية تذكر أن معنى التأويل هو صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به.
وأجاب عنه: أن معاجم اللغة العربية المتقدمة مما دون في القرن الرابع الهجري لم تشر إلى هذا المعنى الذي ذكروه مما يدل على أنه معنى اصطلاحي خاص بهم، فلا يجوز حمل ألفاظ القرآن عليه.
سادسا: المراد بالتأويل الذي يذم طالبه
التأويل الذي يذم طالبه هو البحث عن حقيقة ما أخبرنا الله به من الغيوب التي لا يستطيع العباد بعقولهم المجردة إدراك حقيقتها.
أما التأويل الذي يحمد طالبه فهو البحث عن تفسير الأسماء والصفات ومعرفة معانيها على الوجه الذي تعرفه العرب من كلامها.
سابعا: فقه آية آل عمران في ضوء ما سبق.
ثامنا: تناقض أهل التأويل.
بين أن الذين يوجبون تأويل ما أثبته الله لنفسه من الصفات، ويصرفونها عن ظاهرها يرون أن تأويل تلك النصوص لا يعلمه أحد إلا الله تبارك وتعالى. فكان الواجب عليهم أن يقولوا رضينا بالجهل بهذه النصوص سبيلا ولا نثبت ظاهرا ولا ننفيه ولا نؤوله.
ثم هم يتناقضون مرة أخرى عندما يصرفون هذه النصوص إلى نظير ما نفوه من معاني، فهم يؤولون يد الله بقدرته، فإذا كان هذا التأويل حقّا ممكنا كان المنفي مثله، وإن كان المنفي باطلا ممتنعا كان الثابت مثله.
تاسعا: هل الصفات من المتشابه.
الإحكام والتشابه قد يكون عامّا، فيوصف القرآن كله بالإحكام، كما يوصف كله بالتشابه، وقد يكون خاصا، فيكون بعض آيات الكتاب محكما وبعضها متشابها.
وأما التشابه العام ففي مثل قوله تعالى: الله نزل أحسن الحديث كتاب متشابها مثاني فأخبر أن القرآن كله متشابه.
ومعنى التشابه الذي يوصف به القرآن كله تماثل الكلام وتناسبه، بحيث يصدق بعضه بعضا.
ثم بين أن المراد بالتشابه الخاص مشابهة الشيء لغيره من وجه مع مخالفته له من وجه آخر، بحيث يشتبه على بعض الناس أنه هو، أو مثله، وليس كذلك.
والإحكام الخاص هو الفصل بينهما، بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر، وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك مع وجود الفاصل بينهما.
عاشرا: أجاب عن ادعاء أهل التأويل أنهم يسيرون على خطا علماء الأصول بوجوه:
الأول: أن هذا التعريف للتأويل تعريف اصطلاحي لجماعة من متأخري العلماء، وليس هو التأويل الذي ورد في الكتاب والسنة، كما سبق بيانه.
الثاني: أن كثيرا مما أوله من سلك سبيل التأويل نصوص لا يجوز تأويلها، فالمجاز والتأويل لا يدخل في المنصوص، وإنما يدخلان في الظاهر المحتمل له.
الثالث: أن تأويلهم للنصوص لا يرتضيه أهل الفقه والأصول، لأن هؤلاء وضعوا للتأويل شروطا، فإذا فقدت هذه الشروط كان هذا التأويل فاسدا.
الحادي عشر: الشروط التي يجب توافرها في التأويل عند الأصوليين.
أحدها: أن يكون ذلك المعنى المجازي مما يراد به اللفظ، لأن الكتاب والسنة وكلام السلف جاء باللسان العربي، ولا يجوز أن يراد منه خلاف لسان العرب، أو خلاف الألسنة كلها.
الثاني: أن يكون معه دليل يوجب صرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه.
الثالث: لا بدَّ أن يسلم ذلك الدليل -الصارف- عن المعارض، وذكر أمثلةً.
الرابع: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- إذا تكلم بكلام، وأراد به خلاف ظاهره وضد حقيقته، فلا بدَّ أن يبين لأمته أنه لم يرد به حقيقته، سواء عينه أو لم يعينه.
الثاني عشر: مثال تطبيقي للشروط السابقة.
قول المؤولة: المراد باليد النعمة والعطية:
إن قوله تعالى: لما خلقت بيدي لا يجوز أن يراد به القدرة، لأن القدرة صفة واحدة، ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد، ولا يجوز أن يراد به النعمة، لأن نعم الله لا تحصى، فلا يجوز أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية.
الثالث عشر: الأدلة على بطلان التأويل.
يزعم المؤولون أن الأدلة العقلية ألزمتهم بتأويل نصوص الصفات
والرد على هؤلاء من وجوه:
الأول: أن المعاني المحدثة المستحيلة على الله التي أرادوا صرف النصوص عن ظاهرها ليست هي ظاهر النصوص، بل الظاهر هو ما يسبق إلى العقل السليم من اللغة التي يفقهها من تكلم بها.
الثاني: أن نفي التشبيه لا يكون بنفي الصفات وتأويلها، وإنما يكون بإثبات هذه الصفات، مع نفي التشبيه، وهذا لا يحيله العقل ولا يرفضه.
الثالث: إن منهجهم هذا أدى إلى تحكيم العقل في النصوص، فكل من لم يرض عقله عقيدة أو حكماً أو تشريعاً جاءنا من عند الله قال: إن حكم العقل لا يقبله، ومن هنا وجب تأويله.
الرابع عشر: خطورة التأويل وآثاره المدمرة.
1- ن التأويل أصل خراب الدين والدنيا، فما اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل، ودماء المسلمين إنما أريقت بالتأويل.
2- أن التأويل فتح لأهل الشرك والبدع لإفساد دين الله.
3- التأويل يشوش القلوب.
الخامس عشر:مثال يبين خطورة التأويل
مثال طبيب ركَّب دواءً يحفظ صحة جميع الناس أو أكثرهم، فجاء رجل لم يلائم ذلك الدواء مزاجه لرداءة مزاج كان به، فزعم بعضهم أن تلك الأدوية التي ركب منها الدواء لم يرد بها ذلك الدواء. وإنما أراد بها دواءً آخر.
نسأل الله العصمة من الزلل، والسداد في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه.
]]>أعده/ وحيد قطب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
عنوان الكتاب:الأسهم - حكمها وآثارها، لـ(أ. د. صالح بن محمد بن سليمان السلطان).
موضوع الكتاب: من فقه المعاملات، مسألة حكم الأسهم في الشريعة الإسلامية، وما يتعلق به من آثار.
أهمية الكتاب: ترجع أهمية الكتاب إلى موضوعه؛ حيث إن مسائل المعاملات قد تشعبت صورها، وتداخلت أحكامها، واختلطت عند الكثير من المسلمين، مما زاد من حاجة المسلمين إلى تبين أحكامها وآثارها.
محتوى الكتاب:
المقدمة:بدأ الشيخ بمقدمة فيها أن الإسلام جاء تامًّا ومتكاملًا، بشرائعه وقيمه وأصوله، قائمًا برعاية أفراده، وصيانة حقوقهم، وبيانها جلية واضحة، ودعاهم إلى السعي في الأرض، وأمرهم بالعمل والأكل من الطيبات، وحذَّرهم من الحرام، وأمرهم بالاستثمار، وحدده بالحلال، وترك للعباد تعيين طرق هذا الاستثمار بناء على هذا الأصل، وجريا على قواعده؛ فتنوعت طرق العباد في استثمارهم في كل زمان ومكان، وَجَدَّ لهم في هذا الزمان من المعاملات ما لم يكن معروفًا فيما مضى، وكان من هذه المعاملات: الأسهم؛ استثمارًا في ريعها، ومضاربة على فروق الأسعار فيها؛ بل صارت هذه المعاملة أشهر هذه المعاملات، ودخل فيها الكثير، وشغلت بالهم، واستغرقت أموالهم، وصارت حديث مجالسهم، ومحل حواراتهم.
وقد قسَّم هذا البحث إلى تمهيد ومباحث:
التمهيد: في التعريف بالأسهم وأنواعها. وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف الأسهم والمقصود بها.
والذي منها أن السهم هو: النصيب الذي يشترك به المساهم في الشركة .... ويتمثل في صَكٍّ يعطى للمساهم، يكون وسيلة في إثبات حقوقه في الشركة.
المسألة الثانية: في خصائص الأسهم.
وبين أنها تَتَّصِفُ بالخصائص الآتية:
1 - التساوي في القيمة الاسمية التي تصدر بها الأسهم.
2 - أنها غيرُ قابلة للتجزئة؛ بمعنى أنه لا يصح أن يملك جزءًا من سهم، ويجوز أن يشترك أكثر من واحد في ملكية سهم؛ لكن يُمَثِّلُهم تجاه الشركة شخص واحد.
3 - أنها قابلة للتداول بالطرق التجارية بيعًا وشراءً ورهنًا وغيرها.
المسألة الثالثة: في قيمة الأسهم وأقسامها.
فقيمة السهم تطلب باعتبارات متعددة؛ فله قيمة اسمية، وقيمة إصدار، وقيمة دفترية، وقيمة حقيقية، وقيمة سوقية.
المسألة الرابعة: في أنواع الأسهم.
أولا: من حيث الشكل الذي تظهر به تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: السهم الاسمي، وهو السهم الذي كتب باسم صاحبه.
القسم الثاني: السهم لحامله، ويكون مِلْكًا لحامله، ولا يكتب عليه اسم صاحبه.
القسم الثالث: السهم الإذني أو للأمر، وهو ما يسبق اسم صاحبه بعبارة: لإذن أو لأمر، ونقل ملكيته تكون بتظهيره؛ وذلك بكتابة اسم المالك الجديد، وتوقيع المالك السابق، دون الحاجة إلى الرجوع إلى سجلات الشركة.
ثانيا: من حيث الحقوق التي تعطيها لصاحبها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أسهم عادية، وهي التي تعطى عادة لغالب المساهمين، وتخولهم حقوقا متساوية، ويوزع على أصحابها الأرباح التي تبقى بعد أرباح الأسهم الممتازة.
القسم الثاني: أسهم ممتازة، وهي الأسهم التي تختص ببعض المزايا التي لا تتمتع بها الأسهم العادية؛ كالأولوية في توزيع الأرباح بنسبة معينة كـ 5 % من قيمته، وحق استعادة قيمة السهم بكاملها عند التصفية، وما يبقى فللأسهم العادية بالتساوي، وأحيانًا بزيادة الأصوات، أو الأولوية في الاكتتاب عند تقرير زيادة رأس المال.
ثالثا: من حيث إرجاعها إلى أصحابها وعدم إرجاعها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أسهم رأس مال؛ وهي: الأسهم التي تستهلك قيمتها؛ بمعنى: أنها لا تعود إليه إلا عند فسخ الشركة أو انقضائها وتصفيتها لأي سبب من الأسباب.
القسم الثاني: أسهم تمتع؛ وهو: الصَّكُّ الذي يتسلمه المساهم بعد أن يستهلك قيمة سهمه. ويتأخر حق صاحبه في الربح وعند التصفية عن أصحاب الأسهم غير المستهلكة حسب نظام الشركة.
والمراد باستهلاك السهم هو: رد قيمته الاسمية إلى المساهم قبل انقضاء الشركة، وقد يكون الرد له دفعة واحدة، وقد يكون تدريجيا.
المسألة الخامسة: في محل العقد في بيع الأسهم.
وهو الحصة الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق من تلك الحصة.
المسألة السادسة: بيع الأسهم قبل تداولها.
فالأسهم إما أن تكون أموالا نقدية، أو ديونا، أو أعيانا، أو مختلطة منها:
1 - فإن كانت لا تزال نقودا، فإنه يعتبر بيعها مبادلة نقد بنقد، وتجري عليها أحكام الصرف إذا بيت بجنسها أو بغير جنسها.
2 - وإذا كانت ديونًا في الذمم، فإنه يطبق عليها أحكام التعامل بالديون.
3 - إذا أصبح المال موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع، فإنه يجوز تداولها بالسعر المتفق عليه؛ على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع.
المبحث الأول: حكم المساهمة في هذه الشركات؛ وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة.
الحديث هنا في بيان حكم الأسهم استثمارا ومضاربة هو في حكم الشركات التي أصل نشاطها مباح، لكنها تمارس أعمالا محرمة كالاقتراض بفوائد من أجل زيادة نشاط الشركة الاستثماري، أو تقوم بإيداع بعض أموالها في المصارف الربوية وتأخذ على هذه الأموال فوائد ربوية، كما هو حال كثير من الشركات الصناعية والخدماتية وغيرها.
فهل يجوز الاتجار في أسهمها استثمارا ومضاربة أم لا؟
على قولين:
القول الأول: تحريم الاتِّجار فيها مطلقا:
وهو قول جماهير أهل العلم، والقول الذي صدرت به قرارات المجامع الفقهية، واللجنة العلمية الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي، والهيئة الشرعية لبنك دبي الإسلامي، وهيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني، وبه قال عدد من الفقهاء المعاصرين، وقول أئمة السلف على التحريم، أو دال عليه.
القول الثاني: التفريق بين ما كانت نسبة الاستثمار المحرم فيه كثيرة فيحرم، وبين ما كانت فيه قليلة، فيجوز: مع أن الورع تركها، مع اختلاف أصحاب هذا القول في تحديد هذه النسب، وكذلك اختلافهم في تطبيق هذه النسب على الاستثمار في عائد المساهمة وعلى المضاربة، أو في قصره على الاستثمار في العائد فقط دون المضاربة.
وهو قول طائفة من المعاصرين؛ منهم: الشيخ عبد الله بن منيع، والدكتور علي القره داغي، والشيخ مصطفى الزرقا، والدكتور تقي الدين العثماني، والدكتور نزيه حماد، وعدد من الهيئات الشرعية، منها:
الهيئة الشرعية لشركة الراجحي، والهيئة الشرعية للبنك الإسلامي الأردني.
الترجيح:
القول الأول هو القول الراجح الذي تدل على قوته ورجحانه الأدلة من الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة فمن بعدهم.
المسألة الثانية: في فروع متعلقة بحكم هذه المسألة.
الفرع الأول: التطهير هل يرفع التحريم.
الفرع الثاني: مساهمة من يقدر على التغيير في هذه الشركات ويزيل ما فيها من حرام.
الفرع الثالث: المساهمة فيها إذا خيف من استيلاء غير المسلمين على هذه الشركات.
المسألة الثالثة: إذا دخل في شركة ثم تبين له وجود استثمار محرم.
المبحث الثاني: المعقود عليه في المضاربة على الأسهم.
فالشركة التي لها نشاط بارز وظاهر في مجالها ورائدة فيه ويمكن أن تكون قيمة السهم ممثلة لحقيقته في موجودات الشركة وقيمتها المعنوية ومركزها المالي - فالمضاربة فيها ـ فيما يظهر ـ صحيحة على القول بجواز هذه المضاربات أصلا.
وأما الشركة التي تظهر خسارة في ميزانياتها وشحًّا في موجوداتها وإنتاجها بحيث يعلم أن قيمة السهم السوقية لا تمثل حقيقة هذا السهم، وإنما هي أثر ارتفاع غير مبرر نتيجة مضاربة غير نزيهة - فإن هذا عقد على ما يشبه المعدوم أو غير المقدور عليه؛ فالغرر فيه ظاهر.
المبحث الثالث: تصرفات المضاربين في سوق الأسهم وحكمها.
وفيه تحدث عن أخلاقيات المضاربين، وما يجب أن يكونوا عليه من الفضائل وتجنب الرذائل.
المبحث الرابع: حقيقة المضاربة في سوق الأسهم.
فالمتابع للتعاملات التي تجري في سوق الأسهم يتبادر إليه مجموعة من الاستفسارات والإيرادات منها:
الأول: هل يوجد بالفعل تلك السيولة ـ التي أرقامها فلكية ـ تريليونات تغطي هذه الأسهم؟ أم هي مجرد أرقام، وكأنه بيع لأسهم في الهواء لا حقيقة لها؟ وهل توجد هذه الأموال في البنوك التي يتم عن طريقها تداول الأسهم؟ فلو طلب باعة هذه الأسهم تحويل هذه القيمة الكبيرة إلى حساباتهم فهل هذا ممكن؟ أم أنه مجرد تدوير بأموال لا وجود لها؟
وإذا كانت هذه الأموال لا وجود لها، فما حكم تبايع تلك الأسهم التي هي محل العقد بأموال لا وجود لها؟!
الثاني: الأسهم التي تتم عليها عمليات المضاربة، هل هي تمثل بالفعل جزءا من موجودات الشركة، أم هي ورقة مستقلة منسوبة لتلك الشركة؟ فما هو رصيد هذه الورقة في الواقع؟
لابد من التفريق بين أسهم الاستثمار - فهي تمثل جزءا من موجودات الشركة وأصولها - وبين أسهم المضاربة التي هي محل خلاف قوي، ويقوي القول بأنها ورقة مالية مستقلة ما يلي:
1 - واقع المضاربة عليها؛ فالمضارب قد لا يعرف شيئا عن الشركة، ولا عن ميزانياتها وأرباحها وخسائرها ومركزها المالي.
2 - ما يحدث من مضاربات حادة وبأسعار مرتفعة على أسهم شركات تظهر ميزانياتها بطء في تقدمها، وقد تظهر خسائر متكررة، وقد يكون العكس؛ فتجد ضعفا في التداول، وكسادا على أسهم شركات قوية في نشاطاتها وميزانياتها، وتحقق أرباحا متكررة وبنسب جيدة، وقد ينعكس الحال فجأة في التداول، وقد يكون خلال لحظات، وواقع التداول في سوق الأسهم شاهد قوي على ذلك.
وإذا كان التخريج على أنها ورقة مالية قوي، فهل لهذه الورقة حقيقة؛ بمعنى: هل المعقود عليه له مالية محسوسة؟ أليس هذا يشبه إلى حد كبير البيع على المؤشر المجمع على تحريمه؟
3 - أن المضارب على هذه الأسهم لا تعنيه الشركة لا من قريب ولا من بعيد؛ وإنما يعنيه المضاربة على السهم بعيدا عن كل شيء.
وإذا كان كذلك، فإنه قد يقوي قول من يقول أن التعامل حقيقة إنما هو بقيمة هذه الورقة وثمنها ليس إلا، وأن العملية لا تعدو أن تكون متاجرة بأثمانها، وهذه الورقة مجرد غطاء لهذه العملية، والعبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني. وإذا كان كذلك فهل شروط تبادل الأثمان متحققة؟
الثالث: السوق بدأ بطريقة غير نزيهة يغلب عليها الخداع في رفع المؤشرات وهبوطها؛ فالارتفاع ليس لعوامل طبيعية ـ كما يحدث في سائر المبادلات التجارية المبنية على العرض والطلب غالبا ـ بل لعوامل غائبة مجهولة لدى الكثير، ولاسيما الصغار، وهي في غاية الخطورة، ودائما أيدي صغار المساهمين على قلوبهم - كما يقال ـ من أي هبوط حاد لا يتمكنون معه من إجراء أي عملية بيع؛ فهو على مخاطرة كبيرة قد تذهب بأمواله أو جُلِّها في أي لحظة.
وهذا فيه جمع بين الغرر، وفيه شبه كبير جدا بالقمار؛ نظرا لعظم المخاطرة فيه، والتي يبقى فيها دائما على خطر أن يغنم أو يغرم غرامة كبيرة.
ولهذه المحاذير وغيرها مال بعض فقهاء العصر فيها إلى المنع، منهم الدكتور الصديق الضرير عضو مجمع الفقه الإسلامي بجدة.
المبحث الخامس: في آثار المضاربة على الأسهم.
وفيه بين أن الأسهم أثرت على تقليص حجم الأموال الموجَّهة للاستثمارات المباشرة.
والمتابع للتداولات اليومية يشاهد مليارات الريالات يتم تداولها يوميا، والغرض من هذه التداولات جني أرباح آنية ليس إلا، وليس لهذه التداولات أي مردود إيجابي أو قيمة مضافة للناتج المحلي؛ بل هي معوِّق من معوقاته كما تقدم.
ومن هنا فلابد للجهات المسؤولة من منع هذه الازدواجية في الاستثمار، وقصر استثمار كل شركة في مجال نشاطها حتى تكون النتائج إيجابية للجميع وللسوق المحلية والاقتصاد الوطني.
وأما آثارها الاجتماعية فمن أبرزها:
- البطالة نتيجة توجيه الأموال إلى سوق الأسهم؛ فأدى ذلك إلى قلة أو ندرة الأعمال والوظائف في الشركات والمؤسسات؛ نظرا لتوقف التوسع في تأسيسها، أو تأجيل بعض خططها التوسعية التي تستوعب الكثير من الأفراد، أو وقف بعض أنشطتها وضخ الفائض من أموالها في هذا السوق.
- الإخلال بالأعمال الوظيفية القائمة في القطاعين العام والخاص.
وأما آثارها الشرعية:
- فقد ظهرت جلية في تغير سلوكيات البعض، وفي التفريط في أداء العبادات وفقدان الخشوع وحضور القلب؛ حيث اشتغل بالأسهم، وهذا أمر خطير والوسيلة إلى الحرام حرام.
- التساهل في الحلال والحرام، وهذا ظاهر في المضاربة في أسهم شركات محرمة مجمع على تحريمها، أو مختلطة، وأين الورع والبعد عن المتشابهات، فضلا عما يحدث من البعض من نجش وغبن وإشاعات كاذبة ترتب عليها أضرار فادحة.
الخاتمة.
وفيه بين أن الأسهم من أدق المعاملات وأكثرها شيوعا وأخطرها تداولا وأشدها ارتفاعا وهبوطا، والناس في معرفة أحكامها وتعلُّمها في تفاوت بَيِّنٍ؛ فمنهم العارف كثير السؤال تورعا عن الوقوع في الحرام وبعدا عن المتشابه، ومنهم المقصر في ذلك؛ هم درجات؛ فمنهم الجاهل بأحكامها ومنها المتأول، وربما تأول بما يوافق هواه أو بحث وتعلق بكل قول ولو كان القائل به قليل، حتى ولو اعتقد مخالفته الدليل.
ومنهم من دخل فيها من غير سؤال ولا تمييز بين حلال ولا حرام، فولغ فيها حتى عمي لسان حاله، يقول مقال الجاهلين: "الحلال ما حل في الجيب" غافلا أو متغافلا عن: ﴿الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: 275].
والأسهم منها ما لا يختلف في تحريمه وهو أسهم الشركات التي أصل نشاطها محرم، ومنها ما هو حلال بيِّنٌ، وهي أسهم الشركات التي أصل نشاطها مباح ولم تدخل في معاملات محرمة، وبينهما درجة هي محل خلاف؛ وهو ما كان أصل نشاطها حلال ووجد في نشاطها حلال، ووجد في نشاطها أعمال محرمة قرضا بالربا وإقراضا له، والجمهور على تحريمها، وهو القول الذي تدل عليه ظواهر الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة؛ فضلا عن المعقول المبني على مراعاة مقاصد الشريعة.
وقول من خالفه مبني على استدلال بقواعد لا تنهض على معارضة صريح تحريم الربا مطلقا قليله وكثيره ...
إن هناك فرقا بين المستثمر في عائد السهم وبين المضارب على فروق الأسعار في مسائل عدة؛ فالمستثمر استثمر أمواله في موجودات الشركة وأصولها، وهي موجودة ولها قيمتها؛ بخلاف المضارب؛ فقد يضارب على أسهم شركات خاسرة أو لا قيمة لها تقارب قيمتها السوقية؛ فهو يضارب على فروق الأسعار، وفيه شبه قوي بالمضاربة على المؤشر المجمع على تحريمه، وفيه مخاطرة تشبه القمار إلى حد كبير، وقد يكون بمنزله بيع المعدوم.
- أن المضاربة عموما في أسواق الأسهم يعتريها شبه كثيرة؛ منها أن هذه المضاربة لا تعدو أن تكون على أوراق مالية مستقلة عن الشركة المنسوبة إليها بدلالة البون الشاسع بين قيمتها السوقية وقيمتها الحقيقية، وهذه الورقة وسيلة لهذا البيع، وإلا فالواقع أنه مبادلة مال بمال، وهذا قول له وجه قوي يشهد له واقع الحال.
- ومنها شدة المخاطرة الناشئة عن التقلب الحاد في الأسعار نتيجة التلاعب بأسعار السوق، هذه المخاطرة التي يدخل فيها المضارب وهو على وجل كبير من أن يغرم ويفقد أمواله أو جلها؛ بل خطورتها أشد من المقامر الذي قد لا يقامر إلا في القليل من ماله.
- ومنها أن الغش والتغرير ونشر الأخبار الكاذبة والمخادعة صار وسيلة معتادة عند كثير من المتعاملين.
- أن المضاربة لا تعدو أن تكون تدويرا للأموال ومحلا للإتجار بها، وهذا يخالف ما قصدت به الأثمان، وأبعدت عن مجال استخدامها الصحيح في تنمية اقتصاد البلد وتنويع موارده ودعم برامجه، وتنويع مصادر دخله وتعدد وسائل الإنتاج؛ فضلا عن تأثيراتها الاجتماعية من تفاقُم حالة البطالة حينما حجبت هذه الأموال عن مشاريع منتجة تستوعب أعدادا كبيرة في العمل فيها، وإعالة أسرهم وسد فاقتهم، مع ما ترتب عليها من خلل عندما ذهب كثير من صغار المستثمرين ضحية تلك المضاربات فأغرقتهم الديون وأثقلت كاهلهم بعد أن استنزفت سائر ممتلكاتهم.... مع تأثيراتها النفسية والصحية الحادة والمؤلمة على الكثير؛ فضلا عن تأثيراتها الشرعية من الإخلال بكثير من الشعائر، والواقع شاهد على ذلك.
وهذا يستدعي إعادة النظر في هذه المضاربات وضبطها بضوابط الشرع وقواعده ومراعاة مقاصده.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه.
]]>كتبه/ محمودالشرقاوي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
كتاب "العواصم من القواصم" هو من كتب التراث القائم علي نقد الشبهات وهذا الكتاب للعلامة للقاضي أبي بكر بن العربي
ترجمة القاضي أبي بكر بن العربي 468 - 543 هـ
قال عنه الإمام الذهبي: "الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، القَاضِي، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ اللهِ، ابْنُ العَرَبِيِّ الأَنْدَلُسِيّ، الإِشْبِيْلِيّ، المَالِكِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ." سير أعلام النبلاء.
والقاضي أبو بكر بن العربي مؤلف "العواصم من القواصم" إمام من أئمة المسلمين، ويعتبره فقهاء مذهب الإمام مالك أحد أئمتهم المقتدى بأحكامهم؛ وهو من شيوخ القاضي عياض مؤلف كتاب "الشفا" في التعريف بحقوق المصطفى وكتابه "العواصم من القواصم" من خيرة كتبه ألفه سنة 536 وهو في دور النضوج الكامل، بعد أن امتلأت الامصار بمؤلفاته وبتلاميذه الذين صاروا في عصرهم أئمة يهتدى بهم لكنه أشعري المعتقد.
نبذة عن الكتاب:
كتاب "العواصم من القواصم" وهو عبارة عن مبحثين: المبحث الأول يعتبر من التراث الفلسفي النادر الذي اتسم بنزعة نقدية للفلسفة اليونانية وروحها الوثنية القائمة على النظرية المجردة.
المبحث الثاني في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي، وهو كتاب تاريخي يبحث في مسألة العصمة.
قام أ.د /عمار طالبي الأستاذ بكلية الآداب جامعة الجزائر ورئيس قسم الفلسفة بتحقيق المبحثين في كتاب واحد وإضافة بعض التعليقات في الهامش.
المبحث الأول:
*يتحدث عن بعض القواصم والمغالطات الصادرة من الفلاسفة وأفكارهم المنابذة للشريعة وكذلك مغالطات الصوفية ودعاءة الباطنية
*وذكر أن قواصم الصوفية نبعت بسبب جملة من الأحاديث الموضوعة المكذوبة علي النبي صل وسلم وبنو عليها كثير من آرائهم مثل الحديث الباطل " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" هو كلام لبعض العلماء الحكماء وليس بحديث ولكن بنو عليه انا كل ما في الدنيا ليس حقيقة والحقائق في الآخرة وبالتالي هذه العلوم ليست حقيقة ونفوا حقيقة أقوال الرسل.
* وذكر طائفة أخرى قالوا أقوال الرسل حقيقة واعترفوا بمقتضياتها ومتعلقاتها ولكن إذا فاض الله على العبد بلطفه جاءه من المعرفة ما يستغرق مقتضى الأدلة من البيان فلو صفت نفسه انكشف له الغيب فيرى الملائكة ويسمع كلامهم ويطلع على أرواح الأنبياء ويسمع كلامهم وانتهى بهم الغلو بمشاهدة الله وأدخلوا ذلك في باب الكرامات وذكر مناظره بينه وبين الغزالي في ذلك.
*وآخرون جعلوا العلم صحيحًا ولكن بطلب من معصوم عن معصوم وهو مذهب الإمامية الباطنية وهم يستترون بهذا الكلام وراء عقيده الحلول فالله عندهم يحل في المعصوم محمد صلى الله وسلم فلما مات خلفه وصيه علي بن أبي طالب وتنتقل عندهم العصمة إلى أن وصلت إلى الإمام المنتظر عندهم وذكر ابن العربي اجتماعه بعلمائهم في أكثر من بلده وناظرهم في ذلك.
*وذكر أن سبب انتشار هذه الأفكار هم بنو برمك وجعْل الوالي أمر الخلافة إليهم وكانوا باطنية يعتقدون أراء الفلاسفة وكانوا يعقدون مجالس ويقدمون فيها رؤساء المعتزلة والإمامية وأمر البرامكة بترجمة كتبهم في الطب والطبيعة إلى العربية فتولى ذلك يهودي أو نصراني فخلط بهذه الكتب عقائد تتعلق بالإلحاد وتتعارض مع الشريعة في أصولها وفروعها ونقل هذا المترجم أراء لجالينوس واستحسانه للحم الخنزير فتربى على كتبهم ابن الرواندي والجاحظ المعتزلي وكثير من أمثالهم الذين أسسوا في البشر أنه لا مدرك إلا العقول وأنها تغني عن الرسل.
* ثم ذكر القدرية وأنها أخذت أقوالها من الفلاسفة وقالوا العبد فاعل والنار تحرق بذاتها ورد على هذا ابن العربي ولكن للأسف رد من خلال فكره الأشعري وأثبت أن النار لا تحرق بذاتها ولكن حدث الإحراق عند اقتران النار بالمحروق.
*وذكر من قال بقدم العالم وليس لها خالق ونفوا البعث والحشر والثواب والعقاب فرد على ذلك.
*وذكر مِن الفلاسفة مَن ينفون علم الله ومنهم من يثبته لكنه علم حادث لا يعلم بالأشياء إلا بعد حدوثها ومنهم من قال إنه سبحانه يعلم الأشياء قبل حدوثها ولكن ليس على التفصيل كالجويني ورد عليهم بطريقة أهل الكلام ولم يذكر آية من كتاب الله ولا حديثًا في إثبات علم الله الأزلي.
* وذكر من أهتم بكلام الفلاسفة في تهذيب النفس ومن جمع بين الفلسفة والدين فرد ذلك وتكلم عن منزلة العقل من الدين *وذكر قول النصارى في أن عيسى أفضل من محمد لأن عيسى روح الله فرد بأن عيسى روح من الأروح التي خلقها الله وأضافها إليه سبحانه إضافة خلق وتشريف.
* وذكر رده على الطبائعيين الذين نسبوا كل شيء مخلوق للطبيعة بسبب امتزاج الماء والنار والرطوبة واليبوسة وربطوا ذلك بالأفلاك وعبروا عنها بالعقل وربطوا بينها وبين القضاء والقدر والخير والشر وما يوجد في هذا الكون من خلال هذه التراكيب والتدخلات ولم ينسبوا ذلك لله وحده.
*وذكر طائفة قالت إن وجود الله ومعرفته لا تفتقر للشرع وما جاء عن الأنبياء ما هو إلا حيل فقد جرى لغير الأنبياء خوارق للعادات فرد ذلك بإثبات المعجزات والفرق بينها وبين السحر.
*وذكر أصحاب الإشارات الذين قالوا إن ألفاظ الشريعة لها معان أخرى وراءها وأن للقرآن معنى ظاهر وباطن مثال ذلك في قوله تعالى (لله المشرق والمغرب) قالوا المشرق القلوب والمغرب نجوم العلوم فلو طلعت شمس المعارف خفيت نجوم العلوم وجعلوا أمثال القرآن دليلًا لهم لأنها تدل على معان أخرى وراءها وهذا الكلام يؤدي إلى تعطيل الشرع بوضع معاني غير ما أراد الشرع مثال ذلك قولهم في حديث " إن الملائكة لا تدخل بيت في كلب او صوره" قالوا البيت هو القلب والكلب هو النجاسة والصورة هي الدنيا.
* وذكر أن الظاهرية ممن كادوا الإسلام وجعلهم طائفتين:
1- المتبعون للظاهر في العقائد والأصول.
2- المتابعون للظاهر في الأصول.
قال وكلا الطائفتين في الأصل خبيثة وجعلهم مشبهة لأنهم اثبتوا صفات الله الثابتة في القران الكريم كاليد والساق.... إلخ وأَّوَّل ابن العربي هذه الصفات على مذهبه الأشعري مثال ذلك جعل نزول الرب أي نزول إحسانه وبركاته.
ابن العربي منافر لابن حزم وكان أبوه أبو محمد من كبار أصحاب أبي محمد بن حزم الظاهري.
*ثم تكلم على الكرسي والقلم والموت الذي يذبح بين الجنة والنار وتناوُل النبي صلى الله عليه وسلم عنقود العنب في صلاة الكسوف والكلام على الصراط والميزان ثم عرج على عدة أحاديث قام بشرحها فيما يتعلق بالثواب في فضل قراءة سوره البقرة وآخر من يخرج من النار.
*ثم رد بشدة على ابن حزم وأخذه بالظاهر في بعض النصوص.
المبحث الثاني:
وهو الجزء الأشهر من الكتاب هو المتعلق بتحقيق مواقف الصحابة في فترة الفتنة الكبرى والشبهات المثارة ضد الصحابة، يستعرض هذا الجزء العديد من المغالطات واحدة واحدة في شكل (قاصمة) ثم تفنيدها في شكل (عاصمة)، ويدافع المؤلف عن الصحابة ويذكر مناقبهم وكراماتهم، فسمى الدعوة "قاصمة" والرد عليها "عاصمة"، حتى وصل في ردوده إلى العصر العباسي.
ونشر هذا الجزء مستقلاً عن الكتاب الكامل بتحقيق العلامة محب الدين الخطيب، ويكتسب هذا الجزء أهميته بتحقيق هذا العالم الكبير، وبدون هذا التحقيق يفقد الكتاب الكثير من قيمته، لذا أنصح كل من يفكر بشراء الكتاب أو قراءته أن يتأكد من أنه بتحقيق محب الدين الخطيب حيث وضع في هامش الكتاب توضيحات جلية وزيادات مفيدة تعين على فهم كلام ابن العربي فالرجوع إليه في الجزء الخاص بالعواصم في المواقف بين الصحابة بتحقيق محب الدين خطيب أفضل فائدة وأعم وأكمل من هذا الجزء في نسخة أ.د / الطالبي.
ملخص المبحث الثاني:
*ذكر ما حدث بعد وفاه النبي صلى الله عليه وسلم وبيعة ابي بكر وسبب منع ميراث فاطمة رضي الله عنها.
*وذكر عده قواصم ومفتريات على عثمان بن عفان والعواصم.
*وذكر الذين خرجوا على عثمان لقتله وسبب عدم دفاع الصحابة لما خرج عليه الخوارج أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أمرهم بعدم القتال وذكر أن الصحابة برئاء من دم عثمان رضي الله عنهم.
*وذكر قاصمة وهي اجتماع بعض الصحابة لخلع علي بن ابي طالب بعد ما باعت له وذكر العاصمة من ذلك.
* وذكر القاصمة في أسباب القتال بين علي ومعاوية وذكر العاصمة منها وسبب خروجهم الحقيقي فخرج معاوية لأخذ القصاص من قتلة عثمان وذكر أن الحق كان مع على بن أبي طالب وشيعته رضي الله عنهم أجمعين.
* وذكر الأحاديث الواهية في قضية التحكيم وذكر العاصمة من ذلك.
* وذكر كذب من ادعي أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار أو نص على استخلاف على بن أبي طالب بعده ثم ذكر العاصمة من ذلك وذكر النصوص الدالة على استخلاف أبي بكر.
* وذكر كذب من قال إن عليًّا عهد إلى ابنه الحسن بالخلافة وذكر قوله النبي صلى الله عليه وسلم في أن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه "يصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
* وذكر أباطيل في أن معاوية أكره ابن عمر ومحمد بن أبي بكر وابن الزبير في بيعة ليزيد وذكر جملة أحاديث في فضل معاوية ودفاعًا عنه مما قيل في حقه.
*وذكر حديث نزول القرآن على سبعة أحرف وذكر توجيه هذا الحديث وذكر جمع الصحابة للقرآن وأسباب الخلاف في القراءات
*وذكر أسباب الاختلاف والتعصب لمذهبٍ والعاصمة من ذلك، وأنه ينبغي على ولي الصبي أن يلقنه الإيمان، ويعلمه الكتابة، والحساب، وذكر أسماء عدة كتب يربى عليها الصبي في البداية.
* وذكر الحال عند نزول نازلة بالمسلمين.
خلاصة المبحث الثاني هو كتاب في المناقب والتاريخ يبحث فيه الكاتب القاضي ابن العربي مسألة مهمة وهى العصمة فالعصمة لا تكون إلا للأنبياء، ولكن ذلك لا يعنى أن يُطعن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فالطعن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو طعن بالنبي ذاته والعياذ بالله، فعندما كثر من دخل الدين ادعى الاسلام "تقية" وأخذ يطعن بالصحابة رضوان الله عليهم ليسقط هذا الدين من قلوب أصحابه، فذكر المؤلف مناقب الصحابة رضوان الله عليهم ورد على "مواضع الفخر التي يتكلم عنها أعداء الدين وبين وجه الحق فيها، فسمى الدعوة "قاصمة والرد عليها "عاصمة " حتى وصل في ردوده إلى العصر العباسي.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه.
]]>