الصوفية رؤية من الداخل (38) الكرامات

الصوفية رؤية من الداخل (38) الكرامات
الخميس ٢٣ مايو ٢٠٢٤ - ١٦:١٣ م
114

 الصوفية رؤية من الداخل (38) الكرامات

كتبه/ إمام خليفة

خلق الله عزوجل هذا الكون وسيره على سنن محكمة مطردة لا تتعارض ولا تتخلف، وربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها وأودع في الأشياء خواصها، فالنار للإحراق، والماء للإرواء والطعام للجائع، ثُمَّ هذا النظام الكوني البديع المتناسق الشمس، والقمر، والنجوم، وتعاقب الليل والنهار، كل بنظام محكم، فإذا لم ترتبط الأسباب بنتائجها وخرقت هذه العادة المألوفة -بإذن الله- لمصلحة دينية أو دعاء رجل صالح، فهذا هو الأمر الخارق.

والأمر الخارق أَنوَاعٌ:

1 - إذا جرى على يد نبيٍّ، فهو المعجزة التي يُقصد بها إظهارُ صِدْقِ مَن ادَّعى النبوة، مع عجز المنكرين عن الإتيان بمثله.

2 - الإرهاص: ما يظهر من الخوارق قبل ظهور النَّبِي.

3 - الاستدراج: ما يظهر من خارق للعادة على يد كافرٍ أو فاسق.

4 - الكرامة: ظهور أمر خارق للعادة على يد شخص ظاهر الصلاح (صحيح الاعتقاد والعمل الصالح، غير مقارن لدعوى النبوة والرسالة).

وأهل السنة يؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة والأخبار من كرامات الأولياء، وما صح عن الثقات في ذلك من رواياتهم. والله تعالى يكرم أولياؤه بأنواع الكرامات، ومن ذلك خوارق العادات، فيجري الله على يد من شاء من أوليائه بعض الأمور الخارقة للسنن الكونية، والعادة التي أجراها الله في هذا الوجود؛ أن هذا الوجود يجري على السنن، وهذا بالنسبة لكرامات الأولياء، وكذلك بالنسبة لمعجزات الأنبياء فإن خوارق الأنبياء هي دلائل على نبوتهم ورسالاتهم واسمها الشرعي: البينات والآيات والبراهين، كما ذكر الله ذلك في كتابه في مواضع: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات}[الحديد: 25]، ويقول تعالى في شأن موسى: {في تسع آيات} [النمل: 12] {فذانك برهانان من ربك} [القصص: 32]. وجماع صفات الكمال: الغنى والعلم والقدرة، فأول الرسل وآخرهم تبرءوا من دعوى هذه الأمور إِلَّا ما أعطاهم الله منها، فخوارق العادات مدارها على هذه الثلاث: إما أن ترجع إلى القدرة والتأثير، أو العلم، أو الغنى. وهذه المعاني ترجع إلى كل الخوارق سواء كانت على يد أنبياء أو أولياء فمثلا: عصا موسى ترجع إلى القدرة والتأثير، وكذلك فلق البحر يرجع للقدرة والتأثير. ما ذكر الله عن أصحاب الكهف يرجع إلى الغنى؛ لأنَّ الله أغناهم عن الطعام والشراب تلك المدة الطويلة، وكلما يخبر به الأنبياء من أمور غائبة هو من الخوارق العلمية، وهكذا دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم راجعة إلى هذه، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأمور مستقبلة غائبة لا تزال تظهر بين حين وآخر، فهي من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم .

ولا بُدَّ من أن نعلم عدة أمور:

أولا: أن خَرق العَادَةِ بمُجَرَّدِهِ لا يَدُلُّ عَلَى الوَلايَةِ:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: >وكل من خالف شيئًا مما جاء به الرسول، مقلدًا في ذلك لمن يظن أنه وَليٌ للَّه، فإنه بنى أمره على أنه ولي للَّه، وأن ولي اللَّه لا يُخَالَفُ في شيء، ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء اللَّه؛ كأكابرالصحابة، والتابعين لهم بإحسان، لم يُقْبَلْ منه ما خالف الكتاب والسنة، فكيف إذا لم يكن كذلك؟! وتجد كثيرًا من هؤلاء عمدتهم في اعتقادِ كَوْنهِ وليًّا للَّه أنه قد صدر عنه مُكَاشَفَةٌ في بعض الأمور، أو بعض التصرفات الخارقة للعادة؛ مثل أن يُشِيرَ إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها، أو يمشي على الماء أحيانًا، أو يملأ إبريقًا من الهواء، أو يختفي أحيانًا عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاءه، فقضى حاجته، أو يُخْبِرَ الناس بما سُرِقَ لهم، أو بحالِ غائِبٍ لهم أو مريض، أو نحو ذلك من الأمور، وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي اللَّه، بل قد اتفق أولياء اللَّه على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يُغْتَرَّ به حتى يُنْظَرَ متابعته لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وموافقته لأمره ونهيه.

ثانيا: الولي الذي تحصل على يديه الكرامة، لا يدعي النبوة إذ لو ادعى النبوة لم يكن وليًّا، ولم يكن ما جرى على يده كرامة؛ بل هو مَخْرَقة وفتنة. ولذا فالكرَامَةُ تَدُلُّ عَلَى الوَلَايَةِ، لَكِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى العِصمَةِ: ومن هنا وجبت طاعة النَّبِي مطلقًا، بينما لا تجب طاعة الولي مطلقًا، إِلَّا فيما دل عليه دليل شرعي واضح، وفارق آخر بين المعجزة والكرامة؛ هو أن الكرامة تحدث بحسب حاجة الولي، فإذا احتاج إليها لتقوية إيمانه؛ جاءه منها ما يكفيه لتقوية إيمانه، أو احتاج إليها لفك ضيق عليه، أو على من يدعو له؛ جاءه من ذلك ما يُفَرِّجُ كربته، ويجيب دعاءه، بخلاف المعجزات؛ فإنها لا تكون إِلَّا لحاجة الخلق وهدايتهم.

ثالثا: الولي الذي تحصل على يديه الكرامة، لا بُدَّ من النَّظَرُ فيِ سِيَرته واستِقَامَته مثل قيامه بالفرائض والنوافل، واتقائه الكبائر، والصغائر، واتصافه بالصفات الكريمة، واستدامته عليها، فإن اتصف شخص بكل هذه الصفات الطيبة، وعُرِفَتْ عنه، ثُمَّ حَدَثَ على يديه شيء من الخوارق فيما لا يخالف الشرع، فيجوز أن يطلق على ذلك الخارق اسم (كرامة). أما إن كان الرجل على خلاف ذلك، مُشْتَهَرًا بالفسق والفساد والضلال، وغير ذلك، فإن كل ما يجري على يديه لا يُعْتَدُّ به بالغًا ما بلغ،ولذلك الصُّوفيَّة لا يعتبرون هذا القيد بل يمكن أن تقع الكرامة من الأطفال والموتى والمجانين والكهان والمشعوذين وغيرهم يقول الغماري: يجوز أن تحصل الكرامة في غير زمان التكليف كأن الله يكرم بها صبيًا أو ميتًا وقد حصل ذلك كثيرًا، ونصوص العلماء في جواز الكرامات كثيرة يعسر تتبعها.

 فعلى حد قولهم إن الإنسان إذا استطاع بالمجاهدات ومخالفة النفس أن يفتح للروح بابًا للخروج عن سجن الجسد، ظهرت خوارق العادات على صاحبها بصرف النظر عن معتقداته الدينية فإذا كان هؤلاء الذين لا يدينون بدين صحيح تظهر عليهم تلك الخوارق فما بالكم تنكرون ما يظهر على أيدي الأولياء من الكرامات وآثار الروحانية والصفاء؟! .

و لا بُدَّ من التفرقة ما بين هو من الأحوال الشيطانية وبين الكرامات التي تقع لأهل الاستقامة على الطاعة .

رابعًا- لا بُدَّ من ثبوت الكرامة من جهة النقل، فلهذا كان من المسائل التي ينبه عليها أنها من مذهب أهل السنة: إثبات كرامات الأولياء، والمقصود: إثبات جنس الكرامات؛ لِأَنَّهُ ليس كل ما يذكر يكون ثابتا، ويجب التسليم به. فما يروى ويذكر من كرامات الأولياء منها ما هو ثابت في القرآن أو في السنة أو في أخبار صحيحة، ومنه ما يروى ولم يتحقق صحته ولا كذبه؛ فهذا لا يلزم التصديق به، قال الطحاوي رحمه الله >ونؤمن بما جاء من كرامتهم وصح عن الثقات من رواياتهم.

 خامسًا- عدم مخالفة الكرامة للشرع فسبب الكرامة هو الولاية ابتداء فكيف تكون مخالفة للشرع وركني الولاية هو الإيمان والتقوى قال   -تعالى-: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس: 62] فحكايات الزنا وبيع الحشيش وتعاطيه وإتيان البهائم التي يتم ذكرها على أنها كرامات لأصحابها يجب ردها والجزم بأنَّها لا يمكن أن تكون كرامة من الله -تعالى-.

قال ابن الجوزي: وقد لبس إبليس عَلَى قوم من المتأخرين فوضعوا حكايات فِي كرامات الأولياء ليشيدوا بزعمهم أمر القوم والحق لا يحتاج إِلَى تشييد بباطل فكشف اللَّه -تعالى- أمرهم بعلماء النقل وساق قصة تروى عن سهل بن عبدالله فيها أن أحد الأولياء اشترط عليه أن يرمي ما معه من الزاد حتى يعطيه نور الولاية فتكون له خوارق العادات ففعل إلى أن قال فغشيني نور الولاية ثُمَّ قال: ومما يدل على أنها حكاية موضوعة قولهم (أطرح مَا معك)؛ لأنَّ الأولياء لا يخالفون الشرع والشرع قد نهى عَنْ إضاعة المال وقوله (غشيني نور الولاية) فهذه حكاية مصنوعة وحديث فارغ ومثل هذه الحكاية لا يغتر بِهَا من شم رائحة العلم إنما يغتر بِهَا الجهال الذين لا بصيرة لهم.

سادسًا- عدم حدوث الكرامات لشخص لا يدل على عدم ولايته: قال شيخ الإسلام: إن عَدَمَ الْخَوَارِقِ عِلْمًا وَقُدْرَةً لَا تَضُرُّ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ فَمَنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ وَلَمْ يُسَخَّرْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْكَوْنِيَّاتِ لَا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ فِي مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ عَدَمُ ذَلِكَ أَنْفَعَ لَهُ فِي دِينِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ مَأْمُورًا بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ,  لذا لا يستدل بعدم حصول كرامة على عدم الولاية، كما لا يستدل بحصول خارق على الولاية؛ بل ضابطها: الإيمان والتقوى، كما قال -تعالى-: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [يونس: 62].

 من الخوارق ما يجري على يد الكهان وغيرهم فلا يدل ذلك على الكرامة: فإن الخوارق قد تجري في الظاهر على يدي الكهان والسحرة، وهي: مخاريق، وأكاذيب، ولهذا جاء عن بعض السلف أنه قال: >لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرفع في الهواء؛ فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود، وأداء الشريعة.فلا تغترَّ بمن حصل له شيء من ذلك حتى تعرض حاله وعمله على الكتاب والسنة؛ فإن الشياطين قد تحمل أولياءهم حتى يظن أنه يسير في الماء أو يطير في الهوى، وإنَّما حمله الشيطان ووضع له ما يسير عليه في الماء.

مثل ما يدعيه بعض الدجاجلة أنه يدخل النار ولا تحرقه! وحدث هذا في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية فتحداهم في مناظرة كبيرة بحضور الأمراء والعلماء والعامة وقال: >أنا أخاطب كل أحمدي من مشرق الأرض إلى مغربها: أي شيء فعلوه في النار؛ فأنا أصنع مثل ما تصنعون! ومَن احترق فهو مغلوب، وربما قلت: فعليه لعنة الله، ولكن بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار، فسألني الأمراء والناس عن ذلك؟ فقلت: لأنَّ لهم حيلاً في الاتصال بالنار يصنعونها من أشياء: من دهن الضفادع، وقشر النارنج، وحجر الطلق< فبهتوا ولم يفعلوا، فقال الناس: >فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين.

 وقد علم أن الكفار والمنافقين من المشركين وأهل الكتاب لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية كالكهان، والسحرة، وعباد المشركين، وأهل الكتاب، فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص وَلِيًّا لله وإن لم يعلم منه ما يناقض ولاية الله فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله؟! مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب اتباع النَّبِي باطنًا وظاهرًا، بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون الحقيقة الباطنة، أو يعتقد أن لأولياء الله طريقًا إلى الله غير طريق الأنبياء عليهم السلام أو يقول: إن الأنبياء ضيقوا الطريق أو هم على قدوة العامة دون الخاصة ونحو ذلك مما يقوله بعض من يدعي الولاية فهؤلاء فيهم من الكفر ما يناقض الإيمان، فضلًا عن ولاية الله عزوجل فمن احتج بما يصدر عن أحدهم من خرق عادة على ولايتهم كان أضل من اليهود والنصارى.

فعلى هذا فمن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض ولا يجتنب المحارم بل قد يأتي بما يناقض ذلك لم يكن لأحد أن يقول: هذا ولي لله.

وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات، فلا يتميزون بلباس دون لباس إذا كان كلاهما مباحًا ولا بحلق شعر أو تقصيره أو ظفره إذا كان مباحًا، بل يوجدون في جميع أصناف أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيوجدون في أهل القرآن وأهل العلم، ويوجدون في أهل الجهاد والسيف، ويوجدون في التجار والصناع والزراع، لكن لا يوجدون مع أهل البدع الظاهرة والفجور.

أولياء الله يجب عليهم الاعتصام بالكتاب والسنة وليس فيهم معصوم يسوغ له أو لغيره اتباع ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسنة، وهذا مما اتفق عليه أولياء الله عزوجل ومن خالف في هذا فليس من أولياء الله -سبحانه- الذين أمر الله باتباعهم، بل إما أن يكون كافرًا وإما أن يكون مُفْرِطًا في الجهل.

وهذا كثير في كلام المشايخ كقول الشيخ أبي سليمان الداراني: >إنه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إِلَّا بشاهدين: الكتاب والسنة<.

وقال أبو القاسم الجنيد: > علمُنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا أو قال: لا يقتدى به <.

تجد كثيرًا منهم عمدتهم في اعتقاد كونه وَلِيًّا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها أو يمشي على الماء أحيانًا، أو أن يختفي أحيانًا عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب، أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سرق لهم، أو بحال غائب لهم، أو مريض، أو نحو ذلك من الأمور، وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه.

مثال ذلك: أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ، ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون ملابسًا للنجاسات معاشرًا للكلاب، يأوي إلى الحمامات، والقمامين، والمقابر، والمزابل، رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية ولا يتنظف. فإذا كان الشخص مباشرًا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان، أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيات، والعقارب، والزنابير، وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق، أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها، أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين، أو يلابس الكلاب أو النيران، أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة، أو يأوي إلى المقابر، ولا سيَّما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى أو المشركين، أو يكره سماع القرآن، وينفر عنه ويقدم عليه سماع الأغاني، والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن، فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن.

أمثلة للكرامات عند أهل السنة:

أولا- ما ثبت من كرامة لأهل الكهف، وهم فتية آمنوا بالله، وفروا بدينهم من ظلم ملك كافر كان في زمانهم، فأووا إلى كهف في جبل، فأنامهم الله ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا، ثُمَّ أيقظهم من نومهم الطويل، وقد ذُكرت قصتهم في سورة الكهف.

ثانيًا- ثبوت الكرامة لمريم عليها السلام :

الكرامة الأولى: أن نبي الله زكريا عليه السلام يدخل عليها في محرابها فيجد عندها رزقًا دون أن يأتي به إنسان ودون سبب مادي.

الكرامة الثانية: وهي حملها بعيسى عليه السلام دون أن يمسها بشر، وغير ذلك من الكرامات الأخرى.

ثالثا- أمثلة لخوارق حدثت مع السلف:

أكرم الله -سبحانه- أم أيمن عندما هاجرت وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش وكانت صائمة، فلما كان وقت الفطر سمعت حسًا على رأسها فإذا دلو معلق فشربت منه,  وكان البراء بن مالك إذا أقسم على الله أبّر قسمه. وهذا أمير الجيوش الإسلامية في البحرين العلاء بن الحضرمي مشى وجنوده فوق الماء لما أعترضهم البحر ولم يكن معهم سفن تحملهم, وأُلقي أبو مسلم الخولاني في النار فلم تحرقه.

أمثلة لما يدعيه الصُّوفيَّة من كرامات لأوليائهم والتي تبجح بها بعض غلاة الصُّوفيَّة لأنفسهم:

1-إحياء الموتى: وقد مثَّل بأبي عبيد اليسري الذي أحيا دابته بعد ما ماتت، فيروى أنه أنه غزا سنة من السنين، فخرج في السرية، فمات المهر الذي كان تحته وهو في السرية، فقال: يا رب، أعرناه حتى نرجع إلى بسرى يعني: قريته، فإذا المهر قائم، فلما غزا ورجع إلى بسرى قال: يا بني، خذ السرج عن المهر، فقالت: إنه عرق فإن أخذت السرج عنه داخله الريح، فقال: يا بني، إنه عارية، قال: فلما أخذت السرج عنه وقع المهر ميتا..

وقيل: كان بعضهم نباشًا، فتوفيت امرأةٌ، فصلى الناس عليها وصلى هذا النباش؛ ليعرف القبر، فلما جنَّ عليه الليل نبش قبرها، فقالت: سبحان الله، رجل مغفور له يأخذ كفن امرأة مغفور لها؟! قال: هبي أنك مغفور لك، فأنا من أنا؟! فقالت: إن الله تعالى غفر لي ولجميع من صلى علي، وأنت قد صليت عليَّ. فتركتها ورددت التراب عليها، ثُمَّ تاب الرجل وحسنت توبته.

2-ومن الكرامات التي يزعمونها أن الأولياء من الصُّوفيَّة لهم القدرة على المشي على الماء وكلام البهائم وطي الأرض وظهور الشيء في غير موضعه والمشي على السحاب وتحويل التراب إلى خبز وإبراء الأكمه وضمانة الجنة لمن أطعم صوفيًا أو قضى له حاجة.

قال عبد الواحد بن زيد: بينما أنا وأيوب السختياني نسير في طريق الشام، فإذا نحن بعبد أسودَ أقبل إلينا يحمل كارة حطب، فقلت: يا أسودُ مَن ربُك؟ قال: ألمثلي تقول هذا؟، فرفع رأسه إلى السماء، وقال: إلهي حوِّل هذا الحطب ذهبًا، فإذا هو ذهب، ثُمَّ قال: أرأيتم هذا؟ قلنا: نعم، قال: اللهم رُدَّه حطبًا، فصار كما كان أولًا، ثُمَّ قال: سَلُوا فإن العارفين لا تفنى عجائبهم، فقال أيوب: بقيتُ خَجِلًا من العبد، واستحييتُ منه حياءً ما استحييت مثله من قبل ذلك من أحد قط، ثُمَّ قلت: أمَعَكَ شيءٌ من الطعام؟ قال: فأشار فإذا بين أيدينا جامٌ فيها عسل، أشد بياضًا من الثلج، وأطيب ريحًا من المسك، قال: كلوا فوالله الذي لا إله إِلَّا هو ليس هذا من بطن النحل، فأكلنا فما رأينا شيئًا أحلى منه، فتعجَّبنا، فقال: ليس بعارفٍ من تعجّب من الآيات، ومن تعجب فهو بعيد من الله، ومن عبده على رؤية الآيات فهو جاهل بالله عزوجل.

وهذا أبو العباس الديبلي يقول: والله لو كان أهل وقتنا يحتملون بسط الكرامات لكنت أجمع أربعمائة رجل من أهل زبيد يوم عرفة ونحرم من مسجد الأشاعر ثُمَّ أقسمهم فرقتين فرقة تطير في الهواء وفرقة تمشي على الماء ويقفون مع الناس في جبل عرفات وذكر عنده أن بعض الصالحين يركب الأسد، فقال: والله إن الناس لو يحتملون لكنت أربط لهم سبعين أسدًا وأن أحبوا تركتها تمشي بين الناس في الشوارع ولا تضر أحدًا .

يقول عبد الكريم القشيري عن كرامات أبى الحسين النوري أنه قال: > كان في نفسي شيء من هذه الكرامات، فأخذت قصبة من الصبيان وقمت بين زورقين ثُمَّ قلت: وعزتك إن لم تخرج لي سمكة فيها ثلاثة أرطال لأغرقن نفسي، قال فخرج لي سمكة فيها ثلاثة أرطال.

ونقل عن المرسي قوله: >وقال الشيخ أبو العباس: جلت في ملكوت الله فرأيت أبا مدين متعلقًا بساق العرش وهو رجل أشقر أزرق العينين. الخ

ولا أرى أن المقام يسمح بذكر نماذج من تلك الكرامات الخيالية التي زعمها الشعراني لأقطاب التَّصَوُّف الذين ترجم لكل واحد منهم وجاء في تراجمهم بما لا يقوله إنسان سليم الفطرة سليم العقل عنده أدنى معرفة بالدين الإسلامي. إنها جرائم حشدها الشعراني في طبقاته على أنها كرامات لأولئك الذين زعم كذبًا أنهم أولياء أقل ما فيها الاستهانة بجرائم اللواط والزنا والشذوذ الجنسي - كما يسمى في عصرنا - ومن غريب أمره أنه يذكر الشخص منهم ثُمَّ يأتي في ترجمته وكراماته بما ينكس الرأس حياء ثُمَّ يختمها بقوله عنه رضي الله عنه

 

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية