الصوفية رؤية من الداخل (37) : الأولياء عند الصوفية

الصوفية رؤية من الداخل (37) :  الأولياء عند الصوفية
الاثنين ١٣ مايو ٢٠٢٤ - ٢٣:٠٠ م
184

 الصوفية رؤية من الداخل (37) :  الأولياء عند الصوفية

كتبه / إمام خليفة                                

الحمد لله وكفى , وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده المصطفى , وآله المستكملين الشرفا, وبعد..

سوف نتكلم اليوم بإذن الله تعالى عن :  الأولياء عند الصوفية

 

الولي في اللغة: القريب والولاية ضد العداوة، وأصل الولاية المحبة والقرب.

قال ابن تيمية: الولي سمي وليًا من موالاته للطاعات أي متابعته لها، وهذا المعنى الذي يدور بين الحب والقرب والنصرة هو الذي أراده القرآن الكريم من كلمة (ولي) مشتقاتها في كل موضع أتى بها فيه، سواء في جانب أولياء الله أو في جانب أعداء الله، ومن ثمَّ فليس لنا أن نخرج هذا المصطلح عن المعنى الذي حدده القرآن ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾  [الشعراء: 195].

 وقال ابن حجر العسقلاني: >المراد بولي الله: الْعَالِمُ بِاللَّهِ الْمُوَاظِبُ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ<.

هكذا كان استعمالها وظلت النظرة إليها بهذا المعنى إلى أن دخلت أوساط الشيعة ثُمَّ الصُّوفيَّة فأطلقوها على أئمتهم ومشايخهم مراعين فيه اعتبارات أخرى، فكان أول من صرف الولاية إلى معنى خاص هم الشيعة، ثُمَّ أضاف إليها الصُّوفيَّة والشيعة العلم اللدني.

وربما تلطف الصوفية فسموها (الحفظ) كما يقول الكلاباذي: والولاية ولايتان ولاية لعامة المؤمنين وهي ضد العداوة وولاية اختصاص واصطفاء واصطناع، ويكون صاحبها محفوظًا عن النظر إلى نفسه فلا يدخله عجب ويكون مسلوبًا من الخلق بمعنى النظر إليهم بحظ فلا يفتنونه ويكون محفوظًا عن آفات البشرية وإن كان طبع البشرية قائمًا معه باقيًا فيه فلا يستحلى حظًا من حظوظ النفس استحلاء يفتنه في دينه، وهذه هي خصوص الولاية من الله للعبد.

قال القشيري: من أجل الكرامات التي تكون للأولياء العصمة من الذنوب والمخالفات وأكبر المقامات للولي الفناء ثُمَّ وحدة الوجود.

وقد خلص السُّهْرَوَرْدي إلى أن الصالحين الذين يتولاهم الله ويتولونه ليس المراد بهم: > الذي يقصده أهل الطريق عند تفصيل المراتب ويقولون: فلان صالح وشهيد وولي، بل الصلاح هنا المراد به: الذين صلحوا لحضرته بتحقيق الفناء عن خليقته <.

وأما ابن عربي فقد سلك مسلك القرامطة والباطنية الذين زاغوا عن الشريعة، ولهذا ادعى أنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الأنبياء، والنبي عنده يأخذ من الملك الذي يوحي به إلى الرسل؛ لأنَّ النَّبِي عنده يأخذ من الخيالات التي تمثلت في نفسه لما صورت له المعاني العقلية في الصورة الخيالية، وتلك الصورة عنده هي الملائكة، وهي بزعمه تأخذ عن عقله المجرد قبل أن تصير خيالًا، وقال إن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما مُثِّلت له النبوة بالحائط رأى نفسَه تنطبع في موضع لبنة، وأما خاتم الأولياء فيرى نفسه تنطبع في موضع لبنتين فإنه موضع اللبنة الفضية وهو ظاهره وما سمعه فيه من الأحكام كما هو آخذ عن الله في السِّرِّ ما هو في الصورة الظاهرة متبع فيه؛ لِأَنَّهُ يرى الأمر على ما هو عليه فلا بدَّ من أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول، ولهذا يفضل الولاية على النبوة ويقول:

مقام النبوة في برزخ

                    فويق الرسول ودون الولي

 

والولي على أصله الفاسد يأخذ عن الله بلا واسطة، لِأَنَّهُ يأخذ عن عقله وهذا عندهم هو الآخذ عن الله بلا واسطة، إذ ليس عندهم ملائكة منفصلة تنزل الوحي، والرب عندهم ليس هو موجودًا مباينًا للمخلوقات، بل وجود مطلق أو مشروط بنفي الأمور الثبوتية عن الله، أو نفي الأمور الثبوتية والسلبية، وقد يقولون: هو وجود المخلوقات أو حال فيها أو لا هذا ولا هذا، فهذا عندهم غاية كل رسول، ومبنى النبوة عندهم الأخذ عن القوة المتخيلة التي صوَّرت المعاني العقلية في المثل الخيالية، ويسمونها القوة القدسية؛ فلهذا جعلوا الولاية فوق النبوة، قالوا: الولي يأخذ عن الله بغير واسطة؛ والنبي والرسول بواسطة؛ وقالوا: خضنا بحورا وقفت الأنبياء بسواحلها. وقال الجيلاني: معاشر الأنبياء، أوتيتم اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوه.

ويرى ابن عربي  أيضًا بصراحة لا تحتمل التأويل إن علم الرسالة محدود بينما علم الولاية بلا حدود، فقال: وليس هذا العلم إِلَّا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلَّا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلَّا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلَّا من مشكاة خاتم الأولياء فإن الرسالة والنبوة أعني نبوة التشريع، ورسالته تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدًا. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلَّا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟.

ولم يكتف الصُّوفيَّة بتفضيل الولي على النَّبِي، وإنَّما زعموا أن الولي إذا بلغ الغاية في المحبة وصفاء القلب، تسقط عنه الأوامر والنواهي وجميع التكاليف ولا يدخل النار بارتكابه الكبيرة

وقال أَبُو يَزِيد البسطامي: لوائي أعظم من لواء مُحَمَّد محمد صلى الله عليه وسلم لوائي من نور تحته الجن والإنس كلهم مَعَ النبيين، وقال: سبحاني سبحاني مَا أعظم سلطاني ليس مثلي فِي السماء يوجد ولا مثلي صفة فِي الأَرْض تعرف أنا هو وهو أنا وهو هو، وقرأ رجل عند أبي يَزِيد: {إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُۥ هُوَ يُبۡدِئُ وَيُعِيدُ (13) }[البروج:12-13] فقال أبو يزيد: وحياته إن بطشي أشد من بطشه.

.

وقد قسَّموا الولاية والأولياء إلى أقسام يطول شرحها دون فائدة فيها وسوف نتعرض للكلام علي بعضها فيما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

ولا شك في أن هذا الباب أعني الاعتقاد في الأولياء والصالحين والغلو فيهم من أخطر الأبواب الشركية على الأمة.

 فلقد حذَّر النَّبِي صلى الله عليه وسلم من الغلو على وجه العموم، فقال صلى الله عليه وسلم: « وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ».

وثبت أن الغلو في الصالحين كان هو أول وأعظم سبب أوقع بني آدم في الشرك الأكبر، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أخبر عن أصنام قوم نوح أنها صارت في العرب، ثُمَّ قال: >أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًاوسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونُسخ العلم، عُبدت<.

قال العلامة شكري الألوسي الحنفي: >وقد علمت أن الذي أوقع المشركين السابقين في شبكة الشرك هو غلوهم في المخلوق، وإثبات خصائص الألوهية لغير الله، كما هو ديدن غلاة زماننا<، وقال  أيضًا: >الغلو في الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، والغلو في المخلوق أعظم سبب لعبادة الأصنام والصالحين، كما كان في قوم نوح من عبادة لنسر وسواع ويغوث ونحوهم، وكما كان من عبادة النصارى للمسيح <.

ولذلك ينبغي للمسلم أن يحذر من التساهل في هذا الباب؛ لئلا يؤدي به أو يؤدي بمن يراه أو يقلده أو يأتي بعده إلى الوقوع في الشرك الأكبر، ومن أنواع الغلو المحرم في حق الصالحين والذي يوصل إلى الشرك: المبالغة في مدحهم، وتصويرهم والتبرك الممنوع بالصالحين مثل التمسح بهم رفع القبور وتجصيصها، وإسراجها، وبناء الغرف فوقها، وبناء المساجد عليها، وعبادة الله عندها وتقبيلها. كما يفعله كثير من الرافضة، وقلَّدهم في ذلك كثير من الصُّوفيَّة، وقد أدَّت هذه المبالغة بكثير منهم في آخر الأمر إلى الوقوع في الشرك الأكبر في الربوبية، والألوهية وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن هذه الأمور كلها، ومنها: ما رواه جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: « أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ! إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ».

إلى هنا ينتهي حديثنا حول الأولياء

 

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية