الصوفية.. رؤية من الداخل (15) التَّصَوُّف في القرن السادس والسابع سماته، وأهم رموزه

الصوفية.. رؤية من الداخل (15) التَّصَوُّف في القرن السادس والسابع سماته، وأهم رموزه
الخميس ١٤ سبتمبر ٢٠٢٣ - ١٠:٥٢ ص
121

 الصوفية.. رؤية من الداخل (15) التَّصَوُّف في القرن السادس والسابع سماته، وأهم رموزه     

     كتبه / إمام خليفه                                

الحمد لله وكفى , وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده المصطفى , وآله المستكملين الشرفا, وبعد..

تكلمنا في المقال السابق عن التَّصَوُّف في القرن الخامس سماته، وأهم رموزه.

واليوم بإذن الله تعالى نتكلم عن: التَّصَوُّف في القرن السادس والسابع سماته، وأهم رموزه.

التَّصَوُّف في القرن السَّادس والسَّابع :

سماته:

1- ظهر التأثر بالنزعات الفلسفية واضحًا وتسربت المصطلحات الفلسفية ومصطلحات الديانات القديمة والمذاهب المنحرفة.

2- انحسر التيار الصوفي السلوكي العملي وقوي التيار الصوفي الفلسفي، وتطور ليضع لنفسه مصطلحات وإشارات يكتنفها الغموض، إضافة إلى المنهج القائم على المجاهدة والرياضة وتحصيل العلم اللدني.

3- صار للمتصوفة نظرية عقائدية فلسفية تقوم علي الحلول، والاتحاد، ووحدة الوجود والفناء في الله، فلا غرو أن اعتبر القرن السَّابع هو قمة الانحراف الصوفي، فقد برزت فيه رجال أشبه ما يكونون بالفلاسفة كالسُّهْرَوَرْدي المقتول صاحب حكمة الإشراق. وظهر مذهب وحدة الوجود في صورته الكاملة علي يدي محيي الدين ابن عربي    (628 هـ)، ثُمَّ انتقل إلى ابن سبعين من بعده وتابعه جماعة من شعراء الفرس أمثال جلال الدين الرومي، وابن الفارض الذي يحلو للبعض أن يسميه سلطان العاشقين، لذا اعتبرت هذه المرحلة من أخطر مراحل التَّصَوُّف وأما القرون التالية ما هي إِلَّا تفريعات وشروح لكتب رموز هذه المرحلة والتي فيها  أيضًا نرى العلاقة المريبة بين التَّصَوُّف وبين المذاهب المنحرفة بما يوحي بتأثر التَّصَوُّف الفلسفي بها مثل:

1-مذهب الباطنية وغلاة الشيعة - من خلال القول بالحقيقة والشريعة – والحلول والاتحاد.

2-النصرانية المحرفة - من خلال القول بالحلول والرهبانية.

3- المذاهب الفلسفية - من خلال القول بالفيض ووحدة الوجود والنظرية الأفلاطونية.

وقد راجت الدعوة إلى التَّصَوُّف في هذه المدة رواجًا كبيرًا وكل هذا في محاولة لإعادة الدولة الفاطمية من جديد أو على الأقل توهين الدولة الأيوبية، ثُمَّ دولة المماليك، ويؤيد ذلك:

1-      كثرة دعاة التَّصَوُّف في تلك المدة.

2-      تركز هؤلاء الدعاة في مصر وهي العاصمة السابقة للدولة الفاطمية.

3-      الغموض والتستر والتخفي التي اكتنفت الأعمال الظاهرة لهؤلاء الدعاة.

4-      دقة انتشار هؤلاء الدعاة ووجود دلائل على الاتصال بينهم.

5-      ادعاء الانتساب لأهل البيت.

6-      القدوم من بلاد المغرب المقر الأوَّل للدولة الفاطمية.

7-      استطاع كل واحد منهم أن يقيم له طريقة خاصة به وأتباعًا مخصوصين، فظهر الرفاعي في العراق، والبدوي في مصر، وأصله من المغرب، والشاذلي في مصر، وأصله من المغرب، وتتابع ظهور طرق الصُّوفيَّة التي تفرعت من هذه الطرق

من أشهر هؤلاء الدعاة:

1-أحمد الرفاعي( 578 هـ). هو أبو العباس أحمد بن أبى الحسن على، الرفاعي نسبة، أصله من المغرب والرفاعي، نسبة إلى رفاعة، رجل من المغرب وسكن البطائح قرى مشهورة بالعراق وكان كثيرًا ما ينشد هذا الشعر: والله لو علمت روحي بما نطقت.. قامت على رأسها فضلا عن القدم

ولأتباعه أحوال عجيبة: من أكل الحيات بالحياة، والنزول إلى النار فيطفئونها، ويركبون الأسد، ونحوه. ويحكى أنه قعد مرة على الشط، وقال: " أشتهى أن أكل سمكًا مشويًا! " فلم يتم كلامه حتى امتلأ الشط سمكًا. ورآه ابن أخته عبد الرحيم أبو الفرج، ورجل قد نزل عليه، فقال له: " مرحبًا بوتد المشرق! ". فقال له: " إن لي عشرين يومًا لم آكل ولم أشرب! وأريد أن آمر هذا الأوز الذى في السماء، فتنزل واحدة مشوية! " ففعل، فنزلت كذلك، ثم أخذ حجرين من جانبه فصارا رغيفين، ثم مد يده إلى الهواء فأخذ كوز ماء، فأكل ذلك وشرب ثم طار. فقال الشيخ لتلك العظام: " اذهبي باسم الله! " فذهبت سوية وطارت. وقال قبل موته: " أنا شيخ من لا شيخ له، أنا شيخ المنقطعين ".سبحانك هذا بهتان عظيم

2-عبدالرحيم القنائي( 592 هـ ). هو عبد الرحيم بن أحمد بن حجون القنائي الشريف. أصله من سبتة، وقدم من المغرب فأقام بمكة سبع سنين، ثم قدم قنا فأقام بها سنين كثيرة إلى أن مات في تاسع صفر سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. يَقُول أحد تلامذته: زرت جبانة قِنَا وَجَلَست عِنْد قبر سَيِّدي الشَّيْخ عبد الرَّحِيم وَإِذا يَد قد خرجت من قَبره وصافحتني وَقَالَ لي يَا بني لَا تعص الله طرفَة عين فَإِنِّي فِي عليين وَأَنا أَقُول يَا حسرتًا على مَا فرطت فِي جنب الله انْتهى ولا شك أن هذا من العبث إذ كيف يعقل أن تخرج يده من قبره سبحانك هذا بهتان عظيم.

3-أبو الحسن الشاذلي( 656هـ) عَليّ بن عبد الله بن عبد الْجَبَّار بن تَمِيم بن هُرْمُز أَبُو الْحسن الشاذلي وشاذلة قَرْيَة بأفريقية المغربي الزَّاهِد نزيل الْإسْكَنْدَريَّة، وَشَيخ الطَّائِفَة الشاذلية، وَهُوَ رجل كثير الْكَلَام لَهُ شعر ونثر فِيهِ متشابهات وعبارات يتَكَلَّف لَهُ فِي الِاعْتِذَار عَنْهَا

4-إبراهيم الدسوقي(672 هـ) ـ إبراهيم بن أبي المجد الدّسوقي. شيخ الخرقة البرهامية يقولون عنه أنه كان يتكلم بجميع اللّغات من عجمي، وسرياني، وغيرهما. وذكر عنه أنه كان يعرف لغات الوحش والطّير، وأنه صام في المهد، وأنه رأى في اللّوح المحفوظ وهو ابن سبع سنين، وأنه فكّ طلسم السبع المثاني، وأن قدمه لم تسعه الدنيا، وأنه ينقل اسم مريده من الشقاوة إلى السعادة، وأن الدّنيا جعلت في يده كخاتم. وهذا غلو قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته منه

                 5-أحمد البدوي (596 - 675 هـ)أحمد بن علي بن إبراهيم الحسيني، أبو العباس البدوي، المعروف بالسطوحي المتصوف، صاحب الشهرة في الديار المصرية. أصله من المغرب.

مولده: بمدينة فاس بالمغرب؛ وكان والده من الشيعة العلويين، وهذا بعد اضطهاد المغاربة للشيعة بعد سقوط الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي، يقول عنه الشعراني: فلما بلغ سبع سنين سمع أبوه قائلاً يقول: له في منامه يا علي انتقل من هذه البلاد إلى مكة المشرفة، وكان ذلك سنة ثلاث وستمائة، وطاف البلاد وأقام بمكة والمدينة. وكان من كثرة ما يتلثم لقبه إخوته بالبدوي، وكانوا يسمونه في مكة العطاب، فلما حدث عليه حادث الوله تغيرت أحواله، واعتزل عن الناس، ولازم الصمت فكان لا يكلم الناس إِلَّا بالإشارة، وكان بعض العارفين يقول: إنه حصلت له جمعية على الحق -تعالى- فاستغرقته إلى الأبد، ولم يزل حاله يتزايد إلى عصرنا هذا، ثُمَّ إنه في شوال سنة ثلاث وثلاثين وستمائة رأى في منامه ثلاث مرات قائلا يقول: له قم، واطلب مطلع الشمس فإذا وصلت إلى مطلع الشمس فاطلب مغرب الشمس، وسر إلى طندتا فإن بها مقامك أيها الفتى فقام من منامه، وشاور أهله وسافر إلى العراق فتلقاه عبد القادر، وأحمد بن الرفاعي (فقالا: يا أحمد مفاتيح العراق، والهند، واليمن، والروم، والمشرق، والمغرب بأيدينا فاختر أي مفتاح شئت منها فقال لهما: سيدي أحمد لا حاجة لي بمفاتيحكما ما آخذ المفتاح إِلَّا من الفتاح ثُمَّ خرج قاصدًا (طندتا) فتبعه بعض الرجال من سائر الأقطار يعاندونه، ويعارضونه، ويثاقلونه فأومأ إليهم بيده فوقعوا أجمعين فقالوا له: يا أحمد أنت أبو الفتيان فانكبوا مهزومين راجعين، ورأى الهاتف في منامه يقول له: يا أحمد سر إلى (طندتا) فإنك تقيم بها، وتربي بها رجالاً، وفي شهر رمضان سنة أربع وثلاثين، وستمائة دخل مصر ثُمَّ قصد (طندتا) فدخل على الحال مسرعًا دار شخص من مشايخ البلد اسمه ابن شحيط فصعد إلى سطح غرفته وكان طول نهاره، وليله قائمًا شاخصًا ببصره إلى السماء، وقد انقلب سواد عينيه حمرة تتوقد كالجمر وكان يمكث الأربعين يومًا، وأكثر لا يأكل، ولا يشرب، ولا ينام ولم يزل على السطوح مدة اثنتي عشرة سنة، مات سنة خمس، وسبعين، وستمائة.وفي مولد البدوي حيث تستحل كل الحرمات ويكون هناك الاختلاط المشين بين الرجال والنساء بل تصنع الفاحشة في المساجد والطرقات، وحيث كانت تفتح دور البغاء وحيث يمارس الصوفيون والصوفيات الرقص.

6-أبو العباس المرسى(686هـ). هو أبو العباس، أحمد بن عمر بن محمد الأندلسي المرسي الأنصاري. نزيل الإسكندرية صحب الشاذلي، وصحبه تاج الدين بن عطاء الله،. مات سنة ست وثمانين وستمائة، وكان كثيرًا ما يقول: " إن كان المُحاسِبِىُّ في أصبعه عِرْق، إذا أمدَّ يده إلى طعام فيه شبهة تحرك عليه، فأنا في يدي سبعون عرقًا تتحرك على إذا كان مثل ذلك".

7- محيي الدين بن عربي: اسمه: هو محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله، الشيخ محيي الدين أبو بكر الطائي الحاتمي الأندلسي، والمعروف بابن عربي، صاحب التصنيفات في التَّصَوُّف وغيره.

مولده: ولد في شهر رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية من الأندلس.

حياته: ذكر أنه سمع بمرسية من ابن بشكوال، وسمع ببغداد ومكة ودمشق، وسكن الروم، ركب له يومًا صاحب الروم فقال: هذا تذعر له الأسود، فسئل عن ذلك فقال: خدمت بمكة بعض الصلحاء فقال يومًا: الله يذل لك أعز خلقه، وقيل في ترجمته: كان ظاهري المذهب في العبارات، باطني النظر في الاعتقادات، >وبرع في علم التَّصَوُّف، وتواليف جمة في العرفان وكان يقول: أنا أعرف اسم الله الأعظم، وأعرف الكيمياء؛ وكانت وفاته في دار القاضي محيي الدين بن الزكي.

وفاته: في الثَّامن والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

من تصانيفه: الفتوحات المكية >عشرون مجلدًا<، والتدبيرات

من أقواله: إن الولي أعلى درجة من الرسول؛ لِأَنَّهُ يأخذ من المَعْدِنِ الذي يأخذ منه المَلَكُ الذي يوحي إلى الرسول، فهو أعلى منه بدرجتين.

قال تلميذه الصدر القونوي الرومي: كان شيخنا ابن عربي متمكنًا من الاجتماع بروح من شاء من الأنبياء والأولياء الماضين، على ثلاثة أنحاء- إن شاء الله- استنزل روحانيته في هذا العالم، وأدركه متجسدًا في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسية العصرية، التي كانت له في حياته الدنيا- وإن شاء الله- أحضره في نومه، وإن شاء انسلخ عن هيكله واجتمع به.

لقد عاش ابن عربي، وابن الفارض أيام الحروب الصليبية، ولم يرد في كتاباتهم شئ عن هذه الحروب، وكانوا يغيرون علي المنصورة بينما هم يقرأون الرسالة القشيرية.

وقال ابن تيمية: ورأيت بخطه في كتابه (الفتوحات المكية) هذين البيتين:

الرَّبُّ حَقٌّ وَالْعَبْدُ حَقٌّ

                     يَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ الْمُكَلَّفُ

 

إنْ قُلْت عَبْدٌ فَذَاكَ مَيْتٌ

                    أَوْ قُلْت رَبٌّ أَنَّى يُكَلَّفُ

 

8- ابن سبعين: الاسم: هو عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن سبعين، كان صوفيًا على قواعد الفلاسفة، وله أتباع ومريدون يعرفون بالسبعينية، وكانوا يهونون من ترك الصلاة، قال الشيخ شمس الدين الذهبي: ذكر شيخنا قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد قال: جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلامًا تعقل مفرادته، ولا تعقل مركباته. قال الذهبي: واشتهر عنه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعًا بقوله: لا نبي بعدي، فإن كان ابن سبعين قال هذا فقد خرج به من الإسلام، مع أن هذا الكلام هو أخف وأهون من قوله في رب العالمين: إنه حقيقة الموجودات، -تعالى- الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

 وفاته: قيل إنه فصد يديه، وترك الدم يخرج حتى تصفى، توفي بمكة في ثامن عشرين شوال سنة ثمان وستين وستمائة، وله من العمر خمس وخمسون سنة.

إلى هنا ينتهي حديثنا ثم نكمل حديثنا في المرة القادمة إن شاء الله تعالى حول التصوف في القرن الثامن ودور شيخ الاسلام ابن تيمية في مقاومة الاتحادية والحلولية

 

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية