الصوفية.. رؤية من الداخل (2) أصل كلمة الصوفية ومتى ظهرت؟

الصوفية.. رؤية من الداخل (2) أصل كلمة الصوفية ومتى ظهرت؟
الاثنين ٣١ يوليو ٢٠٢٣ - ١٤:٠٠ م
183

 

الصوفية.. رؤية من الداخل (2)

أصل كلمة الصوفية ومتى ظهرت؟

كتبه/ إمام خليفة

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرفا، وبعد..

تكلمنا في المقال السابق عن أسماء الصوفية واليوم بإذن تعالى نتكلم عن أصل كلمة الصوفية وتاريخ ظهور هذا اللفظ.

ثانياً : أصل كلمة الصوفية وما هو اشتقاقها اللغوي؟

كانت النسبة فِي زمن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإيمان والإسلام فيقال مسلم ومؤمن ثم حدث اسم زاهد وعابد ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد فتخلوا عَن الدنيا وانقطعوا إِلَى العبادة واتخذوا فِي ذلك طريقة تفردوا بِهَا وأخلاقا تخلقوا بِهَا

يقول القشيري: إَن الْمُسْلِمِينَ بَعْد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يتسم أفاضلهم فِي عصرهم بتسمية علم سِوَى صحبة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ لا فضيلة فوقها , فقيل لَهُمْ: الصَّحَابَة , ولما أدركهم أهل العصر الثَّانِي سمى من صحب الصَّحَابَة التابعين , ورأوا ذَلِكَ أشرف سمة ثُمَّ قيل لمن بعدهم أتباع التابعين ثُمَّ أختلف النَّاس وتباينت المراتب , فقيل لخواص النَّاس مِمَّن لَهُمْ شدة عناية بأمر الدين: الزهاد والعباد ثُمَّ ظهرت البدع وحصل التداعي بَيْنَ الفرق فَكُل فريق أدعوا أَن فيهم زهدا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفاسهم مَعَ اللَّه تعالي الحافظون قلوبهم عَن طوارق الغفلة باسم التصوف واشتهر هَذَا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة.

فكان أول تاريخ ظهور هذا الاسم كلفظ مفرد في النصف الثانى  من القرن الثاني الهجري

يقول محمود أبو الفيض المنوفي الصوفي:  "لم تطلق كلمة صوفي على جماعة بعينها إلا في القرن الثاني الهجري"

قال السهروردي: وهذا الاسم لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل كان في زمن التابعين وقيل لم يعرف هذا الاسم إلى المائتين من الهجرة

قال ابن الجوزي: وهذا الاسم ظهر للقوم قبل سنة مائتين ولما أظهره أوائلهم تكلموا فيه

 فالصوفية لفظة حادثة لم تكن في عصر الصحابة ولم يكن هذا الاسم مشهورا في القرون الثلاثة  وانما اشتهر التكلم به بعد ذلك"

قال شيخ الإسلام: ولَفْظُ " الصُّوفِيَّةِ " لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وكان السلف يسمون أهل الدين والعلم: (القراء) فيدخل فيهم العلماء والنساك، ثم حدث بعد ذلك اسم الصوفية والفقراء, وَاُشْتُهِرَ التَّكَلُّمُ بِهِ وَقَدْ نُقِلَ التَّكَلُّمُ بِهِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالشُّيُوخِ: كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثوْرِيِّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ وَبعْضُهُمْ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ .

ثالثاً: أول من تسمى باسم الصوفية:

قيل هو:-

1-    أبى هاشم الكوفي: وهو اول من بني خانقاة  للصوفية وكان يلبس لباسا يشبه لباس الرهبان توفي150 هـ

2- جابر بن حيان:  الذي كان يسمى الصوفي وكان تلميذا لجعفر الصادق وكان شيعيًا ت 199هـ

3- عبدك الصوفي:   توفي ٢١٠هـ    , قال عنه المستشرق ماسينيون والباحث الإيراني الشيعي الدكتور قاسم غني , وغيرهم , شاهدين بأنه كان شيعيا مغاليا وكان رجلا معتزلا الناس , زاهدا , وكان أول من لقب بلقب الصوفي - وهذا اللفظ كان يطلق في تلك الأيام على بعض زهاد الشيعة من الكوفيين , وقد أطلقت هذه الكلمة أيضا في سنة 199هـ على بعض الناس آنذاك, ولأن عبدك كان لا يأكل اللحم , عده بعض المعاصرين من الزنادقة. وكذلك يقول ماسينيون: لم يكن السالكون في القرون الأولى يعرفون باسم الصوفية , وقد عرف الصوفي في القرن الثالث , وأول من اشتهر في بغداد بهذا الاسم هو عبدك الصوفي .

والجدير بالذكر أن هؤلاء الثلاثة الذين يقال عنهم بأنهم أول من سمّو بهذا الاسم , وتلقبوا بهذا اللقب مطعونون في مذاهبهم وعقائدهم , ورمى كل واحد منهم بالفسق والفجور وحتى الزندقة , وخاصة جابر بن حيان , وعبدك

أصل كلمة الصوفية([1][1]):

إن الذين تحدثوا عن التصوف والصوفية اختلفوا في أصل الكلمة واشتقاقها وكذلك اختلفوا في نسبة الصوفية اختلافاً كبيراً، وإن المؤيدين والمعارضين للتصوف لم يتفقوا على نسبة للتصوف، كما أن الصوفيين أنفسهم لم يتفقوا على شيءٍ من ذلك

فقد تنازعوا في المعنى الذي أضيف إليه الصوفي فَإِنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ النَّسَبِ: كَالْقُرَشِيِّ وَالْمَدَنِيِّ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ

1- قِيلَ نِسْبَةٌ إلَى "الصفاء":....وهو غلط لأنه ينبغي ان يقال :"صفائي" سموا صوفية لصفاء أسرارهم وشرح صدورهم وضياء قلوبهم.فهم على حد زعمهم لهم صفات خاصة يختلفون بها عن بقية الخلق وقد عقد أبو نصر السراج في كتابه اللمع أبوابا في ذكر خصائصهم وما ترسموا به من الأحوال والآداب والعلوم

 2-وَقِيلَ نِسْبَةٌ إلَى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَهُوَ أَيْضًا غَلَطٌ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ: صفي '

3_ وَقِيلَ نِسْبَةٌ إلَى -الصَّفْوَةِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ- وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ: صفوي

4_ وَقِيلَ نِسْبَةٌ إلَى-الصوفانة-: وهي بقلة رعناء قصيرة سموا بذلك لاكتفائهم بالقليل من الطعم ولو من نبات الصحراء، وهو غلط لأنه لو كان لقيل :'صوفاني'

5__ وَقِيلَ نِسْبَةٌ إلَى صوفة القفا- وهي ما يتدلى في القفا من شعر لأنه انحرف بوجهه عن الخلق إلى الحق وهو غلط

6__ وَقِيلَ: نِسْبَةٌ إلَى صُوفَةَ بْنِ مر بْنِ أد بْنِ طابخة, رجل كان يعكف على العبادة عند البيت في الجاهلية واسمه غوث بن مر وطابخة قَبِيلَةٌ مِنْ الْعَرَبِ كَانُوا يُجَاوِرُونَ بِمَكَّةَ مِنْ الزَّمَنِ الْقَدِيمِ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ النُّسَّاكُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلنَّسَبِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ مَشْهُورِينَ وَلَا مَعْرُوفِينَ عِنْدَ أَكْثَرِ النُّسَّاكِ وَلِأَنَّهُ لَوْ نُسِبَ النُّسَّاكُ إلَى هَؤُلَاءِ لَكَانَ هَذَا النَّسَبُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ أَوْلَى وَلِأَنَّ غَالِبَ مَنْ تَكَلَّمَ بِاسْمِ " الصُّوفِيِّ " لَا يَعْرِفُ هَذِهِ الْقَبِيلَةَ وَلَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى قَبِيلَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ. 

7__ وَقِيلَ: إنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى " أَهْلِ الصُّفَّةِ " وهو قول المنوفي الصوفي  وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ: صفي

ومعلوم أَهْلِ الصُّفَّةِ كانوا ملازمين المسجد لفقرهم حتى أغناهم الله, فكان سكنهم في المسجد لأجل الحاجة فقط وليس للإنعزال التام عن الدنيا وإلا لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وسكن في حجرات زوجاته وقد زعم المنوفي في كتابه جمهرة الأولياء والسهروردي في كتابه  عوارف المعارف أن الصوفية نسبة الى أهل الصفة وتشبيه ملازمة الصوفية للتكايا والزوايا بملازمة أهل الصفة للمسجد النبوي وهو باطل لأنه لا يصح اشتقاقا ولا حالا

فأين من ألجأته الحاجة لذلك  ممن آثر العزلة والخلوة وترك السعي اختيارا او كسلا.

8- وَقِيلَ نِسْبَةٌ إلَى صوفيا أو سوفيا, وهي كلمة يونانيه معناها الحكمة وبذلك لو صح تكون الكلمة غير عربية أصلا وهو بعيد

9- وَقِيلَ: - وَهُوَ الْمَعْرُوفُ - إنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى لُبْسِ الصُّوفِ

وهو إشارة الى استعمال الصوف الذي يلبسه الزهاد ليميزوا أنفسهم عن غيرهم ممن يلبسون فاخر الثياب وهذا الذي رجحه ابن الجوزي وشيخ الاسلام وابن خلدون في مقدمته وقد رجح من الصوفية أنفسهم أن الصوفية نِسْبَةٌ إلَى لُبْسِ الصُّوفِ أبو نصر السراج و السهروردي

قال السهروردي:  وهذا الاختيار يلائم ويناسب من حيث الاشتقاق لأنه يقال تصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص "ولما كان حالهم بين سير وطير وارتقاؤهم من حال الى حال ولما تعذر تقيدهم بحال أو وصف وأبواب المزيد علما وحالا مفتوحة عليهم  نسبوا إلى ظاهر اللبسة لأنه أبين في الإشارة إليهم وأدعى إلى حصر وصفهم وكان ذلك غالبا على المتقدمين من سلفهم"

قال الكلاباذي:  وَإِن جعل مأخذه من الصُّوف استقام اللَّفْظ وَصحت الْعبارَة من حَيْثُ اللُّغَة وَجَمِيع الْمعَانِي كلهَا من التخلى عَن الدُّنْيَا وعزوف النَّفس عَنْهَا وَترك الأوطان وَلُزُوم الْأَسْفَار وَمنع النُّفُوس حظوظها وصفاء الْمُعَامَلَات وصفوة الْأَسْرَار وانشراح الصُّدُور وَصفَة السباق فَإِنَّهُ عبر عَن ظَاهر أَحْوَالهم وَذَلِكَ أَنهم قوم قد تركُوا الدُّنْيَا فَخَرجُوا عَن الأوطان وهجروا الاخدان وساحوا فِي الْبِلَاد وأجاعوا الأكباد وأعروا الأجساد لم يَأْخُذُوا من الدنيا إِلَّا مَالا يجوز تَركه من ستر عَورَة وسد جوعة

قال أبو نصر السراج:  نسبوا إلى ظاهر اللباس ولم ينسبوا إلى نوع معين من أنواع العلوم والأحوال التي هم مترسمون بها لأن لبس الصوف كان دأب الأنبياء والصديقين وشعار المتنسكين.

قال ابن القيم:  وَالصَّوَابُ: أَنَّ أَفْضَلَ الطُّرُقِ طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي سَنَّهَا وَأَمَرَ بِهَا وَرَغَّبَ فِيهَا وَدَاوَمَ عَلَيهَا، وَهِيَ أَنَّ هَدْيَهُ فِي اللِّبَاسِ أَنْ يلْبَسَ مَا تيَسَّرَ مِنَ اللِّبَاسِ مِنَ الصُّوفِ تَارَةً وَالْقُطْنِ تَارَةً وَالْكَتَّانِ تَارَةً.، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أبو إسحاق الأصبهاني بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ جابر بن أيوب، قَالَ: «دَخَلَ الصلت بن راشد عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَإِزَارُ صُوفٍ وَعِمَامَةُ صُوفٍ، فَاشْمَأَزَّ مِنْه ُ محمد، وَقَالَ أَظُنُّ أَنَّ أَقوَامًا يلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيقُولُونَ: قَدْ لَبِسَهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَبِسَ الْكَتَّانَ، وَالصُّوفَ، وَالْقُطْنَ، وَسُنَّةُ نَبِيِّنَا أَحَقُّ أَنْ تتبَعَ» .وَمَقْصُودُ ابْنِ سِيرِينَ بِهَذَا؛ أَنَّ أَقوَامًا يرَوْنَ أَنَّ لُبْسَ الصُّوفِ دَائِمًا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ فيتَحَرَّوْنَهُ وَيَمْنعُونَ أَنفُسَهُمْ مِنْ غَيْرِهِ

_مما سبق يتبين أن اختلافهم في أصل المعنى وفي نسبته مع اتفاقهم على أنه لا أصل له في الشرع  فهو تصريح بأنه من الاسماء المحدثة التي لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الكرام

إلى هنا ينتهي حديثنا اليوم ثم نكمل الحديث في المقال القادم بإذن الله تعالى حول تعريف الصوفية




أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية