من روائع السلف.. كلمات من نور (الأخوة)

من روائع السلف.. كلمات من نور   (الأخوة)
الخميس ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٢ - ٠٧:١٣ ص
158

من روائع السلف.. كلمات من نور 

 (الأخوة)

جمعه/ محمود الشرقاوي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

لا يخفى أن ثمرة الخلق الحسن الألفة 

قال يوسف بن أسباط: علامة حسن الخلق عشر خصال: قلة الخلاف، وحسن الإنصات، وترك طلب العثرات، وتحسين ما يبدو من السيئات، والتماس المعذرة، واحتمال الأذى، والرجوع بالملامة على النفس، والتفرد بمعرفة عيوب نفسه دون عيوب غيره، وطلاقة الوجه للصغير والكبير، ولطف الكلام لمن دونه ولمن فوقه (الإحياء 3/ 77)

قال صلى الله عليه وسلم «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (رواه أحمد، وحسنه الألباني)

إن الخليل هو المرآة التي تعكس صورتك للناس وتريهم من تكون ... فالمرء على دين خليله، فلينظر المرء من يخالل.

 أنت في الناس تقاس ... بمن اخترت خليلا

فاصحب الأخيار تعلو ... وتنل ذكرًا جميلا

قد يكون صاحبك هو أخوك في النسب، فهما كان لك عليه من فضل، فتذكر أنه ما نفع أخ أخاه كما نفع موسي عليه السلام أخاه هارون، دعي له فأصبح نبياً.

واحذر فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المرء مع من أحب» (متفق عليه).

جماع الخير كله في ثلاثة أشياء: إن لم تمض نهارك بما هو لك فلا تمضه بما هو عليك، وإن لم تصحب الأخيار فلا تصحب الأشرار، وإن لم تنفق مالك فيما لله رضاء فلا تنفقه فيما لله فيه سخط). الزهد للبيهقي 310 (

ومن كان أصدقاؤه أشرارًا كان هو شرهم. 

قال مالك –رحمه الله-: الناس أشكال كأجناس الطير، الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والبط مع البط، والعصفور مع العصفور وكل إنسان مع شكله. (روضة العقلاء 109) 

محمد بن يوسف الأصفهاني يقول: وأين مثل الأخ الصالح؟ أهلك يقتسمون ميراثك ويتنعمون مما خلفت، وهو منفرد بحزنك مهتم مما قدمت وما صرت إليه يدعو لك في ظلمات الليل وأنت تحت أطباق الثرى (الإحياء 2/ 202)

ويطلب من الصحبة فوائد دينية ودنيوية: 

أما الدنيوية: كالانتفاع بالمال أو الجاه أو مجرد الاستئناس بالمشاهدة.

أما الدينية: فيجتمع فيها أيضًا أغراض مختلفة منها الاستفادة، من العلم والعمل.

ينبغي فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلاً، حسن الخلق، غير فاسق، ولا مبتدع، ولا حريص على الدنيا.

 رفع الله عز وجل ذكر الكلب برفقته للصالحين فقال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ}

إذا أجدبت الأرض وضاقت المسالك، وادلهمت الخطوب وتاهت الدروب، هناك يظهر لك الأخ الصادق والوفي، تستأنس برأيه، وتتقوى بهمته يهون عليك المصيبة ويحمل عنك ما أثقل كاهلك.

وقال أبو حاتم: العاقل لا يصاحب الأشرار؛ لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار.

 وإن من سعادة المرء خصالاً أربعا: أن تكون زوجته موافقته، وأولاده أبرارًا، وإخوانه صالحين، وأن يكون رزقه في بلده.

أراد جار لأبي حمزة السكري أن يبيع داره، فقيل له: بكم؟ قال: بألفين ثمن الدار، وبألفين جوار أبي حمزة، فبلغ ذلك أبا حمزة فوجه إليه بأربعة آلاف، وقال له: لا تبع دارك.) السير 7/ 387. (

قال الله عز وجل}: رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ {وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:"خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه)" رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني ( 

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس.

واحذر من أخوة تنقلب وتتحول إلى عداوة وبغضاء {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} 

كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقعد إلى القبور، فقيل له في ذلك ... فقال: أجلس إلى قوم يذكروني معادي، وإن غبت لم يغتابوني (منهاج القاصدين 432).

 قال إبراهيم التيمي: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى، فاغسل يدك منه (حلية الأولياء 4/ 215. (

قال أحمد بن حرب: عبدت الله خمسين سنة، فما وجدت حلاوة العبادة حتى تركت ثلاثة أشياء: تركت رضى الناس حتى قدرت أن أتكلم بالحق، وتركت صحبة الفاسقين حتى وجدت صحبة الصالحين، وتركت حلاوة الدنيا حتى وجدت حلاوة الآخرة. (السير 11/ 34.2) 

قال حبيب الجلاب: سألت ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: غريزة عقل، قلت: فإن لم يكن؟ قال: حسن أدب، قلت: فإن لم يكن؟ قال: أخ شقيق يستشيره، قلت: فإن لم يكن؟ قال: صمت طويل. قلت: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل (السير 8/ 397)

قال المأمون: الإخوان ثلاثة:

 أحدهم: مثله مثل الغذاء لا يستغنى عنه. والآخر: مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت. والثالث: مثله مثل الداء لا يحتاج إليه قط . ولكن العبد قد يبتلى به وهو الذي لا أنس فيه ولا نفع.

وقد قيل: مثل جملة الناس كمثل الشجر والنبات.. فمنها ما له ظل وليس له ثمر وهو مثل الذي ينتفع به في الدنيا دون الآخرة، فإن نفع الدنيا كالظل السريع الزوال، ومنها ما له ثمر وليس له ظل، وهو مثل الذي يصلح للآخرة دون الدنيا، ومنها ما له ثمر وظل جميعًا، ومنها ما ليس له واحد منهما كأم غيلان تمزق النبات ولا طعم فيها ولا شراب، ومثله من الحيوانات الفأرة والعقرب.

قال أبو حاتم: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف، والكريم يجل الكرام، ولا يهين اللئام، ولا يؤذي العاقل، ولا يمازح الأحمق، ولا يعاشر الفاجر، مؤثرًا إخوانه على نفسه باذلاً ما ملك، إذا اطلع على رغبة من أخ لم يدع مكافأتها، وإذا عرف منه مودة لم ينظر في قلق العداوة، وإذا أعطاه من نفسه الإخاء لم يقطعه بشيء من الأشياء (روضة العقلاء 173)

قال الشعبي: إن كرام الناس أسرعهم مودة، وأبطؤهم عداوة، مثل الكوب من الفضة يبطئ الانكسار، ويسرع الانجبار، وإن لئام الناس أبطؤهم مودة وأسرعهم عداوة مثل الكوب من الفخار: يسرع الانكسار ويبطئ الانجبار

ويقول الإمام الشافعي:

 ولا خير في خل يخون خليله ... ويلقاه من بعد المودة بالجفا

وينكر عيشًا قد تقادم عهده ... ويظهر سرًا كان بالأمس في خفا

سلام على الدنيا إذا لم يكن بها ... صديق صدوق صادق الوعد منصفا

يوصي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء. (منهاج القاصدين 108)

قال مالك بن دينار: إنك أن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الخبيص (أي الحلوى) مع الفجار 

) روضة العقلاء 100(

مالك بن دينار يقول للمغيرة بن حبيب: يا مغيرة.. انظر كل جليس وصاحب لا تستفيد في دينك منه خيرًا فانبذ عنك صحبته (صفة الصفوة 3/ 286) 

قال تعالي: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فالآية تشتمل على أربع قواعد في التعامل مع الناس: فأولها: أخذ العفو، 

وثانيها: الأمر بالمعروف، وثالثها: الإعراض عن الجاهلين، ورابعها: الاستعاذة بالله من نزغ الشياطين.

قال جعفر الصادق أنه: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة (مجموع الفتاوى 24/ 173)

وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرًا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رءوس الناس فإنما وبخه.

وقال الفضيل بن عياض موضحًا الفرق بين الناصح والشامت: المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير (جامع العلوم والحكم 77)

وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرًا وأنت تجد لها في الخير محملاً.

ومثل الأخوين مثل اليدين تغسل إحداهما الأخر، يعينه في سير الدنيا إلى الآخرة. 

إذا لم تجد رفيقًا صالحًا وأخًا في الله فإن الوحدة وقراءة القرآن خير لك، والكتب النافعة أثمر والتزود من الطاعات أجدى وأنفع.. وقس الأمر وانظر أين الخير؟

وحين لا يجد المسلم من يعينه.. ويثبته ويشد أزره في رحلة الدنيا فعليه بقول الإمام أحمد بن حنبل عندما قال: رأيت الخلوة أروح لقلبي. (السير 11/ 226)

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: في العزلة راحة من خليط السوء. (العزلة 39)

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية