جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3-3)

جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3-3)
السبت ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٢ - ١١:٠٠ ص
153

جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3-3)

الباب السابع: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية، في استغاثتهم بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وعرض عقيدة القبورية في الاستغاثة، وتحقيق أنهم أشد شركا من الوثنية الأولى.

قال الكاتب: إن الاستغاثة بغير الله ولا سيما الأموات أهم العقائد القبوريات عند القبورية، وأنفع للمكروب وأسرع لقضاء الحاجات عند القبورية من الاستغاثة بخالق الكائنات، وأنهم ينفقون ملايين الملايين من الذهب والفضة، على بناء القبب والمساجد على قبور المستغاث بهم، بل وألفوا كتب كثيرة تدعوا وترغب في الاستغاثة بالأموات مثل: " أنوار الانتباه بحل النداء بيا رسول الله " و" نفحات القرب والاتصال بإثبات التصرف للأولياء بعد الانتقال ".

ثم ذكر الكاتب أمثلة متفرقة لعقيدة القبورية في استغاثتهم بغير الله عند الكربات، وأن الميت أقدر على إنجاح الحاجات عندهم من الأحياء، والاستغاثة عند القبورية على وجوه ثلاثة:

الأول: أن يهتف باسمه مجردا، مثل أن يقول: " يا محمد، يا علي"

الثاني: أن يقول: " يا فلان، كن شفيعي إلى الله في قضاء حاجتي"

الثالث: أن يقول: "يا فلان اقض ديني، أو اشف مريضي" 

وليس في شيء من هذه الوجوه الثلاثة مانع عند القبورية، ونقل الكاتب ذلك عن أئمة القبورية منهم: التقي السبكي وتبعه السمهودي والقسطلاني، والهيتمي والزرقاني وابن جرجيس الحنفي العراقي، وغيرهم من القبورية.

ثم ذكر الكاتب: نصوص علماء الحنفية على أن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله أمر محرم في شرع الله ومحذور في دين الله أمثال: الإمام أبي حنيفة والإمام أبي يوسف والإمام محمد وكذا الإمام أبو جعفر الطحاوي وغيرهم: أن الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه إشراك بالله عز وجل، وهي أم لعدة أنواع من الشرك بالله.

ثم ذكر الكاتب: جهود علماء الحنفية في تحقيقهم أن القبورية أشد شركا من الوثنية الأولى، في باب الاستغاثة، وأنهم أشد خوفا وأكثر خضوعا وأعظم عبادة للأموات منهم لخالق البريات. 

فنقل ذلك عن الإمام محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد، وتبعه العلامتان ابنه نعمان الآلوسي، وحفيده شكري الآلوسي، والشيخان: الأديب الأريب الرباطي الملقب بجامع المعقول والمنقول، والرستمي الملقب بشيخ القرآن والحديث، قال الآلوسي: سمعت عن بعضهم أنه قال:" الولي أسرع إجابة من الله عز وجل "، وقال العلامتان السهسواني والخجندي: أن القبورية أعظم شركا من الوثنية الأولى.

الباب الثامن: في جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية التي تشبثوا بها لتبرير الاستغاثة بالأموات.

قال الكاتب: فإن جميع عقائدهم مبنية على الشبهات الشيطانية، وقد ذكرت منها أربعًا وأربعين شبهة، مع أجوبة علماء الحنفية عنها.

منها شبهة في تعريف التوحيد، وشبهة في تعريف الشرك، وست شبهات في جعلهم توحيد الألوهية عين توحيد الربوبية، وأربع عشرة شبهة في زعمهم أن المشركين الأولين كانوا مشركين في توحيد الربوبية، والخالقية، والرازقية، والمالكية.

وشبهة في حصرهم للعبادة في عدة أعمال، وشبهة في تعريفهم للعبادة، وشبهة في عدم جعلهم القبور أوثانًا، وشبهة في عدم وقوع الشرك، وشبهة الأحجار والأصنام، وشبه التكفير والخروج، وشبهة قول لا إله إلا الله، وشبهة التعظيم والمحبة للأولياء، وشبهة تنقيص الأولياء، وشبهة في تعظيم القبور، وشبهة في جعل القبور أعيادًا، وشبهة إيقاد السرج على القبور، وشبهة في الحج والسفر إلى القبور، وشبهة التبرك الباطل، وشبهتان في الحياة البرزخية، وشبهتان في سماع الموتى، وشبهة الاستقلال والعطاء، وشبهة المجاز والحقيقة، وشبهة الكرامة والولاية، وشبهة الكسب والسبب.

قال الكاتب: وسأذكر في هذا الباب عشرين شبهة، تشبَّثت بها القبورية لتبرير الاستغاثة بالأموات، وهي أشهر شبهاتهم في هذا الباب، مع جهود علماء الحنفية في قلعها وقمع أصحابها. 

وستأتي ثلاث شبهات في باب التوسل، وسأذكر ثماني شبهات في باب النذر لغير الله، والبناء على القبور، فتصير خمسًا وخمسين شبهة قبورية باطلة، وتكون مع أخواتها خمسًا وسبعين شبهة. 

قال الكاتب: الشبهة الأولى: حياة الأولياء في قبورهم: أي فلا مانع من الاستغاثة بهم.

والشبهة الثانية: هي تلك الحكايات التي شحنت بها القبورية كتبهم، من أن فلانًا استغاث بالولي الفلاني فأغاثه.

قال الكاتب: وأجاب علماء الحنفية على ذلك بعدة أجوبة، منها:

أن علماء الحنفية قد صرَّحوا بأن هذه الحكايات التي تناقلتها القبورية لدعوة المضطرين إلى الاستغاثة بالأموات بحجة أن هذه الحكايات كرامات لهؤلاء الأولياء هي محض الأساطير، وعين الأكاذيب.

يحدث ذلك استدراجًا من الشياطين لهذا القبوري المشرك الذي يستغيث بالأموات، فتأتي الشياطين وتساعده في بعض حاجاته استدراجًا له، وكثير من المقاصد تحصل بأسباب محرمة قطعًا كالسرقة، والخمر، وشهادة الزور، بل الشرك والكفر قد يحصل بهما بعض المقاصد، فليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون مشروعًا.

والشبهة الثالثة: هي ما تشبَّثت به القبورية من نصوص الكتاب والسنة، التي تدل على جواز استغاثة بعض الناس ببعضهم، فكقوله تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} 

وفي حديث الشفاعة: (يا محمد، ارفع رأسك واشفع تشفع، وسَلْ تُعطَه).

وأحاديث ترغيب المسلم في قضاء حاجة أخيه، كحديث: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته).

قال الكاتب: ولقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة التي تتضمن عدة شبهات:

أنَّ القبورية محرفون الكلم عن مواضعه، لأنَّ هذه النصوص إنما تدل على جواز مناصرة بعض الناس بعضًا، واستغاثة بعضهم ببعض فيما يقدرون عليه.

أما طلب الدعاء من الأحياء مسألة، ونداء غير الله تعالى أمواتًا وأحياءً بما هو من خصائص الألوهية مسألة أخرى.

الشبهة السادسة: استدلال القبورية بقصة هاجر رضي الله عنها: (فلما أشرفت على المَروة سمعت صوتًا..؛ فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث)

قال الكاتب: ولقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة، أنها تدل على جواز الطلب من الحي الحاضر فيما يقدر عليه، فإن هاجر قد سمعت جبريل الحي الحاضر، ويدل على ذلك ما عند الطبراني بإسناد حسن:(فناداها جبريل فقال: من أنتِ؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم، قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله. قال: وكلكما إلى كافٍ).

شبهة أخرى: استدلالهم بأحاديث مختلقة موضوعة مثل: «إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور» وغير ذلك من الأحاديث المناقضة لدين الإسلام التي وضعها القبورية.

وشبهة أخرى بصورة فلسفية منطقية كلامية، وضعها كثير من القبورية المتفلسفة الكلامية، كالرازي فيلسوف الأشعرية، والتفتازاني فيلسوف الماتريدية، والنبهاني، والكوثري وهي:

"أن النفوس التي فارقت أبدانها أقوى من هذه النفوس المتعلقة بالأبدان"

وقال الرازي فيلسوف الأشعرية: (أن أصحاب أرسطاطاليس، كلما أشكل عليهم بحث موضوع، ذهبوا إلى قبره وبحثوا في تلك المسألة، فكانت المسألة تنفتح، والإشكال يزول).

وشبهة أخرى بصورة أمية عامية عادية وهي: من أن والأولياء واسطة لعلو شأنهم عند الله تعالى،

وأن المكروب ملطخًا بالذنوب، فهو بعيد عن الله لا يصل إليه إلا بواسطة من الأولياء الذين يشفعون لهم عند الله تعالى، وقاسوا رب العباد على ملوك البلاد، وقاسوا الأنبياء والأولياء على الوزراء والأمراء.

قال الكاتب: ولقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة، أن القبورية في تشبثهم بكلمة (الواسطة) مشبهون لله بالملوك، وشبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادًا، وهذا هو دين المشركين السابقين، قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}

فمرة شبهوا المخلوق بالخالق في صفات الكمال، وأخرى شبهوا الخالق بالمخلوق في صفات النقص، فصاروا مشبهة، فالملوك لأجل جهلهم بحقائق الأمور وعدم علمهم بأحوال الرعية، يحتاجون إلى الوسائط من الأمراء والوزراء ليبلغوهم أحوال الرعية، فمن ظنَّ أن الله تعالى مثل الملوك فهو كافر.

وشبهة أخرى: أن الدعاء ليس من العبادات

قال الكاتب: ولقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة، بأنه قد ثبت بالكتاب والسنة ونصوص علماء الحنفية، أن الدعاء والاستغاثة من أعظم أنواع العبادة ومخّها ولُبّها، وأن القبورية باستغاثتهم بالأموات قد عبدوا غير الله.

الباب التاسع: في جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية في التوسلات الشركية والبدعية

وفيه فصول ثلاثة:

الفصل الأول: ذكر فيه الكاتب تعريف التوسل والوسيلةً لغة واصطلاحًا شرعيًّا عند علماء الحنفية وعند القبورية.

الفصل الثاني: ذكر فيه الكاتب أنواع التوسل، الشرعية منها والقبورية. 

قال الكاتب: أنواع التوسل عند القبورية:

الأول: أن يدعو الله تعالى بذات الميت، أو ببركته، أو بحرمته، أو بحقه، أو بجاهه، ونحو ذلك.

الثاني: أن يطلب من الميت الشفاعة عند الله في قضاء حاجته، بأن يقول للميت: يا فلان! ادع الله لي: أن يرد علي بصري.

الثالث: أن يطلب من الميت حاجته نفسه، ونحو ذلك بأن يقول للميت: يا فلان! رد علي بصري، واقضِ حاجتي، واشفِ مريضي، ونحو ذلك.

ثم ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية وإبطال التوسلات القبورية، الشركية منها والبدعية.

ثم ذكر الكاتب أنواع التوسل الشرعي عند علماء الحنفية:

قال الكاتب: لقد حقق علماء الحنفية أن حقيقة التوسل الشرعي ومصداقها: هو التقرب إلى الله تعالى بفعل الطاعات، وترك السيئات، وهي عدة أنواع لا تخرج عن التوسل بالطاعات:

الأول: التوسل بالطاعات مطلقًا، مثل أن يقول: اللهم إن كنت فعلت هذا لرضاك فارحمني واشفني. 

الثاني والثالث: التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، مثل أن يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنتَ الله لا إله إلا أنتَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لي.

الرابع: التوسل بالفقر والحاجة، مثل أن يقول: اللهم إني عبدك وابن عبدك.

الخامس: التوسل بالاعتراف بالذنب، مثل أن يقول: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} 

السادس: التوسل بدعاء الحي الحاضر، مثل قوله تعالى: {قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}

- الفصل الثالث: في جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية في توسلاتهم الشركية والبدعية.

فذكر الكاتب قول ستة وثلاثين إمامًا من أئمة الحنفية، في إبطال توسلات القبورية، منهم أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وبشر الكندي والقدوري والمرغيناني وابن أبي العز، وابن عابدين. 

ثم ذكر الكاتب بيان حكم التوسل ببركة فلان، وحقه، وجاهه، أن كثيرًا من الأئمة قد نهوا عن مثل هذا، ولا سيما أئمة الحنفية، وأثبت أن هذا النوع من التوسل بدعة بلا ريب، فالتعبد بالبدعة ضلال.

ثم ذكر الكاتب بيان حكم التوسل ببركة فلان خاصة، قائلًا: لقد صرح بعض فضلاء الحنفية الرادِّين على القبورية، محتمل لأن يكون شركًا بواحًا صراحًا، أو يكون بدعة على أقل تقدير، فلا يجوز التوسل بمثل هذه الكلمة مطلقًا.

ثم ذكر الكاتب ذكر ثلاث من شبهات القبورية، التي هي أقوى الشبهات على الإطلاق في توسلاتهم الشركية، وجهود علماء الحنفية في إبطال تلك الشبهات.

الشبهة الأولى: تشبث القبورية بقوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}

قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة القبورية بوجهين:

الأول: جواب إجمالي هو: أن مقصود التوسل في الآية بأسماء الله وصفاته والأعمال الصالحة، دون التوسل بالأموات والاستغاثة بهم عند الكربات.

الوجه الثاني: أن (الوسيلة) في هذه الآية إنما المراد بها فعل الطاعات وترك السيئات، وقد أطبقت على ذلك كلمة المحققين من الحنفية في تفسير هذه الآية، منهم الإمام أبو الليث السمرقندي والزمخشري الحنفي اللغوي البلاغي وتبعه الإمام النسفي والإمام محمود الآلوسي مفتي الحنفية ببغداد. 

الشبهة الثانية: تشبث القبورية بتوسل عمر بالعباس رضي الله عنهما قي قوله: (اللهم إنَّا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)

قال الكاتب: والواقع والتحقيق: أن التوسل في هذا الأثر هو التوسل بدعاء الحي الحاضر.

ونقل الكاتب نصوص بعض كبار أئمة الحنفية في الفرق بين توسل السلف وبين توسل هؤلاء الخلف القبورية، من خلال شرح هذا الأثر منهم: الإمام الشاه ولي الله الدهلوي إمام الحنفية في عصره، والإمام ابن أبي العز أحد كبار علماء الحنفية، والإمام البدر العيني إمام الحنفية في عصره. 

الشبهة الثالثة: دعوى القبورية الإجماع على التوسل القبوري.

قال الكاتب: لقد ادعى السبكي وغيره إجماع هذه الأمة، بل إجماع جميع أهل الأديان على حسن التوسل والاستغاثة بالأموات عند الكربات وأنه فِعل الأنبياء والمرسلين، ومن سير السلف الصالحين، ولم ينكر ذلك أحد من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتى جاء ابن تيمية فأنكر الاستغاثة والتوسل، وابتدع ما لم يقله عالم قبله، وصار به بين الأنام مثله.

قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة الفتاكة الأفاكة بوجهين:

الوجه الأول: أنه قد تحقق على لسان علماء الحنفية أن التوسل في اصطلاح السلف الصالح من الصحابة والتابعين إنما هو التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، والتوسل بالأعمال الصالحة، والتوسل بدعاء حي حاضر ليس غير، فإن السلف لم يستغيثوا بالأموات عند الكربات.

الوجه الثاني: أن هذا الإجماع الذي ذكره القبورية ليس من الإجماع الشرعي، حتى يكونا حجة عند النزاع، وأنه قد تحقق تحقيقًا لا مزيد عليه أن إجماع الصحابة والتابعين والفقهاء المحققين والأئمة المجتهدين، على عدم جواز الاستغاثة والتوسل بالأموات، فإذا كان في الدنيا إجماع صحيح فهو هذا.

وأما الإجماعات الأخرى: كإجماع الوثنية من أهل الملل والنحل، أو إجماع القبورية من هذه الأمة، أو إجماع الفسقة والفجرة من الناس، أو إجماع أهل البدع، أو إجماع العوام فهي من أبطل الباطل. 

الباب العاشر:في جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية من النذر لأهل القبور والتبرك على الوجه المحذور وزيارتهم للقبور والبناء عليها:

نقل الكاتب أقوال أئمة القبورية في جواز النذور لأهل القبور.

قال الكاتب: لقد صرح كثير من العلماء الحنفية في الرد على القبورية بأن النذر لغير الله تعالى حرام، بل هو شرك؛ لأنه من أعظم أنواع العبادة، وعبادة غير الله شرك، ولأنه متضمن أنواعًا أخرى للشرك بالله تعالى، منها أن يعتقد أن الولي يعلم حال هذا الناذر، ويعتقد أن الولي يتصرف في الأمور، من شفاء المريض وغناء الفقير، وأنه يسمع نداء الناذر واستغاثته به.

ونقل الكاتب عدة نصوص لعلماء الحنفية دالة على أن النذر لغير الله تعالى حرام، بل إشراك صريح بالله وأنه من أعمال المشركين السابقين منهم: الإمام قاسم بن قطلوبغا، والإمام ابن نجيم، الملقب بأبي حنيفة الثاني، والإمام خير الدين الرملي والإمام سراج الدين عمر بن نجيم، والإمام علاء الدين الحصكفي،

وفقيه الحنفية الشامية ابن عابدين، والعلامتان شكري الآلوسي والخجندي والشيخ علي محفوظ الحنفي المصري وغيرهم.

ثم ذكر الكاتب بعض شبه القبورية التي تشبثوا بها لتبرير نذورهم للقبور وأهلها والجواب عليها:

الأولى: أن ما يقرب إلى القبور وأهلها من المنذورات لا يدخل في باب عبادة غير الله تعالى.

قال الكاتب والجواب: أنه قد أجمع علماء الحنفية وغيرهم على أن النذر عبادة.

الشبهة الثانية: أن القبورية زعمت أن الإنسان إذا نذر لغير الله تعالى، فذكر اسم الله عند الذبح فهو جائز. 

قال الكاتب الجواب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة أن العبرة في النذر لغير الله تعالى للنية لا لذكر اسم غير الله عند ذبح المنذور، فمن نذر بقرة لميت مثلًا فقد أشرك بمجرد نذره إياه له، سواء ذكر اسم الله عند ذبحها أو ذكر اسم ذلك الميت، لقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} والإهلال هو رفع الصوت بالشيء وليس معناه الذبح.

الشبهة الثالثة: أنهم يقولون: نحن إذا نذرنا للأولياء فإن نذرنا في الحقيقة لله تعالى.

قال الكاتب لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة الماكرة بأن هذه المعذرة حيلة محضة لا تسمن ولا تغني من جوع، وأن القبورية غير صادقين في هذا الاعتذار. 

المبحث الثاني في جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية في التبرك على الوجه المحذور

أولًا: عرض الكاتب عقيدة القبورية في التبركات الشركية والبدعية، حيث يهتم القبورية بالتبرك بقبور الصالحين، وأتربة قبورهم وآثارهم ومجالسهم التي لا يوجد الدليل الشرعي على جواز التبرك بها. 

ثم نقل الكاتب أمثلة لتبركات القبورية الشركية والبدعية.

ثم ذكر الكاتب: جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في التبرك على الوجه المحذور،

بأن التبرك نوعان:

نوع مشروع: وهو ما ورد الشرع بجوازه، فهذا النوع من التبرك لا كلام فيه، فكل ما ثبت في شرع الله تعالى التبرك به يجوز التبرك به ولا ينافي التوحيد ولا السنة.

ونوع ممنوع غير مشروع: وهو التبرك الذي لم يرد الشرع بجوازه، أو ورد الشرع بخلافه وهو صنفان:

الأول تبرك شركي: وهو ما كان فيه طلب الخير والنماء من غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه.

الثاني: تبرك بدعي: وهو ما كان فيه طلب الخير والنماء من الله تعالى، ولكن بواسطة شيء لم يرد الشرع به.

قال الكاتب: ولقد صرح علماء الحنفية بمنع التبرك والتمسح بحجر مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم، 

ونصوا أيضًا على أن الحجر الأسود يُقبَّل للتعبد لا للتبرك، فلا يجوز تقبيل الحجر الأسود للتبرك، حماية للتوحيد، وسدًا لذرائع الشرك، فكيف يتبرك بغيرهما، وقد جاء الشرع بمنع التعلق بشجرة تشبه شجرة للمشركين، ولو كان هذا التشبه بالاسم فقط، فضلًا عن التبرك بها، كما في حديث (ذات أنواط) 

الفصل الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في زيارتهم الشركية والبدعية للقبور.

فعرض الكاتب عقيدة القبورية في زيارتهم الشركية والبدعية للقبور منها:

*زيارة القبور لأجل حصول الفيوض من قبور الأكابر، وهذه دعوة المتفلسفة في الإسلام، أمثال الفارابي الملقب بالمعلم الثاني، وابن سينا الحنفي القرمطي.

*وزيارة القبور لأجل الدعاء والصلاة والقيام عندها، وطلب القربة إلى الله تعالى بواسطة أهلها، وأول 

الذين ارتكبوا هذه الزيارة ودعوا إليها هم إخوان الصفا، المتفلسفة الباطنية، وأخذها عنهم الرازي فيلسوف الأشعرية والتفتازاني فيلسوف الماتريدية، ثم تبعهم عامة القبورية. 

*زيارة القبور بالسفر إليها، وشد الرحال إليها، والحج إليها، فقد صنف ابن النعمان شيخ الرافضة، المعروف بابن المعلم، والملقب بالمفيد كتابا سماه: (مناسك حج المشاهد).

*زيارة القبور لأجل الاستغاثة بهم.

ثم نقل الكاتب جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية، في زيارتهم الشركية والبدعية للقبور، منهم: محمد البركوي وأحمد الرومي والشاه ولي الله الدهلوي والعلامتان: نعمان الآلوسي وشكري الآلوسي، حيث بينوا الفرق بين الزيارتين: السنية، والشركية البدعية؛ محققين أن طريقة حصول الفيوض من القبور وأهلها طريقة للوثنية الأولى، وأن هذه الزيارة أخذها منهم المتفلسفة في الإسلام، ثم عامة القبورية. 

فالزيارة الشرعية: التي أذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمقصود منها شيئان:

أحدهما: راجع إلى الزائر: وهو الاعتبار والاتعاظ.

والثاني: راجع إلى الميت: وهو أن يسلم عليه الزائر، ويدعو له.

وأما الزيارة البدعية: فزيارة القبور لأجل الصلاة عندها، والطواف بها، وتقبيلها، واستلامها، وتعفير الخدود عليها، وأخذ ترابها، ودعاء أصحابها، والاستعانة بهم، وسؤالهم، فليس شيء من ذلك مشروعًا باتفاق الأئمة، إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة والتابعين، وسائر أئمة الدين، بل أصل هذه الزيارة البدعية الشركية مأخوذة عن عباد الأوثان؛ لأن القبورية ناقضوا السنة والتوحيد في زيارتهم للقبور من وجوه:

الأول: صلاتهم عندها؛ فإنه عليه السلام نهى عن الصلاة إلى القبور. 

الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن اتخاذ المساجد عليها؛ وهم يخالفونه ويبنون عليها مساجد، ويسمونها مشاهد.

الثالث: أنه نهى عن إيقاد السرج عليها؛ وهم يخالفونه ويوقدون عليها القناديل والشموع؛ بل يوقفون لذلك أوقافًا.

الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم أمر بتسويتها؛ وهم يخالفونه، ويرفعونها من الأرض كالبيت.

الخامس: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذها عيدًا، وهم يخالفونه ويتخذونها عيدًا، ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد وأكثر.

السادس: أنه قد آل الأمر بهؤلاء الضالين المضلين إلى أن شرعوا للقبور حجًّا، ووضعوا لها مناسك، حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتابًا وسماه: (مناسك حج المشاهد)

ولا ريب أن في ذلك من المفاسد ما يعجز عن حصره:

فمنها: تعظيمها الموقع في الافتتان بها. 

ومنها: تفضيلها على أحب البقاع إلى الله تعالى، فإنهم يقصدونها مع التعظيم، والاحترام، والخشوع، ورقة القلب، وغير ذلك مما لا يفعلونه في المساجد. 

ومنها: الشرك الأكبر الذي يفعل عندها، والدخول في لعنة الله تعالى ورسوله باتخاذ المساجد عليها.

ومنها: المخالفة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومنها: إماتة السنن، وإحياء البدع.

الفصل الثالث: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في البناء على القبور:

عرض الكاتب عقيدة القبورية في البناء على القبور، حيث يعتقد القبورية جواز بناء المساجد والقباب على القبور؛ وألف أبو الفيض أحمد بن محمد الغماري الصوفي القبوري دعوة إلى الوثنية برسالة سماها: (إحياء المقبور * من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور)

ثم ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في البناء على القبور

فنقل استدلال علماء الحنفية بالأحاديث الصحيحة الصريحة المحذرة من البناء على القبور والموجبة لهدم ما بني عليها منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وحديث: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح، أو الرجل الصالح بنواعلى قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله) 

ثم ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية في بيان مفاسد البناء على القبور، ونصوصهم على وجوب المبادرة إلى هدمها فنقل عن: البركوي؛ وأحمد الرومي وولي الله الدهلوي ومحمد المظفري والعلامة الرباطي، 

والإمام ابن أبي العز رحمه الله، حيث ذكروا عدة أحاديث لتحقيق تحريم بناء القباب والمساجد على القبور، وأن ذلك موجب للعنة والطرد من رحمة الله تعالى، وأنه من أعمال الكفرة الأوائل اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين؛ وأن ذلك من أسباب الإشراك بالله عز وجل؛ وأنه تجب المبادرة والمسارعة لهدم ما بني على القبور.

ثم ذكر الكاتب بعض شبه القبورية في البناء على القبور وإبطال علماء الحنفية لهذه الشبهات:

الشبهة الأولى: القدح في أحاديث تحريم البناء على القبور، وأجابوا بأنها كلها صحيحة وثابتة.

الشبهة الثانية: أن القبورية زعموا أن النهي الوارد في تلك الأحاديث إنما هو عن بناء المساجد وإيقاد السرج على القبور أي فوق القبور، بدليل كلمة (على)؛ ولكن لو بني المسجد بجوار قبر فلا حرج في ذلك. 

قال الكاتب: ولقد أجاب عن هذه الشبهة بعض علماء الحنفية بأن كلمة (على) في الكتاب والسنة ولغة العرب تأتي لمعنى المجاورة أيضًا؛ فقد قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}

فليس معنى ذلك أن هذا المار مر فوق جدران هذه القرية. 

الشبهة الثالثة: استدلال القبورية بقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} 

قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة، بأن هذه الآية لا تدل على أن هذا من فعل المسلمين الموحدين أتباع سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام، بل الظاهر أن هؤلاء كانوا من المشركين فبنوا ذلك على عادتهم الوثنية؛ ولو سلم أن هذا من فعل المسلمين فلا نسلم أن ذلك من فعل أهل السنة أتباع الرسل صلى الله عليهم وسلم، ولو سلم أن هذا من فعل أهل أتباع الرسل صلى الله عليهم وسلم، فإن الشرائع السابقة غير حجة في شريعتنا هذه إلا إذا كانت شريعتنا مؤيدة لها مقررة لها؛ فإن شريعتنا جاءت بالإنكار على بناء المساجد والقباب على القبور، وتحريم ذلك ولعن فاعله.

الشبهة الخامسة: تشبث القبورية بالقبة التي بنيت على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما.

قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة من وجهين:

الوجه الأول: أن البناء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ليس من باب البناء على القبور؛ لأن أصل هذا البناء كان موجودًا قبل أن يقبر تحته النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان حجرة لعائشة رضي الله عنها؛ وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه؛ فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا ما نسيته، قال: ((ما قبض الله نبيًا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه))؛ ادفنوه في موضع فراشه" 

وأما دفن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فكان تبعًا لدفن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان؛ فلم يكن هذا البناء أيضًا على قبورهما على سبيل القصد والتعمد.

الوجه الثاني: أن القبة على ضريح النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن موجودة على عهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولا على عهد التابعين ولا على عهد أتباع التابعين، ولا على عهد أئمة السنة في خير القرون من قرون هذه الأمة.

ثم ذكر الكاتب: الخاتمة وفيها أمور ثلاثة:

- الأمر الأول: النتائج.

- الأمر الثاني: الاقتراحات.

- الأمر الثالث: الفهارس.

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية