جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (2 -3)

جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (2 -3)
السبت ٠١ أكتوبر ٢٠٢٢ - ١٤:٠٠ م
131

جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (2 -3)

الباب الثالث: في جهود علماء الحنفية في تعريف الشرك وأنواعه وتطوره، ومصدر عبادة القبور، ونشأة القبورية وانتشارهم، وتحقيق أن الشرك موجود في القبورية من هذه الأمة، وردهم على القبورية في ذلك كله.

قال الكاتب: انحرفت القبورية في مفهوم الشرك كما انحرفت في مفهوم التوحيد، فزعموا أن الشرك: عبارة عن أن يجعل العبد مع الله أحدًا - شريكًا - في الربوبية والخلق والتدبير والإيجاد، والإحياء والإماتة، وبذلك قد برروا ما يرتكبونه من الإشراك الأكبر الأعظم وعبادة القبور وأهلها بأنواع من العبادات، من النذور والاستغاثة، والدعاء.

ثم ذكر الكاتب: تعريف علماء الحنفية للشرك وأن له عدة تعريفات نقلها عن الإمام ابن أبي العز، والإمام ولي الله الدهلوي الإمام الشاه عبد القادر الدهلوي، والإمام محمد إسماعيل الدهلوي العلامة السهسواني، والشيخ أبو الحسن الندوي منها: 

أن الشرك: هو الاعتقاد في الصالحين أنهم شفعاء عند الله.

ومنها أن الشرك: هو دعاء غير الله في الأشياء التي تخص به سبحانه أو اعتقاد القدرة لغير الله فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه. 

ثم ذكر الكاتب: جهود علماء الحنفية في إبطال تعريف القبورية للشرك، وأنَّ جعل الأموات أسبابًا يُستغاث بها وتُدعى وتُرجى وتُعظَّم -على أنها وسائط - فهذا دين عبادة الأصنام، يُكفَّر فاعله بمجرد اعتقاده وفعله؛ وإن لم يعتقد الاستقلال، كما نص عليه القرآن في غير موضع.

 فالغلاة معارضون للقرآن متصادمون لنصوصه.

ثم ذكر الكاتب: أنواع الشرك عند علماء الحنفية منه: الشرك في العبادة، والشرك في الطاعة أي في التحليل والتحريم، والشرك في التسمية، والشرك في العلم بمعنى علم الغيب، والشرك القدرة بمعنى في التصرف، والشرك في الاستعانة، والشرك في النذور، والشرك في الحلف بغير الله.، والشرك في الحج لغير الله، والشرك بدعاء الأولياء والاستغاثة بهم، والشرك في الذبح للأولياء.

قال الكاتب: وبذلك يعلم أن القبورية أشركوا في عبادة الله تعالى، وأن القبورية، اهتموا بتعمير ما أمر الأنبياء بهدمه من الدير والمشاهد، وتحقيق: أن القبورية عبدة الأوثان.

ثم ذكر الكاتب: مصدر الشرك بعبادة القبور وتطوره، ونشأة القبورية، وانتشارهم في العالم، وأن المشركين لم يكونوا يعبدون الأحجار كما تزعم القبورية، بل كانوا يعبدون الصالحين، وأن عبادة القبور هي أصل شرك العالم، نشأت في قوم نوح، ثم تطورت وانتشرت فيمن بعدهم من الأقوام والأمم. 

قال الشيخ ابن آصف الفنجفيري الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن بعد سرد أقوال المفسرين:

(فاتفقت كلمتهم على أن المشركين [كانوا] يدعون العباد الصالحين ويتوسلون بهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ...، ويعطون النذور لهم باعتقاد أنهم يقربونا إلى الله زُلفى فكان شركهم العبادة للمقبورين والدعاء من الغائبين والأموات، وأن أصحاب القبور يسمعون الدعاء والنداء ويعلمون السر وأخفى ويتصرفون في الأمور كيف يشاءون).

ثم ذكر الكاتب أقوالًا في: تحقيق أن اليهود والنصارى كانوا قبورية أقحاحًا، وأن فلاسفة اليونان كانوا قبورية أجلادًا، وأن المتفلسفة في الإسلام أمثال الفارابي وابن سينا الحنفيّ القرمطيّ دعاة للقبورية الوثنية بتفلسفهم، وأن الرافضة من أبعد الناس عن العلم والدين؛ إذ عمَّروا المشاهد وعطَّلوا المساجد؛ وأن كثيرًا من المتكلمين من الماتريدية والأشعرية وغيرهم  قبورية؛ لتأثرهم بالفلاسفة والمناطقة والصوفية، وجعلهم حقيقة توحيد الألوهية عين توحيد الربوبية، ولأن كثيرًا بل أكثر مَن ينتمون إلى المذاهب الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة قبورية، وأن أكثر القبورية في المنتسبين إلى المذاهب الأربعة - هم الحنفية لكثرتهم ونفوذ سلطانهم ودولهم في شرق الأرض وغربها، ثم في الشافعية، ثم في المالكية، ونزر قليل من الحنابلة؛ لكون عامة الحنابلة من أهل الحديث والأثر والسنة المحضة، ولكونهم أقل عددًا من بقية أهل المذاهب.

ثم نقل الكاتب نصوص علماء الحنفية التي تكذِّب القبورية، وتثبت وجود الشرك فيهم بأوسع ما يكون، فنقل عن الإمام قاسم بن قطلوبغا، وابن نجيم الملقب بأبي حنيفة الثاني، وخير الدين الرملي، وسراج الدين عمر بن نجيم، وعلاء الدين الحصكفي، وابن عابدين الشامي، والعلامتان: شكري الآلوسي والخجندي.

ثم نقل الكاتب فضائح من أقوال وأفعال القبورية عند القبور والأولياء مما لا يشك فيه شاكٌّ أنه كُفر، قال ابن عابدين: (ولا سيما في مولد السيد أحمد البدوي).

ثم ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية في المقارنة بين القبورية وبين الوثنية الأولى، وتحقيق أن القبورية أشد شركًا من مشركي العرب في باب الاستغاثة بالأموات عند إلمام الملمات.

ثم ذكر الكاتب شبهة القبورية التي تشبثوا بها في زعمهم أن الشرك لم يقع في هذه الأمة، وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم» . 

ثم ذكر الكاتب أجوبة علماء الحنفية عنها: منها أن المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: (المصلون) في هذا الحديث: هم المؤمنون الكاملون العارفون للتوحيد والشرك، وليس المراد من يصلي فقط وينتمي إلى الإسلام مع ارتكابه الشرك والكفر. إلى غير ذلك من الشبهات والردود عليها، وشبهة أن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب كفروا المسلمين، وحاربوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم.

 فرد الكاتب علي هذه الشبهة من كلام أئمة الأحناف ودفاعهم عن ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب أنهم حكموا على أفعال القبورية بالشرك ولم يكفرهم لأجل عدم إتمام الحجة. 

وأن أئمة السنة ليسوا متهورين في التكفير، وأن القبورية كاذبون في هذه الشبهة.

 ونقل الكاتب عن أبي غدة الكوثري- أحد كبار الكوثرية وأحد الموالين للقبورية- قوله: "بل إن علماء الحنفية قد صرحوا بأن القبورية يستحقون وصف الخوارج، فإنهم هم أشد الناس تكفيرًا، بل هم أشنع تكفيرًا من الخوارج"

ثم ذكر الكاتب شبهة القبورية  أن تعظيم الأنبياء ومحبة الأولياء ليس من باب الإشراك بالله ولا من قبيل عبادة غير الله، بل ذلك من تعظيم أولياء الله، ومحبة أحباب الله.

قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن هذه الشبهة بتحقيقات طويلة جعلوها كأمس الدابر.

وحاصلها: أن تعظيم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومحبة الأولياء والصالحين، أمر مطلوب وهو من الإيمان، ومن أعظم الأمور في الإسلام، ومن أجل العبادة لله تعالى، ولكن إذا كان في حدود الشريعة الغراء؛ بحيث لا يكون ذلك غلوًّا ولا مفضيًا إلى الغلو، ولا يكون ذريعة إلى الإشراك بالله تعالى، ولا وسيلة إلى عبادة غير الله تعالى، وألا يسمى الشرك الصريح، ولا عبادة الأموات باسم التعظيم والمحبة، ولا يعبد غير الله تحت ستار التعظيم والمحبة، وأما تعظيم الأنبياء والأولياء إذا كان بالغلو فيهم وإطرائهم ورفعهم عن منزلتهم، ويتذرع به إلى الاستغاثة بهم والنذور لهم واعتقاد التصرف وعلم الغيب فيهم، ونحوها من الكفر والشرك فهو ليس بتعظيم، بل هو في الحقيقة تحقير لشأنهم، واستخفاف بهم، بل هو استخفاف بالله تعالى. 

الباب الرابع: في جهود علماء الحنفية في التحذير من الشرك، وحماية حمى التوحيد، وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك، وردِّهم على القبورية في ذلك كله.

نقل الكاتب قول الإمام ابن أبي العز والعلامة القاري: أن غالب سور القرآن الكريم متضمنة لنوعَي التوحيد [توحيد الربوبية وغيرها من الصفات، وتوحيد الألوهية].

ثم ذكر الكاتب: ثماني آيات من الذكر الحكيم مع بعض أقوال مفسري الحنفية في تفسيرها في بيان شناعة الشرك وعواقبه الوخيمة؛ منها: قول الله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}

ثم ذكر الكاتب بعض الأحاديث التي تحذر من الشرك مع أقوال علماء الحنفية في شرحها.

ثم ذكر الكاتب بعض نصوص علماء الحنفية في التحذير من الشرك وعواقبه الوخيمة.

ثم ذكر الكاتب عدة قواعد وضوابط فقهية لعلماء الحنفية يستفاد منها في حماية حمى التوحيد وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك منها:

"درء المفاسد أولى من جلب المنافع"  "دفع المضرة أولى من جلب المنفعة" 

ومضمونها: أن زيارة القبور على الطريقة القبورية وتوسُّلهم المتضمن للاستغاثة بالذوات والاستعانة منهم ونحو ذلك؛ كل ذلك يجب اجتنابها لما في ذلك من المفاسد ما لا يخفى.

ومن القواعد: "اختيار أهون البليتين".

ويتفرع من هذه القاعدة ثماني قواعد ومضمونها: أننا فرضنا أن هدم القباب والمساجد التي بنيت على القبور ونحوها فيه شيء من الشر، فبقاؤها على حالها وانتياب الناس إليها أفواجًا، بقصد الاستغاثة بأصحابها ونحوها، من المفاسد العظمى التي هي إما شِرك صراح، أو موصلة إلى الشرك الصريح، 

وضرر أشد ومفسدة أعظم فلا بد من هدمها وإزالتها وتسوية تلك القبور.

ومن القواعد: "يتحتم ترك الحلال خشية الوقوع في الحرام".

ومضمونها: إذا تردد الأمر بين كونه سنة وبين كونه بدعة فتركه محتم.

ومن القواعد: "عدم النقل يدل على العدم كما يدل على الكراهة والبدعة"

وهذه القاعدة من أهم القواعد التي ذكرها علماء الحنفية للتمييز بين الأمور البدعيَّة والسُّنيَّة؛ 

ثم ذكر الكاتب: ذرائع الشرك التي صرح علماء الحنفية بوجوب سدها لئلا يتذرع بها إلى الشرك وحماية لحمى التوحيد منها: الغلو في الصالحين، والتوجه إلى غير الكعبة بقصد القربة، وزيارة القبور على غير السنة، والعكوف على القبور، واتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السُّرج على القبور.

 فذكر الكاتب ثلاثين ذريعة، ونقل من القرآن والسنة وأقوال علماء الأحناف بطلان هذه الذرائع. 

الباب الخامس: في بيان غلو القبورية في الصالحين بل في الطالحين من اعتقاد علم الغيب لهم والتصرف في الكون لهم ووصفهم بصفات رب العالمين.

قال الكاتب: ولما كان أصل سبب ضلال هؤلاء القبورية خاصة والوثنية عامة هو الغلو في الصالحين،

أردت أن أسوق في القسم الأول من هذا الباب عدة أمثلة من غلو القبورية في الصالحين، واعتقادهم فيهم علم الغيب، والتصرف في الكون فمن ذلك: 

أولًا: في بيان غلو القبورية في رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فوصفوه بأنه علم الغيب، وعالم بجميع ما كان وما يكون أزلًا وأبدًا، وأنه يعلم جميع ما في اللوح المحفوظ؛ وأول من أشاع ذلك هو البوصيري، وتبعه الكوثري وغيره كثير ممن لا يُحصى.

ووصفوه بأنه صلى الله عليه وسلم عليمٌ بأحوالهم ونياتهم، وعزائمهم، وخواطرهم، وذلك عنده جليّ، لا خفاء فيه، وأشاع ذلك ابن الحاج وتبعه الزرقاني والنبهاني وكثير ممَّن لا يُحصى.

ووصفوه بأنه صلى الله عليه وسلم يتصرف في الكون، وأن مفاتيح الكون كلها في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقدم من قال بهذه الخرافات القسطلاني ثم الزرقاني. 

ووصفوه بأنه صلى الله عليه وسلم يسمع نداء المستغيثين، 

ووصفوه بأنه صلى الله عليه وسلم بأنه يصلي في قبره بأذان وإقامة، فهو كمن انعزل عن الناس واعتكف أربعين يومًا؛ بل قالوا: إن الأولياء لا يموتون، فما ظنك بالأنبياء عليهم السلام. 

ووصفوه بأنه صلى الله عليه وسلم نورًا لا بشرًا وجعلهم إياه شفافًا لا ظلَّ له، وألَّفوا في ذلك عدة كتب، منها "صلاة الصفا في نور المصطفى" و"قمر التمام في نفي الظل عن سيد الأنام"

ثانيًا: في بيان غلو القبورية في بعض الأولياء خاصة.

قال الكاتب: لقد غالت القبورية في كثير من الصالحين إلى أن جعلوهم آلهة يعبدونهم من دون الله، بل وفي كثير من الطالحين، بل جعلوهم أربابًا لهذا الكون متصرفين فيه كيف يشاءون واعتقدوا فيهم علم الغيب مطلقًا، فوصفوهم بصفات الله تعالى، تحت ستار الولاية والكرامة، هؤلاء الأربعة هم: 

-الأول: الشيخ عبد القادر الجيلاني (561هـ) إمام القادرية.

- الثاني: أحمد الرفاعي (578هـ) إمام الرفاعية.

- الثالث: أحمد البدوي (675هـ) إمام البدوية.

- الرابع: الشاه نقشبند الحنفي إمام النقشبندية (791هـ)

ثم نقل الكاتب بعض الأمثلة، مما يقال في وصف هؤلاء، وفيه شرك صريح، فيقال عن الجيلاني أنه: 

" الغوث الأعظم "" غوث الأقطاب " وأن الجيلاني قد غيَّر القدر لرجل في اللوح المحفوظ.....،

وقالوا في الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية: كان يفقر ويغني، ويُسعد ويُشقي، ويُميت ويُحيي، والسموات السبع في رجله كالخلخال......،

قال الكاتب: وللعلامة محمود شكري الآلوسي كلامٌ مهم في إبطال هذه الأسطورة الرفاعية، وتحقيق أنها أكذوبة قبورية وثنية.

قال الكاتب: أما بالنسبة للبدوي، وأود أن أكتفي ببعض ما سجله الشعراني ذلكم الملحد الزنديق الوثني حول البدوي وتصرفه في الكون؛ ونقل عجائب وفضائح لا يقبلها مجنون فضلاً عن عاقل عالم بالشرع.

قال الكاتب: أما بالنسبة الشاه نقشبند إمام النقشبندية: أقل ما قالوا فيه: إنه " الغوث الأعظم " و" غوث الخليقة " و"غوث الورى السبحاني "و"كان يحيي ويميت" إلى غير ذلك من الشرك.

ثالثاً: في بيان غلوهم في الأولياء عامة.

قال الكاتب: لقد غالت القبورية في الصالحين عامة فاعتقدوا فيهم الألوهية، وعبدوهم من دون الله، وجعلوا قبورهم أوثانًا تعبد، وقال القبورية: إن الأولياء يرون اللوح المحفوظ، وهم أحياء في قبورهم حياة أبدية وعلمهم وإدراكهم أقوى، وسمعهم وبصرهم أقوى مما كان في حياتهم في الدنيا.

ثم نقل الكاتب كثير من اعتقاد الطائفة الديوبندية وأقوال أئمتهم من القبورية في الأولياء، مما فيه شرك صريح. 

القسم الثاني: في جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في الصالحين:

أولاً: جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في الصالحين إجمالًا:

فنقل الكاتب استدلال أئمة الأحناف منهم: الإمام أبو الليث السمرقندي والنسفي والألوسي بعدة آيات من آي الذكر الحكيم منها: قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ}، قالوا: إن الله تعالى بيَّن أن النصارى قد ضلوا بسبب أنهم قد غلوا في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام.

ثم نقل الكاتب استدلال علماء الحنفية بالسنة على إبطال الغلو في الصالحين منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله».

نقل الكاتب نصوص علماء الحنفية كالإمام محمود الآلوسي وابنه نعمان الآلوسي وحفيده شكري الآلوسي والشيخ غلام الله الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن، والعلامة الرباطي، والعلامة الرستمي،

حيث قالوا: أن الغلو من أعظم أسباب وقوع القبورية في أنواع من الشرك.

ثانياً: في جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية في حياة الأموات وسماعهم نداء المستغيثين بهم عند الكربات:

قال الكاتب: وحاصلها: أن الحياة البرزخية ثابتة لجميع الموتى، ولكن تلك الحياة تختلف عن الحياة الدنيوية لا تقاس عليها، فإن الحياة البرزخية لا تُحَسّ ولا تدرك بمشاعر الأحياء، فلم يثبت أن الميت يتصرف في الأمور كما يتصرف الحي فيما تحت الأسباب، فأصحاب القبور الذين هم بين سعيد شَغَلَه نعيمه وتقلبه في الجنان عن الالتفات إلى ما في هذا العالم، وبين شَقيّ ألهاه عذابه وحبسه في النيران عن إجابة مناديه، وقد يتمثل الشيطان للمستغيث في صورة الذي استغاث به، فيظن: أن ذلك كرامة لمن استغاث به، هيهات ... هيهات..

ثم ذكر الكاتب نصين مهمين لعلماء الحنفية: 

الأول: (إن من ظنَّ: أن الميت يتصرف في الأمور دون الله، واعتقاده ذلك كفر).

والثاني: (من قال: أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر).

ونقل أدلتهم منها قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} 

قال الشيخ الجنجوهي والإمام ابن الهمام من فقهاء الحنفية: (استدل المنكرون [لسماع الموتى] ومنهم عائشة، وابن عباس، ومنهم الإمام [أبو حنيفة] بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، فإنه لما شبه الكفار بالأموات في عدم السماع علم: أن الأموات لا يسمعون، وإلا لم يصح التشبيه ...).

ونقل الكاتب قول غلام الله الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن في تفسير هذه الآية:

(إن هذا النبي عزيرًا عليه السلام قد أماته الله تعالى؛ ليشاهد كيفية إحياء الموتى، ثم مرّ عليه مئة عام وهو مُلقًى على ظهر الأرض غير مقبور، فلما أحياه الله وسأله: كم لبثت؟ - أجاب بالظن والتخمين- فقال: لبثتُ يومًا، أو بعض يوم، ولم يعلم أنه مرّ عليه مئة عام؛ فعلم من هذا: أن هذا النبي الجليل القدر عليه السلام لم يشعر باختلاف الليل والنهار، ...).

ونقل الكاتب استدلال علماء الحنفية بقصة أصحاب الكهف على إبطال عقيدة القبورية في سماع الموتى:

فقد قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} مع أن النائم إذا سمع الصوت ينتبه.

ثم ذكر الكاتب عدة شبهات للقبورية، استدلوا بها علي حياة النبي صلي الله عليه وسلم، وكذلك الأولياء وشبهات أنهم يسمعون في قبورهم ورد عليها، بالتفصيل من خلال أقوال علماء الأحناف. 

من هذه الشبهات: استدلوا بقوله تعالى: {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا}، فلا تجوز مناكحة أزواجه صلى الله عليه وسلم، لأن الحي لا يجوز نكاح زوجته.

ثم نقل الكاتب رد عليهم أئمة الأحناف بقولهم: فلا تجوز مناكحة أزواجه صلى الله عليه وسلم، لأجل أنه صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب لأمته، وأن أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}، وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم)

ثم ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية في إبطال غلو القبورية بجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم نورًا لا بشرًا، فقال أئمة الأحناف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نور أيضًا بمعنى الهادي، ولا منافاة بين كونه صلى الله عليه وسلم نورًا بمعنى هاديًا، وبين كونه بشرًا؛ وقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} لكن المشركين السابقين وهؤلاء القبورية يرون المنافاة بين البشرية والرسالة.

الباب السادس: في جهود علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب والتصرف في الكون للصالحين:

أولاً: ذكر الكاتب استدلال علماء الحنفية ببعض الآيات الكريمة وبعض الأحاديث الصحيحة، على إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله، منها: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وقوله تعالى: {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلهِ} وقوله سبحانه آمرًا أفضل أنبيائه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم ولعل بعضكم أبلغ من بعض، فأحسبه أنه صدق فأقضي له بذلك....»

 وحديث: «أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي؛ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟» ولقد صرح علماء الحنفية بأن هذا الحديث متواتر، وأنه روي عن أكثرَ من ثلاثين صحابيًّا رضي الله عنهم.

ثم ذكر الكاتب نصوص علماء الحنفية في إبطال عقيدة القبورية في علم الغيب لغير الله وتصريحهم بأن هذه العقيدة شرك وكفر، منهم: الإمام أبوحنيفة، الإمام محمد بن الحسن الشيباني، والإمام الطحاوي، والإمام البدر العينتابي، وابن الهمام، والعلامة الخجندي، والعلامة شكري الآلوسي، والإمام إسماعيل المجاهد الدهلوي، والشيخ أبو الحسن الندوي، وغلام الله الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن، وابن آصف الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن، والعلامة الرستمي الملقب عند الحنفية المعاصرة بشيخ القرآن وشيخ الحديث.

ثانياً: ذكر الكاتب جهود علماء الحنفية لإبطال عقيدة القبورية في التصرف في الكون لغير الله سبحانه.

فذكر الكاتب بعض الآيات الكريمة والأحاديث، التي استدل بها علماء الحنفية على إبطال عقيدة القبورية هذه، منها: قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلهِ} وقوله سبحانه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} وقوله صلى الله عليه وسلم «واعلم أن الأمة إذا اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفَّت الصحف» وقوله صلى الله عليه وسلم "ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، سليني ما شئت من مالي! لا أغني عنك من الله شيئًا "

ثم ذكر الكاتب نصوص وفتوى جماعة من فقهاء الحنفية وكبارهم في تصرف الأرواح وتشكلهم وإتيانهم وحضورهم: قالوا: (من قال أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر) 

ثالثاً: جهود علماء الحنفية في إبطال شبهات القبورية التي تثبتوا بها لدعم عقيدتهم في علم الغيب

والتصرف في الكون لغير الله تعالى.

قال الكاتب: للقبورية شبهات كثيرة، في زعمهم علم الغيب والتصرف في الكون لغير الله.

الشبهة الأولى: شبهة الاستقلال والعطاء، فزعمت القبورية: أن الشرك هو اعتقاد أن غير الله تعالى يعلم الغيب علما ذاتيًّا استقلاليًّا، وأما إذا اعتقد الإنسان أن الأنبياء، والأولياء يعلمون الغيب بإعطاء الله تعالى لا بالاستقلال فهذا لا يدخل في باب الشرك.

فنقل الكاتب نص علماء الحنفية في تفسير قوله تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} حيث قالوا: فهذا دليل قاطع على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعطَ علم الغيب كله،

فلم يعلم الغيب كله إلا الله تعالى.

الشبهة الثانية: شبهة الكرامة: وقصدهم بذلك أن الأولياء لهم قدرة على التصرف في الكون، وأن ذلك منهم كرامة، الكرامة لا تنقطع بعد الموت.

قال الكاتب: لقد أجاب علماء الحنفية عن شبهة الكرامات، بعدة أجوبة منها:

 أنه لا ملازمة بين الكرامات وبين الاستغاثة بأصحابها؛ لأن الكرامة لا تقتضي جواز الاستغاثة بصاحبها ولا تبيحها، بل هذا فعل أهل الأوثان؛ كما أخبر الرحمن عنهم بقوله: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}

وقوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} وقال تعالى فيمن عبدوا المسيح: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، بالرغم أن عيسى ابن مريم جاء بأعجب المعجزات والكرامات: يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.

وقال الكاتب: إن علماء الحنفية قد صرحوا بأن الكرامة بمعنى صدور أمر خارق للعادة تسلب بعد موت الولي؛ لأن الحكمة في الكرامة هو التثبت على الحق واليقين والاجتهاد في العبادة والاحتراز عن السيئات، وعين اليقين يحصل بعد الموت، وما بعد الموت ليس وقت التكليف.

ونقل الكاتب أقوال كثيرة لأئمة علماء الأحناف ملخصها: وكثير من هذه الخوارق يحصل لكثير من الشيوخ الذين لا يعلمون الكتاب والسنة ولا يعملون بهما، فإن الشيطان كثيرًا ما يلعب بالناس ويريهم الأشياء الباطلة في صورة الحق، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} و{سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ}.

وذكر الكاتب غير ذلك من شبهات القبورية، ورد أئمة علماء الأحناف عليهم.

يتبع إن شاء الله.

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية