قراءة في كتاب: حكم شهادة النساء في العقوبات في الشريعة الإسلامية.

قراءة في كتاب: حكم شهادة النساء في العقوبات في الشريعة الإسلامية.
السبت ١٨ يونيو ٢٠٢٢ - ٠٩:٠٠ ص
390

قراءة في كتاب: حكم شهادة النساء في العقوبات في الشريعة الإسلامية.

كتبه/ محمود الشرقاوي.

المؤلف: أ. د/ محمد حسن أبو يحيى، الأستاذ في قسم الفقه وأصوله كلية الشريعة - الجامعة الأردنية.

تمهيد الكتاب: الأصل التساوي بين المرأة المسلمة الحرة البالغة العدل والرجل المسلم العدل البالغ الحر في الحقوق والواجبات، لكن مسألة الإشهاد على العقوبات والتعزير، سوف نجد من خلال المناقشة والترجيح أن الشريعة الإسلامية لم تساو بينهما، مما يجعل القول بالتسوية بين الرجال والنساء مطلقًا سفهًا، لا يقبله نقل صحيح ولا عقل صريح.

عرض الكتاب:

المقدمة: نظمت الشريعة الإسلامية حقوق كثيرة للفرد والمجتمع لاستدامة حياة الإنسان على الأرض، وهذه الحقوق منها عقوبات لحماية الفرد والمجتمع، وجعل الشرع بينات لإثبات هذه الحقوق منها الشهادة، وعند جمهور العلماء لا تقبل شهادة النساء في ذلك لأسباب، منها: 

1- لا يليق في حد مثل حد الزنى أن تحكى المرأة ما رأته أمام الرجال في القضاء أو في حد القذف كيف تحكي ما سمعته. 

2-منع اختلاط الرجال بالنساء في المحاكم. 

3-بعض هذه الجرائم والحدود لا يحضرها النساء ويطلع عليها الرجال غالبًا. 

شبهة وجوابها: عدم شهادة النساء في العقوبات والحدود ليس فيه إهانة للمرأة، لأن المرأة تقبل شهادتها فيما تطلع عليه دون الرجال كالولادة والبكارة وعيوب النساء، ويوجد بعض الأمور ساوت فيها الرجل، ومنع الشرع هذه المساواة في بعض الأمور، وليس هذا إهانة لها بل هذا يسمي مانع شرعي، ويوجد ما يسمي بالمانع الطبيعي، كالعمل من أجل الإنفاق فعلى الرجل وليس على المرأة.

 * للمؤلف له بحث آخر مستقل في حكم شهادة النساء فيما يطلعن عليه ولا يطلع عليه الرجال كالولادة والرضاع. 

*ذكر معنى الشهادة لغة وشرعا، وكذلك معنى العقوبات لغة وشرعا. 

*وذكر أن العقوبات في الشريعة الإسلامية تشمل الحدود والجنايات والتعزيرات. 

 *وذكر معنى الحد: وهو عقوبة مقدرة شرعا وجبت حقا لله تعالى. 

والقصاص: عقوبة مقدرة شرعا وجبت للفرد. 

والتعزير: تأديب على ذنوب لم يشرع فيها حد ولا كفارة غالبًا، وهي حق لله تعالى أو للأدمي. 

أولاً: حكم شهادة النساء فيما يوجب حدًا أو قصاصًا:

-لا خلاف بين فقهاء المسلمين على أن شهادة الكافر أو الكافرة لا تجوز على المسلم أو المسلمة فيما يوجب حداً أو قصاصاً وكذا بقية الحدود الأخرى، وذكر أدلة ذلك منها قوله تعالى ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، وقوله تعالى ﴿مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾، والكافر ليس بعدل ولا مُرضٍ.

-لا خلاف بين فقهاء المسلمين على أن شهادة المسلم على الكافر أو الكافرة جائزة فيما يوجب حداً أو قصاصاً أو غيرها من الحقوق الاخرى.

*أما حكم شهادة النساء المسلمات فيما يوجب حداً أو قصاصاً فعلى قولين: 

القول الأول: شهادة النساء منفردات أو مع الرجال لا تقبل فيما يوجب حداً أو قصاصاً على النفس أو فيما دون النفس، وهو قول جمهور فقهاء الحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنابلة.

 وأدلة الجمهور ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ﴾ وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوَهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ فقد اشترطت الآيات أربعة رجال مسلمين لإثبات الزنا، وتقاس الحدود والقصاص على الطلاق والرجعة مما لا يطلع عليه إلا الرجال غالبا مما لا مدخل لشهادة النساء فيه. 

واستدل بحديث سعد بن عبادة بقوله للرسول صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وجت مع امرأتي رجلاً، أمهله حتى أتى بأربعة شهداء رجال؟ فقال: نعم ". 

ففيه اشتراط أربعة شهداء رجال لإثبات جريمة الزنا، وهذا يدل على عدم قبول قول النساء في ذلك. 

ثم استدل المؤلف بعدة أحاديث تدل بمنطوقها على ذلك، وذكر أدلة عقلية تؤيد ما ذكر، وأنه لا مدخل لشهادة النساء في الحدود والقصاص. 

القول الثاني: تقبل شهادة النساء فيما يوجب حداً أو قصاصاً سواءً أكن منفردات أو معهن رجال، وهو قول عطاء وحماد وابن حزم، وقول سفيان في القصاص دون الحدود، وأحد الأقوال عند مالك، فيما يوجب قصاصاً في جرح النفس عمداً.

وبناء على ما ذكر عند هذا الفريق، فإن العدد المطلوب من النساء في الشهادة يختلف باختلاف ما تشهد عليه منفردات أو مع رجال، ففي حد الزنا تقبل شهادة أربع رجال عدول أو ما يقوم مقامهم من النساء، أي ثمان نسوة مسلمات عدول، أو شهادة رجلين وأربعة نسوة مسلمات، وفى القصاص شهادة رجلين أو أربعة نسوة أو رجل وامرأتين.

ودليل هذا الفريق: القياس على شهادة النساء في الأموال كقوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من حضرموت " ألك بينة " والشهود من البينة، ولقول عمر "شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل" وقضى النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة رجل ويمين المدعى، وعند ابن حزم تقبل شهادة امرأتين ويمين المدعى في القصاص والطلاق.

*وناقش المؤلف القولين ورجح بينهما فقال: 

إن أدلة الجمهور آيات من القرآن، ودليلان من السنة، وخمس آثار، وأدلة عقلية، فأدلة السنة صحيحة والآثار وإن كان بعضها ضعيفاً فإن بعضها يقوى بعضاً.

أما أدلة القول الآخر فلا تصلح أن تكون دليلاً على قبول شهادة النساء في الحدود والقصاص لأن الآية في حد الزنى اشترطت أربعة رجال ولم تنص على ما يقوم مقامهما من النساء، كذلك ما ذكر في الإشهاد على الطلاق والرجعة فالآيات اشترطت الذكورية فقط، والقول بشهادة النساء فيه مناف لذلك. 

وأما ما استدلوا به بأن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فهذا في المعاملات المالية ولا نزاع في هذا، وقياس الحدود والقصاص على الأموال قياس مع الفارق، والحدود والقصاص قد ضيق الشارع في طرق إثباتها لأنها تدرأ بالشبهات، وإن كان شهادة النساء لا تقبل مع الرجال في الحدود فمن باب أولى لا تقبل منفردات ولا مع يمين المدعى. وبين أن القول بالجواز لم يقدر طبيعة المرأة من نقص العقل وغلبة العاطفة وأنه يؤدي الى امتهان المرأة في الشهادة على الزنى وذكر ألفاظ القذف في مجلس القضاء. 

* وأدلة المالكية في قبول شهادة النساء فيما يوجب القصاص في الجرح عمداً تفتقر إلى دليل وما يفتقر إلى دليل لا يجوز العمل بمقتضاه، ولأن العمل به يؤدي الى ترك العمل بقول عليه أدلة. 

ثانيا: حكم شهادة النساء في التعزير:

هناك فرق بين التعزير البدني كالضرب والحبس، والتعزير المالي كالغرامة. 

أما حكم شهادة النساء في جرائم التعزير البدني كالضرب والحبس على ثلاث أقوال: 

القول الأول: لا تقبل شهادة النساء منفردات ولا يقبل أقل من قول رجل مسلم عدل وامرأتين مسلمتين عدلين، وهو قول الحنفية في أظهر الاقوال. 

القول الثاني: تقبل شهادة النساء المنفردات في ذلك أو مع يمين المدعى، وهو قول ابن حزم وقول المالكية استحساناً. 

القول الثالث: لا تقبل شهادة النساء منفردات ولا مع رجل في جرائم التعزير البدني، ولا يقبل في ذلك أقل من شهادة رجلين عدول من المسلمين، كما هو الحال في القصاص وهذا قول الشافعية والحنابلة ورواية عن أبي حنيفة، ووجه هذا القول أن العقوبة البدنية خطيرة فيحطاط لها بقدر الإمكان، ورجح المؤلف القول الثالث. 

ثالثا: حكم شهادة النساء مع الرجال في جرائم التعزير المالي.

*اختلف الفقهاء في جرائم التعزير المالي مثل جرائم الجنايات الموجبة للمال كقتل الخطأ وشبه العمد والعمد فيما لا يكافئه، كذلك الجائفة والمأمومة وما دون الموضحة، على قولين: 

القول الأول: تقبل شهادة رجل وامرأتين مسلمين عدول في ذلك، وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية وأكثر الحنابلة، لأن الأموال تثبت بشهادة رجلين ورجلين وامرأتين. 

القول الثاني: لا يقبل شهادة النساء في ذلك، والجرائم التي وجب فيها المال لا يقبل فيها إلا شهادة رجلين مسلمين عدلين وهو قول أبي بكر من الحنابلة. 

ورجح المؤلف القول الأول. 

رابعا: حكم شهادة النساء منفردات في جرائم التعزير المالي:

اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: 

القول الأول: لا يقبل شهادة النساء منفردات، وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة، لأن الشهادة في الأموال لا يقبل إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين مسلمين عدول. 

القول الثاني: تقبل شهادة النساء منفردات أو شهادة امرأتين ويمين المدعى وهو قول المالكية والظاهرية، ودليلهم أن هذه شهادة على مال يصح فيها شهادة رجل ويمين المدعى، وتحل امرأتان محل رجل في الشهادة على المال. ورجح المؤلف القول الثاني. 

ثم ذكر المؤلف خاتمة هذا البحث.

والحمد لله رب العالمين.

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية